الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومعدن الغرائب؛ كان أهلها أهل ملك عظيم، وعز قديم؛ وإقليمها أحسن الأقاليم منظرا، وأوسعها خيرا؛ وفيها من الكنوز العظيمة، ما لا يدخله الإحصاء، حتّى يقال إنه ما فيها موضع إلا وفيه كنز.
قلت: أما ما ذكره أحمد بن يعقوب الكاتب «1» في كتابه في «المسالك والممالك» «2» من ذمّه مصر بقوله: هي بين بحر رطب عفن كثير البخارات الرديئة، يولد الأدواء ويفسد الغذاء، وبين جبل وبرّ يابس صلد، لشدّة يبسه لا تنبت فيه خضراء، ولا تتفجر فيه عين ماء؛ فكلام متعصّب خرق الإجماع، وأتى من سخيف القول بما تنفر عنه القلوب وتمجّه الأسماع؛ وكفى به نقيصة أن ذمّ النيل الذي شهد العقل والنقل بتفضيله، وغضّ من المقطّم الذي وردت الآثار بتشريفه.
المقصد الثاني في ذكر خواصها وعجائبها، وما بها من الآثار القديمة
أما خواصّها، فمن أعظمها خطرا معدن الزّمرّد «3» الذي لا نظير له في سائر أقطار الأرض، وهو في مغارة في جبل على ثمانية أيام من مدينة قوص، يوجد عروقا خضرا في تطابيق حجر أبيض، وأفضله الذّبابيّ وهو أقل من القليل، بل لا يكاد يوجد.
ولم يزل هذا المعدن يستخرج منه الزّمرّد إلى أثناء الدولة الناصرية
«محمد بن قلاوون» فأهمل أمره وترك.
قال في «مسالك الأبصار» «1» : وجميع ملوك الأرض وأهل الآفاق تستمدّ منه. وقد مرّ القول عليه في جملة الأحجار الملوكية في أواخر المقالة الأولى.
وأعظم خطرا منه وأرفع شأنا البلسان الذي تسميه العامّة البلسم «2» ، وهو نبات يزرع ببقعة مخصوصة بأرض المطريّة من ضواحي القاهرة على القرب من عين شمس، ويسقى من بئر مخصوصة هناك، يقال إن المسيح عليه السلام اغتسل بها حين قدمت به أمّه إلى مصر، والنصارى تزعم أنه حفرها بعقبه وهو طفل حين وضعته أمّه هناك.
ومن خاصتها أن البلسان لا يعيش إلا بمائها ولا يوجد في بقعة من بقاع الأرض غير هذه البقعة.
قال ابن الأثير في «عجائب المخلوقات» : وطول هذه الأرض ميل في ميل، وشأنه أنه يفصد «3» في شهر كيهك «4» من شهور القبط، ويجمع ما يسيل من دهنه ويصفى ويطبخ ويحمل إلى خزانة السلطان، ثم ينقل منه قدر معلوم إلى قلاع
الشام والبيمارستان «1» ليستعمل في بعض الأدوية؛ وملوك النصارى من الحبشة والروم والفرنج يستهدونه من صاحب مصر ويهادونه بسببه، لما يعتقدونه فيه من أثر المسيح عليه السلام في البئر، وله عليهم بذلك اليد الطّولى والمنّة العظمى، لا يساويه عندهم ذهب ولا جوهر.
قال في «مسالك الأبصار» : والنصارى كافّة تعتقد فيه ما تعتقد، وترى أنه لا يتم تنصّر نصرانيّ حتّى يوضع شيء من هذا الدهن في ماء المعمودية عند تغطيسه فيها.
وبها معدن النّطرون «2» ، وهو منها في مكانين:
أحدهما- بركة النّطرون «3» التي بالجبل الغربي غربيّ عمل البحيرة «4» الآتي ذكره في جملة أعمالها المستقرّة، وهي من أعظم المعادن وأكثرها متحصّلا على حقارة النطرون وقلة ثمنه.
قال في «التعريف» «5» : لا يعرف في الدنيا بركة صغيرة يستغلّ منها نظيرها، فإنها نحو مائة فدّان تغل نحو مائة ألف دينار.
والثاني- مكان بالخطّارة من الشرقية، ولا يبلغ في الجودة مبلغ البركة الأولى، ولا يبلغ في المتحصّل قريبا من ذلك.
وبها أيضا معدن الشّبّ «1» على القرب من أسوان، وهو من المعادن الكثيرة المتحصّل أيضا إلى غير ذلك من الخواصّ.
وبها معدن النّفط على ساحل بحر القلزم، يسيل دهنه من أعلى جبل قليلا قليلا وينزل إلى أسفله فيتحصل في دبار قد وضعها له الأوّلون، وتأتي العرب فتحمله إلى خزائن السلاح السلطانية.
وأما عجائبها فكثيرة:
(منها) جبل الطير «2» شرقيّ النيل، مقابل منية أبي خصيب، فيه صدع يأتي إليه جنس البواقير من الطير، وهو المعروف بالبحّ في يوم من السنة فيضعون مناقيرهم في ذلك الصدع واحدا بعد واحد حتى يتعلق منها واحد في ذلك الصدع فيتركونه ويذهبون «3» .
قال ابن الأثير في «عجائب المخلوقات» : قال أبو بكر الموصلي: سمعت من أعيان تلك البلاد أنه إذا كان العام مخصبا، يقبض على طائرين، وإن كان متوسطا، يقبض على طائر واحد، وإن كان جدبا، لم يقبض على شيء.
(ومنها) مكان بالجبل الشرقيّ عن النيل، على القرب من أنصنا «1» به تلال رمل إذا صعد إلى أعلاها وكسح الرمل إلى أسافلها سمعت له أصوات كالرعد، يسمع من البر الغربيّ من النيل.
وقد أخبرني بعض أهل تلك البلاد أنه إذا كان الذي صعد على ذلك المكان جنبا أو كانوا جماعة فيهم جنب، لم يسمع شيء من تلك الأصوات لو كسح الرمل.
(ومنها) مكان بالجبل المذكور على القرب من إخميم به تلال رمل إذا كسحها الإنسان من أعلى إلى أسفل، عادت إلى ما كانت عليه وارتفع الرمل من أسفلها إلى أعلاها.
قال في «الروض المعطار» : وعلى النيل جبل يراه أهل تلك الناحية من انتضى سيفه وأولجه فيه وقبض على مقبضه بيديه جميعا، اضطرب السيف في يديه وارتعد فلا يقدر على إمساكه ولو كان أشدّ الناس؛ وإذا حدّ بحجارة هذا الجبل سكّين أو سيف لا يؤثر فيه حديد أبدا، وجذب الإبر والمسالّ أشدّ جذبا من المغناطيس، ولا يبطل فعلها بالثوم كما يبطل المغناطيس، أما الحجر نفسه فإنه لا يجذب.
قال القضاعيّ: وبجبل زماخير الساحرة «2» يقال إن فيه خلقة من الجبل ظاهرة مشرفة على النيل لا يصل إليها أحد يلوح فيها خط مخلوق «باسمك اللهم» . وعلى القرب من الطّور عين ماء في أجمة رمل ينبع الماء من وسطها فوّارات لطيفة وينبسط ماؤها حولها نحو الذراع، ثم يغوص في الرمل فلا يظهر له