الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالخلافة يوم موت أبيه المستنصر بالله، وقتله هولاكو «1» ملك التّتار في العشرين من المحرّم سنة ست وخمسين وستمائة. وبقتله انقرضت الخلافة العباسية من بغداد «2» ؛ وهو الثامن والثلاثون من خلفاء بني العباس ببغداد إذا عدّت خلافة ابن المعتز، وحسبت خلافة القاهر أولا وثانيا خلافة واحدة.
الطبقة الرابعة خلفاء بني العبّاس بالديار المصرية من بقايا بني العبّاس
وأول من قام بأمر الخلافة بها «المستنصر بالله» أبو القاسم أحمد بن الظاهر بالله «3» أبي نصر محمد المتقدّم ذكره، وذلك أنه لما قتل التتر المستعصم المتقدّم ذكره، وبقيت الخلافة شاغرة نحوا من ثلاث سنين ونصف ثم قدم جماعة من عرب الحجاز إلى مصر في رجب سنة تسع وخمسين وستمائة أيام الظاهر بيبرس «4» ، ومعهم المستنصر المذكور، وذكروا أنه خرج من دار الخلافة ببغداد لمّا ملكها التّتر، فعقد الملك الظاهر له مجلسا حضره جماعة من العلماء، منهم الشيخ عز الدّين بن عبد السلام «5» شيخ الشافعية، وقاضي القضاة تاج الدين ابن بنت الأعز
الشافعي «1» وهو يومئذ قاضي الديار المصرية بمفرده، وشهد أولئك العرب بنسبه، ثم شهد جماعة من الشهود على شهادتهم بحكم الاستفاضة، وأثبت ابن بنت الأعز نسبه، ثم بايعه الملك الظاهر بالخلافة وأهل الحلّ والعقد، واهتم الملك الظاهر بأمره، واستخدم له عسكرا عظيما، وتوجه الملك الظاهر إلى الشام وهو صحبته فجهّزه من هناك بعسكره إلى بغداد طمعا أن يستولي عليها وينتزعها من التتار، فخرج إليه التتار قبل أن يصل بغداد فقتلوه، وقتلوا غالب عسكره في العشر الأول من المحرم سنة ستين وستمائة، فكانت خلافته دون السنة؛ وهو أوّل خليفة لقب بلقب خليفة قبله، وكانوا قبل ذلك يلقبون بألقاب مرتجلة.
وقام بالأمر بعده «الحاكم بأمر الله» أبو العباس أحمد بن حسين بن أبي بكر ابن الامير أبي علي القبّي ابن الأمير حسن بن الراشد بالله أبي جعفر المنصور المتقدّم ذكره في الخلفاء ببغداد. قدم مصر سنة تسع وخمسين وستمائة، وهو ابن خمس عشرة سنة في سلطنة الظاهر بيبرس، وقيل إن الظاهر بعث من أحضره إليه من بغداد، وجلس له مجلسا عامّا أثبت فيه نسبه، وبايعه بالخلافة في سنة ست وستين وستمائة، وأشركه معه في الدعاء في الخطبة على المنابر، إلا أنه منعه التصرف والدخول والخروج. ولم يزل كذلك إلى أن ولي السلطنة الملك الأشرف خليل بن المنصور قلاوون، فأسكنه بالكبش بخط الجامع الطولوني «2» ، فكان يخطب أيام الجمعة في جامع القلعة ويصلي، ولم يطلق تصرفه إلى أن تسلطن المنصور لاجين «3» ، فأباح له التصرف حيث شاء وأركبه معه في الميادين؛ وتوفي
في شهور سنة إحدى وسبعمائة.
وقام بالأمر بعده ابنه «المستكفي بالله» أبو الربيع سليمان بالعهد من أبيه الحاكم، وبويع له بالخلافة يوم موت أبيه، واستقرّ على ما كان عليه أبوه من الركوب والنزول وركوب الميادين مع السلطان إلى أن أعيد السلطان الملك الناصر محمد ابن قلاوون «1» إلى السلطنة المرّة الثانية بعد خلع الملك المظفر بيبرس الجاشنكير «2» في شهور سنة تسع وسبعمائة، فحصل عند السلطان منه وحشة، فجهزه إلى قوص «3» ليقيم بها، وبقي بقوص حتّى توفي في سنة أربعين وسبعمائة.
وولي الخلافة بعده ابنه «المستعصم بالله» أبو العباس أحمد بعهد من أبيه المستكفي بأربعين شاهدا بمدينة قوص، ودعي له على المنابر في العشر الأخير من شوال سنة أربعين وسبعمائة.
ثم خلعه الناصر محمد بن قلاوون، وبايع بالخلافة «الواثق بالله» أبا إسحاق إبراهيم بن الحاكم بأمر الله المتقدّم ذكره، وأمر بأن يدعي له على المنابر، وتحمل له راية الخلافة، فجرى الأمر على ذلك. وكان قد هم بمبايعته بعد موت المستكفي فلم يتم له. فلما توفي الملك الناصر في العشرين من ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، أعيد المستعصم بالله أحمد المتقدّم ذكره إلى الخلافة
بعد خلع الواثق إبراهيم، وبقي حتّى توفي رابع شعبان سنة ثمان وأربعين وسبعمائة.
ثم ولي الخلافة بعده أخوه «المعتضد بالله» أبو الفتح أبو بكر بن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان سابع عشر شعبان سنة ثمان وأربعين وسبعمائة؛ وتوفي عاشر جمادى الأولى سنة ثلاث وستين وسبعمائة.
وولي الخلافة بعده ابنه «المتوكل على الله» أبو عبد الله محمد بن المعتضد بالله المتقدّم ذكره بالعهد من أبيه المعتضد، واستقرّ له الأمر بعد وفاة أبيه يوم الخميس ثاني عشر جمادى الأولى سنة ثلاث وستين وسبعمائة، وبقي حتّى خلعه الأمير أيبك «1» أتابك «2» العساكر في سلطنة الملك المنصور «3» عليّ بن الأشرف شعبان بن حسين.
وولي الخلافة مكانه «المستعصم بالله» أبو يحيى زكريا بن الواثق إبراهيم المتقدّم ذكره، فأقام في الخلافة دون ثلاثة أشهر. ثم أعيد المتوكل على الله محمد ابن أبي بكر إلى الخلافة ثانيا في أواخر المحرّم أو أوائل صفر سنة تسع وسبعين وسبعمائة، واستمر حتّى قبض عليه الظاهر برقوق «4» واعتقله بقلعة الجبل «5» في
مستهلّ شهر رجب سنة خمس وثمانين وسبعمائة.
وولّى الخلافة مكانه «الواثق بالله» «1» أبو حفص عمر بن الواثق بالله إبراهيم المتقدم ذكره، فبقي حتّى توفي في العشر الأول من شوال سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، فأعاد الظاهر برقوق المستعصم بالله زكريا المتقدم ذكره ثانيا إلى الخلافة، والمتوكل على الله في الاعتقال والناس لا يرون في كل ذلك الخليفة غيره.
ثم عنّ للملك الظاهر برقوق بعد ذلك فأطلق المتوكّل على الله من الاعتقال، وأكرمه وأحسن إليه في ثاني جمادى الأولى سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، وبقي في الخلافة حتى توفي سابع عشري شهر رجب الفرد سنة ثمان وثمانمائة.
وولي الخلافة بعده ابنه «أبو الفضل العباس ولقّب المستعين بالله» وبقي في الخلافة على سنن من تقدّمه من الخلفاء العبّاسيين بالديار المصرية من قصور أمره على العهد إلى السلطان والدعاء له على المنابر قبل السلطان إلى أن قبض على الناصر فرج بن برقوق «2» بالشام في الثاني عشر من ربيع الأوّل من سنة خمس عشرة
وثمانمائة، فاستقلّ بالأمر واستبدّبه، وأجمع له أمر الخلافة: من ضرب اسمه على السّكّة «1» في الدّنانير والدراهم والدعاء له على المنابر بمفرده، والعلامة «2» على التقاليد والتواقيع والمكاتبات وغيرها، وفوّض أمر تدبير دولته للأمير «شيخ» «3» وكتب له تفويض في ورق، عرضه ذراع ونصف بذراع البز، يزيد عما كان يكتب فيه للسلاطين نصف ذراع بقلم مختصر الطومار.
وكان المتولي لأمر كتابته المقرّ الشمسيّ محمد العمري عين أعيان كتّاب الدّست «4» الشريف بالأبواب الشريفة «5» السلطانية، ونائب كاتب السر «6» . وسيأتي