الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السلطانية، والأبواق تضرب أمامه، والطبل وراءه مثل الأمراء؛ فيشق بين القصرين، وكلما مر على باب من أبواب القصر يدخل منه الخليفة أو يخرج، نزل فقبّله، ويخرج من باب زويلة في الشارع الأعظم حتّى يأتي مصر فيشقّ وسطها ويمرّ بالجامع العتيق، ويجاوزه إلى شاطىء النيل فيعدّي إلى المقياس بخلعته وما معه من الأكياس، فيأخذ من الأكياس قدرا مقرّرا له، ويفرّق باقي ذلك على أرباب الرسوم الجارية من قديم الزمان من بني عمه وغيرهم.
الموكب السادس ركوبه لفتح الخليج
وهو في اليوم الثالث أو الرابع من يوم التخليق المتقدّم ذكره، وليس كما في زماننا من فتحه في يوم التخليق؛ وكان يقع الاهتمام عندهم بركوب هذا اليوم من حين يأخذ النيل في الزيادة، وتعمل في بيت المال موائد من التماثيل المختلفة:
من الغزلان، والسباع، والفيلة، والزّراريف عدّة وافرة، منها ما هو ملبّس بالعنبر، وما هو ملبّس بالصندل «1» ، مفسرة الأعين والأعضاء بالذهب، وكذلك يعمل أشكال التّفّاح والأترجّ وغير ذلك، وتخرج الخيمة العظيمة المعروفة بالقاتول المتقدّمة الذكر فتنصب للخليفة في برّ الخليج الغربيّ على حافته عند منظرة يقال لها السكّرة على القرب من فم الخليج، ويلفّ عمود الخيمة بديباج أحمر أو أبيض أو أصفر من أعلاه إلى أسفله، وينصب فيها سرير الملك مستندا إليه ويغشّى بقرقوبي، وعرانيسه «2» ذهب ظاهرة، ويوضع عليه مرتبة عظيمة من الفرش للخليفة؛ ويضرب لأرباب الرّتب من الأمراء بحريّ هذه الخيمة خيم كثيرة على قدر مراتبهم في المقدار والقرب من خيمة الخليفة؛ ثم يركب الخليفة على عادته في المواكب العظيمة بالمظلّة وتوابعها من السيف والرمح والألوية والدواة وسائر الآلات، ويزاد
فيه أربعون بوقا: عشرة من الذهب وثلاثون من الفضة، يكون المنفّرون بها ركبانا، والمنفّرون بالأبواق النّحاس مشاة، ومن الطبول العظام عشرة طبول. فإذا كان يوم الركوب، حضر الوزير من دار الوزارة راكبا في هيئة عظيمة، ويركب حينئذ إلى باب القصر الذي يخرج منه الخليفة، ويخرج الخليفة من باب القصر راكبا والأستاذون المحنّكون مشاة حوله، وعليه ثوب يسمّى البدنة حرير مرقوم بذهب، لا يلبسه غير ذلك اليوم، والمظلة بنسبته؛ فيركب الأستاذون المحنّكون ويسير الموكب على الترتيب المتقدّم في ركوب أول العام سائرا في الطريق التي ذهب فيها للتخليق حتى يأتي الجامع الطولوني؛ ويكون قاضي القضاة وأعيان الشهود جلوسا ببابه من هذه الجهة، فيقف لهم الخليفة وقفة لطيفة، ويسلم على القاضي، فيتقدّم القاضي ويقبّل رجله التي من جانبه، ويأتي الشهود أمام وجه فرس الخليفة، ويقفون بمقدار أربعة أذرع عن الخليفة فيسلم عليهم، ثم يركبون ويسير الموكب حتّى يأتي ساحل الخليج، فيسير حتّى يقارب الخليفة الخيمة، فيتقدّمه الوزير على العادة، فيترجل على باب الخيمة، ويجلس على المرتبة الموضوعة له فوقه «1» ويحيط به الأستاذون المحنكون والأمراء المطوّقون بعدهم؛ ويوضع للوزير كرسيّه الجاري به العادة على ما تقدّم في جلوسه في القصر، فيجلس ورجلاه يحكّان الأرض، ويقف أرباب الرّتب صفّين من سرير الملك إلى باب الخيمة، وقرّاء الحضرة يقرأون القرآن ساعة زمانية. فإذا فرغوا من القراءة، استأذن صاحب الباب على حضور الشعراء للخدمة، فيؤذن لهم فيتقدّمون واحدا بعد واحد على مقدار منازلهم المقرّرة لهم، وينشد كلّ منهم ما وقع له نظمه مما يناسب الحال. فإذا فرغ أتى غيره وأنشد ما نظمه إلى أن يفرغ إنشادهم، والحاضرون ينتقدون على كل شاعر ما يقوله، ويحسّنون منه ما حسن ويوهّون منه وما هى. فإذا انقضى هذا المجلس، قام الخليفة عن السرير فركب إلى المنظرة المعروفة بالسكّرة بقرب الخيمة والوزير بين يديه، وقد فرشت بالفرش المعدّة لها، فيجلس الخليفة بمكان
معدّ له منها، ويجلس الوزير بمكان منها بمفرده، ويجلس القاضي والشهود في الخيمة البيضاء الدبيقية، فيطلّ منها أستاذ من الأستاذين المحنكين فيشير بفتح السدّ فيفتح بالمعاول، وتضرب الطبول والأبواق من البّرين، وفي أثناء ذلك يصل السّماط من القصر صحبة صاحب المائدة القائم مقام أستاذ دار الصحبة الآن، وعدّتها مائة شدّة في الطيافير الواسعة في القواوير «1» الحرير، وفوقها الطرّاحات النفيسة، وريح المسك والأفاويه تفوح منها، فتوضع في خيمة وسيعة معدّة لذلك؛ ويحمل منها للوزير وأولاده ما جرت به عادتهم، ثم لقاضي القضاة والشهود، ثم إلى الأمراء على قدر مراتبهم: على أنواع الموائد من التماثيل المقدّمة الذكر خلا القاضي والشهود، فإنه لا يكون في موائدهم تماثيل. فإذا اعتدل الماء في الخليج دخلت فيه العشاريات اللطاف ووراءها العشاريات الكبار، وهي سبعة: الذهبيّ المختص بالخليفة، وهو الذي يركب فيه يوم التخليق، والفضّيّ، والأحمر، والأصفر، والأخضر، واللّازورديّ، والصّقلّي، وهو عشاريّ أنشأه نجّار من صقلّية على الإنشاء المعتاد فنسب إليه، وعليها الستور الدبيقي الملونة، وفي أعناقها الأهلة وقلائد العنبر والخرز الأزرق، وتسير حتّى ترسو على بر المنظرة التي فيها الخليفة. فإذا صلّى الخليفة العصر، ركب لابسا غير الثياب التي كانت عليه في أول النهار، ومظلّته مناسبة لثيابه التي لبسها، وباقي الموكب على حاله، ويسير في البر الغربيّ من الخليج شاقّا للبساتين حتّى يصل إلى باب القنطرة فيعطف على يمينه ويسير إلى القصر، والوزير تابعه على الرسم المعتاد، فيدخل الخليفة قصره، ويمرّ الوزير إلى داره على عادته في مثل ذلك اليوم.
وذكر القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر: أنه إذا ركب من المنظرة المعروفة بالسكرة، سار في بر الخليج الغربيّ على ما تقدم ذكره حتّى يأتي بستان