الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشّعبة الثانية غربيّ فرقة النيل الغربية؛ وفيها عملان:
العمل الأوّل- عمل البحيرة
. وهو مما يلي عمل الجيزة المقدّم ذكره من الجهة البحرية، وهو عمل واسع، كثير «1» القرى، فسيح الأرضين. ومقرّ ولايته (مدينة دمنهور)«2» - بفتح الدال المهملة والميم وسكون النون وضم الهاء وسكون الواو وفي آخرها راء مهملة- وتعرف بدمنهور الوحش. وهي مدينة متوسطة ذات مساجد ومدارس وأسواق وحمامات. وموقعها في الإقليم الثالث، ولم يتحرّر لي طولها وعرضها، غير أنها على نحو مرحلة من الإسكندرية بين الشرق والجنوب فليعتبر طولها وعرضها منها بالتقريب.
قلت: ويدخل في هذا العمل حوف رمسيس والكفور الشاسعة.
العمل الثاني- عمل المزاحمتين
. وهو ما جاور خليج الإسكندريّة من جهة الشمال إلى البحر الروميّ وبعضه بالبر الشرقيّ من النيل، وحاضرته (مدينة فوّة) «3» . قال في «تقويم البلدان» : بضم الفاء وتشديد الواو، وهي مدينة متوسطة بالبر الشرقيّ من فرقة النيل الغربية يقابلها جزيرة لها تعرف بجزيرة الذهب ذات بساتين وأشجار ومنظر رائق، وليس بها ولاية، وإنما يكون بها شاد «4» للخاص، يتحدّث في كثير من أمور الولاية، وهي في الحقيقة كإخميم مع قوص.
ويلي هذين العملين غربا بشمال (مدينة الإسكندريّة) بكسر الهمزة
وسكون السين المهملة وفتح الكاف وسكون النون وفتح الدال وكسر الراء المهملتين وتشديد الياء المثناة تحت المفتوحة وهاء في الآخر- وموقعها في الإقليم الثالث.
قال في كتاب «الأطوال» : طولها إحدى وخمسون درجة وأربع وخمسون دقيقة، وعرضها ثلاثون درجة وثمان وخمسون دقيقة، وقد تقدّم القول على أصل عمارتها في الكلام على قواعد الديار المصرية قبل الإسلام.
وهي الآن بالنسبة إلى ما تشهد به التواريخ من بنائها «1» القديم جزء من كلّ، وهي مع ذلك مدينة رائقة المنظر، حسنة الترصيف، مبنية بالحجر والكلس، مبيّضة البيوت ظاهرا وباطنا كأنها حمامة بيضاء، ذات شوارع مشرعة، كلّ خط قائم بذاته كأنها رقعة الشّطرنج، يستدير بها سوران منيعان، يدور عليهما من خارجهما خندق في جوانب البلد المتصلة بالبر، ويتصل البحر بظاهرها من الجانب الغربيّ مما يلي الشّمال إلى المشرق حيث دار النيابة؛ وبهما أبراج حصينة عليها الستائر المسترة والمجانيق المنصوبة.
قال ابن الأثير في «عجائب المخلوقات» : ويقال إن منارها كان في وسط البلد وإن المدينة كانت سبع محجّات، وإنما أكلها البحر، ولم يبق إلا محجّة واحدة، وهي المدينة الباقية الآن وصار مكان المنار منها على مسيرة ميل. قال:
ويقال إن مساجدها أحصيت في وقت من الأوقات فكانت عشرين ألف مسجد؛ وبها الجوامع والمساجد، والمدارس، والخوانق، والرّبط، والزوايا، والحمّامات والدّيار الجليلة، والأسواق الممتدّة. وفيها ينسج القماش الفائق الذي ليس له نظير في الدنيا، وإليها تهوي ركائب التجار في البر والبحر، وتمير من قماشها
جميع أقطار الأرض، وهي فرضة بلاد المغرب، والأندلس، وجزائر الفرنج، وبلاد الروم، والشام وشرب أهلها من ماء النيل، من صهاريج تملأ من الخليج الواصل إلى داخل دورها، واستعمال الماء لعامة الأمر من آبارها، وبجنبات تلك الآبار والصهاريج بالوعات تصرف منها مياه الأمطار ونحوها؛ وبها البساتين الأنيقة، والمستنزهات الفائقة، ولهم بها القصور والجواسق «1» الدقيقة البناء، المحكمة الجدر والأبواب، وبها من الفواكه والثمار ما يفوق فواكه غيرها من الديار المصرية حسنا مع رخص الثمن؛ وليس بها مزارع ولا لها عمل واسع، وإن كان متحصّلها يعدل أعمالا: من واصل البحر وغيره؛ وهي أجلّ ثغور الديار المصرية، لا يزال أهلها على يقظة من أمور البحر والاحتراز من العدوّ الطارق؛ وبها عسكر مستخدم لحفظها.
قال في «مسالك الأبصار» : وليس بالديار المصرية مدينة حاكمها موسوم بنيابة السلطنة «2» سواها.
قلت: وهذا فيما تقدّم حين كانت النيابة بها صغيرة في معنى ولاية. أما من حين طرقها العدوّ المخذول من الفرنج في سنة سبع وستين وسبعمائة واجناح أهلها وقتل وسبى، فإنها استقرت من حينئذ نيابة كبرى تضاهي نيابة طرابلس وحماة وما في معناهما، وهي على ذلك إلى الآن؛ وسيأتي الكلام على نيابتها في الكلام على ترتيب المملكة فيما بعد إن شاء الله تعالى.