الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الموكب الخامس ركوبه لتخليق المقياس عند وفاء النيل
قد تقدّم عند ذكر النيل في الكلام على الديار المصرية ابتداء زيادة النيل ووفاؤه وانتهاؤه، وذكر المناداة عليه على ما الأمر مستقرّ عليه. إلا أنه في زمن هؤلاء الخلفاء لم يكن ينادى عليه قبل الوفاء، وإنما يؤخذ قاعه وتكتب به رقعة للخليفة والوزير، ثم ينزل بديوان الرسائل في مسير معدّ له في الديوان، ويستمر الحال على ذلك في كل يوم ترفع رقعة إلى ديوان الإنشاء بالزيادة لا يطّلع عليها غير الخليفة والوزير، وأمره مكتوم إلى أن يبقى من ذراع الوفاء (وهو السادس عشر) أصبع أو أصبعان، فيؤمر بأن يبيت في جامع المقياس تلك الليلة قرّاء الحضرة والمتصدرون بالجوامع بالقاهرة ومصر ومن يجري مجراهم لختم القرآن الكريم في تلك الليلة هناك، ويمدّ لهم السماط بالأطعمة الفاخرة، وتوقد عليهم الشموع إلى الصبح. فإذا أصبح الصبح وأذن الله تعالى بوفاء النيل في تلك الليلة، طلعت رقعة ابن أبي الردّاد إلى الخليفة، فتحضر إليه بالقصر، فيركب الخليفة في هيئة عظيمة من الثياب الفاخرة والموكب العظيم، إلا أنه لا يلبس التاج الذي فيه اليتيمة، ولا يخلّي المظلة على رأسه في ذلك اليوم؛ ويركب الوزير وراءه في الجمع العظيم على ترتيب الموكب؛ ويخرج من القصر شاقّا القاهرة إلى باب زويلة فيخرج منه، ويسلك الشارع إلى أن يجاوز البستان المعروف بعباس عند رأس الصّليبة بالقرب من الخانقاه الشيخونية الآن، فيعطف سالكا على الجامع الطولونيّ والجسر الأعظم حتّى يأتي مصر، ويدخل من الصناعة، وهي يومئذ في غاية العمارة، وبها دهليز ممتد بمصاطب مفروشة بالحصر العبداني مؤزّر بها، ويخرج من بابها شاقّا مصر حتّى يأتي المنظرة المعروفة برواق الملك على القرب من باب القنطرة، فيدخلها من الباب المواجه له والوزير معه ماشيا إلى المكان المعدّ له، ويكون العشاريّ «1» الخاصّ المعبر عنه الآن بالحرّاقة واقفا هناك
بشاطيء النيل، وقد حمل إليه من القصر بيت مثمن من العاج والآبنوس كل جانب منه ثلاثة أذرع، وطوله قامة رجل تام، فيركب في العشاريّ المذكور وعليه قبة من خشب محكم الصنعة، وهو وقبّته ملبّس صفائح الفضة المذهبة، ثم يخرج الخليفة من دار الملك المذكور ومعه من الاستاذين المحنّكين من يختاره من ثلاثة إلى أربعة، ثم يطلع خواصّ الخليفة إلى العشاريّ والوزير ومعه من خواصّه اثنان أو ثلاثة لا غير، فيجلس الوزير في رواق بظاهر البيت المذكور، بفوانيس من خشب مخروط مدهونة مذهبة، بستور مسدلة عليه، ويسير العشاريّ من باب المنظرة إلى باب المقياس العالي على الدّرج، فيطلع من العشاريّ، ويدخل إلى الفسقية التي فيها المقياس، والوزير والأستاذون المحنكون بين يديه، فيصلّي هو والوزير كلّ منهما ركعتين بمفرده، ثم يؤتى بالزّعفران والمسك فيديفه في إناء بيده بآلة معه، ويتناوله صاحب بيت المال فيناوله لابن أبي الرّداد، فيلقي نفسه في الفسقية بثيابه فيتعلق في العمود برجليه ويده اليسرى ويخلّقه بيده اليمنى، وقرّاء الحضرة من الجانب الآخر يقرأون القرآن؛ ثم يخرج على فوره راكبا في العشاري المذكور، ثم يعود إلى دار الملك، ويركب منها عائدا إلى القاهرة؛ وتارة ينحدر في العشاريّ إلى المقس، ويتبعه الموكب فيسير من هناك إلى القاهرة. ويكون في البحر ذلك اليوم نحو ألف مركب مشحونة بالناس للتفرّج وإظهار الفرح. فإذا كان اليوم الثاني من التخليق أتى ابن أبي الردّاد إلى الإيوان الكبير الذي فيه الشّبّاك بالقصر فيجد خلعة مذهبة بطيلسان مقوّر، ويدفع إليه خمسة أكياس في كل كيس خمسمائة درهم مهيأة له، فيلبس الخلعة، ويخرج من باب العيد المتقدّم ذكره في أبواب القصر، وقد هييء له خمسة بغال على ظهورها الأحمال المزيّنة بالحليّ، على ظهر كل منها راكب وبيده أحد الأكياس الخمسة المتقدّمة الذكر ظاهر في يده، وأقاربه وبنو عمه يحجبونه وأصدقاؤه حوله، وأمامه حملان من النّقّارات