الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما الخوانق والرّبط
- فمما لم يعهد بالديار المصرية قبل الدولة الأيوبية، وكان المبتكر لها السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه الله، فابتنى (الخانقاه الصلاحية) المعروفة بسعيد السعداء، وسعيد السعداء لقب لخادم للمستنصر الفاطميّ اسمه قنبر كانت الدار له، ثم صارت آخر الأيام سكن الصالح طلائع بن رزّيك، ولما ولي الوزارة فتح من دار الوزارة إليها سردابا تحت الأرض، وسكنها شاور السعدي وزير العاضد ثم ولده الكامل. فلما ملك السلطان صلاح الدين جعلها خانقاه، ووقف عليها قيساريّة الشّرب داخل القاهرة، وبستان الحبّانية بزقاق البركة.
وأما مساجد الصلوات الخمس
- فأكثر من أن تحصى وأعزّ من أن تستقصى، بكل خط منها مسجد أو مساجد لكل منها إمام راتب ومصلّون.
وأما البيمارستان
- فقال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر: بلغني أن البيمارستان كان أوّلا بالقشّاشين، يعني المكان المعروف الآن بالخرّاطين على القرب من الجامع الأزهر، وهناك كانت دار الضرب بناها المأمون بن البطائحي وزير الآمر قبالة البيمارستان المذكور، وقرر دور الضرب بالإسكندرية وقوص وصور وعسقلان؛ ثم لما ملك السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب الديار المصرية واستولى على القصر، كان في القصر قاعة بناها العزيز بن المعزّ في سنة أربع وثمانين وثلاثمائة، فجعلها السلطان صلاح الدين بيمارستانا، وهو البيمارستان العتيق الذي داخل القصر، وهو باق على هيئته إلى الآن، ويقال إن فيها طلسما لا يدخلها نمل، وإن ذلك هو السبب الموجب لجعلها بيمارستانا.
قال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر: ولقد سألت المباشرين
بالبيمارستان المذكور عن ذلك في سنة سبع وخمسين و [ستما]«1» ئة فقالوا صحيح.
ثم ابتنى السلطان الملك «المنصور قلاوون» رحمه الله دار ستّ الملك أخت الحاكم، المعروفة «بالدار القطبية» بيمارستانا في سنة ثلاث وثمانين وستمائة بمباشرة الأمير علم الدين الشجاعيّ، وجعل من داخله المدرسة المنصورية والتربة المتقدّم ذكرهما، فبقّى معالم بعض الدار على ما هو عليه، وغيّر بعضها. وهو من المعروف العظيم الذي ليس له نظير في الدنيا، ونظره رتبة سنية يتولاه الوزراء ومن في معناهم.
قال في «مسالك الأبصار» : وهو الجليل المقدار، الجليل الآثار، الجميل الإيثار، العظيم بنائه، وكثرة أوقافه، وسعة إنفاقه، وتنوع الأطباء والكحّالين والجرائحية فيه «2» .
قلت: ولم تزل القاهرة في كل وقت تتزايد عمارتها، وتتجدّد معالمها، خصوصا بعد خراب الفسطاط، وانتقال أهله إليها على ما تقدّم ذكره حتّى صارت على ما هي عليه في زماننا: من القصور العليّة، والدور الضخمة، والمنازل الرحيبة، والأسواق الممتدّة، والمناظر النزهة، والجوامع البهجة، والمدارس
الرائقة، والخوانق الفاخرة، مما لم يسمع بمثله في قطر من الأقطار، ولا عهد نظيره في مصر من الأمصار. وغالب مبانيها بالآجرّ؛ وجوامعها ومدارسها وبيوت رؤسائها مبنية بالحجر المنحوت، مفروشة الأرض بالرخام، مؤزّرة الحيطان به، وغالب أعاليها من أخشاب النخل والقصب المحكم الصنعة؛ وكلها أو أكثرها مبيّضة الجدر بالكلس الناصع البياض، ولأهلها القوّة العظيمة في تعلية بعض المساكن على بعض حتّى إن الدار تكون من طبقتين إلى أربع طبقات «1» بعضها على بعض، في كل طبقة مساكن كاملة بمنافعها ومرافقها، وأسطحة مقطعة بأعلاها بهندسة محكمة، وصناعة عجيبة.
قال في «مسالك الأبصار» : لا يرى مثل صنّاع مصر في هذا الباب، وبظاهرها البساتين الحسان، والمناظر النّزهة، والآدر المطلّة على النيل، والخلجان الممتدّة منه ومن مدّه؛ وبها المستنزهات المستطابة، خصوصا زمن الربيع لغدرانها الممتدّة من مقطعات النيل وما حولها من الزروع المختلفة وأزهارها المائسة التي تسرّ الناظر وتبهج الخاطر.
قال ابن الأثير في «عجائب المخلوقات» : وأجمع المسافرون برّا وبحرا أنه لم يكن أحسن منها منظرا، ولا أكثر ناسا، وإليها يجلب ما في سائر أقاليم الأرض من كل شيء غريب وزيّ عجيب؛ وملكها ملك عظيم، كثير الجيوش،
حسن الزّيّ لا يماثله في زيّه ملك من ملوك الأرض؛ وأهلها في رفاهية عيش وطيب مأكل ومشرب؛ ونساؤه في غاية الجمال والظّرف.
قال في «مسالك الأبصار» : أخبرني غير واحد ممن رأى المدن الكبار أنه لم ير مدينة اجتمع فيها من الخلق ما اجتمع في القاهرة.
قال: وسألت الصدر مجد الدين إسماعيل عن بغداد وتوريز «1» هل يجمعان خلقا مثل مصر؟ فقال: في مصر خلق قدر من في جميع البلاد.
قال في «التعريف» : (والقاهرة اليوم أمّ الممالك، وحاضرة البلاد، وهي في وقتنا دار الخلافة، وكرسيّ الملك، ومنبع الحكماء، ومحطّ الرحال، ويتبعها كل شرق وغرب خلا الهند فإنه نائي المكان، بعيد المدى، يقع لنا من أخباره ما نكبره، ونسمع من حديثه ما لا نألفه.
قال: وكان يخلق لنا أن نجعل كل النطق بالقاهرة دائرة، وإنما نفردها بما اشتملت عليه حدود الديار المصرية، ثم ندير بأمّ كل مملكة نطاقها، ثم إليها مرجع الكل وإلى بحرها مصب تلك الخلج) .
قال في «مسالك الأبصار» : إلا أن أرضها سبخة، ولذلك يعجل الفساد إلى مبانيها.
وذكر القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر نحو ذلك وأن المعزّ لام القائد جوهرا على بنائها في هذا الموضع، وترك جانب النيل عند المقس أو جنوبيّ الفسطاط حيث الرصد الآن.