الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
به صهريجا وجعل له ساقية تنقل الماء إليه من الخليج أيام النيل على القرب من باب الخرق. ولم يكن به خطبة، وأوّل ما أقيمت الجمعة فيه في الأيام المعزّيّة أيبك التّركمانيّ في سنة اثنتين وخمسين وستمائة، وخطب به أصيل الدين أبو بكر الإسعرديّ؛ ثم كثرت عمارة الجوامع بالقاهرة في الدولة التركية خصوصا في الأيام الناصرية محمد بن قلاوون وما بعدها، فعمر بها من الجوامع ما لا يكاد يحصى كثرة: كجامع المارديني، وجامع قوصون خارج باب زويلة وغيرهما من الجوامع، وأقميت الجمعة في كثير من المدارس والمساجد الصّغار المتفرّقة في الأخطاط لكثرة الناس وضيق الجوامع عنهم.
وأما مدارسها
- فكانت في الدولة الفاطمية وما قبلها قليلة الوجود بل تكاد أن تكون معدومة، غير أنه كان بجوار القصر دار تعرف «بدار العلم» «1» خلف خان مسرور، كان داعي الشيعة «2» يجلس فيها، ويجتمع إليه من التلامذة من يتكلم في العلوم المتعلقة بمذهبهم، وجعل الحاكم لها جزءا من أوقافه التي وقفها على الجامع الأزهر وجامع المقس وجامع راشدة؛ ثم أبطل الأفضل بن أمير الجيوش هذه الدار لاجتماع الناس فيها والخوض في المذاهب خوفا من الاجتماع على
المذهب النّزاريّ؛ ثم أعادها لآمر بواسطة خدام القصر بشرط أن يكون متولّيها رجلا ديّنا والداعي هو الناظر فيها، ويقام فيها متصدّرون برسم قراءة القرآن.
وقد ذكر المسبحيّ «1» في تاريخه: أن الوزير أبا الفرج يعقوب بن كلّس «2» سأل العزيز بالله في حمله رزق جماعة من العلماء، وأطلق لكل منهم كفايته من الرزق، وبنى لهم دارا بجانب الجامع الأزهر، فإذا كان يوم الجمعة حلقوا بالجامع بعد الصلاة وتكلموا في الفقه، وأبو يعقوب قاضي الخندق رئيس الحلقة والملقي عليهم إلى وقت العصر، وكانوا سبعة وثلاثين نفرا.
ثم جاءت الدولة الأيوبية فكانت الفاتحة لباب الخير، والغارسة لشجرة الفضل، فابتنى الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر «3» (دار الحديث الكاملية)«4» بين القصرين في سنة اثنتين وعشرين وستمائة، وقرّر بها مذاهب الأئمة الأربعة وخطبة، وبقي إلى جانبها خراب حتّى بني آدرا في الأيام المعزّيّة
أيبك التّركمانيّ في سني خمسين وستمائة، ووقف على المدرسة المذكورة، وبنى من بنى من أكابر دولتهم مدارس لم تبلغ شأو هذه، وشتّان بين الملوك وغيرهم.
ثم جاءت الدولة التركية فأربت على ذلك وزادت عليه، فابتنى الظاهر بيبرس (المدرسة الظاهرية)«1» بين القصرين بجوار المدرسة الصالحية، ثم ابتنى المنصور قلاوون (المدرسة المنصورية)«2» من داخل بيمارستانه الآتي ذكره وجعل قبالتها تربة سنية.
ثم ابتنى الناصر محمد بن قلاوون (المدرسة الناصرية) بجوار البيمارستان المذكور.
ثم ابتنى الناصر حسن بن الناصر محمد بن قلاوون (مدرسته العظمى)«3» تحت القلعة، وهي التي لم يسبق إلى مثلها، ولا سمع في مصر من الأمصار بنظيرها، ويقال إن إيوانها يزيد في القدر على إيوان كسرى بأذرع.
ثم ابتنى ابن أخيه الأشرف شعبان بن حسين (المدرسة الأشرفية)«1» بالصّوّة تحت القلعة ومات ولم يكملها، ثم هدمها الناصر فرج بن الظاهر برقوق لتسلطها على القلعة في سنة أربع عشرة وثمانمائة، ونقل أحجارها إلى عمارة القاعات التي أنشأها بالحوش بقلعة الجبل؛ ولم تعهد مدرسة قصدت بالهدم قبلها.
ثم ابتنى الظاهر برقوق (مدرسته الظاهرية) بين القصرين بجوار المدرسة الكاملية فجاءت في نهاية الحسن والعظمة، وجعل فيها خطبة، وقرر فيها صوفية على عادة الخوانق ودروسا للأئمة، وتغالى «2» في ضخامة البناء؛ ونظم الشعراء فيها، فكان مما أتى به بعضهم من أبيات:
وبعض خدّامه طوعا لخدمته
…
يدعو الصّخور فتأتيه على عجل
وتواردوا كلهم على هذا المعنى، فاقترح عليّ بعض الأكابر نظم شيء من هذا المعنى فنظمت أبياتا جاء منها:
وبالخليليّ قد راجت عماراتها
…
في سرعة بنيت من غير ما مهل
كم أظهرت عجبا أسواط حكمته
…
وكم غدت مثلا ناهيك من مثل
وكم صخور تخال الجنّ تنقلها
…
فإنّها بالوحا «3» تأتي وبالعجل
وفي خلال ذلك ابتنى أكابر الأمراء وغيرهم من المدارس ما ملأ الأخطاط وشحنها.