الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الضرب الثاني ركوبه في المواكب، وهو على نوعين
النوع الأوّل ركوبه في المواكب العظام، وهي ستة مواكب
الموكب الأوّل ركوب أوّل العام
وكان من شأنهم فيه أنه إذا كان العشر الآخر من ذي الحجة من السنة، وقع الاهتمام بإخراج ما يحتاج إليه في المواكب من حواصل الخليفة، فيخرج من خزائن السلاح ما يحمله الرّكابية وغيرهم حول الخليفة كالصّماصم، والدّبابيس، واللّتوت، وعمد الحديد، والسيوف، والدّرق، والرماح، والألوية، والأعلام.
ومن خزانة التجمل برسم الوزير والأمراء وأرباب الخدم الألوية والقضب، والعماريات، وغير ذلك مما تقدّم ذكره. ومن الإصطبلات مائة فرس مسوّمة برسم ركوب الخليفة وما بجنبه. ويخرج من خزانة السروج مائة سرج بالذهب والفضة مرصّع بعضها بالجواهر بمراكب من ذهب، وفي أعناق الخيل أطواق الذهب وقلائد العنبر، وفي أرجل أكثرها خلاخل الذهب والفضة مسطحة، قيمة كل فرس وما عليها من العدّة ألف دينار، يدفع للوزير منها عشرة بعدّتها برسم ركوبه وركوب أخصّائه، وتسلّم إلى المناخات أغشية العماريات لتحمل على الجمال، إلى غير ذلك من الآلات المستعملة في المواكب مما تقدّم ذكره في الكلام على الخزائن، ويبعث إلى أرباب الخدم من الإصطبلات بخيول عادية ليركبوها في الموكب. فإذا كان يوم التاسع والعشرين من ذي الحجة، استدعى الخليفة الوزير من داره على الرسم المعتاد في الإسراع، فإذا عاد صاحب الرسالة من استدعاء الوزير، خرج الخليفة من مكانه راكبا في القصر، فينزل في السدلّى «1» ، بدهليز باب الملك
الذي فيه الشباك، وعليه ستر من ظاهره، فيقف من جانبه الأيمن زمام القصر، ومن جانبه الأيسر صاحب بيت المال؛ ويركب الوزير من داره وبين يديه الأمراء، فإذا وصل إلى باب القصر ترجّل الأمراء وهو راكب، ويدخل من باب العيد، ولا يزال راكبا إلى أوّل باب من الدهاليز الطّوال، فينزل ويمشي فيها وحواليه حاشية ومن يرابّه «1» من أولاده وأقاربه. فإذا وصل إلى الشّبّاك، وجد تحته كرسيّا كبيرا من حديد فيجلس عليه ورجلاه تطأ الأرض، فإذا جلس، رفع كلّ من زمام القصر وصاحب بيت المال الستر من جانبه فيرى الخليفة جالسا على مرتبة عظيمة، فيقف ويسلم ويخدم بيده في الأرض ثلاث مرّات، ثم يؤمر بالجلوس على كرسيه فيجلس.
ويستفتح القرّاء بقراءة آيات لائقة بذلك المكان مقدار نصف ساعة؛ ثم يسلم الأمراء، ويشرع في عرض خيول الخاص المقدّم ذكرها واحدة واحدة إلى آخرها.
فإذا تكمل عرضها، قرأ القرّاء ما يناسب ختم ذلك المجلس. فإذا فرغوا أرخى الستر وقام الوزير فدخل عليه فقبل يديه ورجليه، ثم ينصرف عنه فيركب من مكان نزوله ويخرج الأمراء معه إلى خارج فيمضون معه إلى داره ركبانا ومشاة على حسب مراتبهم. فإذا صلّى الخليفة الظهر، جلس لعرض خزانة الكسوة الخاص وتعيين ما يلبس في ذلك الموكب ولباسه فيه، فيعين منديلا لشدّ التاج وبدلة من هذا النوع، والجوهرة الثمينة وما معها من الجواهر المتقدّمة الذكر لشدّ التاج وتشدّ مظلّة تشبه تلك البذلة، وتلف في منديل دبيقيّ فلا يكشفها إلا حاملها عند ركوب الخليفة، ثم يشدّ لواءي الحمد المتقدّمي الذكر. فإذا كان أوّل يوم من العام، بكّر أرباب الرّتب من ذوي السيوف والأقلام فلا يصبح الصبح إلا وهم بين القصرين منتظرين ركوب الخليفة (وهو يومئذ فضاء واسع خال من البناء) ويبكر الأمراء إلى دار الوزير ليركبوا معه، فيخرج من داره ويركب إلى القصر من غير استدعاء وأمامه ما شرّفه به الخليفة من الألوية والأعلام، والأمراء بين يديه ركبانا ومشاة، وأولاده وإخوته قدّامه، وكل منهم مرخى الذؤابة بلا حنك، وهو في هيئة عظيمة
من الثياب الفاخرة والمنديل والحنك متقلدا بالسيف الذهب. فإذا وصل إلى باب القصر، ترجّل الأمراء ودخل هو راكبا إلى محل نزوله بدهليز القصر المعروف بدهليز العمود فيترجّل هناك ويمشي في بقية الدهاليز حتّى يصل إلى مقطع الوزارة بقاعة الذهب هو وأولاده وإخوته وخواصّ حاشيته، ويجلس الأمراء بالقاعة على دكك معدّة لهم، ويدخل فرس الخليفة إلى باب المجلس الذي هو فيه، وعلى باب المجلس كرسيّ يركب من عليه. فإذا استوت الدابة إلى ذلك الكرسيّ، أخرجت المظلة إلى حاملها فيكشفها مما هي ملفوفة فيه ويتسلمها بإعانة أربعة معدّين لخدمتها فيركزها في آلة من حديد تشبه القرن المصطحب مشدودة في ركاب حاملها الأيمن بقوّة، ويمسك العمود بحاجز فوق يده؛ ثم يخرج السيف فيتسلمه حامله، فإذا تسلمه أرخى ذؤابته فلا تزال مرخاة ما دام حاملا له، ثم تخرج الدواة فيتسلمها حاملها ويجعلها قدّامه بينه وبين السرج، ثم يخرج الوزير عن المقطع وينضم إليه الأمراء ويقفون إلى جانب فرس الخليفة، ويرفع صاحب المجلس الستر فيخرج من كان عند الخليفة للخدمة من الأستاذين، ويخرج الخليفة في أثرهم في ثيابه المختصة بذلك اليوم وعلى رأسه التاج الشريف والدرّة اليتيمة على جبهته، وهو محنّك مرخيّ الذؤابة مما يلي جانبه الأيسر متقلد بالسيف العربيّ وقضيب الملك بيده، ويسلم على الوزير قوم مرتّبون لذلك، ثم على القاضي وعلى الأمراء بعدهما، ثم يخرج الأمراء وبعدهم الوزير فيركب ويقف قبالة باب القصر، ويخرج الخليفة راكبا وفرسه ماشية على بسط خشية أن تزلق على الرخام والأستاذون حوله. فإذا قارب الباب وظهر وجهه، ضرب رجل ببوق لطيف معوجّ الرأس متّخذ من الذهب يقال له الغريبة مخالف لصوت الأبواق، فتضرب البوقات في المواكب، وتنشر المظلة، ويخرج الخليفة من باب القصر فيقف وقفة يسيرة بمقدار ركوب الأستاذين المحنكين وغيرهم من أرباب الرتب الذين كانوا في الخدمة بالقاعة، ثم يسير الخليفة في الموكب وصاحب المظلة على يساره، وهو يحرص ألّا يزول ظلها عن الخليفة، ثم يكتنف الخليفة مقدّمو صبيان الركاب،
اثنان منهم في شكيمتي لجام «1» فرسه، واثنان في عنق الفرس من الجانبين، واثنان في ركابه من الجانبين أيضا، والأيمن منهما هو صاحب المقرعة «2» الذي يناولها للخليفة ويتناولها منه، وهو الذي يؤدي عن الخليفة مدّة ركوبه الأوامر والنواهي، واللواءان المعروفان بلواءي الحمد «3» عن جانبيه، والمذبّتان عند رأس فرس الخليفة، والركابية «4» يمينه وشماله نحو ألف رجل مقلد والسيوف مشدود والأوساط بالمناديل والسلاح، وهم من جانبي الخليفة كالجناحين المادّين، بينهما فرجة لوجه الفرس ليس فيها أحد، وبالقرب من رأسها الصقلبيان الحاملان للمذبتين، وهما مرفوعتان كالنخلتين «5» . (ويترتب الموكب) : أجناد الأمراء وأولادهم وأخلاط العسكر أمام الموكب وأدوان الأمراء يلونهم، وبعدهم أرباب القضب الفضة من الأمراء، ثم أرباب الأطواق منهم، ثم الأستاذون المحنكون، ثم أهل الوزير المتقدّم ذكرهم، ثم الحاملان للواءي الحمد من الجانبين، ثم حامل الدواة وحامل السيف بعده، وهما من الجانب الأيسر، وكل واحد ممن تقدّم ذكره بين عشرة إلى عشرين من أصحابه، ثم الخليفة بين الركابية، وهو سائر على تؤدة ورفق، وفي أوائل العسكر ومتقدّميه والي القاهرة ذاهبا وعائدا لفسح الطرقات وتسيير من يقف، وفي وسط العسكر اسفهسلار يحث الأجناد على الحركة ويزجر المتازحمين والمعترضين في العسكر ذاهبا وعائدا، وفي زمرة الخليفة صاحب الباب لترتيب العسكر وحراسة طرقات الخليفة ذاهبا وعائدا، يلقى صاحب الباب اسفهسلار، واسفهسلار يلقى والي القاهرة، وفي يد كل منهم دبّوس، وخلف الخليفة جماعة من الركابية لحفظ أعقابه، ثم عشرة يحملون عشرة سيوف في
خرائط ديباج أحمر وأصفر يقال لها سيوف الدم برسم ضرب الأعناق، وبعدهم الحاملون للسلاح الصغير المتقدّم الذكر؛ ووراءه الوزير في هيئة عظيمة، وفي ركابه نحو خمسمائة رجل ممن يختاره لنفسه من أصحابه «1» ، وقوم يقال لهم صبيان الزّرد من أقوياء الأجناد من جانبيه بفرجة لطيفة أمامه دون فرجة الخليفة مجتهدا ألّا يغيب الخليفة عن نظره، وخلفه الطّبول والصّنوج والصفافير في عدّة كثيرة تدوي من أصواتها الدنيا، ووراء ذلك حامل الرمح المقدّم ذكره والدرقة المنسوبة إلى حمزة «2» ، ثم رجال الأساطيل مشاة ومعهم القسيّ العربية، وتسمّى قسيّ الرّجل والركاب، ما يزيد على خمسمائة رجل؛ ثم طوائف الرجال من المصامدة، ثم الريحانية والجيوشية، ثم الفرنجية، ثم الوزيرية «3» : زمرة بعد زمرة في عدة وافرة تزيد على أربعة آلاف؛ ثم أصحاب الرايات والسبعين، ثم طوائف العساكر: من الآمرية والحافظية والحجرية الكبار والحجريّة الصّغار والأفضلية والجيوشية، ثم الأتراك المصطنعون، ثم الديلم، ثم الأكراد، ثم الغزّ المصطنعة وغيرهم ما يزيد على ثلاثة آلاف فارس.
قال ابن الطوير: وهذا كله بعض من كلّ. وإذا ترتب الموكب على ذلك، سار من باب القصر الذي خرج منه بين القصرين، يسير بموكبة حتّى يخرج من باب النصر ويصل إلى حوض كان هناك يعرف بعزّ الملك على القرب من باب
النصر، ثم ينعطف على يساره طالبا باب الفتوح، وربما عطف عند خروجه من باب النصر على يساره، وسار بجانب السّور حتّى يأتي باب الفتوح فيدخل منه.
وكيفما كان فإنه يدخل منه، ويسير الموكب حتّى ينتهي بين القصرين فيقف العسكر هناك على ما كان عليه عند الركاب ويترجّل الأمراء. فإذا انتهى الخليفة إلى الجامع الأقمر وقف هناك في جماعته وينفرج الموكب للوزير فيتحرّك مسرعا ليصير أمام الخليفة. فإذا مرّ بالخليفة، سكع «1» له سكعة ظاهرة، فيشير الخليفة بالسلام عليه إشارة خفيفة، وهذه أعظم كرامة تصدر من الخليفة، ولا تكون إلا للوزير صاحب السيف. فإذا جاوز الوزير الخليفة، سبقه إلى باب القصر ودخل راكبا على عادته والأمراء أمامه مشاة إلى الموضع الذي ركب منه بدهليز العمود المقدّم ذكره، فيترجل هناك ويقف هو والأمراء لانتظار الخليفة. فإذا انتهى الخليفة إلى باب القصر، ترجل الأستاذون المحنّكون ودخل الخليفة القصر وهو راكب والأستاذون محدقون به. فإذا انتهى إلى الوزير، مشى الوزير أمام وجه فرسه إلى الكرسيّ الذي ركب من عليه فيخدمه الوزير والأمراء، وينصرفون ويدخل الخليفة إلى دوره.
فإذا خرج الوزير إلى مكان ترجّله ركب، والأمراء بين يديه، وأقاربه حواليه إلى خارج باب القصر، فيركب منهم من يستحق الركوب، ويمشي من يستحق المشي، ويسيرون في خدمته إلى داره، فيدخل راكبا وينزل على كرسيّ فيخدمه الجماعة وينصرفون، وقد رأى الناس من حسن الموكب ما أبهجهم وراق خواطرهم، ويتفرّق الناس إلى أماكنهم فيجدون الخليفة قد أرسل إليهم الغرّة:
وهي دنانير رباعية ودراهم خفاف مدوّرة، ويكون الخليفة قد أمر بضربها في العشر الأخير من ذي الحجة برسم التفرقة في هذا اليوم، لكل واحد من الوزير والأمراء وأرباب المراتب من حملة السيوف والأقلام قدر مخصوص من ذلك، فيقبلونها على سبيل التبرك من الخليفة، ويكتب إلى البلاد والأعمال مخلّقات بالبشائر بركوب أوّل العام كما يكتب بوفاء النيل وركوب الميدان الآن.