الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الزيادة رواها كأصلها ابن حبان-، قال:
"وادّعى النووي في "شرح المهذب" الاتفاق على ضعف هذا الحديث، وتصحيح ابن حبان له يَرُدُّ عليه، مع نقل الترمذي عن ابن معين أنه صحيح أيضًا؛ كما تقدّم"!
قلت: الترمذي إنما ذكر ذلك بعد أن ساق الحديث بدون الزيادة؛ فهو غير وارد على النووي؛ لأنه صرح بصحة الحديث بدون الزيادة كما سبق؛ بل إنه نقل قول الترمذي فيه:
"حديث حسن صحيح".
والحق والعدل: أن من صحح أصل الحديث يلزمه أن يصحح هذه الزيادة؛ لأنه من طريقه؛ وهو الذي نراه ونجزم به.
ومن ضعف الزيادة يلزمه أن يضعف الحديث من أصله، لا كما فعل النووي رحمه الله. والله تعالى هو الموفق.
61 - باب المسح على الجوربين
147 -
عن هُزَيْلِ بن شُرَحْبيل عن المغيرة بن شعبة:
أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين.
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري، وصححه ابن حبان، وقال الترمذي: إنه "حديث حسن صحيح"، واحتج به ابن حزم).
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان الثوري عن أبي قيس الآوْدِيِّ عن هزيل بن شرحبيل عن المغيرة بن شعبة.
وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري.
والحديث أخرجه أحمد (4/ 252): ثنا وكيع
…
به.
وكذلك أخرجه الترمذي. وابن ماجة عن وكيع.
وأخرجه الطحاوي (1/ 58)، والبيهقي (1/ 283) من طريق أبي عاصم عن سفيان الثوري. ثم قال الترمذي:
"حديث حسن صحيح".
واعلم أن هذا الحديث مما اختلفت فيه آراء علماء الحديث تصحيحًا وتضعيفًا: فصححه الترمذي وغيره كما يأتي، وضعفه البيهقي وغيره كالمصنف؛ حيث قال عقبه:
"كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث بهذا الحديث؛ لأن المعروف عن المغيرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين"! وذكر البيهقي عن مسلم وغيره تضعيفه؛ بسبب ما أشار إليه المصنف عن ابن مهدي من المخالفة! وتعقبه ابن التركماني بقوله:
"قلت: هذا الخبر أخرجه أبو داود وسكت عنه؛ وصححه ابن حبان، وقال الترمذي: حسن صحيح. وأبو قيس عبد الرحمن بن ثروان؛ وثقه ابن معين. وقال العجلي: ثقة ثبت. وهزيل؛ وثقه العجلي، وأخرج لهما معًا البخاري في "صحيحه". ثم إنهما لم يخالفا الناس مخالفة معارضة؛ بل رويا أمرًا زائدًا على ما رووه بطريق مستقل غير معارض؛ فيحمل على أنهما حديثان. ولهذا صحح الحديث كما مر".
وذكر بعضَ هذا: ابنُ دقيق العيد رحمه الله؛ ففي "نصب الراية"(1/ 185):
"قال الشيخ تقي الدين في "الإمام": ومن يصححه يعتمد -بعد تعديل أبي قيس- على كونه ليس مخالفًا لرواية الجمهور مخالفة معارضة، بل هو أمر زائد على ما رووه، ولا يعارضه؛ ولا سيما وهو طريق مستقل برواية هزيل عن المغيرة؛ لم يشارك المشهورات في سندها".
وهذا هو التحقيق في هذا الحديث. وأوضح ذلك الأستاذ الفاضل الشيخ أحمد محمد شاكر في تعليقه على "الترمذي"؛ فقال (1/ 168) -بعد أن ذكر بعض كلمات المضعفين-:
"وليس الأمر كما قال هؤلاء الأئمة؛ والصواب صنيع الترمذي في تصحيح هذا الحديث، وهو حديث آخر غير حديث المسح على الخفين، وقد روى الناس عن المغيرة أحاديث المسح في الوضوء؛ فمنهم من روى المسح على الخفين، ومنهم من روى المسح على العمامة، ومنهم من روى المسح على الجوربين، وليس شيء منها بمخالف للآخر؛ إذ هي أحاديث متعددة، وروايات عن حوادث مختلفة، والمغيرة صحب النبيّ صلى الله عليه وسلم نحو خمس سنين؛ فمن العقول أن يشهد مع النّبيّ وقائع متعددة في وضوئه ويحكيها؛ فيسمع بعض الرواة منه شيئًا، ويسمع غيره شيئًا آخر؛ وهذا واضح بديهي".
وللحديث شاهد وهو:
148 -
قال أبو داود: "وروي هذا أيضًا عن أبي موسى الأشعري عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: أنه مسح على الجوربين. وليس بالمتصل ولا بالقوي".
(قلت: انقطاعه غير مسلَّم، ثمّ هو قوي بما قبله).
إسناده: هو كما ترى معلق، وقد وصله ابن ماجة والطحاوي والبيهقي من طريق عيسى بن يونس عن أبي سنان عيسى بن سنان عن الضحاك بن عبد الرحمن
عن أبي موسى قال:
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الجوربين والنعلين.
وأعله المصنف بما تراه في الأعلى؛ وأوضح ذلك البيهقي فقال:
"الضحاك بن عبد الرحمن لم يثبت سماعه من أبي موسى. وعيسى بن سنان ضعيف لا يحتج به"! قال ابن التركماني:
"قلت: هذا أيضًا كما تقدّم: أنه على مذهب من يشترط للاتصال ثبوت السماع، ثمّ هو معارض بما ذكره عبد الغني؛ فإنه قال في "الكمال": سمع الضحاك من أبي موسى. وابن سنان وثقه ابن معين وضعفه غيره، وقد أخرج الترمذي في (الجنائز) حديثًا في سنده عيسى بن سنان هذا؛ وحسنه".
قلت: الحق: أن عيسى بن سنان ضعيف عند جمهور المحدثين من قبل حفظه؛ دون أن يتهم؛ فمثله قد يكون حسن الحديث إذا توبع أو كان له شاهد.
وأما سماع الضحاك من أبي موسى؛ فهو الظاهر؛ لأن المثبت مقدّم على النافي. وكأنه لذلك ذكر له المزي في "التهذيب" رواية عن أبي موسى، وتبعه الحافظ في "تهذيبه". ولو كانا يريان عدم سماعه منه؛ لقالا بعد أن ذكرا روايته عنه:
"ولم يسمع منه"! كما هي عادتهما في مثل ذلك. والله أعلم.
وبالجملة؛ فالحديث قوي يشاهده الذي قبله.
149 -
قال أبو داود: "ومسح على الجوربين: علي بن أبي طالب وأبو مسعود والبراء بن عازب وأنس بن مالك وأبو أمامة وسهل بن سعد وعمرو ابن حُرَيْثٍ. وروي ذلك عن عمر بن الخطاب، وابن عباس".
(قلت: قد وقفنا على أثر علي بن أبي طالب؛ وفي سنده من لم نجد له ترجمة وعلى أثر أبي مسعود؛ وإسناده صحيح على شرط الشيخين. وعلى أثر البراء بن عازب؛ وإسناده صحيح على شرط مسلم. وأنس بن مالك؛ وإسناده صحيح على شرط الشيخين. وأبي أمامة؛ وإسناده حسن. وعمر بن الخطاب؛ وإسناده ضعيف).
قلت: أما أثر علي؛ فوصله عبد الرزاق في "مصنفه" -كما في "نصب الراية"(1/ 186) - فقال: أخبرنا الثوري عن الزّبرِقَانِ عن كعب بن عبد الله قال:
رأيت عليًّا بال؛ فمسح على جوربيه ونعليه، ثمّ قام يصلّي.
وكذا أخرجه البيهقي (1/ 258) من طريق إسرائيل عن الزبرقان.
وخالفهما شعبة فقال: عن أبي الورقاء سمع رجلًا من قومه -يقال له: عبد الله بن كعب- يقول
…
فذكره: أخرجه البيهقي.
فقلب اسم كعب بن عبد الله؛ فقال: عبد الله بن كعب. والصواب الأول، وقد بحثت عن ترجمته كثيرًا؛ فلم أجد من ذكره!
وأما أبو الورقاء؛ فإن كان هو فائد بن عبد الرحمن الكوفي العطار؛ فهو متروك.
وإن كان غيره؛ فلم أعرفه!
وأما أثر أبي مسعود؛ فوصله عبد الرزاق أيضًا قال: أخبرنا الثوري عن منصور عن خالد بن سعد قال:
كان أبو مسعود الأنصاري يمسح على جوربين له -من شعر- ونعليه.
أخبرنا الثوري عن الأعمش عن إبراهيم عن همام بن الحارث عن أبي مسعود
…
نحوه.
وهذا إسناد صحيح. والذي قبله صحيح على شرط الشيخين.
وأخرجه البيهقي عن شعبة عن منصور.
(تنبيه): كذا في نسخة: "أبو مسعود".
وفي نسخة "عون المعبود": "ابن مسعود"؛ وقد وصله عنه عبد الرزاق أيضًا: أخبرنا معمر عن الأعمش عن إبراهيم:
أن ابن مسعود كان يمسح على خفيه، ويمسح على جوربيه.
ورجاله ثقات رجال الستة؛ لكنه منقطع؛ فإن إبراهيم -وهو ابن يزيد النخعي- لم يلق ابن مسعود.
بيد أنه رواه الطبراني في "الكبير"؛ قال في "المجمع"(1/ 258):
"ورجاله موثقون".
وأما أثر البراء؛ فقال عبد الرزاق: أخبرنا الثوري عن الأعمش عن إسماعيل ابن رجاء عن أبيه قال:
رأيت البراء يمسح على جوربيه ونعليه.
وأخرجه البيهقي من طريق ابن نمير عن الأعمش.
وهذا سند صحيح على شرط مسلم.
وأما أثر أنس؛ فله عنه طرق:
(1)
قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن قتادة عن أنس بن مالك:
أنه كان يمسح على الجوربين.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
(2)
أخرجه البيهقي من طريق الأعمش -أظنه- عن سعيد بن عبد الله قال:
رأيت أنس بن مالك أتى الخلاء، فتوضأ ومسح على قلنسوة بيضاء مزرورة، وعلى جوربين أسودين مِرْعَزّييْنِ.
وسعيد بن عبد الله؛ الظاهر أنه ابن عبد الله بن ضرار؛ قال أبو حاتم:
"ليس بقوي"؛ كما في "الميزان".
(3)
ذكر ابن حزم (2/ 85) من طريق الضحاك بن مخلد عن سفيان الثوري: حدثني عاصم الأحول قال:
رأيت أنس بن مالك مسح على جوربيه.
وهذا إسناد صحيح على شرطهما.
(4)
ومن طريق حماد بن سلمة عن ثابت البناني وعبيد الله بن أبي بكر بن أنس بن مالك قالا جميعًا:
كان أنس بن مالك يمسح على الجوربين والخفين والعمامة.
وهذا إسناد أو إسنادان صحيحان على شرط مسلم.
وأما أثر أبي أمامة؛ فذكره ابن حزم عن حماد بن سلمة عن أبي غالب عن أبي أمامة الباهلي:
أنه كان يمسح على الجوربين والخفين والعمامة.
وهذا إسناد حسن.
وأما أثر عمر؛ فذكره ابن حزم من طريق وكيع عن أبي جَنَابٍ عن أبيه عن خِلاس بن عمرو عن ابن عمر قال:
بال عمر بن الخطاب يوم الجمعة، ثم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين، وصلّى بالناس الجمعة.
وهذا إسناد ضعيف؛ أبو جناب: هو يحيى بن أبي حية، كان يحيى بن سعيد يتكلم فيه وفي أبيه.
وأما بقية الآثار -وهما عن سهل بن سعد، وعمرو بن حريث، وابن عباس-؛ فلم أقف عليها!
نعم؛ ذكر المعلق على "نصب الراية" أن أثر سهل: عند ابن أبي شيبة (ص 116)، لكن هذا الكتاب لم يصل إلينا بعد، وإنما وقفنا على الجزء الرابع منه.
وروى الطبراني في "الكبير" عن عمرو بن حريث:
أنه مسح على نعليه ثمّ قام فصلّى. قال في "المجمع"(1/ 258):
"ورجاله ثقات".
(فائدة): لم يرد شيء يدل على اعتبار اشتراط الثخانة في الجوربين لجواز المسح عليهما، بل قال النووي في "المجموع" (1/ 500):
"وحكى أصحابنا عن عمر وعلي رضي الله عنهما جواز المسح على الجورب وإن كان رقيقًا، وحكوه عن أبي يوسف ومحمد وإسحاق وداود".
قلت: وهو مذهب ابن حزم.