المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌69 - باب الوضوء من القبلة - صحيح سنن أبي داود ط غراس - جـ ١

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الناشر

- ‌1 - كتاب الطهارة

- ‌1 - باب التَّخَلِّي عند قضاء الحاجة

- ‌2 - باب الرجل يتبوأ لبوله

- ‌3 - باب ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء

- ‌4 - باب كراهية استقبال القبلة عند الحاجة

- ‌5 - باب الرخصة في ذلك

- ‌6 - باب كيف التكشُّف عند الحاجة

- ‌7 - باب كراهية الكلام عند الخلاء

- ‌8 - باب أيَرُدُّ السلامَ وهو يبول

- ‌9 - باب في الرجل يذكر الله على غير طُهْرٍ

- ‌10 - باب الخاتم يكون فيه ذكر الله يدخل به الخلاء

- ‌11 - باب الاستبراء من البول

- ‌12 - باب البول قائمًا

- ‌13 - باب في الرجل يبول بالليل في الإناء ثمّ يضعه عنده

- ‌14 - باب المواضع التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن البول فيها

- ‌15 - باب في البول في المستحمِّ

- ‌16 - باب النهي عن البول في الجُحْر

- ‌17 - باب ما يقول الرجل إذا خرج من الخلاء

- ‌18 - باب كراهية مس الذكر باليمين في الاستبراء

- ‌19 - باب الاستتار في الخلاء

- ‌20 - ومن "باب ما يُنهى عنه أن يُستنجى به

- ‌21 - باب الاستنجاء بالحجارة

- ‌22 - باب في الاستبراء

- ‌23 - باب في الاستنجاء بالماء

- ‌24 - باب الرجل يَدْلُكُ يده بالأرض إذا استنجى

- ‌25 - باب السواك

- ‌26 - باب كيف يستاك

- ‌27 - باب الرجل يستاك بسواك غيره

- ‌28 - باب غَسْلِ السواك

- ‌29 - باب السواك من الفطرة

- ‌30 - باب السواك لمن قام من الليل

- ‌31 - باب فرض الوضوء

- ‌32 - باب الرجل يجدد الوضوء من غير حدث

- ‌33 - باب ما ينجس الماء

- ‌34 - باب ما جاء في بئر بُضَاعة

- ‌35 - باب الماء لا يُجْنِبُ

- ‌36 - باب البول في الماء الراكد

- ‌37 - باب الوضوء بسؤر الكلب

- ‌38 - باب سؤر الهرة

- ‌39 - باب الوضوء بفضل وضوء المرأة

- ‌40 - باب النهي عن ذلك

- ‌41 - باب الوضوء بماء البحر

- ‌42 - ومن "باب الوضوء بالنبيذ

- ‌43 - ومن "باب أيصلي الرجل وهو حاقن

- ‌44 - باب ما يجزئ من الماء في الوضوء

- ‌45 - باب الإسراف في الماء

- ‌46 - باب في إسباغ الوضوء

- ‌47 - باب الوضوء في أنية الصُّفْرِ

- ‌48 - باب التسمية على الوضوء

- ‌49 - باب في الرجل يُدْخِلُ يده في الإناء قبل أن يغسلها

- ‌50 - باب صفة وضوء النّبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌51 - باب الوضوء ثلاثًا ثلاثًا

- ‌52 - باب الوضوء مرتين

- ‌53 - باب الوضوء مرة مرة

- ‌54 - باب في الفرق بين المضمضة والاستنشاق

- ‌55 - باب في الاستنثار

- ‌56 - باب تخليل اللِّحية

- ‌57 - ومن "باب المسح على العِمَامة

- ‌58 - باب غسل الرِّجْلَيْنِ

- ‌59 - باب المسح على الخفين

- ‌60 - باب التوقيت في المسح

- ‌61 - باب المسح على الجوربين

- ‌62 - باب

- ‌63 - ومن "باب كيف المسح

- ‌64 - باب الانتضاح

- ‌65 - باب ما يقول الرجل إذا توضأ

- ‌66 - باب الرجل يصلّي الصلوات بوضوء واحد

- ‌67 - باب تفريق الوضوء

- ‌68 - باب إذا شك في الحدث

- ‌69 - باب الوضوء من القُبلة

- ‌70 - باب الوضوء من مَسِّ الذَّكرِ

- ‌71 - باب الرخصة في ذلك

- ‌72 - باب في الوضوء من لحوم الإبل

- ‌73 - باب في الوضوء من مس اللحم النِّيءِ وغسله

- ‌74 - باب ترك الوضوء مِنْ مَسِّ الميتة

- ‌75 - باب في ترك الوضوء مما مسّت النار

- ‌76 - باب التشديد في ذلك

- ‌77 - باب في الوضوء من اللين

- ‌78 - باب الرخصة في ذلك

- ‌79 - باب الوضوء من الدم

- ‌80 باب الوضوء من النوم

- ‌81 - باب في الرجل يطأ الأذى

- ‌82 - باب من يُحدِثُ في الصلاة

- ‌83 - باب في المذي

- ‌84 - باب في الإكسال

- ‌85 - باب في الجنب يعود

- ‌86 - باب الوضوء لمن أراد أن يعود

- ‌87 - باب الجنب ينام

- ‌88 - باب الجنب يأكل

- ‌89 - باب من قال: يتوضأ الجنب

- ‌90 - باب الجنب يؤخر الغسل

- ‌91 - باب في الجنب يقرأ القرآن

- ‌92 - باب في الجنب يصافح

- ‌93 - باب في الجنب يدخل المسجد

- ‌94 - باب في الجنب يصلي بالقوم وهو ناسٍ

- ‌95 - باب في الرجل يجد البِلَّةَ في منامه

- ‌96 - باب المرأة ترى ما يرى الرجل

- ‌97 - باب مقدار الماء الذي يُجْزِى به الغُسْل

- ‌98 - باب في الغُسْل من الجنابة

- ‌99 - باب الوضوء بعد الغسل

الفصل: ‌69 - باب الوضوء من القبلة

‌69 - باب الوضوء من القُبلة

171 -

عن إبراهيم التيمي عن عائشة:

أن النبي صلى الله عليه وسلم قبَّلها ولم يتوضأ.

قال أبو داود: "وهو مرسل: إبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة".

(قلت: وهو كما قال، لكن الحديث صحيح؛ لأنه جاء موصولًا عنها وهو [التالي]).

إسناده: حدثنا محمد بن يشار: ثنا يحيى وعبد الرحمن قالا: ثنا سفيان عن أبي رَوْقٍ عن إبراهيم التيمي.

قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير أبي روق هذا -واسمه عطية بن الحارث-، وهو صالح كما قال ابن معين. وقال غيره:

"ليس به بأس".

فالإسناد صحيح لولا ما فيه من الانقطاع الذي صرح به المؤلف في الكتاب.

لكن يقويه أنه جاء موصولًا من وجه آخر عن عائشة رضي الله عنها؛ وهو المذكور بعده، ولذلك صححه السيوطي في آخر "الجامع الكبير".

والحديث رواه النسائي (1/ 39)، والدارقطني (51)، والبيهقي (1/ 126 - 127)، وعبد الرزاق (1/ 135 / 511)، وأحمد (6/ 210) من طرق أخرى عن سفيان

به. وفي لفظ للدارقطني:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ، ثم يقبل بعدما يتوضأ، ثم يصلي ولا يتوضأ.

وأعله هو والبيهقي بما سبق ذكره من الانقطاع؛ وزاد البيهقي:

ص: 316

"وأبو روق ليس بقوي، ضعفه يحيى بن معين وغيره"!

قلت: كذا نقل البيهقي عن يحيى! وقد نقلنا عنه آنفًا أنه قال فيه:

"صالح"؛ وهو الذي ذكره في "التهذيب"، ولم يَحْكِ عن ابن معين غيره؛ كما أنه لم يذكر عن أحد من الأئمة تضعيفه؛ فلا أدري أفات هذا الذي ذكره البيهقي على المزي ثم الحافظ؟ ! أم أنهما تركاه عمدًا؟ ! أم أن البيهقي وهم في نقله عن يحيى وغيره؟ ! والله أعلم.

والحديث قال المصنف عقبه: "كذا رواه الفريابي وغيره، وهو مرسل

" إلخ.

قلت: والفريابي: هو محمد بن يوسف الضَّبِّيُّ، وهو ثقة من رجال الشيخين، روى عن الثوري ولازمه، ويعني المصنف أنه رواه كغيره عن سفيان منقطعًا.

وقد روي موصولًا، فقد قال الدارقطني:

"وقد روى هذا الحديث: معاوية بن هشام عن الثوري عن أبي روق عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن عائشة؛ فوصل إسناده". قال ابن التركماني (1/ 125):

"ومعاوية هذا؛ أخرج له مسلم في "صحيحه"، فزال بذاك انقطاعه".

172 -

عن عروة عن عائشة:

أن النبي صلى الله عليه وسلم قبّل امرأة من نسائه، ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ.

قال عروة: فقلت لها: من هي إلا أنت؟ ! فضحكت.

(قلت: حديث صحيح، وعروة: هو ابن الزبير، وقد صححه ابن التركماني والزيلعي وقال: "وقد مال ابن عبد البر إلى تصحيح هذا الحديث،

ص: 317

فقال: صححه الكوفيون وثبتوه لرواية الثقات من أئمة الحديث له").

إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: ثنا وكيع: ثنا الأعمش عن حبيب عن عروة.

وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ وعروة: هو ابن الزبير، كما جاء منسوبًا في بعض الروايات الصحيحة في هذا الإسناد وغيره، كما يأتي بيانه.

ومع ذلك؛ فإن لهذا الإسناد علةً تمنع من الحكم عليه بالصحة؛ إذا ما تجردنا عن العصبية المذهبية، وحكّمنا فيه القواعد الحديثية المحكمة.

وهذه العلة: هي عنعنة حبيب بن أبي ثابت؛ فإنه موصوف بالتدليس، وصفه بذلك ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما، ولذلك قال الحافظ في "التقريب":

"ثقة فقيه جليل، وكان كثير الإرسال والتدليس".

وعلى ذلك أورده في كتابه "طبقات المدلسين" في المرتبة الثالثة، وهي مرتبة مَن أكثر من التدليس فلم يَحْتَجَّ الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع، ومنهم من رد حديثهم مطلقًا، ومنهم من قبلهم؛ كأبي الزبير المكي. كذا ذكر في المقدمة، ثم قال (ص 12):

"حبيب بن أبي ثابت الكوفي تابعي مشهور يكثر التدليس، وصفه بذلك ابن خزيمة والدارقطني وغيرهما، ونقل أبو بكر بن عياش عن الأعمش عنه أنه كان يقول: لو أن رجلًا حدثني عنك ما باليت إن رويته عنك؛ يعني: وأسقطه من الوسط".

وقد ذهل عن هذا كله بعض المحققين من المعاصرين؛ فقال: إنه "لم يعرف بالتدليس"!

ص: 318

هذا هو علة هذا الإسناد، ومرجع ذلك أنه منقطع، وقد أعله بذلك البخاري وغيره كما يأتي. وقد أُعلَّ بعلل أخرى جرى حولها جدل طويل بين المتقدمين والمتأخرين، كان للعصبية المذهبية حظ وافر في ترجيح الصحة والضعف، وشرح ذلك مما يطول به الكلام جدًّا، فمن شاء الوقوف على ذلك؛ فليراجع "الجوهر النقي في الرد على البيهقي"(1/ 123 - 127)، و "نصب الراية"(1/ 71 - 75)، وتعليق المحقق أحمد محمد شاكر على "سنن الترمذي"(1/ 133 - 139)، وعلى "المحلى"(1/ 245 - 246). وقد جنح هؤلاء كلهم إلى تصحيح الحديث؛ وهو الحق كما سيأتي بيانه، مع ذكر بعض العلل المشار إليها.

ثم قال المصنف عقب الحديث:

"هكذا رواه زائدة وعبد الحميد الحِمَّاني عن سليمان الأعمش".

قلت: حديث زائدة لم أقف عليه!

وأما عبد الحميد الحِمَّاني -وهو ابن عبد الرحمن أبو يحيى-؛ فأخرج حديثه الدارقطني (ص 50) من طرق شتى عنه قال: نا الأعمش

به ولفظه:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح صائمًا، ثم يتوضأ للصلاة، فَتَلْقَاهُ المرأة من نسائه، فيقبِّلها ثم يصلي. قال عروة: من ترينها غيرك؟ فضحكت.

ورواه من طريق علي بن هاشم وأبي بكر بن عياش عن الأعمش

به دون ذكر الصوم.

ثم أخرجه هو، والترمذي (1/ 133)، وابن ماجة (1/ 181)، وأحمد (6/ 210) من طرق عن وكيع

به؛ إلا أن أحمد وابن ماجة قالا: عروة بن الزبير

فعيَّنا وبيَّنا ما أُبهم في رواية الآخرين؛ وقد ذكرنا آنفًا ما يؤيد -من المعنى- أنه عروة بن الزبير. ولذلك قال الزيلعي (1/ 72):

ص: 319

"أخرجه ابن ماجة بسند صحيح"!

كذا قال! وفيه ما علمت من التدليس. ثم قال:

"وقد مال أبو عمر بن عبد البر إلى تصحيح هذا الحديث؛ فقال: صححه الكوفيون وثبتوه؛ لرواية الثقات من أئمة الحديث له، وحبيب لا ينكر لقاؤه عروة؛ لروايته عمن هو أكبر من عروة وأقدم موتًا. وقال في موضع آخر: لا شك أنه أدرك عروة. انتهى"!

قلت: وهذا كلام صحيح قويم؛ لولا أن حبيبًا عرف بالتدليس كما سبق؛ فلا بد من الوقوف على تصريح بالسماع في هذا الحديث لتزول شبهة التدليس؛ لا سيما وأن الترمذي قال عقب الحديث:

"وسمعت محمد بن إسماعيل يضعف هذا الحديث، وقال: حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة". وقال ابن أبي حاتم في كتاب "المراسيل" عن أبيه:

"أهل الحديث اتفقوا على ذلك [يعني: على عدم سماعه منه، قال] واتفاقهم على شيء يكون حجة". كذا في "تهذيب التهذيب".

فتصحيح هذا الإسناد لذاته -كما فعل ابن التركماني والزيلعي وغيرهم- ليس بصحيح! ومن العجيب أن هؤلاء ومخالفيهم لم يتعرضوا لهذه العلة -علة التدليس- لا طعنًا ولا دفعًا؛ بل سودوا صحائف كثيرة في إيراد علل أو دفعها؛ الحديث في منجىً منها، وذهلوا جميعًا عن العلة الحقيقية فيه، والمعصوم من عصمه الله!

لكن هذه العلة لا تقدح في صحة الحديث؛ لأن حبيبًا لم يتفرد به، فقد تابعه هشام بن عروه عن أبيه عروة بن الزبير؛ فقال الدارقطني (50): حدثنا أبو بكر النيسابوري: نا حاجب بن سليمان: نا وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت:

ص: 320

قبَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض نسائه، ثم صلى ولم يتوضأ؛ ثم ضحكت.

وهذا إسناد صحيح: أبو بكر النيسابوري ثقة إمام مشهور.

وحاجب بن سليمان ثقة عند النسائي وابن حبان وغيرهما، ولم يتكلم فيه أحد إلا الدارقطني من أجل هذا الحديث.

وبقية رجاله ثقات مشهورون رجال الستة. قال الدارقطني عقبه: "تفرد به حاجب عن وكيع، ووهم فيه، والصواب عن وكيع بهذا الإسناد: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبّل وهو صائم. وحاجب لم يكن له كتاب، إنما كان يحدث من حفظه"!

ورد عليه الزيلعي -تبعًا لابن التركماني- بما خلاصته: أن حاجبًا ثقة، وتوهيمه بمجرد مخالفته للأكثرين لا يجوز؛ لأنه جاء بزيادة غير منافية لروايتهم.

قلت: ويؤيد ذلك: أن الحماني روى الحديث عن الأعمش، وجمع فيه بين التقبيل وهو صائم، وبين الصلاة بعد ذلك كما سبق. فالظاهر أن هذا هو أصل الحديث، فروى بعضهم منه التقبيل وهو صائم، وبعضهم ترك الوضوء من التقبيل؛ وكل ثقة، فما رواه هذا لا يعارض رواية ذاك وبالعكس.

ومما يدفع دعوى الدارقطني هذه: أن حاجبًا لم يتفرد به؛ بل تابعه أبو أويس: حدثني هشام بن عروة

به.

أخرجه الدارقطني أيضًا: حدثنا الحسين بن إسماعيل: نا علي بن عبد العزيز الوَرَّاق: نا عاصم بن علي: نا أبو أويس

به، ولفظه:

أنها بلغها قول ابن عمر: (في القبلة الوضوء). فقالت:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقَبِّل وهو صائم ثم لا يتوضأ.

وهذا يؤيد ما ذكرت آنفًا أن أصل الحديث: الجمع بين القضيتين.

ص: 321

وهذا إسناد حسن صحيح؛ وأبو أويس: اسمه عبد الله بن عبد الله بن أويس الأصبحي؛ وهو ثقة تكلم فيه بعضهم من قبل حفظه، وأنه يخالف في بعض حديثه، وهو هنا لم يخالف أحدًا؛ بل وافق وكيعًا في رواية هذا الحديث عن هشام ابن عروة.

وبقية رجاله ثقات؛ ولم يستطع الدارقطني أن يتكلم عليه بشيء غير قوله:

"ولا أعلم حدث به عن عاصم بن علي هكذا غير علي بن عبد العزيز"!

قلت: وهذا لا شيء؛ فإن علي بن عبد العزيز: هو البغوي، وهو إمام مشهور، والدارقطني نفسه يروي عنه كثيرًا، وقد قال فيه:

"ثقة مأمون".

فمثله لا يتوقف في قبول ما تفرد به؛ بل ينظر فيما يخالفه فيه غيره من الثقات، فلعله يكون أحفط منهم وأرجح رواية، كما قال بعض المحققين.

وأما عاصم بن علي؛ فيكفي فيه أنه من شيوخ البخاري في "صحيحه".

وقد تابعه آخرون عن هشام بن عروة عن أبيه: عند الدارقطني وغيره؛ وفيما ذكرنا كفاية لمن أنصف.

وقد جاء الحديث عن عائشة بإسناد آخر صحيح؛ فقال ابن التركماني -وتبعه الزيلعي-:

"قال أبو بكر البزار في "مسنده": حدثنا إسماعيل بن يعقوب بن صَبِيح: حدثنا محمد بن موسى بن أَعْيَنَ: حدثنا أبي عن عبد الكريم الجَزرِيِّ [عن عطاء] عن عائشة:

أنه عليه الصلاة والسلام كان يقبِّل بعض نسائه ولا يتوضأ.

ص: 322

وعبد الكريم روى عنه مالك في "الموطأ"، وأخرج له الشيخان وغيرهما، ووثقه ابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة وغيرهم. وموسى بن أعين مشهور، وثقه أبو زرعة وأبو حاتم، وأخرج له مسلم. وابنه مشهور، روى له البخاري. وإسماعيل روى عنه النسائي ووثقه، وأبو عوانة الإسفراييني، وأخرج له ابن خزيمة في "صحيحه"، وذكره ابن حبان في "الثقات".

وأخرج الدارقطني هذا الحديث من وجه آخر عن عبد الكريم. وقال عبد الحق بعد ذكره لهذا الحديث من جهة البزار: لا أعلم له علة توجب تركه، ولا أعلم فيه مع ما تقدم أكثر من قول ابن معين: حديث عبد الكريم عن عطاء حديث رديءٌ؛ لأنه غير محفوظ. وانفراد الثقة بالحديث لا يضره".

وقال الحافظ ابن حجر في "الدراية"(ص 20):

"رجاله ثقات".

وإسناده عند الدارقطني (50) هكذا: حدثنا عثمان بن أحمد الدَّقَّاق: نا محمد بن غالب: نا الوليد بن صالح: نا عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم الجزري

به.

وهذا إسناد صحيح.

وأما الدارقطني؛ فقد أعله -على طريقته في إعلال كل إسناد لهذا الحديث، ولو بدون حجة ناهضة- فقد قال:

"يقال: إن الوليد بن صالح وهم في قوله: عن عبد الكريم؛ وإنما هو حديث غالب"!

يريد ما ساقه قبل هذا بإسناده إلى جَنْدَل بن وَالِق: نا عبيد الله بن عمرو عن غالب عن عطاء عن عائشة

به. قال:

ص: 323

"غالب: هو ابن عبيد الله؛ متروك"! !

أقول: إن عجبي من الدارقطني لا يكاد ينتهي؛ فكيف يجوّز رد رواية الثقة أو تخطئته بمجرد قوله: "يقال: إن الوليد بن صالح وهم"؟ ! ليس هذا من الممكن أن يقال في كل حديث مهما كان شأن رجاله في الثقة والعدالة؟ !

فإن الوليد هذا متفق على توثيقه، واحتج به الشيخان، ولم يتكلم فيه أحد بضعف في روايته.

ثم إن الأغرب من ذلك: أنه يخطئه بمخالفة من هو دونه في الثقة والحفظ بدرجات؛ وأعني به، جندل بن والق، الذي جعل (غالب بن عبيد الله المتروك) مكان (عبد الكريم الجزري)! وإليك ترجمته من "تهذيب التهذيب":

"ذكره ابن حبان في "الثقات". وقال مسلم: متروك. وقال البزار: ليس بالقوي".

فكيف يجوز ترجيح رواية من هذا شأنه على رواية الثقة اتفاقًا؟ ! يضاف إلى ذلك أنه لم ينفرد بهذا الإسناد؛ بل تابعه محمد بن موسى بن أعين عن أبيه عن عبد الكريم؛ كما سبق في رواية البزار.

وبالجملة؛ فهذا الحديث صحيح لا شك فيه؛ ولو لم يكن له من الأسانيد إلا هذا لكفى حجة؛ فكيف وله طرق أخرى كما سبق؟ ! وله طرق أخرى وشواهد؛ فراجعها في "نصب الراية".

173 -

عن عبد الرحمن بن مَغْراء: ثنا الأعمش: أخبرنا أصحاب لنا عن عروة المزني عن عائشة

بهذا الحديث.

(قلت: هذا إسناد ضعيف؛ أصحاب الأعمش مجهولون، والراوي عنه ابن

ص: 324

مغراء ضعيف في روايته عن الأعمش خاصة، وقد تفرد عنه بقوله: عروة المزني؛ وإنما هو عروة بن الزبير، كما قال وكيع عن الأعمش وعن هشام بن عروة).

إسناده: حدثنا إبراهيم بن مَخْلَدٍ الطَّالْقَاني: ثنا عبد الرحمن -يعني: ابن مغراء-.

وهذا إسناد ضعيف؛ لأمرين:

الأول: جهالة أصحاب الأعمش.

والآخر: أن ابن مغراء -بفتح الميم وإسكان المعجمة- ضعيف في روايته عن الأعمش خاصة، وهو في غيره صدوق. قال ابن المديني:

"ليس بشيء، كان يروي عن الأعمش ستمائة حديث، تركناه، لم يكن بذاك". قال ابن عدي:

"وهو كما قال علي؛ إنما أنكرت على أبي زهير هذا أحاديث يرويها عن الأعمش، لا يتابعه عليها الثقات، وله عن غير الأعمش، وهو من جملة الضعفاء الذين يكتب حديثهم". وقال الحافظ:

"صدوق تُكُلِّمَ في حديثه عن الأعمش".

قلت: وقد خالفه كل الثقات الذين رووا هذا الحديث عن الأعمش؛ فلم يقل أحد منهم في عروة: إنه "المزني" بل بعضهم أطلق فقال: "عروة"، وبعضهم نسبه فقال:"عروة بن الزبير"؛ كما في رواية أحمد وابن ماجة؛ وهو الصحيح كما سبق بيانه.

فالتمسك بهذه الرواية الضعيفة في تأييد أن راوي الحديث عن عائشة هو عروة

ص: 325

المزني -وهو مجهول-، وإعلال الحديث بذلك -كما فعل البيهقي- لا يجوز عند المنصفين!

وقد أشار المصنف رحمه الله إلى أن هذه الرواية مرجوحة، حيث قال عقبها:

"قال: يحيى بن سعيد القطان لرجل: احك عني أن هذين -يعني: حديث الأعمش هذا عن حبيب، وحديثه بهذا الإسناد في المستحاضة أنها تتوضأ لكل صلاة- قال يحيى: احك عني أنهما شبه لا شيء"! !

قلت: وهذا من هذا الإمام جرح مبهم؛ فلا يقبل، والظاهر أنه لم يقف على الأسانيد الأخرى للحديث! ثم قال المصنف:

"وروي عن الثوري قال: ما حدثنا حبيب إلا عن عروة المزني؛ يعني: لم يحدثهم عن عروة بن الزبير بشيء"!

قلت: وهذا لا حجة فيه؛ لأن المصنف لم يسنده؛ بل أشار إلى أنه لم يرضه، حيث قال عقيبه:

"وقد روى حمزة الزيات عن حبيب عن عروة بن الزبير عن عائشة حديثًا صحيحًا".

فهذا يدل على أن عروة في هذا الإسناد: هو عروة بن الزبير، كما سبق في رواية أحمد. وتصحيح المؤلف لهذا الحديث يدل على أنه يرى صحة رواية حبيب عن عروة! وفيه ما سبق من التدليس. وهو -على كل حال- يدل على أن الحديث لابن الزبير.

ويؤيد ذلك قوله:

ص: 326