الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنّ الحديث اتصل إليه من غير طريق شيخه أبي داود، فهذه العبارة من رواية أبي عيسى الرملي لا من رواية اللؤلؤي عن أبي داود، فلعل بعض النساخ لرواية اللؤلؤي اطلع على رواية الرملي فأدرجها في نسخة اللؤلؤي، ومراده بذلك أنه لما كانت رواية عبد السلام غير موصولة؛ أشار بوصلها برواية أبي عيسى الرملي".
قلت: وهذه العبارة وردت في النسخة التازية في صلب الكتاب؛ كأنها من كلام أبي داود!
7 - باب كراهية الكلام عند الخلاء
11 / م (*) - عن عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن هلال بن عِيَاض قال: ثني أبو سعيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"لا يخرجِ الرجلان يضربان الغائط، كاشفين عن عورتهما يتحدثان؛ فإن الله عز وجل يَمْقُتُ على ذلك".
قال أبو داود: "لم يسنده إلا عكرمة بن عمار".
(قلت: يشير بذلك إلى ضعف الحديث؛ فقد قال الآجُرِّيُّ عن أبي داود: "عكرمة بن عمار ثقة، وفي حديثه عن يحيى بن أبي كثير اضطراب" (1).
وأعلَّه المنذري وابن التركماني بجهالة هلال بن عياض هذا).
(*) كُرِّر الرقم هنا عمدًا بسبب نقل هذا الحديث من "الضعيف" إلى هنا حسبما أشار الشيخ رحمه الله في أصله (انظر ص 44).
(1)
نقله الحافظ في "التهذيب"، ونقل مثله عن الأئمة المحققين، كأحمد وابن معين والبخاري وغيرهم. واعتمد عليه في "التقريب"، فقال:
"صدوق يغلط، وفي روايته عن يحيى بن أبي كثير اضطراب؛ ولم يكن له كتاب". =
إسناده: حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة: حدثنا ابن مهدي: حدثنا عكرمة بن عمار.
والحديث أخرجه ابن ماجة أيضًا (1/ 142)، والحاكم (1/ 157 - 158)، والبيهقي (1/ 99 - 100) من طرق عن عكرمة، فقال بعضهم: هلال بن عياض -كما في رواية أبي داود-، وقال بعضهم: عياض بن هلال -على القلب-، وبعضهم قال: عياض بن عبد الله.
وهذا اضطراب شديد؛ مما يوهن الحديث؛ وإن كان البيهقي روى عن ابن خزيمة أن الصحيح من ذلك قول من قال: عياض بن هلال. قال ابن خزيمة:
"وأحسب الوهم فيه عن عكرمة بن عمار حين قال: عن هلال بن عياض"! فقد تعقبه ابن التركماني في "الجوهر النقي" بقوله:
= وأجاب المنذري في "مختصره" بما لا طائل تحته، فقال:
"وعكرمة: هو أبو عمار عكرمة بن عمار العِجْلي اليمامي، وقد احتج به مسلم في "صحيحه"، وضعّف بعض الحفاظ حديث عكرمة هذا عن يحيى بن أبي كثير، وقد أخرج مسلم حديثه عن يحيى بن أبي كثير، واستشهد البخاري بحديثه عن يحيى بن أبي كثير"!
قلت بأنه لا طائل تحته؛ لأنه إذا ثبت بأنه مضطرب الحديث عن ابن أبي كثير -بشهادة أولئك الأئمة-؛ فما ينفعه احتجاج مسلم به؛ لأسباب كثيرة، منها: أنه يحتمل أنه لم يثبت ذلك عند مسلم، فاحتج به. وأما بعد ثبوته فلا يجوز الاحتجاج به، كما لا يخفى!
على أن المنذري رحمه الله قد انشغل ذهنه بالتعقب؛ فذهل بذلك عن علة أخرى في الحديث، قادحة في الاحتجاج به، تنبه هو لها في كتاب آخر، ألا وهو "الترغيب"، فقال فيه -بعد أن عزاه لأبي داود وابن ماجة وابن خزيمة في "صحيحه"-:
"رووه كلهم من رواية هلال بن عياض -أو عياض بن هلال- عن أبي سعيد، وعياض هذا روى له أصحاب "السنن"؛ ولا أعرفه بجرح ولا بعدالة، وهو في عداد المجهولين". وكذلك قال الذهبي في "الميزان":
"لا يُعرف، ما علمت روى عنه سوى يحيى بن أبي كثير". وقال الحافظ فما "التقريب": إنه "مجهول".
"قلت: كيف يتعين أن يكون الوهم فيه عن عكرمة؛ وهو مذكور في هذا السند الذي هو فيه على الصحيح، بل يحتمل أن يكون الوهم من غيره. وقد ذكر صاحب "الإمام" أن أبان بن يزيد رواه أيضًا عن يحيى بن أبي كثير فقال: هلال ابن عياض؛ فتابع أبان عكرمة على ذلك، وابن القطان أحال الاضطراب في اسمه على يحيى بن أبي كثير. ثم ذكر البيهقي عن أبي داود أنه قال: لم يسنده إلا عكرمة. قلت: تقدم قريبًا أن أبان تابعه". قال:
"وبقي فيه علل لم يذكرها؛ منها: أنه سكت عن عكرمة هنا، وتكلم فيه كثيرًا في (باب مس الفرج بظهر الكف)، وفي (باب الكسر بالماء). ومنها: أن راوي الحديث عن الخدري لا يعرف، ولا يحصل من أمره شيء. ومنها: الاضطراب في متن الحديث، كما هو مبين في كتاب ابن القطان. وأخرجه النسائي من حديث عكرمة عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة".
قلت: ومن حديث أبي هريرة: رواه الطبراني في "الأوسط". وزعم الهيثمي في "المجمع"(1/ 207): أن "رجاله موثقون"!
وصرَّح المنذري في "الترغيب"(1/ 85): بأن "إسناده لين".
فأصاب؛ لأنه -كما ترى- مداره على عكرمة عن ابن أبي كثير؛ وهو ضعيف عنه، كما سبق.
وقد خالفه الأوزاعي -وهو الثقة الحجة-؛ فرواه عن يحيى بن أبي كثير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
مرسلًا معضلًا.
أخرجه البيهقي (1/ 100)(1).
وبالجملة؛ فالحديث ضعيف لا يصح؛ لاضطرابه وجهالة راويه موصولًا، وانقطاعه وتجرده عن شاهد يقويه.
(تنبيه): قال في "عون المعبود": "وفي بعض النسخ -بعد قوله: "إلا عكرمة"- هذه العبارة: "ثنا أبان: ثنا يحيى
…
بهذا؛ يعني: حديث عكرمة بن عمار" انتهى. قلت: ليست هذه العبارة للمؤلف أصلًا؛ لأن أبا داود ذكر أنه لم يسنده إلا عكرمة، فلم يقف عليه أبو داود مسندًا من غير رواية عكرمة، فأراد ملحق هذه العبارة الاستدراك على أبي داود؛ بأنه قد أسنده عن يحيى بن أبي كثير: أبان بن يزيد العطار. ولكن لم أقف على نسبة هذه العبارة لأحد من الأئمة"!
قلت: قد سبق نسبتها إلى صاحب "الإمام"؛ وهو ابن دقيق العيد رحمه الله.
وقد جاءت هذه العبارة في النسخة المطبوعة في المطبعة التازية بمصر.
ومما يدل على أنها ليست من أبي داود: أن أبان بن يزيد ليس من شيوخه؛ بل إنما يروي عنه أبو داود بالواسطة.
(تنبيه ثانٍ): ينبغي أن لا تغترَّ بتصحيح الحاكم للحديث؛ لما عُرف من تساهله؛ لا سيما بعد بيان ما فيه من العلل! ولا بموافقة الذهبي له، بعد أن نقلنا لك عنه أن بعض رواته لا يعرف!
وكثيرًا ما ترى الذهبي يوافق الحاكم في تصحيحه؛ خطأ منهما، وفيها كثير مما يصرّح الذهبي نفسه في "الميزان" وغيره بضعفه! ولو أردنا أن نتتبع ذلك عليه؛ لجاء
(1) وقد رجحه أبو حاتم، فقال:"الصحيح حديث الأوزاعي؛ وحديث عكرمة وهم"؛ كما في "العلل"(رقم 88).