المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مقدمة المؤلف الحمد لله على آلائه، وأشهد أن لا إله إلا - صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة - جـ ١

[كمال ابن السيد سالم]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة فضيلة الشيخ/ فؤاد سراج عبد الغفار - حفظه الله

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌[المسلك في هذا الكتاب]

- ‌تمهيدنشأة علم الفقه

- ‌[الفقه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[عهد الصحابة رضي الله عنهم]

- ‌[أحوال الناس في المائة الأولى والثانية]

- ‌1 - كتاب الطهارة

- ‌تعريف الطهارة وأهميتها

- ‌أنواع الطهارة

- ‌أولاً الطهارة الحقيقية

- ‌هل يُعَدُّ المني طاهرًا أم نجسًا

- ‌هل تُعَدُّ الخمر من النجاسات

- ‌هل يعتبر الدم من النجاسات

- ‌هل «قيء الآدمي» نجس

- ‌الاستنجاء

- ‌بم يكون الاستنجاء

- ‌بعض الآداب في الاستنجاء

- ‌هل يجوز للرجل أن يبول قائمًا

- ‌سنن الفطرة

- ‌ الختان

- ‌السواك

- ‌إعفاء اللِّحية

- ‌ثانيًا الطهارة الحكمية:

- ‌الوضوء

- ‌أركان الوضوء

- ‌نواقض الوضوء

- ‌المسح على الحوائل

- ‌أولاً: المسح على الخفين:

- ‌ثانيًا: المسح على الجوربين والنعلين

- ‌ثالثًا: المسح على غطاء الرأس:

- ‌رابعًا: المسح على الجَبيرَة

- ‌مسائل تتعلق بالغسل

- ‌التيمُّم

- ‌نواقض التيمم

- ‌الحيض والنفاس

- ‌دم النفاس

- ‌دم الاستحاضة

- ‌2 - كتاب الصلاة

- ‌تعريف الصلاة

- ‌منزلتها من الدين:

- ‌الصلوات الخمس

- ‌الأحكام الدنيوية لتارك الصلاة:

- ‌عدد الفرائض:

- ‌عدد الركعات:

- ‌مواقيت الصلاة

- ‌مسائل تتعلق بمواقيت الصلاة

- ‌قضاء الصلوات الفائتة

- ‌الأوقات المنهي عن الصلاة فيها

- ‌الأذان والإقامة

- ‌شروط صحة الصلاة

- ‌أركان الصلاة

- ‌واجبات الصلاة

- ‌سنن الصلاة

- ‌السنن الفعلية في الصلاة

- ‌أمور تباح في الصلاة

- ‌(أ) الأفعال المباحة في الصلاة:

- ‌(ب) الأقوال وما في معناها المباحة في الصلاة:

- ‌المنهيات في الصلاة

- ‌مبطلات الصلاة

- ‌القنوت في الفرائض

- ‌صلاة التطوُّع

- ‌صلاة الوتر

- ‌قيام الليل

- ‌صلاة الضُّحىَ

- ‌صلاة الاستخارة

- ‌صلاة التسبيح

- ‌صلاة تحية المسجد

- ‌صلاة التوبة

- ‌صلاة الكسوف

- ‌صلاة الاستسقاء

- ‌سجود التلاوة

- ‌سجود الشكر

- ‌سجود السَّهْو

- ‌الصلاة في السفر

- ‌صلاة الخَوْف

- ‌صلاة الجماعة

- ‌صلاة الجماعة في الفرائض

- ‌الإمامة وأحكامها

- ‌موقف الإمام والمأموم

- ‌الصفوف وأحكامها

- ‌مسائل تتعلق بصفة صلاة الجماعة

- ‌أحكام المَسْبُوق

- ‌ما يُفْعَل بعد انقضاء الصلاة

- ‌طرق من أحكام المساجد

- ‌صلاة الجمعة

- ‌أفعال المأمومين حال الخُطبة

- ‌أذان الجمعة

- ‌خطبة الجمعة وأحكام الخطيب

- ‌أفعال المأمومين حال الخُطبة

- ‌أفعال في صلاة الجمعة

- ‌مسائل متفرقة

- ‌صلاة العيدين

- ‌3 - كتاب الجنائز

- ‌ما يفعله الحاضرون للمُحْتَضَر:

- ‌غسل الميت:

- ‌من أولى الناس بغسل الميت

- ‌صفة المُغَسِّل

- ‌صفة غُسل الميت:

- ‌تكفين الميِّت

- ‌صفة الكفن:

- ‌حمل الجنازة واتبَّاعها

- ‌من آداب اتباع الجنائز:

- ‌صلاة الجنازة

- ‌أين يصلى على الجنازة

- ‌صلاة الجنازة على القبر:

- ‌أفعال صلاة الجنازة:

- ‌دفن الميت، وما يتبعه

- ‌صفة القبر:

- ‌من الذي يقوم بالدَّفن

- ‌تعزية أهل الميت

- ‌ما ينتفع به الميت بعد موته

- ‌زيارة القبور وما يتعلق بها

- ‌هل تشرع زيارة النساء للقبور

- ‌من الأذكار الثابتة عند زيارة القبور:

الفصل: ‌ ‌مقدمة المؤلف الحمد لله على آلائه، وأشهد أن لا إله إلا

‌مقدمة المؤلف

الحمد لله على آلائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في أرضه وسمائه، وأشهد أن محمدً عبده ورسوله وخاتم أنبيائه، صلى الله عليه وعلى وآله وأصحابه صلاة دائمة إلى يوم لقائه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

فقد تتابعت كلمة عامة علماء الإسلام في فواتح مؤلفاتهم، وكريم مدوناتهم لجملة من علوم الشريعة الموقرة، وفنونها المشرَّفة، على أن شرف العلم تابع لشرف معلومه، وكرامة عرقه مؤثرة على مولوده.

وقد حصل بالتتبع والاستقراء اتفاق كلمتهم على أن من أشرف العلوم جميعًا، وأعظمها خيرًا ونفعًا: علم أحكام أفعال العبيد، المشتهر بعد باسم «الفقه الإسلامي» المشمول في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم:«من يرد الله به خيرًا يفقهه بالدين» (1). وقد خص بالدعوة بالفقه في الدين: ربيب بيت النبوة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل» .

فصار ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ترجمان القرآن وحبر الأمة وبحرها الذي لا ينزف.

وعظمة هذا العلم وشرفه تَجل عن الوصف والإحاطة؛ ذلك أنها أحكام تساير المسلم وتلازمه في عموم مسالك حياته فيما بينه وبين ربه؛ وفيما بينه وبين عباده.

فيها يشد حبل الاتصال بعبادة ربه في علانيته وسره؛ من طهارة وصلاة، وزكاة وصيام وحج ونسائك.

وبها ينشر راية الإسلام، ويرفع منار القرآن وذلك في فقه الجهاد، والمغازي، والسير، والأمان، والعهد ونحو ذلك.

وبها يتطلب الرِّزق المباح، ويبتعد عن مواطن الإثم والجناح، وذلك في فقه

(1) متفق عليه. من حديث معاوية رضي الله عنه.

ص: 5

المعاملات من بيع وشراء، وخيار، وربا، وصرف، وما جرى مجرى ذلك لا يرتبط بمعاملات الخلق المالية لبعضهم مع بعض.

وبها يُجرى الأموال في وظائفها الشرعية من وقف ووصية ونحوهما من أحكام التصرفات المالية.

وبها يقف على فقه الفرائض المحكمة فيسعد بنصف العلم، وتستقر أموال في يد أربابها على أعدل قسمة وأتم نظام.

وبفقهها ينعم بالحياة الزوجية الشرعية، وما يلحق بها من الأحكام، وما يتعلق بها من طلاق ونحوه.

ويحيط بمدى محافظة الإسلام على ضروريات الحياة المشمولة باسم: الجنايات والدِّيات والحدود والتعزيزات؛ فيعيش في أمن وأمان، وراحة بال واستقرار.

وهكذا في أحكام الأطعمة والنحائر والأيمان، وفى مباحث التقاضي وقواعده وطرقه وأحكامه موطن تحقق العدالة وفصل الخصام؛ فتقر الحقوق في أنصبائها وتعاد الظلامات إلى أهلها.

ولجلائل هذه النعم تسابق العلماء في تدوين الفقه الإسلامي، فقعدوا القواعد، وأصلوا الأصول، واستنبطوا الأُلوف المؤلفة من الفروع في آلاف المجلدات.

وهؤلاء الأجلة من العلماء على تنوع مؤلفاتهم الفقهية وتزاحم هممهم العليَّة تختلف مدوناتهم باختلاف مشاربهم واتجاه فقههم.

فمنهم من ألف في دائرة مذهبه وما زاد.

ومنهم من ألف في دائرة المذاهب الفقهية المنتشرة في الأمصار.

ومنهم من كان كذلك مبينًا أدلة الخلاف ووجوه الاستدلال.

ومنهم رعيلٌ ألف على سبيل الاجتهاد والتحقيق، والنظر العميق؛ فحرر الوقائع وبين النوازل، وساق لها صنوف الأدلة من مشكاة النبوة، سائرًا مع السنن حيث سارت ركائبها، متجها معها حيث كانت مضاربها، فأخرجوا بذلك للناس علمًا جمًا، وفكرًا خصبًا جاريًا على أسعد القواعد وأرشدها.

ص: 6

وهذا النوع من الفقه هو أصلاً حظ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ألقوه إلى التابعين لهم بإحسان، وهكذا تلقفه من تبعهم بالحسنى فدونوه على هذا النمط الكريم والمنهج السليم (1).

وهدا النوع من الفقه في الدين هو ما عناه ابن القيم- رحمه الله تعالى- في فاتحة «تهذيب السنن» بقوله (2):

«فإن أولى ما صرفت إليه العناية، وجرى المتسابقون في ميدانه إلى أفضل غاية تتنافس فيه المتنافسون، وشمَّر إليه العاملون: العلم الموروث عن خاتم المرسلين، ورسول رب العالمين، الذي لا نجاة لأحد إلا به، ولا فلاح له في داريه إلا بالتعلق بسببه، الذي من ظفر به فقد فاز وغنم، ومن صرف عنه فقد خسر وحُرم؛ لأنه قطب السعادة الذي مدارها عليه، وآخيَّة الإيمان الذي مرجعه إليه، فالوصول إلى الله وإلى رضوانه بدونه محال، وطلب الهدى من غير هو عين الضلال، وكيف يوصل إلى الله من غير الطريق التي جعلها هو سبحانه موصلة إليه، ودالة لمن سلك فيها عليه، بعث رسوله بها مناديًا، وأقامه على أعلامها داعيًا، وإليها هاديًا؛ فالباب عن السالك في غيرها مسدود، وهو عن طريق هداه وسعادته مصدود، بل كلما ازداد كدحًا واجتهادًا، ازداد من الله طردًا وإبعادًا، ذلك بأنه صدف عن الصراط المستقيم، وأعرض عن المنهج القويم، ووقف مع آراء الرجال، ورضى لنفسه بكثرة القيل والقال، وأخلد إلى الأرض التقليد، وقنع أن يكون عيالاً على أمثاله من العبيد، لم يسلك من سبل العلوم مناهجها، ولم يرتق في درجاته معارجها، ولا تألقت في خلده أنوار بوارقه، ولا بات قلبه يتقلب بين رياضه وحدائقه، لكنه ارتضع من ثدي من لم تطهر بالعصمة لبانه، وورد مشربًا آجنًا طالما كدره قلب الوارد ولسانه، تضح منه الفروج والدماء والأموال، إلى من حلَّل الحلال وحرم الحرام، وتعج منه الحقوق، إلى منزِّل الشرائع والأحكام، فحق

(1) في كشف هذا الطور الفقهى البناء انظر: «إعلام الموقعين» (1/ 5 - 6 وما بعدها). وكتاب «الفكر السامي في تاريخه الفقه الإسلامى» للحجوى.

(2)

انظر: «تهذيب سنن أبى داود» (1/ 5 - 7) طبع سنة 1367 هـ بمطبعة أنصار السنة المحمدية بمصر، بتحقيق الشيخين أحمد شاكر، ومحمد الفقهى. وانظر في هذا المعنى: كتاب «الأحكام» لابن حزم: (6/ 103، 125).

ص: 7

على من كان في سعادة نفسه ساعيًا، وكان قلبه حيًا واعيًا بنفسه عن أن يجعل كده وسعيه في نصرة من لا يملك له ضرًا ولا نفعًا، وأن ينزلها في منازل الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، فإن لله يومًا يخسر فيه المبطلون، ويربح فيه المحققون {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً} (1)، {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} (2)،

فما ظن من اتخذ غير الرسول إمامه، ونبذ سنته وراء ظهره، جعل خواطر الرجال وآراءها بين عينه وأمامه، فسيعلم يوم العرض أي بضاعة أضاع، وعند الوزن ماذا أحضر من الجواهر أو خرثى المتاع» اهـ (3).

ومن هنا اشتدت العزيمة، ويممت قبلة القصد إلى جمع كتاب في أبواب الفقه على نسق استحسنته (4)، رجاء أن أنال الخيرية من الفقه في الدين.

وقد دفعني إلى جمعه على هذا النسق وتلك الطريقة ثلاثة أمور:

الأول: بعض السلبيات في الكتب الفقهية القديمة، سواء من حيث الشكل أو من حيث المضمون والمحتوى (5):

(أ) فمن حيث الشكل وطريقة الترتيب والتبويب، فإن الموضوعات في بعض هذه الكتب تتداخل تداخلاً يصعب معه -أحيانًا- العثور على المسألة المطلوبة حتى على بعض المختصين، لا سيما مع عدم وجود الفهارس الموضوعية التي تُيسِّر على الباحث مهمته، في أكثرها.

ومن حيث الأسلوب، فأسلوبها -وإن ناسب العصر الذي كتبت فيه- إلا أنه مما يعسر فهمه على المعاصرين وما يلحظ فيه: ضغط العبارة وحصر المعنى الواسع في لفظ قليل موجز، يصل إلى التعقيد والركاكة، وهذا يوجد في المتون والمختصرات التي كثرت في المتأخرين وصارت عمدة الدارسين والمتفقهين.

(1) سورة الفرقان، الآية:27.

(2)

سورة الإسراء، الآية: 71 ..

(3)

مقتبس من مقدمة العلامة بكر أبي زيد -حفظه الله- في «تقريب علوم ابن القيم» ص 10 - 14.

(4)

سأبين مسلكي في هذا الكتاب قريبًا إن شاء الله.

(5)

«ضوابط للدراسات الفقهية» للشيخ سلمان حفظه الله (ص: 33 - 38) بتصرف يسير.

ص: 8

وكثرة استعمال العبارات الاصطلاحية ذات الدلالة التاريخية التي لا يفهمها إلا من عاصر مدلولها.

(ب) ومن حيث المضمون والمحتوى: فمن هذه الكتب ما ألف في عصر له ظروف خاصَّة، فكانت تعنى بدراسة مشكلات ذلك العصر، وتأتى العصور التالية لها بمشكلات جديدة.

كما أن من هذه الكتب- وخاصة المتأخرة- ما يكون تركيزه على تحرير المذهب الذي ألفت فيه، دون أن يُعطى الاستدلال حقه، ودون مقارنة أو ترجيح.

هذا فضلاً عن أن عددًا كبيرًا من الكتب المذهبية غلب عليها داء التعصب المذهبي المقيت، والالتزام المطلق بالمذهب، سواء ما كان منه من نص الإمام ذاته، أو من زيادات أصحابه وتلاميذه، أو من اختيارات البارزين فيه، أو ما كان مخرَّجًا على أحد هذه المصادر!! هذا فضلاً عما يكثر في هذه الكتب من إيراد الأحاديث الضعيفة والموضوعة، ودون الإشارة إلى ضعفها.

الثاني: وجود كثير من السلبيات في كتب الفقه المعاصرة، فهذه الكتب وإن تميزت بجودة الترتيب والتبويب وملاءمة روح العصر، وقرب تناولها من الباحث وأحيانًا من القارئ العادي، وإن كان بعضها لم تسيطر عليها روح العصبية المذهبية؛ فإنها يشوبها سلبيات كثيرة- بل وخطيرة أحيانًا- فيما يتعلق بالمضمون والمحتوى والنتائج التي يتوصل إليها البحث خاصة وأنها قد تطرق مسائل جديدة وقضايا نازلة، ومن ذلك:

1 -

الضعف العلمي وعدم هضم التراث الفقهي والحديثي الذي يعتبر قاعدة للانطلاق في الدراسة والفتوى والتأليف، فنرى من يخالف ما أجمع عليه المسلمون خلفًا عن سلف، أو يؤيد رأيًا شاذًا منبوذًا تجاوزه الزمن، أو يُنقِّب في فقه الرافضة أو من شاكلهم على بعض الآراء تروق له، ويقدمها للمسلمين على أنها فقه الإسلام، ورأي علماء المسلمين!! (1).

2 -

أن بعضها مشحون بأقوال العلماء دون العناية بالاستدلال لهذه الأقوال وترجيح الراجح منها، فيظل الباحث والقارئ في حيرة من أمره، وربما نوَّه إليه

ص: 9

المؤلف بأن يختار من هذه الأقوال ما شاء، بحجة أن الكل مما قال به بعض العلماء (1).

3 -

عدم اهتمام أكثر مؤلفيها بصحة الدليل، ولا بالترجيح- إن رجَّح- على مقتضى أصول أهل العلم في ذلك.

4 -

افتقار بعضها إلى الأسلوب العلمي الفقهي، حتى أن بعضها قد كتب بطريقة خطابية لا ترى عليها مسحة العلم!!.

5 -

تأثر هذه الكتب- أحيانا- بالأقاويل والشبهات التي يطلقها أعداء الإسلام، وأصبحت بعض القضايا كالسلم والحرب والجزية والعلاقات الدولية ومعاملة الذميين والمشركين، وقضايا الحكم والرق وتعدد الزوجات وغيرها لا تطرق إلا من خلال منطق ضعيف، لأنه في موقف «الدفاع» الذي يجرُّه الحرص على تبرئة ساحة الإسلام إلى نفس بعض الحقائق الثابتة، أو نسبة بعض الآراء الغريبة إلى الإسلام (2).

6 -

كما تتأثر هذه الكتب بواقع الأمة الشاردة- في الجملة- عن هدى ربنا وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم، فتلتمس للناس المعاذير والمسوِّغات التي تهوِّن شأن المنكرات والمحرمات، وتستجيب لضغط الواقع وثقله على النفس البشرية، فتؤول النصوص الصريحة، وتضعِّف الآثار الصحيحة!! (3).

7 -

وحين تدرس الكتب المعاصرة القضايا الجديدة النازلة، يبلغ بها الشطط مبلغه باعتبار أن هذه القضايا لم يسبق أن تحدث فيها العلماء، وأنها مما يمس الواقع، وقد يلتبس في هذه القضايا الحق بالباطل، مع كون حاجة الناس إليها قائمة في غيبة المنهج الإسلامي الصحيح، وإذا نظرنا إلى ما كتب في موضوع التأمين أو المعاملات المصرفية الجديدة، أو طفل الأنبوب، أو سواه، لوجدنا العجب العجاب (4).

هذا على معظم الكتب المعاصرة إنما هي دراسات متخصصة تتناول

(1) سيأتي قريبًا التنبيه على هذه المسألة.

(2)

«ضوابط للدراسات الفقهية» (ص: 41، 42).

(3)

«السابق» (ص: 42).

(4)

«السابق» (ص: 47).

ص: 10

أغبلها موضوعًا واحدًا، وأما العمل الفقهي المتكامل فهو وإن وجد فلا يخلو من معظم السلبيات المتقدمة.

الأمر الثالث: المعركة المشتعلة، والنفرة المصطنعة بين المحدثين والفقهاء:

فقد رأيت كثيرًا من إخواننا من طلاب الحدث ينصرفون عن تلقي علم الفقه، مقبلين على علم السنة المطَّهرة رواية دون دراية، ورأيت جُلَّ طلاب الفقه معرضين عن تلقي علم الحديث ومعرفة أسانيده، وحفظ متونه، مع انكبابهم على كتب المذاهب الفقهية وحفظ مختصراتها، وهذه النفرة كانت واقعة منذ قدم العهد يثيرها كتبةُ الحديث وصغار المتفقهة، لقصر نظرهم، فيتبادلون الغمز واللمز، قال الخطابي (1) رحمه الله المتوفى سنة (388 هـ): «ورأيت أهل زماننا قد حصلوا حزبين، وانقسموا إلى فرقتين: أصحاب حديث وأثر، وأهل فقه ونظر، وكل واحدة منهما لا تتميز عن أختها في الحاجة، ولا تستغني عنها في درك ما تنحوه من البغية والإرادة، لأن الحديث بمنزلة الأساس الذي هو الأصل، والفقه بمنزلة البناء الذي هو له كالفرع، وكل بناء لم يوضع على قاعدة وأساس فهو منهار، وكل أساس خلا من بناء وعمارة فهو قفر وخراب، ووجدت هذين الفريقين على ما بينهم من التداني من المحلين، والتقارب في المنزلين، وعموم الحاجة من بعضهم إلى بعض، وشمول الفاقة اللازمة لكل منهم إلى صاحبه - إخوانًا متهاجرين، وعلى سبيل الحق بلزوم التناصر والتعاون غير متظاهرين، فأما هذه الطبقة الذين هم أهل الأثر والحديث، فإن الأكثرين منهم إنما كدهم الروايات وجمع الطرق، وطلب الغريب والشاذ من الحديث الذي أكثره موضوع أو مقلوب، لا يراعون المتون، ولا يفقهون المعاني، ولا يستنبطون سيرها، ولا يستخرجون ركازها وفقهها، وربما عابوا الفقهاء وتناولوهم بالطعن، وادعوا عليهم مخالفة السنن، ولا يعلمون أنهم عن مبلغ ما أوتوه من العلم قاصرون، وبسوء القول فيهم آثمون.

وأما الطبقة الأخرى، وهم أهل الفقه والنظر، فإن أكثرهم لا يعرجون من الحديث إلا على أقلِّه، ولا يكادون يميزون صحيحه من سقيمه، ولا يعرفون جيِّده من رديئه، ولا يعبأون بما بلغهم منه أن يحتجوا به على خصومهم إذا وافق

(1)«معالم السنن» (1/ 75).

ص: 11

مذاهبهم التي ينتحلونها، ووافق آراءهم التي يعتقدونها، وقد اصطلحوا على مواضعة بينهم في قبول الخبر الضعيف والحديث المنقطع إذا كان ذلك قد اشتهر عندهم، وتعاورته الألسن فيما بينهم من غير تثبت فيه أو يقين علم به، فكان ذلك زلة من الراوي أو عيًّا فيه

» اهـ.

والحق أن الحديث والفقه أخوا صفاء، وقرينا وفاء، ولذلك قال ابن المديني رحمه الله:«التفقه في معاني الحديث نصف العلم، ومعرفة الرجال نصف العلم» (1) فهما للعالم كالجناحين للطائر.

قال الشوكاني (2): «والمتصدر للتصنيف في كتب الفقه -وإن بلغ في إتقانه وإتقان علم الأصول وسائر الفنون الآلية إلى حدٍّ يتقاصر عنه الوصف- إذا لم يتقن علم السنة، ويعرف صحيحه من سقيمه، ويُعوِّل على أهله في إصداره وإيراده، كانت مصنفاته مبنية على غير أساس، لأن علم الفقه هو مأخوذ من علم السنة إلا القليل منه، وهو ما صرَّح بحكمه القرآن الكريم، فما يصنع ذو الفنون بفنونه إذا لم يكن عالمًا بعلم الحديث، متقنًا له، معولاً على المصنفات فيه؟!» اهـ.

ولهذا كان أعدل المذاهب وأقواها في دقائق الفقه ومسائله مذهب المحدثين، لأنهم نهلوا من معين النبوة، واقتبسوا من مشكاة الرسالة، فعليها وردوا، وعنها صدروا (3).

«وأقبح بمحدِّث يُسأل عن حادثة فلا يدري، وقد شغله عنها جمع طرق الأحاديث، وقبيح بالفقيه أن يقال: ما معنى قول رسول الله كذا، فلا يدري صحة الحديث ولا معناه» (4).

وقد كان دأب السلف وطريقتهم أن يضموا إلى الرواية الدراية، وإلى الدراية الرواية، وبهذا أوصوا، فعن مصعب الزبيري قال: سمعت مالك بن أنس قال لابني أخته، أبي بكر وإسماعيل ابني أبي أويس: «أراكما تحبان هذا الشأن وتطلبانه

(1)«الجامع لأخلاق الراوي والسامع» للخطيب (2/ 211).

(2)

«أدب الطلب» (ص 45 - 46).

(3)

«تذكرة الحديثي والمتفقِّه» لصالح العصيمي (ص: 6).

(4)

«صيد الخاطر» لابن الجوزي (ص: 399 - 400).

ص: 12