الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولذا قال ابن قدامة في «المغنى» (2/ 132): إن فعلها إنسان فلا بأس، فإن النوافل والفضائل لا يشترط صحة الحديث فيها (!!) اهـ.
الثالث: أنها غير مشروعة وهو مذهب الإمام أحمد، فقد قال: ما تعجبني، قيل له: لم؟ قال: ليس فيها شيء يصح، ونفض يده كالمُنكر (1).
وقال النووي: في استحبابها نظر، لأن حديثها ضعيف، وفيها تغيير لنظم الصلاة المعروفة فينبغي أن لا يفعل بغير حديث، وليس حديثها بثابت. اهـ (2).
قلت: وهذا الأخير أرجح لعدم ثبوت الحديث مع ما فيه من المخالفة لهيئة الصلاة، لكن من رأى باجتهاده -وكان من أهل الاجتهاد- صحة الحديث فيسنُّ له العمل به، وأما القول الثاني بالجواز مع كون الحديث ضعيفًا فهو قول ضعيف، وذلك لأمرين:
1 -
أن الصواب أن الحديث الضعيف لا يُعمل به مطلقًا، لا في الفضائل ولا غيرها، وهذا هو مذهب المحققين من أهل العلم وهو ظاهر مذهب البخاري ومسلم ويحيى بن معين وابن حزم وغيرهم (3).
2 -
أن القائلين بالعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال اشترطوا له شروطًا منها أن يكون مندرجًا تحت أصل في الشرع، فمحله الأعمال الثابتة المشروعة أصلاً، وليست الصلاة بهذه الهيئة بثابتة بغير هذا الحديث حتى نعمل به على أنه في فضائل ما هو مشروع!!.
تنبيه: على القول بمشروعية صلاة التسبيح، فإن تحرِّي صلاتها في ليلة السابع والعشرين من رمضان، والاجتماع في المساجد لأدائها بدعة لا أصل لها، والله أعلم.
صلاة تحية المسجد
يستحب لمن دخل المسجد أن لا يجلس إلا بعد أن يصلي ركعتين لما يأتي:
1 -
حديث أبي قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين» (4).
(1)«المغنى» لابن قدامة (2/ 132).
(2)
«المجموع» (3/ 548).
(3)
انظر «تمام المنة» (ص/ 34)، ومقدمة «صحيح الترغيب» (1/ 16 - 36).
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (444)، ومسلم (714).
2 -
وعن جابر بن عبد الله: «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر سليكًا الغطفاني -لما أتى يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقعد قبل أن يصلي الركعتين- أن يصليهما» (1).
3 -
حديث جابر «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره لما أتى المسجد لثمن جمله الذي اشتراه منه صلى الله عليه وسلم أن يصلي الركعتين» (2).
والأمر في هذه الأحاديث ظاهره الوجوب، وكذلك النهي ظاهره تحريم ترك الركعتين، وقد ذهب جمهور العلماء -ومعهم ابن حزم- إلى أن الأمر مصروف إلى الندب بجملة أدلة، منها: حديث: «خمس صلوات
…
قال: هل عليِّ غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع» (3).
وقد أجاب عنه الشوكاني رحمه الله «بأن قوله (إلا أن تطوع) ينفي وجوب الواجبات ابتداءً، لا الواجبات بأسباب يختار المكلَّف فعلها، كدخول المسجد مثلًا، لأن الداخل ألزم نفسه الصلاة بالدخول، فكأنه أوجبها على نفسه، فلا يصح شمول ذلك الصارف لمثلها» (4) اهـ.
قلت: وقد يؤيد أن هذه الأوامر على الاستحباب: حديث أبي واقد الليثي «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد والناس معه إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد، فوقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر فجلس خلفهم، وأما الثالث فأدبر ذاهبًا، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه» (5).
قلت: فجلسا ولم يأمرهما بصلاة الركعتين، والله أعلم.
فائدة: تقدم في «أوقات النهي» أن تحية المسجد من ذوات السبب التي تفعل في كل وقت ولو في أوقات الكراهة على الأرجح والله أعلم.
(1) صحيح: أخرجه البخاري (930)، ومسلم (875).
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (2097)، ومسلم (715).
(3)
صحيح: تقدم كثيرًا.
(4)
«نيل الأوطار» (3/ 84) ط. الحديث. وهذه الفائدة ظاهرة في الحديث، ولم يستنبطها منه الحافظ (!).
(5)
صحيح: أخرجه البخاري (66).