الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا بني عبد مناف، لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت، وصلى أيَّة ساعة شاء من ليل أو نهار» (1).
صلاة الكسوف
تعريفها:
الكسوف: هو ذهاب ضوء أحد النيِّرين (الشمس والقمر) أو بعضه، وتغيُّره إلى سواد، والخسوف مرادف له، وقيل: الكسوف للشمس، والخسوف للقمر، وهو الأشهر في اللغة (2).
وصلاة الكسوف: صلاة تؤدى بكيفية مخصوصة، عند ظلمة أحد النيِّرين أو بعضهما (3).
حكم الصلاة لكسوف الشمس:
ذهب جمهور أهل العلم إلى أن الصلاة لكسوف الشمس سنة مؤكدة، وصرَّح أبو عوانه بوجوبها وهو رواية عن أبي حنيفة، وحُكي عن مالك أنه أجراها مجرى الجمعة، والقول بوجوبها متجه وقوي لثبوت الأوامر بها، ورجَّحه الشوكاني وصدق خان ثم الألباني، رحمهم الله (4).
واختلفوا في حكم الصلاة لخسوف القمر على قولين:
الأول: أنها سنة مؤكدة وتُصلَّى جماعة كصلاة كسوف الشمس: وهو مذهب الشافعي وأحمد وداود وابن حزم، وبه قال عطاء والحسن والنخعي وإسحاق، وهو مروي عن ابن عباس (5) وحجة هذا القول ما يأتي:
1 -
حديث المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموها فادعوا الله، وصلوا حتى ينجلي
…
» (6). ونحوه من حديث عائشة وابن عمر وابن عباس وأبي بكرة.
(1) صحيح: أخرجه الترمذي (869)، والنسائي (5/ 223)، وابن ماجه (1254).
(2)
«لسان العرب» و «كشاف القناع» (2/ 60)، و «أسنى المطالب» (1/ 385).
(3)
«مواهب الجليل» (2/ 199)، و «نهاية المحتاج» (2/ 394)، و «كشاف القناع» (2/ 60).
(4)
«فتح الباري» (2/ 612)، و «السيل الجرار» (1/ 323)، و «الروضة الندية» (ص/ 156)، و «تمام المنة» (ص/ 261).
(5)
«الأم» (1/ 214)، و «المغنى» (2/ 420)، و «الإنصاف» (2/ 442)، و «بداية المجتهد» (1/ 160)، و «المحلى» (5/ 95).
(6)
صحيح: أخرجه البخاري (1060)، ومسلم (904).
2 -
ما رُوى «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى لكسوف القمر» (1).
3 -
ما رُوى عن ابن عباس: «أنه صلى بأهل البصرة في خسوف القمر ركعتين، وقال: إنما صليت لأني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي» (2).
الثاني: أنها لا تصلى جماعة، وهي سنة كالنوافل من غير زيادة في الركوع: وهو مذهب أبي حنيفة ومالك (3) وقالوا: لوجود المشقة في الليل غالبًا دون النهار (!!) ولأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلَاّها جماعة مع أن خسوف القمر كان أكثر من كسوف الشمس.
قلت: والأول أرجح لأمره صلى الله عليه وسلم بالصلاة لهما من غير تفريق.
وقتها: وقت صلاة الكسوف من ظهور الكسوف إلى حين زواله، لقول النبي صلى الله عليه وسلم -المتقدم-:«إذا رأيتموهما فادعوا الله وصلُّوا حتى ينجلي» (4) فجعل الانجلاء غاية للصلاة، لأنها شرعت رغبة إلى الله في رد نعمة الضوء، فإذا حصل ذلك حصل المقصود من الصلاة (5).
فواتها: تفوت صلاة كسوف الشمس بأحد أمرين:
1 -
انجلاء جميعها، فإن انجلى بعضها جاز الشروع في الصلاة للباقي، كما لو لم ينكسف إلا ذلك القدر.
2 -
غروبها كاسفة.
وتفوت صلاة خسوف القمر بأحد أمرين:
1 -
الانجلاء الكامل.
2 -
طلوع الشمس وقيل بغيابه وهو خاسف، ولو حال سحاب وشك في الانجلاء صلَّى، لأن الأصل بقاء الكسوف (6).
(1) حب، انظر (فتح)(3/ 638).
(2)
إسناده ضعيف: أخرجه البيهقي (3/ 342) وأخرج نحوه - لكن على ظهر زمزم- الشافعي كما في مسنده (484)، وعنه البيهقي (3/ 342) وسنده تالف.
(3)
«ابن عابدين» (2/ 183)، و «البدائع» (1/ 282)، و «مواهب الجليل» (2/ 201)، و «بداية المجتهد» (1/ 312)، و «الدسوقي» (1/ 402).
(4)
صحيح: تقدم قريبًا.
(5)
المراجع السابقة.
(6)
«المغنى» (2/ 427)، و «روضة الطالبين» (2/ 87)، و «المواهب» (2/ 203).
فائدة: تصلى الكسوف في جميع الأوقات حتى المنهي عن الصلاة فيها، وهو مذهب الشافعي.
ما يستحب لمن رأى الكسوف:
[1]
الإكثار من الذكر والاستغفار والتكبير والصدقة وسائر القُرَب: وفي حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «
…
فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبِّرا وصلُّوا وتصدقوا
…
» (1).
وعن أسماء قالت: «لقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالعتاقة في كسوف الشمس» (2).
تعني التقرب إلى الله تعالى بإعتقا العبيد.
[2]
الخروج للصلاة جماعة في المسجد:
ففي حديث عائشة: «ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة مركبًا فكسفت الشمس، فرجع ضُحىً، فمرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بين ظهراني الحُجَر، ثم قام فصلَّى
…
» (3).
وفي لفظ مسلم عنها «
…
فخرجتُ في نسوة بين ظهراني الحُجَر في المسجد، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم من مَرْكَبِه حتى أتى إلى مصلَاّه الذي كان يصلى فيه ..» الحديث.
قال الحافظ في «الفتح» (3/ 633): والمركب الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيه بسبب موت ابنه إبراهيم، فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم أتى المسجد ولم يصلها ظاهرًا، وصحَّ أن السنَّة في صلاة الكسوف أن تصلى في المسجد، ولولا ذلك لكانت صلاتها في الصحراء أجدر برؤية الانجلاء، والله أعلم. اهـ.
[3]
يخرج للصلاة النساء:
لحديث أسماء بنت أبي بكر أنها قالت: أتيت عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين خسفت الشمس، فإذا الناس قيام يصلُّون وإذا هي قائمة تصلي ....» (4) الحديث.
وقد تقدم لفظ عائشة: «فخرجت في نسوة بين ظهراني الحجر في المسجد
…
».
(1) صحيح: أخرجه البخاري (1044)، ومسلم (901).
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (1054)، وأبو داود (1192).
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (1056)، ومسلم (903).
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (1053)، ومسلم (905).
ويستثنى من هذا من تخشى الفتنة منهن فيصلين في البيوت منفردات.
[4]
النداء للصلاة بـ «الصلاة جامعة» من غير أذان ولا إقامة:
فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: «لما كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نودي: إن الصلاة جامعة» (1). وليس لها أذان ولا إقامة اتفاقًا.
[5]
الخطبة بعد الصلاة:
يُسَنُّ أن يخطب لها بعد الصلاة كخطبة العيد، لحديث عائشة: إن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ من الصلاة قام وخطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:«إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله عز وجل، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبِّروا وصلُّوا وتصدقوا» (2) وهو مذهب الشافعي وإسحاق وأكثر أصحاب الحديث (3).
وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد (4): لا خطبة لصلاة الكسوف (!!) وقال بعضهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد لها خطبة بخصوصها وإنما أراد أن يبيِّن لهم الرد على من يعتقد أن الكسوف لموت بعض الناس، وتُعقِّب بما في الأحاديث الصحيحة من التصريح بالخطبة وحكاية شرائطها من الحمد والثناء والموعظة وغير ذلك مما تضمنته الأحاديث، فلم يقتصر على الإعلام بسبب الكسوف، والأصل مشروعية الاتباع، والخصائص لا تثبت إلا بدليل (5).
كيفية صلاة الكسوف:
لا خلاف بين أهل العلم في أن صلاة الكسوف ركعتان، وإنما اختلفوا في كيفيتها على أقوال، أشهرها قولان:
الأول: أنها ركعتان، في كل ركعة قيامان وقراءتان وركوعان وسجدتان، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد (6) واستدلوا بما يأتي:
(1) صحيح: أخرجه البخاري (1045).
(2)
صحيح: تقدم قريبًا.
(3)
«المجموع» (5/ 52)، و «أسنى المطالب» (1/ 286)، و «فتح الباري» (2/ 620)، و «بداية المجتهد» (1/ 311).
(4)
«البدائع» (1/ 282)، و «مواهب الجليل» (2/ 202)، و «المغنى» (2/ 425) والمراجع السابقة.
(5)
«فتح الباري» لابن حجر (2/ 620) ط. السلفية.
(6)
«الدسوقي» (1/ 405)، و «الأم» (1/ 215)، و «كشاف القناع» (2/ 62)، و «المغنى» (2/ 422).
1 -
2 -
حديث عائشة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى يوم خسفت الشمس، فقام فكبَّر فقرأ قراءة طويلة ثم ركع ركوعًا طويلا، ثم رفع رأسه فقال: سمع الله لمن حمد، وقام كما هو، ثم قرأ قراءة طويلة وهي أدنى من القراءة الأولى، ثم ركع ركوعًا طويلاً وهي أدنى من الركعة الأولى، ثم سجد سجودًا طويلاً، ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك، ثم سلَّم
…
» (2).
3 -
الثاني: أنها ركعتان، في كل ركعة قيام واحد وركوع واحد وسجدتان كسائر النوافل: وهو مذهب أبي حنيفة، وخيَّر ابن حزم بين الكيفيات جميعها (4)، وحجة أبي حنيفة ومن وافقه:
1 -
حديث أبي بكرة قال: «خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج يجر رداءه حتى انتهى إلى المسجد، وثاب الناس إليه، فصلى بهم ركعتين
…
الحديث» (5).
قالوا: ومطلق الصلاة تنصرف إلى الصلاة المعهودة (!!) وفي رواية النسائي: «فصلى ركعتين كما يصلون» .
(1) صحيح: أخرجه البخاري (1046)، ومسلم (901).
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (1047)، ومسلم (901).
(3)
صحيح: أخرجه مسلم (904)، وأبو داود (1179)، والنسائي (1/ 217)، وأحمد (3/ 374).
(4)
«البدائع» (1/ 281)، و «تبيين الحقائق» (1/ 228)، و «المحلى» (5/ 95)، و «بداية المجتهد» (1/ 307).
(5)
صحيح: أخرجه البخاري (1063)، والنسائي (3/ 146) والطيالسي (716).
2 -
حديث النعمان بن بشير قال: «كشفت الشمس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل يصلي ركعتين ركعتين ويسأل عنها حتى انجلت» (1).
قال ابن حزم: وهذا اللفظ [يعني: تكرار الركعتين] يقتضي ما ذكرنا. اهـ.
هيئات أخرى: وقد رُوى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلَاّها على صفات أُخَر منها:
3 -
في كل ركعة ثلاث ركوعات (2).
4 -
في كل ركعة أربع ركوعات (3).
قال ابن القيم: «ولكن كبار الأئمة لا يصححون ذلك، كالإمام أحمد والبخاري والشافعي ويرونه غلطًا
…
» اهـ (4).
قلت: وأصح الكيفيات: أنها في كل ركعة ركوعان، كما ذهب إليه الجمهور، لتصريح الأحاديث الصحيحة بذلك، وأما أدلة أبي حنيفة ومن وافقه فذكر الركعتين فيهما مطلق، فيقيَّد بأحاديث الفريق الأول.
وأما حديث النعمان بن بشير في صلاة ركعتين ركعتين، فقال الحافظ في الفتح في «المجلد الثالث»: إن كان هذا الحديث محفوظًا احتمل أن يكون معنى قوله (ركعتين) أي: ركوعين
…
وقوله: (ويسأل عنها) يحتمل أن يكون السؤال بالإشارة فلا يلزم التكرار» اهـ قلت: وقد تقدم أنه ضعيف فلا نحتاج إلى شيء من التأول.
وأما الروايات في الزيادة على الركوعين في الركعة، فقال شيخ الإسلام (18/ 17 - 18): «
…
فإن هذا ضعَّفه حُذَّاق أهل العلم، وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلِّ الكسوف إلا مرة واحدة يوم مات ابنه إبراهيم، ومعلوم أن إبراهيم لم يمت مرتين، ولا كان له إبراهيمان، وقد تواتر عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى الكسوف يومئذٍ ركوعين في كل ركعة
…
» اهـ.
وقال العلامة الألباني -نضَّر الله وجهه- في «الإرواء» (3/ 132): «
…
وخلاصة القول في صلاة الكسوف أن الصحيح الثابت فيها عن رسول الله
(1) ضعيف: أخرجه أبو داود (1193)، وأحمد (4/ 267)، والطحاوي (1/ 330)، وانظر «الإرواء» (3/ 131).
(2)
صحيح: أخرجه مسلم (901)، وأبو داود (1177)، والنسائي (3/ 129) عن عائشة!!.
(3)
صحيح: أخرجه مسلم (908)، وأبو داود (1183).
(4)
«زاد المعاد» (1/ 453) ط. الرسالة.
صلى الله عليه وسلم إنما هو ركوعان في كل ركعة من الركعتين، جاء ذلك عن جماعة من الصحابة في أصح الكتب والطرق والروايات، وما سوى ذلك: إما ضعيف أو شاذ لا يحتج به» اهـ.
خلاصة صفة صلاة الكسوف: أكمل صفة لهذه الصلاة:
1 -
أن يكبِّر، ويستفتح، ويستعيذ، ويقرأ الفاتحة، ويقرأ نحوًا من سورة البقرة.
2 -
يركع ركوعًا طويلاً.
3 -
يرفع من الركوع، ويقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد.
4 -
لا يسجد، بل يقرأ الفاتحة وسورة دون الأولى.
5 -
يركع مرة أخرى ركوعًا طويلاً، هو دون الركوع الأول.
6 -
يرفع من الركوع ويقول: سمع الله لمن حمد، ربنا ولك الحمد.
7 -
يسجد ثم يجلس ثم يسجد.
8 -
يقوم إلى الركعة الثانية، ويفعل مثل ما فعل في الأولى.
هل يجهر بالقراءة فيها أو يُسِرُّ؟
السنة أن يجهر بالقراءة في صلاته وبه قال أحمد وإسحاق وصاحبا أبي حنيفة خلافًا للجمهور (1)، ويدل على ذلك:
1 -
2 -
أنها نافلة شرعت لها الجماعة، فكان من سنتها الجهر كصلاة العيد والتراويح والاستسقاء.
وقد قال الجمهور: لا يجهر إلا في خسوف القمر، وأما كسوف الشمس فلا، واحتجوا بما يلي:
1 -
ما في حديث ابن عباس المتقدم: «
…
فقام قيامًا طويلاً نحوًا من سورة البقرة» لكن هذا لا يلزم منه عدم الجهر، فيحتمل أنه سمع منه سورًا قدَّرها بنحو البقرة، أو أنه كان في مكان لا يصله فيه الصوت.
(1) المراجع السابقة في كيفية الصلاة.
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (1065).