المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

من صلى العيد وتخلَّف عن الجمعة فهل يلزمه الظهر؟ جاء في - صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة - جـ ١

[كمال ابن السيد سالم]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة فضيلة الشيخ/ فؤاد سراج عبد الغفار - حفظه الله

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌[المسلك في هذا الكتاب]

- ‌تمهيدنشأة علم الفقه

- ‌[الفقه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[عهد الصحابة رضي الله عنهم]

- ‌[أحوال الناس في المائة الأولى والثانية]

- ‌1 - كتاب الطهارة

- ‌تعريف الطهارة وأهميتها

- ‌أنواع الطهارة

- ‌أولاً الطهارة الحقيقية

- ‌هل يُعَدُّ المني طاهرًا أم نجسًا

- ‌هل تُعَدُّ الخمر من النجاسات

- ‌هل يعتبر الدم من النجاسات

- ‌هل «قيء الآدمي» نجس

- ‌الاستنجاء

- ‌بم يكون الاستنجاء

- ‌بعض الآداب في الاستنجاء

- ‌هل يجوز للرجل أن يبول قائمًا

- ‌سنن الفطرة

- ‌ الختان

- ‌السواك

- ‌إعفاء اللِّحية

- ‌ثانيًا الطهارة الحكمية:

- ‌الوضوء

- ‌أركان الوضوء

- ‌نواقض الوضوء

- ‌المسح على الحوائل

- ‌أولاً: المسح على الخفين:

- ‌ثانيًا: المسح على الجوربين والنعلين

- ‌ثالثًا: المسح على غطاء الرأس:

- ‌رابعًا: المسح على الجَبيرَة

- ‌مسائل تتعلق بالغسل

- ‌التيمُّم

- ‌نواقض التيمم

- ‌الحيض والنفاس

- ‌دم النفاس

- ‌دم الاستحاضة

- ‌2 - كتاب الصلاة

- ‌تعريف الصلاة

- ‌منزلتها من الدين:

- ‌الصلوات الخمس

- ‌الأحكام الدنيوية لتارك الصلاة:

- ‌عدد الفرائض:

- ‌عدد الركعات:

- ‌مواقيت الصلاة

- ‌مسائل تتعلق بمواقيت الصلاة

- ‌قضاء الصلوات الفائتة

- ‌الأوقات المنهي عن الصلاة فيها

- ‌الأذان والإقامة

- ‌شروط صحة الصلاة

- ‌أركان الصلاة

- ‌واجبات الصلاة

- ‌سنن الصلاة

- ‌السنن الفعلية في الصلاة

- ‌أمور تباح في الصلاة

- ‌(أ) الأفعال المباحة في الصلاة:

- ‌(ب) الأقوال وما في معناها المباحة في الصلاة:

- ‌المنهيات في الصلاة

- ‌مبطلات الصلاة

- ‌القنوت في الفرائض

- ‌صلاة التطوُّع

- ‌صلاة الوتر

- ‌قيام الليل

- ‌صلاة الضُّحىَ

- ‌صلاة الاستخارة

- ‌صلاة التسبيح

- ‌صلاة تحية المسجد

- ‌صلاة التوبة

- ‌صلاة الكسوف

- ‌صلاة الاستسقاء

- ‌سجود التلاوة

- ‌سجود الشكر

- ‌سجود السَّهْو

- ‌الصلاة في السفر

- ‌صلاة الخَوْف

- ‌صلاة الجماعة

- ‌صلاة الجماعة في الفرائض

- ‌الإمامة وأحكامها

- ‌موقف الإمام والمأموم

- ‌الصفوف وأحكامها

- ‌مسائل تتعلق بصفة صلاة الجماعة

- ‌أحكام المَسْبُوق

- ‌ما يُفْعَل بعد انقضاء الصلاة

- ‌طرق من أحكام المساجد

- ‌صلاة الجمعة

- ‌أفعال المأمومين حال الخُطبة

- ‌أذان الجمعة

- ‌خطبة الجمعة وأحكام الخطيب

- ‌أفعال المأمومين حال الخُطبة

- ‌أفعال في صلاة الجمعة

- ‌مسائل متفرقة

- ‌صلاة العيدين

- ‌3 - كتاب الجنائز

- ‌ما يفعله الحاضرون للمُحْتَضَر:

- ‌غسل الميت:

- ‌من أولى الناس بغسل الميت

- ‌صفة المُغَسِّل

- ‌صفة غُسل الميت:

- ‌تكفين الميِّت

- ‌صفة الكفن:

- ‌حمل الجنازة واتبَّاعها

- ‌من آداب اتباع الجنائز:

- ‌صلاة الجنازة

- ‌أين يصلى على الجنازة

- ‌صلاة الجنازة على القبر:

- ‌أفعال صلاة الجنازة:

- ‌دفن الميت، وما يتبعه

- ‌صفة القبر:

- ‌من الذي يقوم بالدَّفن

- ‌تعزية أهل الميت

- ‌ما ينتفع به الميت بعد موته

- ‌زيارة القبور وما يتعلق بها

- ‌هل تشرع زيارة النساء للقبور

- ‌من الأذكار الثابتة عند زيارة القبور:

الفصل: من صلى العيد وتخلَّف عن الجمعة فهل يلزمه الظهر؟ جاء في

من صلى العيد وتخلَّف عن الجمعة فهل يلزمه الظهر؟

جاء في أثر عطاء -في قصة ابن الزبير-: «فصلَّى الجمعة ركعتين بكرة صلاة الفطر، ثم لم يزد عليهما حتى صلى العصر، قال: فأما الفقهاء فلم يقولوا في ذلك، وأما من لم يفقه فأنكر ذلك عليه، قال: ولقد أنكرت أنا ذلك عليه وصليت الظهر يومئذ حتى بلغنا أن العيدين كانا إذا اجتمعا كذلك صليا واحدة» (1).

قال الشوكاني «ظاهره أنه لم يصلِّ الظهر، وفي أن الجمعة إذا سقطت بوجه من الوجوه المسوِّغة لم يجب على من سقطت عنه أن يصلي الظهر

والظاهر أنه يقول بذلك القائلون بأن الجمعة، الأصل، وأنت خبير بأن الذي افترضه الله تعالى على عباده في يوم الجمعة هو صلاة الجمعة، فإيجاب الظهر على من تركها لعذر أو لغير عذر محتاج إلى دليل، ولا دلي يصلح للتمسك به على ذلك فيما أعلم» اهـ (2).

قلت: أما إسقاط الظهر عمن لم يصلِّ الجمعة وقد صلى العيد فلا أعلم أن أحدًا من الصحابة وافقه عليه، على أنه قد جاء عن عطاء -نفسه- قال:«اجتمع عيدان في عهد ابن الزبير فصلى بهم العيد، ثم صلى بهم الجمعة صلاة الظهر أربعًا» (3).

فالنفس لا تطمئن لإسقاط الظهر، بل والأفضل أن يحضر الجمعة كذلك خروجًا من الخلاف، والله أعلم.

إذا وافق يوم الجمعة يوم عرفة:

فإن الحجيج لا يُصلون الجمعة، وإنما يصلوُّن الظهر والعصر جمعًا وقصرًا، ويخطبهم الإمام قبل ذلك خطبة عرفة، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وسيأتي في «الحج» إن شاء الله.

‌صلاة العيدين

الحكمة في مشروعية العيدين: أن كل قوم لهم يوم يتجملون فيه، ويخرجون من بيوته بزينتهم (4).

عن أنس رضي الله عنه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم، ولأهل المدينة يومان يلعبون فيهما في

(1) إسناده حسن: أخرجه عبد الرزاق (5725)، وأبو داود (1072) مختصرًا.

(2)

«نيل الأوطار» (3/ 336).

(3)

إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 7).

(4)

«حجة الله البالغة» للدهلوي (2/ 23).

ص: 597

الجاهلية، فقال:«قدمتُ عليكم، ولكم يومان تلعبون فيهما في الجاهلية، وقد أبدلكم الله بهما خيرًا منهما: يوم النحر ويوم الفطر» (1).

«أي: لأن يومي الفطر والنحر بتشريع الله تعالى، واختياره لخلقه، ولأنهما يعقبان أداء ركنين عظيمين من أركان الإسلام، وهما: الحج والصيام، وفيهما يغفر الله للحجيج والصائمين، وينشر رحمته على جميع خلقه الطائعين، وأما النيروز والمرجان، فإنهما باختيار حكماء ذاك الزمان لما فيهما من اعتدال الزمن والهواء ونحو ذلك من المزايا الزائلة، فالفرق بين المزيَّتين ظاهر لمن تأمر ذلك» (2).

حكم صلاة العيدين:

اختلف أهل العلم في حكم صلاة العيدين على ثلاثة أقوال:

الأول: أنها واجبة على الأعيان، وهو مذهب أبي حنيفة وأحد أقوال الشافعي ورواية عن أحمد وبه قال بعض المالكية واختاره شيخ الإسلام (3)، وحجتهم:

1 -

قوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (4)، والأمر للوجوب.

2 -

قوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} (5). والأمر بالتكبير في العيدين أمر بالصلاة المشتملة على التكبير الراتب والزائد بطريق الأولى والأحرى.

3 -

ملازمة النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الصلاة في العيدين، وعدم تركها في عيد من الأعياد، ومداومة خلفائه والمسلمين من بعده عليها.

4 -

أمر الناس بالخروج إليها حتى النساء وذوات الخدور والحيَّض -وأمرهنَّ أن يعتزلن المصلى- حتى أمر من لا جلباب لها أن تلبسها صاحبتها، وسيأتي الحديث بهذا.

5 -

أنها من أعظم شعائر الإسلام الظاهرة فكانت واجبة كالجمعة، ولذلك يجب قتال الممتنعين من أدائها بالكلية.

6 -

أنها مسقطة للجمعة إذا اتفقتا في يوم واحد كما تقدم، وما ليس بواجب لا يسقط ما كان واجبًا.

(1) صحيح: أخرجه أبو داود (1134)، والنسائي (3/ 179)، وأحمد (3/ 103) والبغوي (1098) وغيرهم.

(2)

«الفتح الرباني بترتيب مسند أحمد» للبنا (6/ 119).

(3)

«البدائع» (1/ 274)، و «ابن عابدين» (2/ 116)، و «الدسوقي» (1/ 396)، و «الإنصاف» (2/ 240)، و «مجموع الفتاوى» (23/ 161)، و «السيل الجرار» (1/ 315).

(4)

سورة الكوثر، الآية:2.

(5)

سورة البقرة، الآية:185.

ص: 598

الثاني: أنها واجبة على الكفاية: فلو قام بها بعضهم سقطت عن الباقين، وهو مذهب الحنابلة وبعض الشافعية (1)، وحجتهم أدلة الفريق الأول، لكنهم قالوا:

لا تجب على الأعيان لأنه لا يشرع لها الأذان، فلم تجب على الأعيان كصلاة الجنازة ولَوَجبت خطبتها، ووجب استماعها كالجمعة.

الثالث: أنها سنة مؤكدة وليست بواجبة: وهو مذهب مالك والشافعي وأكثر أصحابهما (2)

وحجتهم:

1 -

قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي لما ذكر الصلوات الخمس فقال: هل عليَّ غيرها؟ قال: «لا، إلا أن تطوَّع» (3) وما في معناه.

2 -

أنها صلاة ذات ركوع وسجود (!!) لم يشرع لها أذان، فلم تجب بالشرع كصلاة الضحى.

والراجح: القول الأول لما تقدم من الأدلة، وأما القول بأنها سنة مؤكدة فضعيف، وأما حديث الأعرابي فلا حجة فيه، لأنه خصَّ الخمس بالذكر لتأكيدها ووجوبها على الدوام، وتكررها في كل يوم وليلة وغيرها يجب نادرًا كصلاة الجنازة والنذر وغير ذلك.

وأما القول بأنها فرض كفاية فلا ينضبط، ثم هو إنما يكون فيما تحصل مصلحته بفعل البعض، كدفن الميت، وقهر العدو، وليس يوم العيد مصلحة معينة يقوم بها البعض، بل صلاة العيد شرع لها الاجتماع أعظم من الجمعة، فإنه أمر النساء بشهودها ولم يؤمرن بالجمعة وأذن لهن فيها وقال:«صلاتكن في بيوتكن خير لكنَّ» ، والله أعلم.

وقت صلاة العيدين:

يبتدئ وقت صلاة العيد بعد ارتفاع الشمس قيد رمح (أي: بعد مضي وقت الكراهة) وينتهي بزوال الشمس، وبهذا قال الجمهور (الحنفية والمالكية والحنابلة) (4):

فعن عبد الله بن بسر -صاحب النبي صلى الله عليه وسلم أنه خرج مع الناس يوم فطرٍ

أو

(1)«المغنى» (2/ 304)، و «كشاف القناع» (2/ 50)، و «المجموع» (5/ 2) وادَّعى النووي الإجماع على أنها ليست فرض عين، وهو منقوض بما تقدم.

(2)

«الدسوقي» (1/ 396)، و «جواهر الإكليل» (1/ 101)، و «المجموع» (5/ 2).

(3)

صحيح: تقدم مرارًا.

(4)

«ابن عابدين» (1/ 583)، و «الدسوقي» (1/ 396)، و «كشاف القناع» (2/ 50)، وأجاز الشافعي الصلاة أول طلوع الشمس.

ص: 599

أضحى، فأنكر إبطاء الإمام، وقال:«إنا كنا قد فرغنا ساعتنا هذه» وذلك حين التسبيح (1).

فائدة: الأفضل أن تُصلى صلاة الأضحى في أول الوقت ليتفرغ المسلمون بعدها لذبح أضاحيهم، ويستحب تأخيرها قليلاً عن هذا الوقت في صلاة الفطر، ليتمكن الناس من إخراج زكاة الفطر (2).

حكمها إذا فات وقتها: لفوات صلاة العيد عن وقتها ثلاث صور (3):

الأولى: أن لا يعلموا بالعيد إلا بعد زوال الشمس: فهذا عُذْر يجوِّز تأخيرها إلى اليوم الثاني سواء كان العيد عيد الفطر أو الأضحى، وبهذا قال الجمهور (الحنفية والشافعية والحنابلة) لحديث أبي عمير بن أنس عن عمومةٍ له من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يشهدون:«أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم أن يفطروا، وإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلاهم» (4).

الثانية: أن يؤخروا -جميعًا- صلاة العيد عن وقتها لغير العذر المتقدم:

فإن كان العيد عيد فطر سقطت أصلاً ولم تُقضى، وإن كان عيد أضحى جاز تأخيرها إلى ثالث أيام النحر، أي: يصح قضاؤها في اليوم الثاني، وإلا ففي اليوم الثالث من ارتفاع الشمس إلى أول الزوال سواء كان لعذر أو لغير عذر، لن تلحقهم الإساءة إن كان لغير عذر.

الثالثة: أن تؤدى في وقتها من اليوم الأول لكنها تفوت بعض الأفراد:

فعند الحنفية والمالكية لا يُشرع قضاؤها لأنها صلاة لم تشرع إلا في وقت معين وبقيود خاصة فلابد من تكاملها جميعًا ومنها الوقت.

وأجاز الشافعية قضاءها في أي وقت شاء وكيفما كان منفردًا أو جماعة، بناء على أصلهم في مشروعية قضاء كل النوافل.

(1) صحيح: علَّقه البخاري (2/ 456)، ووصله أبو داود (1135)، وابن ماجه (1317)، والحاكم (1/ 295)، والبيهقي (3/ 282).

(2)

المصادر الفقهية السابقة.

(3)

«البدائع» (1/ 276)، و «الدسوقي» (1/ 396 - 400)، و «بداية المجتهد» (1/ 321)، و «المجموع» (5/ 27)، و «المغنى» (2/ 324)، و «مجمع الأنهر» (1/ 169).

(4)

صحيح: أخرجه أبو داود (1157)، والنسائي (3/ 180)، وابن ماجه (1653).

ص: 600

ومنع الحنابلة قضاءها لكن قالوا: مخيَّر، إن شاء صلاها أربعًا إما بسلام واحد أو بسلامين. قلت: وهذا الأخير ضعيف، أو مبناه على التشبيه بالجمعة!!

الراجح الذي يظهر لي في الصور الثلاث جميعًا أن من فاتته صلاة العيد، فإن كان لعذر جاز أداؤها في اليوم التالي، وإن لم يكن لعذر لم يقض على ما تقدم في قضاء الفوائت، والله أعلم.

مكان أدائها:

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، فأولَّ شيء يبدأ به الصلاة

» (1).

«والسُّنَّة الماضية في صلاة العيدين أن تكون في المصلى [في الصحراء أو في مفازة واسعة] لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام» (2)،

ثم هو مع هذه الفضيلة العظيمة، خرج صلى الله عليه وسلم وتركه

» (3).

إلا أن يكون هناك عذر كمطر (4) ونحوه، أو أن يضعف بعض الناس -لمرض أو كبر سنٍّ- عن الخروج فلا حرج حينئذٍ في الصلاة في المسجد.

وليُعلم أن الهدف من الصلاة اجتماع المسلمين في مكان واحد، فلا ينبغي تعدد المصليَّات من غير حاجة في الأماكن المتقاربة كما تراه في بعض المدن الإسلامية «بل قد أصبحت بعض (المصليَّات) منابر حزبية لتفريق كلمة المسلمين ولا حول ولا قوة إلا بالله» (5).

فائدة: صلاة العيد بمكة: الأفضل الصلاة في المسجد الحرام، فإن الأئمة لم يزالوا يصلون العيد بمكة بالمسجد الحرام، وهو أفضل من الخروج إلى المصلى (6).

(1) صحيح: أخرجه البخاري (956)، ومسلم (889)، والنسائي (3/ 187).

(2)

صحيح: أخرجه البخاري (1190)، ومسلم (1394).

(3)

«المدخل» لابن الحاج (2/ 283).

(4)

وفيه حديث مرفوع أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم في المسجد لما أصابهم المطر وهو ضعيف.

(5)

«أحكام العيدين» (ص: 24)، للشيخ علي حسن عبد الحميد، حفظه الله.

(6)

«المجموع» للنووي (5/ 524).

ص: 601

الخروج إلى المصلى وآدابه:

1 -

يستحب الغُسل قبل الخروج: فعن نافع أن ابن عمر: «كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى» (1).

سئل علي بن أبي طالب عن الغسل فقال: «يوم الجمعة، يوم عرفة، ويوم النحر، ويوم الفطر» (2).

2 -

التجمُّل ولبس أحسن الثياب:

والأصل في استحباب هذا حديث ابن عمر قال: أخذ عمر جُبَّةً من إستبرق تُباع في السوق، فأخذها، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، اتْبَع هذه، تجمَّل بها للعيد والوفود

» (3) الحديث «ومنه عُلم أن التجمل يوم العيد عادة متقررة بينهم، ولم ينكرها النبي صلى الله عليه وسلم فعلم بقاؤها» (4). وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم: «كان يلبس يوم العيد بردة حمراء» (5).

3 -

الأكل قبل الخروج إلى المصلى في عيد الفطر خاصة:

عن أنس قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات» (6).

وعن بريدة قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ويوم النحر لا يأكل حتى يرجع فيأكل من نسيكته» (7).

والحكمة في الأكل قبل خروجه في عيد الفطر أن لا يظن ظانٌ لزوم الصوم حتى يُصلى العيد، فكأنه سدَّ هذه الذريعة، وفي الأضحى يؤخر حتى يكون فطره على أضحيته.

وقيل: الحكمة إيقاع الأكل في العيدين في الوقت المشروع لإخراج صدقتهما الخاصة بهما (8).

(1) إسناده صحيح: أخرجه مالك (426)، وعنه الشافعي (73)، وعبد الرزاق (5754).

(2)

إسناده صحيح: أخرجه الشافعي (114)، ومن طريقه البيهقي (3/ 278).

(3)

صحيح: أخرجه البخاري (886، ومواضع)، ومسلم (2068) وغيرهما.

(4)

«حاشية السندي على النسائي» (3/ 181).

(5)

صححه الألباني. وانظر «الصحيحة» (1279).

(6)

صحيح: أخرجه البخاري (953)، والترمذي (543)، وابن ماجه (1754)، وأحمد (3/ 126).

(7)

حسن: أخرجه الترمذي (542)، وابن ماجه (1756)، وأحمد (5/ 352).

(8)

«الفتح» (2/ 447)، و «المغنى» (2/ 371)، و «زاد المعاد» (1/ 441).

ص: 602

4 -

التكبير في العيدين من حين الخروج:

قال الله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (1).

وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه «كان يخرج يوم الفطر فيكبِّر حتى يأتي المصلى، وحتى يقضي الصلاة، فإذا قضى الصلاة قطع التكبير» (2).

وعن ابن عمر: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج في العيدين مع الفضل بن عباس وعبد الله والعباس وعلي وجعفر والحسن والحسين وأسامة بن زيد وزيد بن حارثة وأيمن ابن أم أيمن رضي الله عنهم رافعًا صوته بالتهليل والتكبير» (3).

فيشرع لكل أحد أن يجهر بالتكبير عند الخروج إلى العيد باتفاق الأئمة الأربعة (4)، لكن بيَّنه بعض العلماء على أنه لا يُشرع في التكبير الاجتماع على صوت واحد كما يفعله الناس اليوم (5).

قلت: وقد يستدل على مشروعية هذا الاجتماع بما علَّقه البخاري بصيغة الجزم عن ابن عمر أنه «كان يكبِّر في قبَّته بمنى، فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيرًا

وكنَّ النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان، وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد

» فالمسألة محل اجتهاد ونظر ولا ينبغي النزاع والشقاق لأجلها.

صيغة التكبير: لم يصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث مرفوع في صيغة التكبير لكن ثبت عن ابن مسعود أنه كان يقول: «الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد» (6).

وكان ابن عباس يقول: «الله أكبر الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر وأجلُّ، الله أكبر على ما هدانا» (7).

(1) سورة البقرة، الآية:185.

(2)

مرسل وله شواهد. أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 487)، وانظر «الصحيحة» (170).

(3)

حسَّنه الألباني. أخرجه البيهقي (3/ 279)، وانظر «الإرواء» (3/ 123).

(4)

«مجموع الفتاوى» (24/ 220).

(5)

وممن يقول بهذا العلامة الألباني -كما في «الصحيحة» (1/ 121) - وابن باز وابن عثيمين، رحم الله الجميع.

(6)

إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 168).

(7)

إسناده صحيح: أخرجه البيهقي (3/ 315).

ص: 603

وكان سلمان رضي الله عنه يقول: «كبِّروا: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرًا» (1).

وأما ما زاده العامة ومتبوعوهم في هذا الزمان على التكبير مما هو مسموع ومعروف، فمُختَرع لا أصل له، قال الحافظ في «الفتح» (2/ 536):«وقد أُحدث في هذا الزمان زيادة في ذلك لا أصل لها» اهـ.

قلت: كانت في زمانهم (زيادة) وعندنا الآن أهازيج وأناشيد، فالله المستعان!!

فائدة: وقت التكبير في عيد الأضحى: أن يكبِّر من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق، وعلى هذا جمهور السلف والفقهاء من الصحابة والأئمة (2).

ويقيِّده بعضهم بالتكبير «عقب الصلوات» لكن لا دليل على هذا فقد علَّق البخاري (2/ 461) بصيغة الجزم قال: «وكان ابن عمر يكبِّر بمنى تلك الأيام وخلف الصلوات وعلى فراشه وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعًا» .

5 -

يخرج النساء -حتى الحُيَّض- والصبيان:

عن أم عطية: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العواتق، والحُيَّض، وذوات الخدور، فأما الحُيَّض فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير، ودعوة المسلمين، قلت: يا رسول الله، إحدانا لا يكون لها جلباب؟ قال: «لتلبسها أختها من جلبابها» (3).

ويجب عليهن التزام آداب الخروج، من عدم التطيب والتزين كما هو معلوم.

وأما الصبيان، فقد سئل ابن عباس: أشهدتَ العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: «نعم، ولولا مكاني من الصغر ما شهدته» (4).

لكن ينبغي أن يكون معهم من يضبطهم عن اللعب واللهو ونحوهما سواءً صلوا أم لا.

6 -

مخالفة الطريق إلى المصلى:

عن جابر بن عبد الله قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيدٍ خالف الطريق» (5).

(1) إسناده صحيح: أخرجه البيهقي (3/ 316).

(2)

«مجموع الفتاوى» (24/ 220)، وانظر «إرواء الغليل» (3/ 125).

(3)

صحيح: أخرجه البخاري (971)، ومسلم (890).

(4)

صحيح: أخرجه البخاري (977).

(5)

صحيح: أخرجه البخاري (986).

ص: 604

وعن أبي هريرة قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى العيد رجع في غير الطريق الذي خرج فيه» (1) فاستحب أكثر أهل العلم الذهاب إلى المصلى من طريق والرجوع من طريق آخر، تأسيًّا بالنبي صلى الله عليه وسلم.

7 -

يستحب المشي إلى المصلى وعدم الركوب إلا لحاجة: فعن عليٍّ رضي الله عنه قال: «من السنة أن تخرج إلى العيد ماشيًا» (2) وفيه ضعف، ويشهد له حديث لابن عمر:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إلى العيد ماشيًا ويرجع ماشيًا» (3).

وهذا إذا كان المصلى قريبًا لا يشق المشي إليه، فإن احتاج للركوب فلا حرج والله أعلم.

8 -

يستحب التبكير إلى المصلى: بعدما يصلُّوا الصبح لأخذ مجالسهم، ويكبِّرون حتى يخرج الإمام للصلاة (4).

وهذا إذا كان المصلى قريبًا لا يشق المشي إليه، فإن احتاج للركوب فلا حرج، والله أعلم.

لا سُنَّة قبل صلاة العيد ولا بعدها:

عن ابن عباس: «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم الفطر ركعتين، لم يُصلِّ قبلها ولا بعدها» (5).

قال ابن العربي: التنفُّل في المصلى لو فُعل لنُقل، ومن أجازه رأى أنه وقت مطلق للصلاة ومن تركه رأى النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ومن اقتدى فقد اهتدى. اهـ.

قال الحافظ: وأما مطلق النفل فلم يثبت فيه منع بدليل خاص، إلا إن كان ذلك في وقت الكراهة الذي في جميع الأيام، والله أعلم. اهـ (6).

قلت: ورأى بعض الفضلاء أن مصلى العيد مسجد، فإذا دخله الإنسان فلا يجلس حتى يصلي ركعتين، واستدل بمنع الرسول صلى الله عليه وسلم الحيَّض أن يمكثن فيه،

(1) أخرجه ابن ماجه (1301)، والدارمي (1613)، وأحمد (8100)، وابن خزيمة (1468)، وابن حبان (2815)، والبيهقي (3/ 308)، وذكره البخاري (943) متابعة لحديث جابر المتقدم -وهو من نفس الطريق!! - وقال:«وحديث جابر أصح» .

(2)

حسنه الألباني: وانظر «صحيح الترمذي» (1/ 164) للألباني.

(3)

حسنه الألباني: وانظر «صحيح ابن ماجه» (1071) للألباني.

(4)

انظر «شرح السنة» للبغوي (4/ 302).

(5)

صحيح: أخرجه البخاري (989)، والترمذي (537)، والنسائي (3/ 193)، وابن ماجه (1291).

(6)

«فتح الباري» (2/ 552).

ص: 605

وأمرهن باعتزاله (1) وفيه نظر، فأما الاستدلال بمنع الحيض فيردُّه أن المراد اعتزالهن الصلاة كما تقدم في أبواب «الطهارة» ، ثم إن الأرض كلَّها مسجد أفيشرع تحية المسجد عند إرادة الصلاة في أي بقعة منها؟! وعلى كلٍّ لو كان الصحابة يصلون التحية في المصلى لنُقل كما تقدم عن ابن العربي، والله أعلم. لكن لو صلوا في المسجد فلا شك في مشروعية التحية.

ليس للعيد أذان ولا إقامة:

عن ابن عباس وجابر رضي الله عنهما قالا: «لم يكن يؤذَّن يوم الفطر ولا يوم الأضحى (2).

وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: «صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيدين غير مرة، ولا مرتين، بغير أذان ولا إقامة» (3).

قال ابن القيم: «وكان صلى الله عليه وسلم إذا انتهى إلى المصلى أخذ في الصلاة من غير أذان ولا إقامة، ولا قول: الصلاة جامعة. والسنة أن لا يُفعل شيء من ذلك» اهـ. وعلى هذا فإن النداء للعيدين بدعة، والله أعلم.

كيفية صلاة العيد:

صلاة العيد ركعتان، لحديث عمر رضي الله عنه قال:«صلاة السفر ركعتان، وصلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، تمام غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم» (4). وتصلى على الصورة الآتية:

1 -

يبدأ الركعة الأولى -كسائر الصلوات- بتكبيرة الإحرام.

2 -

ثم يكبِّر بعدها سبع تكبيرات أخرى قبل أن يبدأ القراءة، ولم يصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه مع تكبيرات العيد لكن قال ابن القيم:«وكان ابن عمر - مع تحرِّيه للاتباع- يرفع يديه مع كل تكبيرة» (5).

قلت: فمن رأى أن ابن عمر لا يفعل هذا إلا بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم فله أن يرفع يديه وإلا فخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

(1) يقول بهذا العلامة ابن عثيمين، رحمه الله.

(2)

صحيح: أخرجه البخاري (960)، ومسلم (886).

(3)

صحيح: أخرجه مسلم (887)، وأبو داود (1148)، والترمذي (532).

(4)

صحيح: أخرجه النسائي (3/ 183)، وأحمد (1/ 37) وقد تقدم.

(5)

«زاد المعاد» (1/ 441).

ص: 606

3 -

ولم يصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر معين في سكوته بين هذه التكبيرات، لكن قال ابن مسعود:«بين كل تكبيرتين حمد لله عز وجل، وثناء على الله» (1).

4 -

ثم يبدأ بقراءة الفاتحة -بعد التكبيرات- ثم سورة، ويستحب أن يقرأ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} على أن يكون في الركعة الثانية {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ} كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (2) وربما قرأ فيهما {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} (3).

5 -

وبعد القراءة يأتي بباقي الركعة على هيئتها المعتادة.

6 -

ويكبِّر للقيام إلى الركعة الثانية.

7 -

ثم يكبِّر بعدها خمس تكبيرات على نحو ما تقدم في الركعة الأولى.

8 -

ويقرأ الفاتحة والسورة التي تقدم ذكرها.

9 -

ثم يتم صلاته ويسلِّم.

وهذا قول أكثر أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم في صفة صلاة العيدين: عن عائشة رضي الله عنها «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبِّر في الفطر والأضحى: في الأولى سبع تكبيرات، وفي الثانية خمسًا، سوى تكبيرتي الركوع» (4).

وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: «كبَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد: سبعًا في الأولى، ثم قرأ، ثم كبَّر فركعوا، ثم سجد، ثم قام فكبَّر خمسًا، ثم قرأ ثم كبر فركع، ثم سجد» (5).

الخطبة بعد الصلاة والتخيير في حضورها:

والسنة أن يخطب الإمام بعد الصلاة خطبة واحدة -لا خطبتين (6) - واقفًا على الأرض لا على منبر، كذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون من بعده:

(1) إسناده حسن: أخرجه البيهقي (3/ 291).

(2)

صحيح: أخرجه مسلم (891)، والنسائي في الكبرى (11550)، والترمذي (534)، وابن ماجه (1282).

(3)

صحيح: أخرجه مسلم (878)، وغيره عن النعمان بن بشير وقد تقدم قريبًا.

(4)

صحيح: أخرجه أبو داود (1150)، وابن ماجه (1280)، وأحمد (6/ 70).

(5)

حسنه الألباني: أخرجه أبو داود (1152)، وابن ماجه (1278)، وانظر «الإرواء» (3/ 108 - 112).

(6)

وما ورد في أنهما خطبتان فضعيف جدًّا، والله أعلم.

ص: 607

1 -

فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي

بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فكلُّهم كانوا يُصلُّون قبل الخطبة» (1).

2 -

وعن ابن عمر: «أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر، كانوا يصلون العيدين قبل الخطبة» (2).

3 -

وعن أبي سعيد الخدري قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج يوم العيد والأضحى إلى المصلى، فأول شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف، فيقوم مقابل الناس -والناس جلوس على صفوفهم- فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم، فإن كان يريد أن يقطع بعثًا قطعه أو يأمر بشيء أمر به ثم ينصرف» قال أبو سعيد: «فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجتُ مع مروان -وهو أمير المدينة- في أضحى أو فطر، فلما أتينا المصلَّى إذا منبر بناه كثير بن الصلت، فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي، فجبذتُ بثوبه، فجبذني، فارتفع فخطب قبل الصلاة، فقلتُ له: غيَّرتم والله، فقال: أبا سعيد، قد ذهب ما تعلم، فقلت: ما أعلمُ والله خيرٌ مما لا أعلم، فقال: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة، فجعلتُها قبل الصلاة» (3). وحضور هذه الخطبة لا يجب ويستحب للإمام أن يُخير في حضورها تأسيًا بالنبي صلى الله عليه وسلم فعن عبد الله بن السائب قال: شهدت العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما قضى الصلاة قال: «إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس، ومن أحب أن يذهب فليذهب» (4).

فائدة: خطبة العيد كسائر الخطب، تُفتتح بالحمد والثناء على الله تعالى، ولم يصح حديث في افتتاحها بالتكبير.

هل يهنئون بعضهم بالعيد؟

قال شيخ الإسلام في «الفتاوى» (24/ 253):

«أما التهنئة يوم العيد بقول بعضهم لبعض إذا لقيه بعد صلاة العيد: (تقبَّل الله منا ومنكم) و (أحال عليك) ونحو ذلك، فهذا قد رُوى عن طائفة من الصحابة

(1) صحيح: أخرجه البخاري (962)، ومسلم (884).

(2)

صحيح: أخرجه البخاري (963)، ومسلم (888).

(3)

صحيح: أخرجه البخاري (956)، ومسلم (889).

(4)

صحيح: أخرجه أبو داود (1155)، والنسائي (3/ 185)، وابن ماجه (1290).

ص: 608

أنهم كانوا يفعلونه (1) ورخَّصَ فيه

الأئمة كأحمد وغيره، لكن قال أحمد: أنا لا أبتدئ أحدًا، فإن ابتدأني أحد أجبتُه، وذلك لأن جواب التحية واجب، وأما الابتداء بالتهنئة فليس مأمورًا بها، ولا هو أيضًا مما نُهي عنه، ممن فعله فله قدوة، ومن تركه له قدوة، والله أعلم» اهـ.

«ولا ريب أن هذه التهنئة من مكارم الأخلاق، ومحاسن المظاهر الاجتماعية بين المسلمين، ولها أثر طيب في تقوية الصلات والوشائج، وإشاعة روح المحبة بين المسلمين، فأقل ما يقال فيها أن تهنئ من هنَّأك، وتسكت إن سكت» (2).

(1) قال الحافظ في «الفتح» (2/ 517): «ورونا في «المحامليات» بإسناد حسن عن جبير بن نفير قال: «كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد، يقول بعضهم لبعض: تقبَّل الله منا ومنك» اهـ.

ونقل ابن قدامة في «المغنى» (2/ 259) نحوه عن أبي أمامة وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ونقل عن أحمد تجويده حديث أبي أمامة، وانظر «تمام المنة» (ص: 354 - 356).

(2)

«وقفات للصائمين» للشيخ سلمان العودة -حفظه الله- (ص: 99) عن «أحكام العيدين» لهشام البرغش (ص: 57).

ص: 609