الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صلاة الخَوْف
تعريفها (1):
الخوف: توقُّع مكروه عن أمارة مظنونة أو متحققة، والمراد هنا: قتال العدو ونحوه مما يخافه. وصلاة الخوف ليست صلاة مستقلة، كصلاة العيد والكسوف ونحو ذلك، وإنما المرد: الصلوات المفروضة بشروطها وأركانها وسننها وعدد ركعاتها كما في الأمن إلا أنها تؤدَّى بكيفية مختلفة إذا صلِّيت جماعة، وأنها تحتمل أمورًا لم تكن تحتملها في الأمن، وعلى هذا يمكن تعريف صلاة الخوف بأنها:«الصلاة المكتوبة، يحضر وقتها والمسلمون في مقاتلة العدو أو في حراستهم» .
مشروعيتها:
صلاة الخوف ثابتة بقول الله تعالى: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَاخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ
…
مُّهِيناً} (2).
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَاّها كما ستأتي الأحاديث بذلك، وقد اتفق أهل العلم
على هذا، ثم اختلفوا في مشروعيتها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
فذهب الجمهور -خلافًا لأبي يوسف صاحب أبي حنيفة (3) - إلى مشروعيتها إلى يوم القيامة وأن خطاب النبي صلى الله عليه وسلم خطاب لأمته ما لم يقم دليل على اختصاصه، وتخصيص بالخطاب لا يقتضي تخصيصه بالحكم، ثم:
1 -
لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «.. وصلوا كما رأيتموني أصلي» (4).
2 -
ولإجماع الصحابة رضي الله عنهم على صلاة الخوف بعد وفاته صلى الله عليه وسلم (5)، وممن رُوى عنه أنه فعلها (6):
(أ) علي بن أبي طالب، فقد صلَاّها ليلة وقعة صفين أو الهرير.
(1)«البدائع» (1/ 243)، و «حاشية العدوي» (1/ 296)، و «روضة الطالبين» (2/ 49)، و «المغنى» (2/ 402).
(2)
سورة النساء، الآية:102.
(3)
«البدائع» (1/ 242)، و «المدونة» (1/ 161)، و «الأم» (1/ 186)، و «المغنى» (2/ 400).
(4)
صحيح: تقدم كثيرًا.
(5)
نقل الإجماع الحافظ في «الفتح» (2/ 498)، وابن قدامة في «المغنى» (2/ 400).
(6)
انظر بعض الآثار عنهم وتخريجها في «إرواء» (3/ 42 - 45).
(ب) أبو موسى الأشعري، صلَاّها بأصحابه بأصبهان.
(جـ) حذيفة بن اليمان، صلَاّها بالصحابة -ومعهم سعد بن أبي وقَّاص- بطبرستان.
ورأى المزني من الشافعي أن صلاة الخوف كانت مشروعة ثم نُسخت!! واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم فاتته صلوات يوم الخندق، ولو كانت صلاة الخوف جائزة لفعلها، ويجاب عنه: بأن ذلك كان قبل نزول صلاة الخوف كما في حديث أبي سعيد: «حُبسنا يوم الخندق
…
وذلك قبل أن ينزل الله عز وجل في صلاة الخوف ..» وقد تقدم في مسألة (الترتيب في قضاء الفوائت).
كيفيات صلاة الخوف:
ثبت في صلاة الخوف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كيفيات كثيرة، أصولها ستٌّ، وليس بين أهل العلم اختلاف في أن العمل بأيٍّ منها مجزئ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها في مرات وأيام مختلفة وأشكال متباينة، يتحرَّى في كلِّها ما هو أحوط للصلاة، وأبلغ في الحراسة، فهي على اختلاف صورها متفقة في المعنى (1)، ومن هذه الكيفيات:
[أ] إذا كان العدو في غير القبلة:
1 -
يقسم الجيش إلى فرقتين: فرقة تُجعل في وجه العدو، وفرقة ينحاز بها إلى حيث لا تبلغهم سهام
العدو، فيفتتح الإمام بهم الصلاة ويصلي بهم ركعة (في الثنائية) أو ركعتين (في الثلاثية والرباعية) ثم يثبت قائمًا، ويتمُّ المقتدون به وينصرفون وجاه العدو، وتأتي الفرقة الأخرى فيصلي بهم ما تبقى، فإذا جلس للتشهد، قاموا وأتموا صلاتهم -والإمام ينتظرهم- فإذا لحقوه سلَّم بهم (2).
والأصل فيها: حديث صالح بن خوَّات عمن صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرِّقاع صلاة الخوف: «أن طائفة صفَّت معه، وصفَّت طائفة وجاه العدو، فصلى بالتي معه ركعة، ثم ثبت قائمًا، وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا فصفُّوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت
(1)«البدائع» (1/ 342)، و «مغنى المحتاج» (1/ 301)، و «المغنى» (2/ 412)، و «نيل الأوطار» (3/ 376 - وما بعدها).
(2)
بهذا قال الجمهور، وقال مالك: يسلم الإمام ولا ينتظرهم، فإذا سلَّم قضوا ما فاتهم اعتمادًا على حديث موقوف.
جالسًا حتى أتموا لأنفسهم ثم سلَّم بهم» (1). وفي لفظ صالح بن خوَّات عن سهل ابن أبي حتمة أنه ينتظرهم جالسًا لا قائمًا، وهو في الصحيح كذلك. وبهذه الصفة أخذ الشافعي وأصحابه.
2 -
يصلي بالفرقة الأولى ركعة، والأخرى تجاه العدو، ثم تنصرف الفرقة التي صلت معه الركعة فتقوم تجاه العدو، وتأتي الأخرى فتصلي معه ركعة، ثم تقضي كل فرقة لنفسها ركعة.
وظاهره أنهم أتموا في حالة واحدة، ويحتمل أن الطائفة الثانية أتمت بعد تسليمة، ثم رجع أولئك إلى مقامهم فأتموا الركعة، وهو الأرجح من حيث المعنى وإلا فيستلزم تضييع الحراسة المطلوبة وإفراد الإمام وحده، ويرجحه رواية ابن مسعود:«ثم سلَّم وقام هؤلاء [أي الطائفة الثانية] فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلَّموا ثم ذهبوا ورجع أولئك إلى مقامهم فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلَّموا» (4) وبهذه الكيفية أخذ الحنفية خلا أبا يوسف.
3 -
يصلي الإمام بطائفة ركعتين ويسلِّم، ثم يصلي بالأخرى ويسلِّم.
والأصل فيها: حديثا جابر وأبي بكرة: فعن جابر قال: «كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بذات الرِّقاع، وأقيمت الصلاة، فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا، وصلَّى بالطائفة الأخرى ركعتين، فكان للنبي صلى الله عليه وسلم أربع، وللقوم ركعتان» (5).
(1) صحيح: أخرجه البخاري (4130)، ومسلم (842).
(2)
يعني: ركعة كاملة.
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (942)، ومسلم (839).
(4)
ضعيف: أخرجه أبو داود (1244)، والطحاوي (1/ 184)، والدارقطني (187)، وانظر «الإرواء» (3/ 49).
(5)
صحيح: أخرجه البخاري تعليقًا (4136)، ووصله مسلم (843)، وانظر «التغليق» (4/ 120).
وفي لفظ: «صلَّى بطائفة من أصحابه ركعتين ثم سلَّم، ثم صلَّى بآخرين ركعتين ثم سلَّم» (1). ويؤيده حديث أبي بكرة قال: «صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، فصلَّى بهم ركعتين ثم سلَّم، فصار للنبي صلى الله عليه وسلم أربع ركعات، وللقوم ركعتان ركعتان» (2).
فائدة: الحديثان يدلان على جواز اقتداء المفترض بالمتنفِّل، لأن الركعتين الآخرتين كانتا للنبي صلى الله عليه وسلم نافلة، وللطائفة الثانية فرضًا.
4 -
يصلي الإمام بطائفة ركعة واحدة -والأخرى قِبل العدو- ثم ينصرفون مكانهم، وتأتي الطائفة الأخرى فيصلي بهم ركعة واحدة، ويكتفي كل من الطائفتين بركعة واحدة لا يقضون الأخرى.
والأصل فيها: حديث ابن عباس: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى بذي قَرَد، فصفَّ الناس خلفه صفين: صفٌّ خلفه، وصفٌّ موازي العدو، فصلَّى بالصف الذي يليه ركعة، ثم رجع هؤلاء إلى مصافِّ هؤلاء، وجاء هؤلاء إلى مصافِّ هؤلاء، فصلَّى بهم ركعة ولم يقضوا» (3). ونحوه حديث أبي هريرة (4)، وزيد بن ثابت (5)، وحذيفة (6).
ويدلُ على صحة الاكتفاء بالركعة: حديث ابن عباس قال: «فرض الله -جل وعلا- الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم: في الحضر أربعًا، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة» (7).
(1) إسناده ضعيف: أخرجه الشافعي (506)، والنسائي (3/ 178)، والدارقطني (186)، والبيهقي (3/ 259).
(2)
ضعيف: أخرجه النسائي (3/ 179)، وأبو داود (1248)، والبيهقي (3/ 260)، والطحاوي (1/ 315).
(3)
صحيح: أخرجه النسائي (3/ 169)، وابن حبان (2871)، وأحمد (1/ 232) لكن ليس عنده (ولم يقضوا)!!.
(4)
أخرجه الترمذي (3035)، وأحمد (2/ 522)، والنسائي (3/ 174) وسنده حسن.
(5)
أخرجه النسائي (3/ 168)، وأحمد (5/ 183) وسنده حسن في الشواهد.
(6)
أخرجه أبو داود (1246)، والنسائي (1/ 227)، وأحمد (5/ 385) وسنده صحيح كما في «الإرواء» (3/ 44).
(7)
صحيح: أخرجه مسلم (687)، وأبو داود (1247)، وأحمد (1/ 237).
5 -
يقسم الجيش فرقتين: فرقة تصف خلف الإمام والأخرى في مقابلة العدو، وتدخل الفرقتان جميعًا معه في الصلاة وتركع معه التي تليه ثم تسجد معه -والأخرى قيام قبل العدو كما هم- ثم يأخذ
الذين صلوا معه الركعتين أسلحتهم فيرجعون قِبل العَدو، ويُقبل الآخرون خلفه فيصلون لأنفسهم ركعة والإمام قائم، ثم يصلي بهم الركعة الثانية ثم يأتي المقابلون للعدو فيصلون لأنفسهم ركعة، والإمام والطائفة الأخرى قاعدون -ثم يسلم بهم جميعًا.
[ب] إذا كان العدو جهة القبلة:
6 -
يقسمهم الإمام فرقتين: فيفتح الصلاة بهم جميعًا، ويقرأ ويركع ويعتدل بهم جميعًا، ثم يسجد بإحداهما وتحرس الأخرى حتى يقوم الإمام من سجوده، ثم يسجد الآخرون، ويلحقونه في قيامه، ويفعل كذلك في الركعة الثانية، ولكن يحرس فيها من سجد معه الركعة الأولى، ثم يتشهد ويسلم بهم جميعًا.
والأصل فيها: حديث جابر قال: «شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، فصفَّنا صفَّين: صفٌّ خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم -والعدو بيننا وبين القبلة- فكبَّر النبي صلى الله عليه وسلم وكبرنا جميعًا، ثم رفع رأسه من الركوع، ورفعنا جميعًا، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه، وقام الصف المؤخر في نحر العدو، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم
(1) حسن: أخرجه أبو داود (1241)، والنسائي (3/ 173)، وأحمد (2/ 320).
السجود وقام الصف الذي يليق، انحدر الصف المؤخر بالسجود وقاموا، ثم تقدَّم الصف المؤخر وتأخر الصف المتقدم، ثم ركع النبي صلى الله عليه وسلم وركعنا جميعًا، ثم رفع رأسه من الكوع، ورفعنا جيمعًا، ثم انحدر بالسجود
والصف الذي يليه الذي كان مؤخرًا في الركعة الأولى، وقام الصف المؤخر في نحو العدو، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم السجود والصف الذي يليه، انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجدوا، ثم سلَّم النبي صلى الله عليه وسلم وسلَّمنا جميعًا» (1).
وثبت مثله من حديث أبي عيَّاش الزُّرقى (2).
الصلاة إذا اشتد الخوف (3):
1 -
إذا اشتد الخوف حتى منعهم من صلاة الجماعة على صفة مما تقدم، ورجوا انكشافه قبل خروج الوقت المختار بحيث يدركون الصلاة فيه، أخروا استحبابًا.
2 -
فإذا بقي من الوقت ما يسع الصلاة صلوا إيماءً، وإلا صلوا فرادى بقدر استطاعتهم، فإن قدروا على الركوع والسجود فعلوا ذلك، أو صلوا مشاةً أو ركبانًا، مستقبلي القبلة وغير مستقبليها، ثم لا إعادة عليهم إذا أمنوا، لا في الوقت ولا بعده:
والأصل في هذا قول تعالى: {فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} (4).
وعن ابن عمر قال: «فإن كان خوف أشد من ذلك صلَّوا رجالاً قيامًا على أقدامهم، أو ركبانًا، مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها» (5) زاد البخاري: قال نافع: لا أرى عبد الله بن عمر قال ذلك إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإن عجزوا عن الركوع والسجود أومأوا بهما، ويكون السجود أخفض من الركوع قلت: وتجزئه ركعة والله أعلم.
3 -
فإن شُغلوا بلقاء العدو حتى خرج وقت الصلاة: فلا حرج ويصلونها متى
(1) صحيح: أخرجه مسلم (840).
(2)
صحيح: أخرجه أبو داود (1236)، والنسائي (3/ 176)، وأحمد (4/ 59) وغيرهم.
(3)
«البدائع» (1/ 244)، و «روضة الطالبين» (2/ 60)، و «المغنى» (2/ 416)، و «كشاف القناع» (1/ 18).
(4)
سورة البقرة، الآية:239.
(5)
صحيح: أخرجه البخاري (4535)، وابن ماجه (1258)، ومالك (442).
أمكنهم، كما حصل مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق فشُغل وأصحابه عن صلاة العصر وصلوها بعد المغرب، وقد تقدم الحديث في «قضاء الفوائت» .
هل تصح صلاة الخوف في الحضر؟
من حضره خوف من عدو ظالم كافر، أو باغٍ من المسلمين، أو من سيل، أو نارٍ، أو سبع، أو غير
ذلك، ولو في الحضر، فله أن يصلي صلاة الخوف، وهو قول أكثر أهل العلم: أبي حنيفة ومالك -في المشهور عنه- والشافعي وأحمد والأوزاعي وابن حزم (1)، قالوا: لعموم قوله تعالى: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} (2). فلم يخصَّ ذلك بالسفر (3).
فإن قيل: الأحاديث المتقدمة كلها كانت في السفر؟ فيجاب: بأن السفر وصف طردي ليس بشرط ولا سبب، وإلا لزم ألا يصلي إلا عند الخوف من العدو الكافر!!
فائدة:
إذا صلى الخوف في الحضر، فإنه يصليها كاملة في عدد ركعاتها -سواء في حق الإمام أو المأموم- بإحدى الكيفيات الواردة.
لكن، هل يقال: يجزئ أن يصلي ركعة واحدة -في الحضر- على ظاهر حديث ابن عباس:
«فرض الله عز وجل الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم: في الحضر أربعًا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة» (4)؟ وهل يؤيده جواز فعلها إيماءً في الخوف الشديد؟
هذا موضع نظر، وابن حزم على ظاهريَّته لم يُجز الاقتصار على الركعة إلا في السفر، فلتحرر!!
(1)«الأم» (1/ 186)، و «المدونة» (1/ 161)، و «المغنى» (2/ 302)، و «طرح التثريب» (3/ 141)، و «نيل الأوطار» (3/ 377 - 378)، و «المحلى» (5/ 33 - 34).
(2)
سورة النساء، الآية:102.
(3)
إلا عند من يقول: إن قوله تعالى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ
…
} المراد به: صلاة الخوف، لا قصر الصلاة، فيشكل عنده أنه مقيد بالضرب في الأرض، أي: السفر؟!
(4)
صحيح: تقدم تخريجه قريبًا.