الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حمل الجنازة واتبَّاعها
حمل الجنازة واتِّباعها من حقوق الميت على المسلمين، لحديث أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«حق المسلم على المسلم خمس: ردُّ السلام، وعيادة المريض، واتِّباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس» (1).
وعن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عُودوا المريض، واتَّبِعوا الجنائز تذكركم الآخرة» (2).
وقد أجمع أهل العلم على أن حمل الجنازة فرض على الكفاية، إذا قام به البعض سقط عن الباقين، وذهب جمهورهم إلى أن اتباعها وتشييعها سنة (3)، لحديث البراء بن عازب قال:«أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم باتباع الجنائز» (4) قالوا: والمر هنا للندب لا للوجوب؛ للإجماع!! قلت: إن ثبت الإجماع فذاك، وإلا فلا فرق بين حكم الحمل والتشييع، والظاهر أن كليهما فرض كفاية، والله أعلم.
حمل الجنازة على أعناق الرجال:
السنة أن تُحمل الجنازة على أعناق الرجال، فعن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إذا وُضعت الجنازة، واحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت: قدموني، وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلها، أين تذهبون بها؟! يسمع صوتها كلُّ شيء إلا الإنسان، ولو سمعه صعق» (5).
وفيه أنه لا يشرع للنساء حمل الجنازة سواء كان الميت ذكرًا أو أنثى، ولا خلاف في هذا، لأن النساء يضعفن عن الحمل، وربما انكشف منهن شيء لو حملن، ويضاف إلى هذا ما يتوقع منهن من الصراخ عند حمله ووضعه، ولأن الجنازة لابد أن يشيعها الرجال، فلو حملها النساء لكان ذلك ذريعة إلى اختلاطهن بالرجال فيفضي إلى الفتنة (6).
(1) صحيح: أخرجه البخاري (1240)، ومسلم (2162).
(2)
حسن: أخرجه أحمد (3/ 27)، والبخاري في «الأدب المفرد» (518)، وابن أبي شيبة (4/ 73) وغيرهم.
(3)
«ابن عابدين» (1/ 624)، و «الفتاوى الهندية» (1/ 159)، و «الفتح» (3/ 112)، و «شرح مسلم» (1/ 188).
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (1239)، ومسلم (2066).
(5)
صحيح: أخرجه البخاري (1314)، والنسائي (1/ 270)، وأحمد (3/ 41).
(6)
«المجموع» (5/ 270)، و «الفتح» (3/ 217)، و «جامع أحكام النساء» (1/ 535).
الإسراع بالجنازة: عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أسرعوا بالجنازة، فإن تك صالحة فخير تقدَّمونها إليه، وإن يك سوى ذل فشرٌّ تضعونه عن رقابكم» (1).
والمراد بالإسراع: الزيادة على المشي المعتاد، لكن بحيث لا ينتهي إلى شدة يخاف معها حدوث مفسدة للميت أو مشقة على الحامل أو المشيِّع.
تنبيه: لا يُشرع حمل الجنازة على سيارة والاكتفاء بذلك عن حملها على الأعناق لأمور (2):
1 -
أن هذا من عادات الكفار وقد أُمرنا بمخالفتهم.
2 -
أنها بدعة في عبادة مع معارضتها للسنة العملية في حمل الجنازة.
3 -
أنها تفوِّت الغاية من حملها وتشييعها، وهي تَذكر الآخرة.
4 -
أنها سبب لتقليل المُشيِّعين لها لا سيما إن كان المشيعون لها في سياراتهم!!
5 -
أن هذه الصورة لا تتفق مع ما عُرف عن الشريعة المطهرة السمحة من البعد عن الشكليات والرسميات، لا سيما في مثل هذا الأمر الخطير: الموت.
قلت: وقد نصَّ الفقهاء على كراهة حمل الجنازة على ظهر الدابة بلا عذر، أما إذا كان عذر كأن كان المحل بعيدًا يشق حمله على الرجال، فيجوز (3)، وأقوال: ينبغي حينئذ أن يوقفوا العربات ويحملوا الجنازة مسافة مناسبة تحقيقًا للسنة وغايتها.
اتباع الجنازة مرتبتان:
1 -
اتباعها من عند أهلها حتى الصلاة عليها.
2 -
اتباعها من عند أهلها حتى يُفرغ من دفنها، وكلاهما فعله النبي صلى الله عليه وسلم (4).
ولا شك أن المرتبة الثانية أفضل، فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من شهد الجنازة [من بيتها] حتى يُصَلَّى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن، فله قيراطان [من الأجر]» قيل: يا رسول الله، وما القيراطان؟ قال:«مثل الجبلين العظيمين، وفي رواية: كل قيراط مثل أُحُد» (5).
(1) صحيح: أخرجه البخاري (1315)، ومسلم (944).
(2)
انظر «أحكام الجنائز» للإمام الألباني رحمه الله (ص: 99) ط. المعارف.
(3)
«ابن عابدين» (1/ 623)، و «المجموع» (5/ 270).
(4)
انظر: «أحكام الجنائز» (ص: 87، 88).
(5)
صحيح: أخرجه البخاري (1325)، ومسلم (945).
نهي النساء عن اتباع الجنازة:
هذا الفضل -المتقدم- في اتباع الجنائز إنما هو للرجال دون النساء، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم لهن عن اتباعها: فعن أم عطية قالت: «نُهينا عن اتباع الجنائز ولم يُعزم علينا» (1).
وقد حمل جمهور العلماء هذا النهي على الكراهة لا على التحريم (2) لقولها: «ولم يُعزم علينا» .
لكن
…
قال شيخ الإسلام في «الفتاوى» (24/ 355): «قد يكون مرادها: لم يؤكد النهي، وهذا لا ينفي التحريم، وقد تكون هي ظنت أنه ليس بنهي تحريم، والحجة في قول النبي صلى الله عليه وسلم لا في ظنِّ غيره» اهـ.
أين يمشي المُشيِّعون للجنازة؟
يجوز المشي خلف الجنازة وأمامها، وعن يمينها ويسارها قريبًا منها، فعن أنس رضي الله عنه:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعُمر، كانوا يمشون أمام الجنازة وخلفها» (3).
لكن الأفضل المشي خلفها لأنه مقتضى الأدلة الآمرة باتباع الجنائز، ويؤيده قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه:«المشي خلفها أفضل من المشي أمامها، كفضل صلاة الرجل في جماعة على صلاته فذًّا» (4) وهذا مذهب الأوزاعي وأبي حنيفة وإسحاق خلافًا للجمهور (5).
ويجوز ركوب المشيِّعين، لكن خلف الجنازة: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الراكب يسير خلف الجنازة والماشي حيث شاء منها
…
» (6).
وإن كان الأفضل المشي لأنه المعهود عنه صلى الله عليه وسلم، وروى ثوبان رضي الله عنه: «أن رسول الله أُتي بدابة -وهو مع الجنازة- فأبى أن يركبها، فلما انصرف أُتي بدابة فركب،
(1) صحيح: أخرجه البخاري (1278)، ومسلم (938).
(2)
«المجموع» (5/ 277)، و «فتح الباري» (2/ 599)، و «ابن عابدين» (1/ 208).
(3)
صحيح: أخرجه ابن ماجه (1483)، والطحاوي (1/ 278)، وهو عند أبي داود (3179)، والترمذي (1077)، والنسائي (4/ 56) بدون (وخلفها)، وانظر «الإرواء» (739).
(4)
حسن: أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 101)، وأحمد (1/ 97)، والبيهقي (4/ 25)، وحسنه الحافظ وقال: له حكم الرفع.
(5)
«الأم» (1/ 240)، و «بداية المجتهد» (1/ 344)، و «فتح الباري» (3/ 219).
(6)
صحيح: أخرجه أبو داود (3180)، والترمذي (1031)، والنسائي (1/ 275)، وأحمد (4/ 247).