المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مسائل تتعلق بصفة صلاة الجماعة - صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة - جـ ١

[كمال ابن السيد سالم]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة فضيلة الشيخ/ فؤاد سراج عبد الغفار - حفظه الله

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌[المسلك في هذا الكتاب]

- ‌تمهيدنشأة علم الفقه

- ‌[الفقه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[عهد الصحابة رضي الله عنهم]

- ‌[أحوال الناس في المائة الأولى والثانية]

- ‌1 - كتاب الطهارة

- ‌تعريف الطهارة وأهميتها

- ‌أنواع الطهارة

- ‌أولاً الطهارة الحقيقية

- ‌هل يُعَدُّ المني طاهرًا أم نجسًا

- ‌هل تُعَدُّ الخمر من النجاسات

- ‌هل يعتبر الدم من النجاسات

- ‌هل «قيء الآدمي» نجس

- ‌الاستنجاء

- ‌بم يكون الاستنجاء

- ‌بعض الآداب في الاستنجاء

- ‌هل يجوز للرجل أن يبول قائمًا

- ‌سنن الفطرة

- ‌ الختان

- ‌السواك

- ‌إعفاء اللِّحية

- ‌ثانيًا الطهارة الحكمية:

- ‌الوضوء

- ‌أركان الوضوء

- ‌نواقض الوضوء

- ‌المسح على الحوائل

- ‌أولاً: المسح على الخفين:

- ‌ثانيًا: المسح على الجوربين والنعلين

- ‌ثالثًا: المسح على غطاء الرأس:

- ‌رابعًا: المسح على الجَبيرَة

- ‌مسائل تتعلق بالغسل

- ‌التيمُّم

- ‌نواقض التيمم

- ‌الحيض والنفاس

- ‌دم النفاس

- ‌دم الاستحاضة

- ‌2 - كتاب الصلاة

- ‌تعريف الصلاة

- ‌منزلتها من الدين:

- ‌الصلوات الخمس

- ‌الأحكام الدنيوية لتارك الصلاة:

- ‌عدد الفرائض:

- ‌عدد الركعات:

- ‌مواقيت الصلاة

- ‌مسائل تتعلق بمواقيت الصلاة

- ‌قضاء الصلوات الفائتة

- ‌الأوقات المنهي عن الصلاة فيها

- ‌الأذان والإقامة

- ‌شروط صحة الصلاة

- ‌أركان الصلاة

- ‌واجبات الصلاة

- ‌سنن الصلاة

- ‌السنن الفعلية في الصلاة

- ‌أمور تباح في الصلاة

- ‌(أ) الأفعال المباحة في الصلاة:

- ‌(ب) الأقوال وما في معناها المباحة في الصلاة:

- ‌المنهيات في الصلاة

- ‌مبطلات الصلاة

- ‌القنوت في الفرائض

- ‌صلاة التطوُّع

- ‌صلاة الوتر

- ‌قيام الليل

- ‌صلاة الضُّحىَ

- ‌صلاة الاستخارة

- ‌صلاة التسبيح

- ‌صلاة تحية المسجد

- ‌صلاة التوبة

- ‌صلاة الكسوف

- ‌صلاة الاستسقاء

- ‌سجود التلاوة

- ‌سجود الشكر

- ‌سجود السَّهْو

- ‌الصلاة في السفر

- ‌صلاة الخَوْف

- ‌صلاة الجماعة

- ‌صلاة الجماعة في الفرائض

- ‌الإمامة وأحكامها

- ‌موقف الإمام والمأموم

- ‌الصفوف وأحكامها

- ‌مسائل تتعلق بصفة صلاة الجماعة

- ‌أحكام المَسْبُوق

- ‌ما يُفْعَل بعد انقضاء الصلاة

- ‌طرق من أحكام المساجد

- ‌صلاة الجمعة

- ‌أفعال المأمومين حال الخُطبة

- ‌أذان الجمعة

- ‌خطبة الجمعة وأحكام الخطيب

- ‌أفعال المأمومين حال الخُطبة

- ‌أفعال في صلاة الجمعة

- ‌مسائل متفرقة

- ‌صلاة العيدين

- ‌3 - كتاب الجنائز

- ‌ما يفعله الحاضرون للمُحْتَضَر:

- ‌غسل الميت:

- ‌من أولى الناس بغسل الميت

- ‌صفة المُغَسِّل

- ‌صفة غُسل الميت:

- ‌تكفين الميِّت

- ‌صفة الكفن:

- ‌حمل الجنازة واتبَّاعها

- ‌من آداب اتباع الجنائز:

- ‌صلاة الجنازة

- ‌أين يصلى على الجنازة

- ‌صلاة الجنازة على القبر:

- ‌أفعال صلاة الجنازة:

- ‌دفن الميت، وما يتبعه

- ‌صفة القبر:

- ‌من الذي يقوم بالدَّفن

- ‌تعزية أهل الميت

- ‌ما ينتفع به الميت بعد موته

- ‌زيارة القبور وما يتعلق بها

- ‌هل تشرع زيارة النساء للقبور

- ‌من الأذكار الثابتة عند زيارة القبور:

الفصل: ‌مسائل تتعلق بصفة صلاة الجماعة

1 -

فإن وجد فُرجة في الصف الأخير وقف فيها.

2 -

وإن وجد الفُرجة في صف متقدم فله أن يخترق الصفوف ليصل إليها، لتقصير المصلين في تركها، فإن لم يجد إلا أن يصف بجنب الإمام فله ذلك، وقد تقدمت الأدلة على كل هذا.

3 -

فإن لم يتيسَّر ذلك وعلم أنه سيأتي آخر يصُف معه، صلَّى وحده.

4 -

فإن لم علم بمجيء أحد يصف معه، فهل يجذب واحدًا من الصف ليصف معه؟

اختلف أهل العلم في هذا: فأجازه الحنفية -في قول- والشافعية في الأصح، والحنابلة، وهو مروي عن عطاء والنخعي، لأن الحاجة داعية إليه، وقيَّده الشافعية بمراعاة موافقة المجرور منعًا للفتنة، ورأى أحمد وإسحاق تنبيهه للرجوع وعدم جذبه.

قلت: الأصل في جواز جذب الرجل من الصف، حديث أُبي بن كعب المتقدم «لما جذب الرجل وقام مقامه، فلما انصرف قال: إن هذا عهد من النبي صلى الله عليه وسلم إلينا أن نليه ..» (1) لكن فيه محاذير أخرى تأتي.

وكره مالك أن يجذب أحدًا وقال: يصلي منفردًا، ولا يطيعه المجذوب، وهو مروي عن الأوزاعي وهو اختيار شيخ الإسلام، لأن في هذا الجذب محاذير:

1 -

التشويش على الرجل المجذوب.

2 -

فيه جناية على المجذوب بنقله من المكان الفاضل إلى المفضول.

3 -

فتح فرجة في الصف وربما كان هذا من باب قطع الصف وقد تقدم الوعيد فيه.

4 -

فيه جناية على الصف كله، لتحركهم لأجل سدِّ الفرجة.

قلت: الأولى أن لا يجذب أحدًا، وليصلِّ وحده لأجل العذر، والله أعلم.

‌مسائل تتعلق بصفة صلاة الجماعة

سترةُ الإمام سترةٌ للمأمومين:

ذهب الجماهير من أهل العلم إلى أن سترة الإمام سترة لمن خلفه ومعنى هذا أمران:

1 -

أنه إذا لم يحل بين الإمام وسترته شيء يقطع الصلاة، فصلاة المأمومين

(1) صحيح: تقدم في «من يلي الإمام» .

ص: 540

صحيحة لا يضرها مرور شيء بين أيديهم في بعض الصف، ولا فيما بينهم وبين الإمام، ففي حديث ابن عباس قال:«أقبلت راكبًا على حمار أتان والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار، فمرت بين يدي بعض الصف، فنزلتُ فأرسلت الأتان ترتع فدخلت في الصف فلم ينكر عليَّ أحد» (1).

2 -

أنه إذا مر ما يقطع الصلاة بين الإمام وسترته، قطع صلاته وصلاتهم: فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: «هبطنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثنيَّة أذاخر، فحضرت الصلاة يعني فصلَّى إلى جدار فاتخذه قبلة، ونحن خلفه، فجاءت بهمة تمر بين يديه، فما زال يدارئها حتى لصق بطنه بالجدار، ومرَّت من ورائه» (2) فلولا أن سترته سترة لهم لم يكن بين مرورها بين يديه وخلفه فرق، والله أعلم.

حكم جهر الإمام بالبسملة في الجهرية:

هذه المسألة «من أعلام المسائل، ومعضلات الفقه، ومن أكثرها دَوَرانًا في المناظرة، وجَوَلانا في المصنفات» (3) ولذا أفردها بالتصنيف جماعة من أهل العلم.

والخلاصة أن للعلماء في هذه المسألة قولين:

الأول: يُسَنٌّ الإسرار بها، وهو مذهب الحنابلة وأصحاب الرأي وهو اختيار شيخ الإسلام وقال الترمذي: وعليه العمل عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من التابعين: منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وذكره ابن المنذر عن ابن مسعود وابن الزبير وعمار رضي الله عنهم أجمعين، وبه قال الأوزاعي والثوري وابن المبارك (4)، وحجتهم:

1 -

حديث أنس: «أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانوا يفتتحون

الصلاة بالحمد لله رب العالمين» (5).

(1) صحيح: أخرجه البخاري (76)، ومسلم (504).

(2)

حسن: أخرجه أبو داود (708) / وابن ماجه (3603)، وأحمد (2/ 196).

(3)

«نصب الراية» (1/ 336).

(4)

«المبسوط» (1/ 15)، و «المغنى» (1/ 345)، و «كشاف القناع» (1/ 335). قلت: وأما الإمام مالك فلا يقرأ البسملة في أول الصلاة، وانظر «المدونة» (1/ 64).

(5)

صحيح: أخرجه البخاري (743)، ومسلم (399).

ص: 541

وفي رواية لمسلم عنه: «صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدًا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم» (1).

وتُعقِّب الاستدلال: بأن معنى قوله في الرواية الأولى «يستفتحون بالحمد لله رب العالمين» أي: بسورة الفاتحة قبل غيرها، فليس فيه تعرُّض لنفي البسملة ولا إثباتها.

وأما الرواية الأخرى فهي وإن كانت صحيحة وإسناد إلا أن بعض العلماء تكلم فيها من جهة أنها من تصرف الراوي في الرواية الأولى فأخطأ، والمحفوظ الرواية الأولى (2).

2 -

حديث عائشة قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (3). قالوا: وهو ظاهر في عدم الجهر بالبسملة، ومؤيد لحديث أنس.

3 -

واستدلوا بما يُروى عن ابن عبد الله بن المغفل، قال: سمعني أبي وأنا أقول: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال:«محدث، إياك والحدث، ولم أر واحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أبغض إليه الحدث في الإسلام -يعني منه- فإني صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر وعمر وعثمان، فلم أسمع أحدًا منهم يقولها، فلا تقلها، إذا صليت فقل: «الحمد لله رب العالمين» (4) وأجيب: بأنه ضعيف لا يحتج به.

4 -

قوله الله عز وجل في الحديث القدسي: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبدي

الحديث» (5). وقد احتج به من قال: لا تقرأ البسملة أصلاً في الصلاة.

5 -

لا ريب أنه صلى صلى الله عليه وسلم لم يكن يجهر بها دائمًا في كل يوم وليلة خمس

(1) إسناده صحيح: أخرجه مسلم (399).

(2)

انظر «فتاوى الباري» (2/ 266 - 267).

(3)

صحيح: أخرجه مسلم (498).

(4)

ضعيف: أخرجه الترمذي (244)، والنسائي (2/ 135).

(5)

صحيح: أخرجه مسلم (395)، وأبو داود (821)، والترمذي (2953)، والنسائي (2/ 135)، وابن ماجه (838).

ص: 542

مرات أبدًا حضرًا ولا سفرًا، ويخفي ذلك على خلفائه الراشدين، وعلى جُمهور أصحابه، وأهل بلده في الأعصار الفاضلة (1).

القول الثاني: يُسَنُّ الجهر بها، وهو مشهور مذهب الشافعي، وحجَّته:

1 -

ما رواه نعيم المجمر قال: صليت وراء أبي هريرة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأم القرآن حتى بلغ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فقال: آمين، فقال الناس: آمين ويقول كلما سجد: الله أكبر، وإذا قام من الجلوس في الاثنتين قال: الله أكبر، وإذا سلَّم قال: والذي نفسي بيده، إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم» (2) وأجيب عنه: باحتمال أن يكون أبو هريرة أشبههم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم في معظم الصلاة لا في جميع أجزائها على أنه قد رواه جماعة عن نعيم عن أبي هريرة بدون ذكر البسملة، فالحديث ليس صريحًا في كون النبي صلى الله عليه وسلم جهر بالبسملة.

2 -

حديث قتادة قال: سئل أنس: كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: «كانت مدًّا، ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، ويمدُّ بالرحمن، ويمد بالرحيم» (3).

ويجاب عنه: بأنه غير صريح بأنه سمع هذا من النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، بل الثابت عنه عدم الجهر كما تقدم.

3 -

ما رُوى عن ابن عباس: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته ببسم الله الرحمن الرحيم» (4).

وأجيب: بأنه ضعيف لا يحتج به، ثم هو محتمل للإسرار والجهر.

الراجح: مما سبق نرى أنه ليس في الجهر بالبسملة في الصلاة حديث صحيح صريح يكافئ في دلالته حديث أنس في عدم الجهر، فعليه فالأولى الإسرار بالبسملة، «ومع هذا، فالصواب: أن ما لا يجهر به قد يُشرع الجهر به لمصلحة راجحة، فيشرع للإمام أحيانًا لمثل تعليم المأمومين

ويسوغ أيضًا أن

(1)«زاد المعاد» (1/ 206 - 207).

(2)

صحيح: أخرجه النسائي (2/ 134)، وأحمد (2/ 497)، وابن خزيمة (499)، وابن حبان (1797).

(3)

صحيح: أخرجه البخاري (5046).

(4)

ضعيف: أخرجه الترمذي (245) وغيره، وانظر أحاديث أخرى في بابه لا تخلو من مقال في «نصب الراية» (1/ 328).

ص: 543

يترك الإنسان الأفضل لتأليف القلوب واجتماع الكلمة، خوفًا من التنفير عما يصلح

» (1).

تنبيه: ثم ليُعلم أن الخلاف في هذه المسألة قريب فلا ينبغي التعصُّب لها ولا المبالغة في قدرها، ولذا قال شيخ الإسلام: «وأما التعصُّب لهذه المسألة ونحوها، فمن شعائر الفرقة والاختلاف الذي نُهينا عنه، إذ الداعي لذلك هو ترجيح الشعائر المفرقة بين الأمة، وإلا فهذه المسائل من أخف مسائل الخلاف جدًّا،

لولا ما يدعو إليه الشيطان من إظهار شعائر الفرقة» اهـ (2).

قراءة المأموم الفاتحة خلف الإمام: فيها ثلاثة أقوال لأهل العلم:

الأول: لا يقرأ المأموم في السرية ولا في الجهرية: وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه (3)، وحجتهم:

1 -

ما يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من كان له إمام، فقراءة الإمام له قراءة» (4). وهو ضعيف من جميع طرقه لا يحتج به.

2 -

حديث عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى الظهر فجعل رجل يقرأ خلفه: سبِّح اسم ربك الأعلى، فلما انصرف قال:«أيكم قرأ، أو: أيكم القارئ؟» فقال رجل: أنا، فقال:«لقد ظننتُ أن بعضكم خالجنيها» (5) وغاية ما فيه النهي عن رفع الصوت بالقراءة خلفه في السرية كما هو واضح!!

3 -

أن قراءة الفاتحة ليست بواجبة أصلاً -عندهم- فلم تجب على المأموم!! وهو مردود كما لا يخفى.

القول الثاني: يقرأ في السرية دون الجهرية، وهو مذهب الجمهور: الزهري ومالك وابن المبارك والشافعي في القديم ومحمد صاحب أبي حنيفة وأحمد بن حنبل، واختيار شيخ الإسلام (6) وحجة هذا القول:

(1)«مجموع الفتاوى» (22/ 436)، وانظر «نصيب الراية» (1/ 328).

(2)

«مجموع الفتاوى» (22/ 405).

(3)

«المبسوط» (1/ 200)، و «البدائع» (1/ 103).

(4)

ضعيف: أخرجه ابن ماجه (850)، وأحمد (14116)، و «فتح القدير» (1/ 339).

(5)

صحيح: أخرجه مسلم (398)، والنسائي (917)، وأبو داود (828).

(6)

«المغنى» (1/ 330)، و «كشاف القناع» (1/ 464)، و «مواهب الجليل» (1/ 537)، و «مجموع الفتاوى» .

ص: 544

1 -

قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (1).

2 -

حديث: «إنما جُعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، [وإذا قرأ فأنصتوا]» (2).

3 -

حديث ابن شهاب عن ابن أكيمة عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة، فقال:«هل قرأ معي أحد منكم آنفًا؟» فقال رجل: نعم يا رسول الله، قال:«إني أقول ما لي أُناررعِ القرآن؟» قال: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه النبي صلى الله عليه وسلم بالقراءة من الصلوات حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه

وسلم (3).

قال بعضهم: هذا الحديث ناسخ للقراءة خلف الإمام في الجهرية؟!!

4 -

حديث: «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة» (4) قالوا: المراد في الجهرية.

القول الثالث: يقرأ في السرية والجهرية ولابد، وهو مذهب الشافعي -في الجديد- وأصحابه، وابن حزم، واختاره الشوكاني وابن عثيمين (5)، وهو الراجح، لما يلي:

1 -

حديث عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» (6).

2 -

وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صلَّى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج -ثلاثًا- غير تمام» قال: فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام؟! فقال: اقرأ بها في نفسك

» الحديث (7).

(1) سورة الأعراف، الآية:204.

(2)

أعلَّ الحفاظ هذه الزيادة. أخرجه بها مسلم (404)، وأبو داود (603)، والنسائي (931).

(3)

صحيح: أخرجه أبو داود (826)، والترمذي (312)، والنسائي (2/ 140)، وابن ماجه (848).

(4)

ضعيف: تقدم قريبًا.

(5)

«الأم» (1/ 93)، و «المجموع» (3/ 322)، و «المحلى» (3/ 236)، و «الفروع» (1/ 428)، و «نيل الأوطار» (2/ 250)، و «الممتع» (4/ 247).

(6)

صحيح: أخرجه البخاري (756)، ومسلم (394).

(7)

صحيح: أخرجه مسلم (395)، وأبو داود (821)، والترمذي (2953)، والنسائي (2/ 135)، وابن ماجه (838).

ص: 545

والحديثان يخصصان عموم الآية الكريمة وحديث: «وإذا قرأ فأنصتوا» بما عدا قراءة المأموم الفاتحة، هذا على أن زيادة «وإذا قرأ فأنصتوا» مما اختلف الحفاظ في صحته، وقال أبو داود: ليست بمحفوظة، وكذا قال ابن معين وأبو حاتم الرازي والدارقطني وأبو علي النيسابوري، واجتماع هؤلاء الحفاظ على تضعيفها مقدَّم على تصحيح مسلم، لا سيما ولم يروها مسندة في صحيحه، والله أعلم (1).

ومما يؤيد هذا التخصيص المذكور:

3 -

حديث عبادة بن الصامت قال: كنا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فثقلت عليه القراءة فلما فرغ، قال:«لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟» قلنا: نعم هذا يا رسول الله، قال:«لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها» (2).

4 -

وعن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«لعلكم تقرءون خلف الإمام، والإمام يقرأ؟» قالوا: إنا لنفعل ذلك، قال:«فلا تفعلوا إلا أن يقرأ أحدكم بأم الكتاب، أو قال: فاتحة الكتاب» (3).

5 -

وأما ما ادَّعوه من أن حديث أبي هريرة ناسخ لأحاديث الأمر بالقراءة، فقد ادَّعى الحازمي في «الاعتبار» (ص/ 72 - 75) عكسه، فجعل أحاديث الوجوب ناسخة لأحاديث النهي، والحق أنه لا دليل على هذا أو ذاك، فوجب الرجوع إلى قواعد الجمع أو الترجيح، هذا على أن قوله (فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر

) مدرج من قول الزهري كما في رواية أحمد (2/ 240) وغيره، واتفق على هذا البخاري في «تاريخه» وأبو داود، ويعقوب بن يوسف والذهلي والخطابي وغيرهم، وقال النووي: هذا مما لا خلاف فيه بينهم، قلت وإذا كان كذلك فلا حجة فيه، فسقطت جميع المعارضات، والله أعلم.

متى يقرأ المأموم الفاتحة خلف إمامه؟ (4).

تقرر أن قراءة الفاتحة ركن لابد منه في كل ركعة سواء في ذلك الإمام والمنفرد

(1)«شرح مسلم» للنووي (4/ 123) ط. إحياء التراث العربي.

(2)

حسن: أخرجه أبو داود (823)، والبخاري في «جزء القراءة» (63، 64)، والترمذي (311) وغيرهم.

(3)

صحيح: أخرجه أحمد (5/ 60)، والبخاري (63) في «جزء القراءة» ، والبيهقي (2/ 166).

(4)

«نيل الأوطار» (2/ 251) ط. الحديث، بتصرف يسير.

ص: 546

والمأموم، فمتى يقرأ المأموم في الجهرية؟ قيل: إذا سكت الإمام بين الفاتحة والسورة، وقيل: يقرأها خلف الإمام آية آية، وهو الأولى من جهة عدم الاحتياج إلى تأخير الاستعاذة عن محلها الذي هو بعد الاستفتاح، أو تكريرها عند إرادة قراءة الفاتحة إن فعلها في محلها أولاً وأخَّر الفاتحة إلى حال قراءة الإمام السورة، ومن جهة الاكتفاء بالتأمين مرة واحدة عند فراغه -وفراغ الإمام- من قراءة الفاتحة.

جهر الإمام والمأموم بالتأمين في الجهرية:

عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أمَّن الإمام فأمِّنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غُفر له ما تقدم من ذنبه» (1).

وعن وائل بن حُجر قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فقال: آمين، ومد بها صوته» (2).

قال الترمذي:

وبه يقول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم، يرون أن الرجل يرفع صوته بالتأمين ولا يخفيها، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق. اهـ.

وعن ابن جريج عن عطاء قال: «قلت له: أكان ابن الزبير يؤمِّن على إثر أم القرآن؟ قال: نعم، ويؤمِّن من وراءه حتى إن للمسجد للجَّة» (3).

هل يؤمِّن المأموم مع الإمام أو بعده؟

ذهب بعض العلماء إلى أنه لا يؤمن إلا بعد تأمين الإمام لظاهر حديث: «إنما جُعل الإمام ليؤتمَّ به» وحديث: «إذا أمَّن الإمام فأمِّنوا

».

والراجح أن يؤمِّن بعد قول الإمام {وَلَا الضَّالِّينَ} لأنه قد جاء هذا صريحًا ففي حديث أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «

فإذا كبرَّ فكبروا، وإذا قال:{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين، يُحْبكُم الله ....» (4). وكذلك ليتوافق تأمين الإمام مع تأمين المأمومين مع تأمين الملائكة، فَيُغفر للمؤمِّن بإذن الله.

(1) صحيح: أخرجه البخاري (780)، ومسلم (410).

(2)

صحيح بطرقه: أخرجه الترمذي (248)، وأبو داود (932)، وأحمد (4/ 315)، وأحمد (4/ 315) وغيرهم وله طرق.

(3)

صحيح: أخرجه عبد الرزاق (2640)، والشافعي كما في مسنده (230).

(4)

صحيح: أخرجه مسلم (404)، وأبو داود (972)، والنسائي (2/ 196)، وابن ماجه (901).

ص: 547

يُكره تطويل الإمام إذا شق على بعض المأمومين:

فعن أبي مسعود قال: قال رجل يا رسول الله إني لأتأخر عن الصلاة في الفجر مما يطيل بنا فلان فيها، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما رأيته غضب في موضع كان أشد غضبًا منه يومئذ، ثم قال:«يا أيها الناس، إن منكم مُنَفِّرين، فمن أَمَّ الناس فليتجوَّز، فإن خلفه الضَعيف والكبير وذا الحاجة» (1).

ولما صلَّى الرجل خلف معاذ بالبقرة أو النساء شكاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا معاذ، أفتَّان أنت -ثلاث مرار- فلولا صليت بسبح اسم ربك والشمس وضحاها، والليل إذا يغشى» (2).

قلت: وهذا إذا كان يشق على بعض المأمومين، فإن علم رضاءهم فلا يكره التطويل، والمقصود -على كل حال- أن يراعى حال المأمومين، ففي حديث ابن عمر «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا بالتخفيف ويؤمُّنا بالصافات» (3).

وعن جابر بن سمرة قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الصلوات كنحو من صلاتكم التي تصلون اليوم، ولكنه كان يخفف، كانت صلاته أخف من صلاتكم، وكان يقرأ في الفجر

الواقعة ونحوها من السور» (4).

وقد ذكر ابن مسعود عشرين سورة من المفصَّل «كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن سورتين في كل ركعة» (5).

فالضابط في التطويل والتقصير حال المأمومين ورضاهم، وإتمام الصلاة وعدم النقص من أركانها، فعن أنس قال:«كان النبي صلى الله عليه وسلم يوجز الصلاة ويكملها» (6).

وعنا قال: «ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم من النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان ليسمع بكاء الصبي فيخفف مخافة أن تفتن أُمُّه» (7).

(1) صحيح: أخرجه البخاري (704)، ومسلم (466).

(2)

صحيح: أخرجه البخاري (705)، ومسلم (465).

(3)

حسن: أخرجه النسائي (2/ 95)، وأحمد (2/ 26) وغيرهما.

(4)

حسن: أخرجه أحمد (5/ 104)، وابن خزيمة (531)، وعبد الرزاق (2720) وغيرهم.

(5)

صحيح: أخرجه البخاري (775)، ومسلم (722).

(6)

صحيح: أخرجه البخاري (706)، ومسلم (469).

(7)

صحيح: أخرجه البخاري (708)، ومسلم (469).

ص: 548

الفتح على الإمام إذا التبست عليه القراءة:

إذا التبست القراءة على الإمام، فللمأموم أن يلقِّنه، واستحبَّه جمهور العلماء، لحديث المسور بن يزيد الأسدي المالكي قال:«شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصلاة فترك شيئًا لم يقرأه، فقال له رجل: يا رسول الله، تركت آية كذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هلَاّ أكذرتنيها» ؟ (1).

ويشهد له حديث ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى صلاة فقرأ فيها فلُبس عليه، فلما انصرف قال لأُبيٍّ:«أصليت معنا؟» قال: نعم، قال:«ما منعك؟» (2).

تنبيه: إذا أخطأ الإمام في القراءة، فلا ينبغي تلقينه إلا إذا كان خطؤه مُحيلاً للمعنى، فعن أُبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إني أُقرئتُ القرآن على سبعة أحرف ليس منها إلا شاف كاف، إن قلت غفورًا رحيمًا، أو قلت سميعًا عليمًا، أو قلت: عليمًا سميعًا، فالله كذلك، ما لم تختم آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب» (3).

يكره تشويش المأمومين بعضهم على بعض بالقراءة والتكبير:

فعن أبي سعيد قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة، فكشف الستر، وقال:«ألا كلكم مناج ربَّه، فلا يؤذينَّ بعضكم بعضًا، ولا يرفع بعضكم على بعضٍ في القراءة، أو قال: في الصلاة» (4).

وتقدم حديث عمران بن حصين في الرجل الذي قرأ خلفه: سبح اسم ربك الأعلى فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «لقد ظننتُ أن بعضكم خالجنيها» (5) أي نازعنيها.

وجوب متابعة الإمام، وتحريم مسابقته:

عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما جُعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبَّر

(1) حسن لغيره: أخرجه أبو داود (907)، والبخاري في «جزء القراءة» (194)، وابن خزيمة (1648)، وله شواهد.

(2)

حسن لغيره: أخرجه أبو داود (907)، وابن حبان (1/ 316 - إحسان) بسند جيد وصوَّب أبو حاتم (1/ 77) إرساله ويشهد له ما قبله.

(3)

إسناده صحيح: أخرجه أحمد (5/ 41، 51)، وأبو داود (1477) النبي صلى الله عليه وسلم والضياء في «المختارة» (1173).

(4)

صحيح بطرقه: أخرجه أبو داود (1332)، وأحمد (3/ 94) وغيرهما، وانظر «الصحيحة» (1597، 1603).

(5)

صحيح: أخرجه مسلم (398)، وغيره وتقدم قريبًا.

ص: 549

فكبِّروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى جالسًا فصلُّوا جلوسًا أجمعون» (1).

وفي لفظ لمسلم: «لا تبادروا الإمام، وإذا كبَّر فكبروا ....» الحديث.

وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار، أو يجعل الله صورته صورة حمار؟!» (2).

فدلَّت هذه الأحاديث على تحريم مسابقة الإمام في الصلاة، وقال الجمهور يأثم فاعله وتجزئ صلاته، وقال أحمد وأهل الظاهر: تبطل صلاته، وبه قال ابن عمر (3).

ولا يجوز مساواته كذلك:

فعن البراء قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: سمع الله لمن حمده لم يَحْنِ أحدٌ منا ظهره حتى يقع النبي صلى الله عليه وسلم ساجدًا، ثم نقع سجودًا بعده» (4).

وأما التخلُّف عن الإمام: فإن كان لعذر كمرضٍ ونحوه فلا حرج، وإن تعمَّد التأخر كُره، وقال بعض العلماء: إن تأخر بأكثر من ركن عن الإمام بطلت صلاته، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما جعل الإمام ليؤتم به

» والله أعلم.

هل يُتابع الإمام إذا زاد في الصلاة؟ كأن يسهو الإمام فيقوم إلى خامسة ويسبح به ولا يلتفت لقولهم، ظانًّا أنه لم يَسْهُ، فقال شيخ الإسلام: إن قاموا معه جاهلين لم تبطل صلاتهم، لكن مع العلم لا ينبغي لهم أن يتابعوه بل ينتظروه حتى يسلِّم بهم، أو يسلموا قبله، والانتظار أحسن. اهـ.

قلت: ولقائل أن يقول: يتابعونه لعموم الأدلة الآمرة بمتابعته، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى خامسة قام الصحابة ولم يأمرهم إذا قام الإمام للخامسة أن يقعدوا، والمسألة موضع اجتهاد، فلتحرر، والله أعلم.

إذا صلَّى الإمام قاعدًا لعذر:

تقدم أن صلاة الصحيح خلف المعذور تصح، فإذا صلَّى القادرون على القيام خلف إمام قاعد لعذر، فهل يصلون قيامًا أو قعودًا؟ لأهل العلم في هذا قولان:

(1) صحيح: أخرجه البخاري (734)، ومسلم (414، 416).

(2)

صحيح: أخرجه البخاري (691)، ومسلم (427).

(3)

«فتح الباري» (2/ 215).

(4)

صحيح: أخرجه البخاري (690)، ومسلم (474).

ص: 550

الأول: يجب عليهم أن يصلوا قعودًا كذلك، وهو مذهب أحمد وإسحاق والأوزاعي وابن المنذر وداود وابن حزم، وهو مروي عن جابر وأبي هريرة وأسيد بن حضير وقيس بن قهد ولا يعلم لهم من الصحابة مخالف (1)، واستدلوا بما يلي:

1 -

حديث عائشة رضي الله عنها قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته وهو شاكٍ، فصلَّى جالسًا، وصلَّى وراءه قوم قيامًا، فأشار إليهم أن اجلسوا فلما انصرف قال:«إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا صلى جالسًا فصلُّوا جلوسًا» (2) ونحوه حديث أنس وأبي هريرة.

2 -

حديث جابر قال: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلَّينا وراءه، وهو قاعد وأبو بكر يُسمع الناس تكبيره، فالتفت إلينا فرآنا قيامًا، فأشار إلينا فقعدنا فصلينا بصلاته قعودًا، فلما سلَّم قال:«إن كدتم آنفًا لتفعلون فعل فارس والروم: يقومون على ملوكهم وهم قعود، فلا تفعلوا، ائتموا بأئمتكم، إن صلى قائمًا فصلوا قيامًا، وإن صلى قاعدًا فصلوا قعودًا» (3).

القول الثاني: لا يجوز لهم أن يصلُّوا قعودًا، بل يصلوا قيامًا، وإليه ذهب الأكثرون، منهم أبو حنيفة

والشافعي (4)، واستدلوا بما يأتي:

1 -

الجواب عن أدلة الأوَّلين، ولهم في هذا ثلاث طرق:

(أ) ادِّعاء كونها منسوخة، قالوا: والناسخ لها حديث عائشة في صلاة أبي بكر بالناس في مرض النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: «

ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم وجد في نفسه خفة، فخرج بين رجلين أحدهما العباس لصلاة الظهر، وأبو بكر يصلي بالناس، فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر، فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم بأن لا يتأخر، قال: أجلساني إلى جنبه، فأجلساه إلى جنب أبي بكر، قال: فجعل أبو بكر يصلي وهو [قائم] بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم، والناس بصلاة أبي بكر، والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد

» (5).

(1)«المغنى» (2/ 162)، و «الفروع» (2/ 578)، و «الأوسط» (4/ 205)، و «المحلى» ، و «نيل الأوطار» (3/ 203).

(2)

صحيح: أخرجه البخاري (688)، ومسلم (412).

(3)

صحيح: أخرجه مسلم (413)، وأبو داود (606)، والنسائي (3/ 9)، وابن ماجه (1240).

(4)

«فتح القدير» (1/ 261)، و «المبسوط» (1/ 218)، و «شرح المعاني» (1/ 406)، و «الأم» (1/ 151)، و «المجموع» (4/ 164)، و «الأحكام» لابن دقيق العيد (1/ 225)، و «طرح التثريب» (2/ 334).

(5)

صحيح: أخرجه البخاري (687)، ومسلم (418).

ص: 551

قالوا: وكان هذا في مرضه صلى الله عليه وسلم الذي توفى فيه وقد صلى خلفه أبو بكر والناس قيامًا فدلَّ على نسخ الحكم الأول، وأُجيب عن هذا من أوجه منها:

1 -

أن أبا بكر كان هو الإمام والنبي صلى الله عليه وسلم مقيد به كما في بعض الروايات، وتُعقِّب بأن هذه الروايات لو صحَّت لحُملت على تعدد الصلوات، فقد كان مرضه صلى الله عليه وسلم اثنى عشر يومًا فيه ستون صلاة.

2 -

قال الإمام أحمد: ليس فيه حجة، لأن أبا بكر كان ابتدأ الصلاة قائمًا، وإذا ابتدأ الصلاة قائمًا صلوا قيامًا، فأشار إلى الجمع بين الحديثين، بحمل الأول على ما إذا ابتدأ الصلاة جالسًا، والثاني على ما إذا ابتدأ الصلاة قائمًا ثم اعتلَّ فجلس، قال: ومتى أمكن الجمع بين الحديثين وجب ولم يحمل على النسخ.

وتُعقِّب: بأنه يردُّه ما في حديثي جابر وعائشة من إشارته صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه بالقعود بعد أن كانوا ابتدءوا الصلاة قيامًا، وأجيب عن هذا التعقُّب: بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد ابتدأ قاعدًا فكان قد لزمهم الجلوس لجلوسه بخلاف اقتدائهم بالصدِّيق فإن إمامهم في ابتدائه الصلاة كان قائمًا فكان القيام لازمًا لهم فاستمروا عليه.

3 -

أن الحديث ليس فيه أن غير أبي بكر كانوا قيامًا فلعلَّهم كانوا قعودًا، ويدُّ عليه أن الناس كانوا يقتدون بصلاة أبي بكر، ولو كانوا قيامًا لما اقتدى بصلاته إلا الصف الأول لأن بقية الصفوف يحجبهم عنه الصف الأول، قاله ابن حزم، وتعقَّبه العراقي من أوجه سلم له بعضها، من ذلك: أن الصحابة كانوا

أول صلاتهم قيامًا خلف أبي بكر فمن زعم تغيرهم عن هذه الحال فهو محتاج إلى دليل، بل الظاهر أنه لو وقع لنُقل، ومنها أن المراد باقتدائهم بأبي بكر، اقتداؤهم بصوته لا بمشاهدته.

4 -

على فرض ثبوت صلاة الصحابة قيامًا خلف النبي صلى الله عليه وسلم وهو قاعد، فإنه لا يدلُّ على النسخ، بل على الإباحة فقط وبيان أن أمرهم المتقدم بالقعود للندب لا للوجوب، وأجيب بأن هذا مردود بأن الأمر لا يكون على الندب مع تأكيده صلى الله عليه وسلم له بإشارته به وهو في الصلاة ثم تصريحه بذلك بعد سلامه ثم تشبيه فعلهم بفعل الكفرة المجوس، فهذه قرائن تدل على أن النهي للتحريم.

(ب) ادِّعاء أن ذلك مخصوص بالنبي صلى الله عليه وسلم: وهذا هو المشهور من قول

ص: 552

مالك (1) وجماعة من أصحابه، وأيَّدوه بما يُروى مرفوعًا:«لا يؤمَّنَّ أحد بعدي جالسًا» (2) وبأن الخلفاء لم يؤمَّ أحد منهم جالسًا؟!! وأُجيب عنه: بأن الأصل عدم الخصوصية حتى يقوم الدليل على ذلك، والحديث المروي ضعيف لا يصح، وأما الاستدلال بترك الخلفاء الإمامة عن قعود فأضعف، فإن ترك الشيء لا يدل على تحريمه، فلعلَّهم اكتفوا بالاستنابة للقادرين.

(جـ) تأويل قوله: «فصلوا جلوسًا» فقالوا: هو محمول على معنى (إذا جلس للتشهد فتشهدوا قعودًا)!! وأجيب: بأن هذا تحريف للخبر عن عمومه بغير دليل، وسياق الأحاديث في الجملة يمنع من سبق الفهم إلى هذا التأويل، ومن ذلك إشارته صلى الله عليه وسلم لهم بالجلوس، وكذلك التعليل بموافقة الأعاجم.

2 -

(من أدلة المانعين) أن القيام ركن قدر عليه المأموم، فلم يجز له تركه كسائر الأركان.

3 -

أن لكل منهم فرضه ففرض الإمام القعود، وفرضهم القيام.

الراجح في المسألة:

لا شك أن كلا القولين له وجه معتبر، وإن كان الأظهر القول الأول مع اعتبار حال الإمام عند ابتداء الصلاة، فإن ابتدأها جالسًا لزمهم الجلوس، وإن ابتدأها قائمًا لزمهم القيام، فإن طرأ عليه القعود لعذر، فهل يقعدون أو يقومون؟ هذا موضع اجتهاد، وإن كان التعليل بمشابهة الأعاجم يقوِّي جلوسهم.

وأما المصير إلى النسخ فلا أراه قويًّا لبعض الأوجه المتقدمة، ولأن القول به يستلزم النسخ مرتين: لأن الأصل في حكم القادر على القيام أن لا يصلي قاعدًا، وقد نسخ إلى القعود في حق من صلى إمامه قاعدًا، فدعوى نسخ القعود بعد ذلك تقتضي وقوع النسخ مرتين وهو بعيد، بل هو خلاف قاعدة الأحكام.

ويردُّ دعوى النسخ كذلك أنه فعله أربعة من الصحابة -وقيل ستة- ولم يُعلم لهم منهم مخالف حتى قال ابن حبان: وهو عندي ضرب من الإجماع الذي أجمعوا على إجازته. اهـ.

(1) لأجل هذا فإن مذهب مالك أنه لا تصح صلاة القادر على القيام خلف القاعد أصلاً، وانظر «المدونة» (1/ 81)، و «مواهب الجليل» (2/ 97).

(2)

إسناده تالف. أخرجه الدارقطني (1/ 398).

ص: 553

تبليغ تكبير الإمام للحاجة:

يشرع أن يبلغ شخص تكبير الإمام عند الحاجة كأن يكون المسجد كبيرًا ولا يصل الصوت إلى الصفوف المتأخرة، والأصل في مشروعيته عند الحاجة فعل أبي بكر رضي الله عنه لما صلى بالناس في مرض موته صلى الله عليه وسلم كما في حديث عائشة: «

فتأخَّر أبو بكر رضي الله عنه وقعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى جنبه، وأبو بكر يُسمعُ الناس التكبير» (1).

«أما التبليغ خلف الإمام لغير حاجة فهو بدعة غير مستحبة باتفاق الأئمة» (2) اهـ. والله أعلم.

استخلاف الإمام غيره:

إذا عرض للإمام -وهو في الصلاة- عذر كأن أحدث أو ذكر أنه محدث ونحو ذلك، فإن له أن يستخلف من المأمومين من يتمُّ بهم الصلاة والأصل في هذا:

1 -

حديث سهل بن سعد في قصة ذهاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم وصلاة أبي بكر بالناس، وفيه: «

فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة

ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى

» الحديث (3).

2 -

حديث عمرو بن ميمون -في قصة طعن عمر بن الخطاب وهو في الصلاة- وفيه: «

فما هو إلا أن كبر، فسمعته يقول: قتلني -أو أكلني- الكلب، حين طعنه

وتناول عمرُ يَدَ عبد الرحمن بن عوف فقدَّمه

فصلى بهم عبد الرحمن صلاة خفيفة ..» الحديث (4).

وكان هذا بحضرة الصحابة وأقروا عمر على استخلاف عبد الرحمن ليتم بهم ولم ينكر منهم أحد فكان إجماعًا.

3 -

وعن خالد بن اللجلاج أن عمر بن الخطاب «صلى يومًا للناس فلما جلس في الركعتين الأوليين أطال الجلوس، فلما استقبل قائمًا نكص خلفه وأخذ

(1) صحيح: أخرجه البخاري (712)، ومسلم (418).

(2)

«مجموع الفتاوى» لشيخ الإسلام (23/ 403).

(3)

صحيح: أخرجه البخاري (684)، ومسلم (431).

(4)

صحيح: أخرجه البخاري (3700).

ص: 554

بيد رجل من القوم فقدمه مكانه

» (1) وذكر أنه مرَّ بامرأة من أهله ثم وجد في الصلاة بللاً.

4 -

وعن أبي رزين قال: «أمَّنا عليٌّ فرعف، فأخذ رجلاً فقدَّمه، وتأخر» (2).

وهنا مسألتان:

[1]

من استخلفه الإمام، يصلي تمام صلاته أم صلاة إمامه الذي استخلفه؟ (3).

وفائدة هذه المسألة تظهر إذا كان من استخلفه الإمام مسبوقًا بركعة -مثلًا- واستُخلف في الثانية، فالأظهر أنه يتم تلك الركعة بهم، ثم إذا سجد سجدتيها أشار إليهم فجلسوا، وقام هو إلى ثانيته، فإذا أتمها جلس وتشهد، ثم قام وقاموا معه فأتم بهم الركعتين أو الركعة (في المغرب) فإن كانت الصبح فكذلك ويسلم ويسلمون معه، وكذا.

وقال أبو حنيفة ومالك: بل يصلي بهم الإمام المستخلَف على حكم صلاة الذي استخلفه، والمعنى على مثالنا السابق:

أن يصلي بهم الركعة الأولى له (الثانية لهم) ثم يجلس للتشهد على حكم صلاة الإمام الأول!! ثم يتم بهم الصلاة، وفيه نظر لأن الإمام الأول الذي خرج قد بطلت إمامته، وهم إنما يتبعون الإمام المستخلَف ولا يصلي هو إلا صلاة نفسه، فيتبعونه فيما يلزمهم، ولا يتبعونه فيما لا يلزمهم، بل يقفون على حالهم، ينتظرونه حتى يبلغ إلى ما هم فيه فيتبعونه حينئذ، والله أعلم.

[2]

إذا صلى الإمام بهم ثم ذكر أنه كان محدثًا بعد ما سلَّم:

فقال الجمهور، منهم مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور والمزني وغيرهم: يعيد هو ولا يعيدون، وقالت طائفة منهم أبو حنيفة وأصحابه والثوري وغيرهم: يعيد ويعيدون.

وبالقول الأول أقول، وهو المروي عن عمر وابنه عبد الله، وعثمان وعلي (4).

(1) إسناده لين: أخرجه ابن المنذر في «الأوسط» (4/ 241)، والبيهقي (3/ 114).

(2)

إسناده حسن: أخرجه عبد الرزاق (3670)، وابن المنذر (4/ 242)، والبيهقي (3/ 114).

(3)

انظر «المحلى» لابن حزم (4/ 220).

(4)

«الأوسط» لابن المنذر (4/ 212).

ص: 555