المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌شروط صحة الصلاة - صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة - جـ ١

[كمال ابن السيد سالم]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة فضيلة الشيخ/ فؤاد سراج عبد الغفار - حفظه الله

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌[المسلك في هذا الكتاب]

- ‌تمهيدنشأة علم الفقه

- ‌[الفقه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[عهد الصحابة رضي الله عنهم]

- ‌[أحوال الناس في المائة الأولى والثانية]

- ‌1 - كتاب الطهارة

- ‌تعريف الطهارة وأهميتها

- ‌أنواع الطهارة

- ‌أولاً الطهارة الحقيقية

- ‌هل يُعَدُّ المني طاهرًا أم نجسًا

- ‌هل تُعَدُّ الخمر من النجاسات

- ‌هل يعتبر الدم من النجاسات

- ‌هل «قيء الآدمي» نجس

- ‌الاستنجاء

- ‌بم يكون الاستنجاء

- ‌بعض الآداب في الاستنجاء

- ‌هل يجوز للرجل أن يبول قائمًا

- ‌سنن الفطرة

- ‌ الختان

- ‌السواك

- ‌إعفاء اللِّحية

- ‌ثانيًا الطهارة الحكمية:

- ‌الوضوء

- ‌أركان الوضوء

- ‌نواقض الوضوء

- ‌المسح على الحوائل

- ‌أولاً: المسح على الخفين:

- ‌ثانيًا: المسح على الجوربين والنعلين

- ‌ثالثًا: المسح على غطاء الرأس:

- ‌رابعًا: المسح على الجَبيرَة

- ‌مسائل تتعلق بالغسل

- ‌التيمُّم

- ‌نواقض التيمم

- ‌الحيض والنفاس

- ‌دم النفاس

- ‌دم الاستحاضة

- ‌2 - كتاب الصلاة

- ‌تعريف الصلاة

- ‌منزلتها من الدين:

- ‌الصلوات الخمس

- ‌الأحكام الدنيوية لتارك الصلاة:

- ‌عدد الفرائض:

- ‌عدد الركعات:

- ‌مواقيت الصلاة

- ‌مسائل تتعلق بمواقيت الصلاة

- ‌قضاء الصلوات الفائتة

- ‌الأوقات المنهي عن الصلاة فيها

- ‌الأذان والإقامة

- ‌شروط صحة الصلاة

- ‌أركان الصلاة

- ‌واجبات الصلاة

- ‌سنن الصلاة

- ‌السنن الفعلية في الصلاة

- ‌أمور تباح في الصلاة

- ‌(أ) الأفعال المباحة في الصلاة:

- ‌(ب) الأقوال وما في معناها المباحة في الصلاة:

- ‌المنهيات في الصلاة

- ‌مبطلات الصلاة

- ‌القنوت في الفرائض

- ‌صلاة التطوُّع

- ‌صلاة الوتر

- ‌قيام الليل

- ‌صلاة الضُّحىَ

- ‌صلاة الاستخارة

- ‌صلاة التسبيح

- ‌صلاة تحية المسجد

- ‌صلاة التوبة

- ‌صلاة الكسوف

- ‌صلاة الاستسقاء

- ‌سجود التلاوة

- ‌سجود الشكر

- ‌سجود السَّهْو

- ‌الصلاة في السفر

- ‌صلاة الخَوْف

- ‌صلاة الجماعة

- ‌صلاة الجماعة في الفرائض

- ‌الإمامة وأحكامها

- ‌موقف الإمام والمأموم

- ‌الصفوف وأحكامها

- ‌مسائل تتعلق بصفة صلاة الجماعة

- ‌أحكام المَسْبُوق

- ‌ما يُفْعَل بعد انقضاء الصلاة

- ‌طرق من أحكام المساجد

- ‌صلاة الجمعة

- ‌أفعال المأمومين حال الخُطبة

- ‌أذان الجمعة

- ‌خطبة الجمعة وأحكام الخطيب

- ‌أفعال المأمومين حال الخُطبة

- ‌أفعال في صلاة الجمعة

- ‌مسائل متفرقة

- ‌صلاة العيدين

- ‌3 - كتاب الجنائز

- ‌ما يفعله الحاضرون للمُحْتَضَر:

- ‌غسل الميت:

- ‌من أولى الناس بغسل الميت

- ‌صفة المُغَسِّل

- ‌صفة غُسل الميت:

- ‌تكفين الميِّت

- ‌صفة الكفن:

- ‌حمل الجنازة واتبَّاعها

- ‌من آداب اتباع الجنائز:

- ‌صلاة الجنازة

- ‌أين يصلى على الجنازة

- ‌صلاة الجنازة على القبر:

- ‌أفعال صلاة الجنازة:

- ‌دفن الميت، وما يتبعه

- ‌صفة القبر:

- ‌من الذي يقوم بالدَّفن

- ‌تعزية أهل الميت

- ‌ما ينتفع به الميت بعد موته

- ‌زيارة القبور وما يتعلق بها

- ‌هل تشرع زيارة النساء للقبور

- ‌من الأذكار الثابتة عند زيارة القبور:

الفصل: ‌شروط صحة الصلاة

متى يقوم الناس للصلاة؟

1 -

إذا لم يكن الإمام معهم في المسجد، فالسنة ألا يقوموا حتى يروه، أقام المؤذن أو لم يقم، وهذا قول الجمهور، لحديث أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إذا أقيمت الصلاة، فلا تقوموا حتى تروني» (1).

2 -

إذا كان الإمام معهم في المسجد: فذهب الشافعي والأكثرون أنهم لا يقومون إلا بعد الفراغ من الإقامة، وقال مالك: إذا اخذ في الإقامة، وقال أحم: إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة، وقال أبو حنيفة: يقومون إذا قال: حي على الصلاة (2).

قلت: والذي يظهر لي أنهم يقومون إذا رأوا الإمام قد قام، فإن قيام الإمام إلى مقامه في معنى خروجه على المصلين، وقد قال صلى الله عليه وسلم:«فلا تقوموا حتى تروني» والله أعلم.

تنبيه: رأى بعض الفضلاء المعاصرين أنه لا يشرع الإقامة للصلاة باستعمال مكبِّر الصوت وإسماع من في خارج المسجد!! وعزا هذا القول إلى العلامة الألباني، رحمه الله.

قلت: لعل مستند هذا القول أن المقصود من الإقامة الإعلام بالدخول في الصلاة والإحرام بها، وليس الإعلام للصلاة والتهيؤ لها والدعاء إليها كما في الأذان، ومع هذا فليس هناك ما يمنع من إسماع الإقامة لمن في الخارج، بل قد ثبت عن ابن عمر:«أنه قد سمع الإقامة وهو بالبقيع، فأسرع إلى المسجد» (3).

‌شروط صحة الصلاة

الشرط هو: ما يلزم من عدمه عدم المشروط، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم، كالطهارة مثلًا فإن عدمها يلزم منه عدم صحة الصلاة، ولا يلزم من طهارته وجوب الصلاة، ومن شروط الصلاة التي لا تصح إلا بها -مع القدرة ما يأتي:

[1]

العلم بدخول الوقت: قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً} (4).

(1) صحيح: أخرجه البخاري (637)، ومسلم (604).

(2)

«شرح مسلم» للنووي (3/ 840 - قلعجي).

(3)

إسناده صحيح: أخرجه الشافعي كما في مسنده (183 - شفاء العي).

(4)

سورة النساء، الآية:103.

ص: 291

وقد حددت السُّنة مواقيت الصلوات -كما تقدم-، والصلاة عبادة مؤقتة بوقت محدد الطرفين، فلا يصح فعلها قبل وقتها -بالإجماع- ولا يصح فعلها بعد وقتها إلا لعذر على الراجح كما تقدم تحريره.

وقد اتفق الفقهاء على أنه يكفي في العلم بدخول الوقت غلبة الظن (1).

[2]

الطهارة من الحَدَثَيْن مع القدرة: وهي شرط لصحة الصلاة لما يأتي:

1 -

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} (2).

2 -

قوله تعالى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُباً إِلَاّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُوا} (3).

3 -

حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ» (4).

4 -

حديث ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقبل الله صلاة بغير طهور» (5).

وهما صريحان في الشرطية، ولا تصح الصلاة إلا بتحقيق الطهارة من الحدث، إلا من أصحاب الأعذار الشرعية كصاحب سلس البول وتفلت الريح والمستحاضة فهؤلاء يصلون وإن أحدثوا في الصلاة، وكذلك فاقد الطهورين (الماء والتراب) كالمسجون ونحوه فإنه يصلي على حالته. والله أعلم.

هل يشترط الطهارة من النجس في البدن والثوب والمكان؟

أما البدن: فيجب تطهيره من النجاسة لما يأتي:

1 -

قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} (6). وإذا وجب تطهير الثوب فتطهير البدن أولى.

(1)«ابن عابدين» (1/ 247)، و «الدسوقي» (1/ 181)، و «مغنى المحتاج» (1/ 184)، و «كشاف القناع» (1/ 257).

(2)

سورة المائدة، الآية:6.

(3)

سورة النساء، الآية:43.

(4)

صحيح: أخرجه البخاري (135)، ومسلم (225).

(5)

صحيح: أخرجه مسلم (224)، والترمذي (1)، والنسائي (139)، وأبو داود (59)، وابن ماجه (273).

(6)

سورة المدثر، الآية:4.

ص: 292

2 -

أحاديث الاستنجاء والاستجمار -التي تقدمت في «الطهارة» - تدل على وجوب تطهير البدن من النجاسة.

3 -

أمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسل الذكر من المذي.

4 -

أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاستتار من البول، وإخباره عن الرجلين اللذين يعذبان في قبرهما أن أحدهما كان لا يستتر (أو يستنزه) من البول.

وكل هذه الأدلة تقدمت في «كتاب الطهارة» .

وأما الثوب فيجب تطهيره واجتناب النجاسة فيه، لما يأتي:

1 -

قال الله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} (1).

2 -

قوله صلى الله عليه وسلم في الثوب يصيبه دم الحيض: «تحتُّه، ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه ثم تصلي فيه» (2).

خلعُ النبي صلى الله عليه وسلم نعليه في الصلاة لما أخبره جبريل بأن فيهما خبثًا (3)، يدل على وجوب التخلي من النجاسة حال الصلاة في الثوب.

وأما المكان: فيجب تطهير المكان الذي يصلى فيه، لما يأتي:

1 -

قال الله تعالى: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (4).

2 -

أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإهراق ذنوب من ماء على بول الأعرابي في المسجد (5).

قلت: (أبو مالك): ولأهل العلم تجاه هذه النصوص السابقة مسلكان:

الأول: عند الصلاة، وأنه إذا صلَّى مباشرًا للنجاسة أو حاملاً لها أو ملاقيًا لها فهو آثم لكن صلاته صحيحة، لأن هذه النصوص ليس فيها ما يفيد نفي ذات الصلاة أو صحتها، بخلاف الطهارة من الحدث، ولا يستلزم الواجب أن يكون شرطًا (6).

(1) سورة المدثر، الآية:4.

(2)

صحيح: أخرجه البخاري (227)، ومسلم (291).

(3)

صحيح: تقدم في «تطهير النجاسات» .

(4)

سورة البقرة، الآية:125.

(5)

صحيح: تقدم في «الطهارة» .

(6)

انظر «السيل الجرار» للشوكاني (1/ 157 - 158).

ص: 293

الثاني: أن هذه النصوص فيها الأمر باجتناب النجاسة، والأمر بالشيء نهي عن ضده، والنهي في العبادات يقتضي الفساد، فاستدل بذلك على الشرطية، وإلى هذا ذهب جماهير العلماء (1).

والذي يظهر: القول الأول، نعم يصح الاستدلال على الشرطية بالنهي الذي يدل على الفساد المرادف للبطلان، لكن هذا إذا كان النهي عن ذلك الشيء لذاته أو لجزئه، لا لأمر خارج عنه، والنهي هنا خارج عن جنس الصلاة كما لا يخفى، والله أعلم.

من صلَّى وعليه نجاسة ولم يعلم بها إلا بعد الصلاة، هل يعيدها؟ (2).

اختلف أهل العلم في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:

الأول: صلاته باطلة، وعليه الإعادة إذا علم بالنجاسة في الوقت، ولا إعادة بعد الوقت:

وهو مذهب ربيعة ومالك والحسن (3).

الثاني: صلاته باطلة، وعليه الإعادة ولو بعد الوقت: وهو مذهب الشافعي ورواية عن أحمد (4). قالوا: لأنه فقد شرطًا من شروط صحة الصلاة فبطلت ولزمه الإعادة.

الثالث: صلاته صحيحة، ولا إعادة عليه: وبه قال ابن عمر وعطاء وابن المسيب ومجاهد وأبو ثور وإسحاق والشعبي والنخعي والأوزاعي، وهو رواية عن أحمد، واختاره ابن المنذر (5) وحجتهم:

1 -

أنه لم يعلم بالنجاسة، وقد قال تعالى:{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَانَا} (6). وفي الحديث الصحيح أن الله تعالى قال: «قد فعلت» (7).

(1)«البدائع» (1/ 114)، و «حاشية الدسوقي» (1/ 200)، و «مغنى المحتاج» (1/ 188)، و «كشاف القناع» (1/ 288).

(2)

محل هذه المسألة على قول الجمهور باشتراط الطهارة من النجس في الصلاة، وأما على ما رجحناه من الوجوب «دون الشرطية» ، فلا شيء عليه كما لا يخفى.

(3)

«المدونة» (1/ 55)، و «المغنى» (2/ 65)، و «الأوسط» (2/ 164).

(4)

«الأم» (1/ 55)، و «المغنى» (2/ 65)، و «الأوسط» (2/ 164).

(5)

«الأوسط» (2/ 163)، و «المغنى» (2/ 65)، و «المجموع» (3/ 163).

(6)

سورة البقرة، الآية:286.

(7)

صحيح: أخرجه مسلم (125).

ص: 294

2 -

حديث أبي سعيد في قصة خلع النبي صلى الله عليه وسلم نعليه لما أخبره جبريل أن فيهما أذى، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم بوجود الأذى وقد أتم صلاته، ولو كانت باطلة لاستأنفها من أولها.

قلت: لو قلنا باشتراط اجتناب النجاسة فيلزمنا القول ببطلان الصلاة وإلا فيلزم منه أن من تذكر أنه صلى صلاة بغير وضوء أنه لا يعيدها!! وهم لا يقولون بهاذ، ففيه هدم للقواعد التي منها أن الشروط والأركان لا تسقط بالنسيان. وأما حديث خلع النعلين فهو دليل لنا على عدم اشتراط اجتناب النجاسة في الصلاة، فهو يقوى ترجيحنا للوجوب دون الشرطية والله أعلم.

الأماكن المنهي عن الصلاة فيها:

الأصل أن الأرض كلها مسجد، تجوز الصلاة في أي بقعة منها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «فَضِّلتُ على الأنبياء بستٍّ: .. وجعلت لي الأرض طهورًا ومسجدًا

» (1).

لكن يستثنى من هذا العموم أماكن قد ثبت النص بالنهي عن الصلاة فيها، ومن ذلك:

1 -

مبارك الإبل (معاطنها): هي المواضع التي تقف فيها الإبل عند ورودها الماء وتبرك، والتي تأوي إليها وتبيت فيها، وعن جابر بن سمرة أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أصلي في مرابض الغنم؟ قال: «نعم» ، قال: أصلي في مبارك الإبل؟ قال: «لا» (2). وأقرب ما يقال في علة النهي، قوله صلى الله عليه وسلم:«لا تصلوا في مبارك الإبل فإنها من الشياطين» (3) فلا يبعد أن تصحبها الشياطين وتكون مباركها مأوى للشياطين فمنعت الصلاة فيها لأجل ذلك، كما امتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة في المكان الذي غفلوا فيه عن صلاة الصبح، وعلل ذلك بقوله:«ذلك مكان حضرَنا فيه الشيطان» (4).

2 -

المقبرة: فعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمَّام» (5).

(1) صحيح: أخرجه مسلم (523)، وموضع الشاهد في البخاري (335)، ومسلم (520) عن جابر.

(2)

صحيح: أخرجه مسلم (360).

(3)

صحيح: أخرجه أبو داود (493)، وابن ماجه (769)، وأحمد (5/ 55).

(4)

صحيح: تقدم في «المواقيت» .

(5)

صحيح: أخرجه أبو داود (492)، والترمذي (236)، وابن ماجه (745) واختلف في وصله وإرساله والصواب الوصل وانظر «الإرواء» (1/ 320).

ص: 295

وعن أبي مرثد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تجلسوا على القبور ولا تصلَّوا إليها» (1).

وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» (2) فكأن العلَّة في النهي عن الصلاة في المقبرة سد ذريعة عبادة القبور أو التشبه بالكفار.

ويستوي في هذا أن تكون مقبرة مسلمين أو مقبرة كفار، فإذا نبشت وأخرج ما فيها من الموتى جازة الصلاة فيها.

ويستثنى من النهي: الصلاة على الجنازة بعد دفنها -لمن لم يصلِّ عليها قبل- لحديث ابن عباس «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى على قبر بعد ما دفن فكبَّر عليه أربعًا» (3).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل عمن كان يَقُمُّ المسجد، فقالوا: مات يا رسول الله، قال:«أفلا آذنتموني؟» فقالوا: إنه كان كذا وكذا -قصته- قال: فحقروا شأنه، قال:«فدلوني على قبره» فأتى قبره فصلى عليه (4) وفيه مشروعية الصلاة على القبر خلاف وقد أجازها الجمهور، ومنعها مالك وأبو حنيفة وسيأتي في «الجنائز» .

3 -

الحمَّام: وهو مكان الاغتسال -لا مكان قضاء الحاجة كما يطلق عليه العوام- ولا تجوز الصلاة فيه لحديث أبي سعيد المتقدم «الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام» .

ومكان قضاء الحاجة: ويسمى الحُشَّ والكنيف والمرحاض، ولا تجوز الصلاة فيه كذلك، لنجاسته ولأنه مأوى الشياطين: فعن زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن هذه الحُشوش محتضَرَة، فإذا دخل أحدكم الخلاء فليقل: أعوذ بالله من الخُبُث والخبائث» (5).

هل تجوز الصلاة فوق البلاعة (بيارة الصرف)؟

الصحيح أن سطح البلاعة ليس تابعًا لها، ولا يدخل في مسمىَّ (الحُش) فيجوز الصلاة فوقها ما لم يكن على سطحها نجاسة، والله أعلم.

(1) صحيح: أخرجه مسلم (972).

(2)

صحيح: أخرجه البخاري (435)، ومسلم (529).

(3)

صحيح: أخرجه مسلم (954).

(4)

صحيح: أخرجه البخاري (1337)، ومسلم (956).

(5)

صحيح: أخرجه أبو داود (6)، وابن ماجه (296).

ص: 296

ما حكم الصلاة في الثوب المغصوب أو المُحَرَّم والأرض المغصوبة؟

لأهل العلم في هذه المسألة ونظائرها قولان:

الأول: لا تصح الصلاة: وهو المشهور من مذهب أحمد وابن حزم واختاره شيخ الإسلام (1) وحجتهم:

1 -

ما رُوى عن ابن عمر رضي الله عنه مرفوعًا: «من اشترى ثوبًا بعشرة دراهم، وفيه درهم حرام، لم تقبل له صلاة ما دام عليه» (2) وهو ضعيف.

2 -

أن اللباس متعلق بركن العبادة وشرطها فيؤثر فيها، بخلاف ما إذا كان أجنبيًّا عنها، فإنه لا يؤثر كما فيمن توضأ من آنية الذهب، فالإناء أجنبي عن الصلاة فلا يؤثر فيها.

الثاني: تصح صلاته، وإن أثم بلبسه: وهو مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي (3) وهو الراجح لأن النص لم يأت بالنهي عن الصلاة في الأرض المغصوبة أو الثوب المغصوب أو المحرَّم وإنما أتى في النهي عن الغصب وعن اللبس مطلقًا فتصح الصلاة ويثبت الإثم وتسمى هذه «قاعدة انفكاك الجهة» (4) وأما الحديث الذي استدلوا به فلا يصح، على أن نفس القبول لا يستلزم نفي الصحة.

قلت: وربما يؤيد ما رجَّحناه حديث عقبة بن عامر قال: «أُهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرُّوج حرير فلبسهُ، ثم صلى فيه، ثم انصرف فنزعهُ نزعًا عنيفًا شديدًا كالكاره لهُ، ثم قال «لا ينبغي هذا للمتقين» (5) فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لبسه قبل التحريم ثم أخبره جبريل بتحريم الحرير (كما في رواية مسلم عن جابر) في الصلاة وخارجها، ولم يُعِد النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة.

[3]

ستر العورة، مع القدرة:

اتفق أهل العلم -إلا نَزْرًا يسيرًا- على أن ستره العورة شرط لصحة الصلاة لمن قدر على ذلك لما يأتي:

(1)«الإنصاف» (1/ 194)، و «المحلى» (4/ 33)، و «مجموع الفتاوى» (21/ 89).

(2)

ضعيف: أخرجه أحمد (2/ 98) بسند ضعيف.

(3)

«المجموع» (3/ 180)، و «المبسوط» (1/ 206)، و «نيل الأوطار» (2/ 92).

(4)

انظر «قواعد ابن رجب» (ص 11، 12).

(5)

صحيح: أخرجه البخاري (375)، ومسلم (2075).

ص: 297

1 -

قوله تعالى {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (1) أي: استروا عوراتكم إذا أردتم الصلاة، فإنهم كانوا يطوفون بالبيت عراة فنزلت الآية (كما في صحيح مسلم).

2 -

حديث سلمة بن الأكوع قال: قلت يا رسول الله، إنا نكون في الصيد، أفيصلي أحدنا في القميص الواحد؟ قال:«نعم، وليَزرُرْهُ ولو لم يجد إلا أن يخله بشوكة» (2).

3 -

حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقبل الصلاة صلاة حائض إلا بخمار» (3).

4 -

حديث جابر في قصة صلاته إلى جانب النبي صلى الله عليه وسلم مشتملاً بثوب، وفيه قال صلى الله عليه وسلم:«فإن كان واسعًا فالتحف به، وإن كان ضيقًا فاتَّزِر به» (4) فلا يجزئ أقل من الائتزار (ستر أسفل البدن) فدلَّ على وجوب ستر العورة في الصلاة، وهو نهي عن ضده فيقتضي الفساد، فكان فيه معنى الشرطية عند الجمهور.

5 -

حكى ابن عبد البر الإجماع على فساد صلاة من صلى عريانًا وهو قادر على الاستتار، وكذا نقل شيخ الإسلام، وإن كان قد نقُل عن بعض المالكية أنه لا تبطل الصلاة بترك ستر العورة، وكذا اختار الشوكاني أنه واجب على قاعدته التي تقدمت في اشتراط طهارة الثوب والبدن والمكان (5)، والذي يظهر لي أن الأمر هنا يختلف لمن أمعن النظر.

6 -

أن ستر العورة حال القيام بين يدي الله تعالى من باب التعظيم (6).

(1) سورة الأعراف، الآية:31.

(2)

إسناده لين: علَّقه البخاري بصيغة التمريض (1/ 554)، وقال البخاري: في إسناده نظر. اهـ. قلت: هو كذلك لعلة ذكرها الحافظ في الفتح (1/ 555)، ثم الحديث قد أخرجه أبو داود (623)، والنسائي (2/ 70) ومداره على راو ليِّن، وقد رأى العلامة الألباني في «المشكاة» (760) وقبله النووي في المجموع تحسينه (3/ 164)!!.

(3)

ضعيف على الراجح: أخرجه أبو داود (641)، والترمذي (377) وغيرهما وقد أعلَّه غير واحد من العلماء، وقد حسنه الألباني في «الإرواء» (1/ 215).

(4)

صحيح: أخرجه البخاري (361)، ومسلم (3010).

(5)

«التمهيد» ، و «مجموع الفتاوى» (22/ 117)، و «الفتح» (1/ 555)، و «بداية المجتهد» (1/ 156)، و «السيل الجرار» (1/ 158).

(6)

«البدائع» (1/ 116)، و «الدسوقي» (1/ 211)، و «مغنى المحتاج» (1/ 184)، و «كشاف القناع» (263).

ص: 298

ما يجب ستره في الصلاة:

ليُعلم ابتداءً أن التحقيق (1): أنه لا ارتباط بين عورة النظر والعورة في الصلاة لا طردًا ولا عكسًا، بل إن مصطلح (ستر العورة) الذي يعتبره الفقهاء شرطًا في صحة الصلاة، ليس من ألفاظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في الكتاب والسنة أن ما يستره المصلي فهو عورة، بل قال الله تعالى:{خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (2).

وعورة النظر إنما هي لأجل الشهوة، وأما أخذ الزينة في الصلاة فلحق الله تعالى، فليس لأحد أن يطوف بالبيت أو يصلي عريانًا ولو كان وحده، فعلم أن أخذ الزينة في الصلاة لم يكن ليحتجب عن الناس، فهذا نوع وهذا نوع.

وحينئذ فقد يستر المصلى في الصلاة ما يجوز إبداؤه في غير الصلاة، وقد يُبدى في الصلاة ما يسترهُ عن الغير:

فالأول: مثل المنكبين، فقد «نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء» (3) فهذا لحَقِّ الصلاة، ويجوز له كشف منكبيه للرجال خارج الصلاة، وكذلك المرأة تختمر في الصلاة، وهي لا تختمر عند زوجها ولا ذوي محارمها.

وعكس ذلك: الوجه واليدان والقدمان، ليس لها أن تبدي ذلك للأجانب على [أصح] القولين، وأما ستر ذلك في الصلاة فلا يجب باتفاق المسلمين، بل يجوز لها إبداء الوجه والكفين في الصلاة عند الجمهور، فكذلك القدم عند أبي حنيفة، وهو الأقوى .. ، إذا عُلِم هذا فنقول:

ما يجب أن يستره الرجل في صلاته:

- «نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يطوف بالبيت عريانًا» (4) فالصلاة أولى.

- وقال في الثوب الواحد: «إن كان واسعًا فالتحف به، وإن كان ضيقًا فاتزر به» (5) فلم يجزئ أقل من الاتزار وهو ستر أسفل البدن.

- وقال صلى الله عليه وسلم: «ما بين السُّرة والركبة عورة» (6).

(1) هذا خلاصة ما حققه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في «الفتاوى» (22/ 113 - 120).

(2)

سورة الأعراف، الآية:31.

(3)

صحيح: أخرجه البخاري (359)، ومسلم (516).

(4)

صحيح: يأتي في «الحج» .

(5)

صحيح: تقدم قريبًا.

(6)

حسنه الألباني: أخرجه أبو داود (495، 496)، وانظر «الإرواء» (1/ 226).

ص: 299

وعن بريدة قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي الرجل في لحاف لا يتوشح به، ونهى أن يصلي الرجل في سراويل وليس عليه رداء» (1) فدلَّ على وجوب ستر القسم الأعلى من البدن في الصلاة.

- و «نهى أن يصلي الرجل في ثوب واحد ليس على عاتقه منه شيء» (2).

فدلَّ هذا على أن الرجل يؤمر في الصلاة بستر العورة: الفخذ وغيره حتى على القول بان الفخر ليس بعورة وأن العورة القبل والدبر فقط (وهذا مرجوح كما سيأتي في موضعه ولو صلى وحده في بيته ولم يره أحد لزمه ذلك.

وأما من بنى على أن العورة السوأتان [على إحدى الروايتين عن أحمد، وابن حزم] أنه يجوز الصلاة كاشفًا فخذيه، فقد غلظ ولم يقل به أحمد رحمه الله كيف وأحمد يأمره بستر المنكبين، فكيف يبيح له كشف الفخذين؟!

والحاصل أن الرجل مأمور -في الصلاة- بستر بدنه من الكتفين حتى الركبتين، إلا أن لا يجد إلا ثوبًا واحدًا ضيقًا فله أن يتزر به ويكشف أعلى بدنه كما في حديث جابر المتقدم.

فائدة:

يجب ستر ما يلزم ستره في الصلاة بثوب لا يصف البشرة، بمعنى لا يصف لونها من بياض أو حمرة أو سواد، وأما إذا كان كثيفًا لكنه ضيق يصف حجم العض لا لونه، فيكره وصلاته صحيحة (3).

ما يجب أن تستره المرأة في الصلاة (4):

1 -

إذا صلت بحضرة الأجانب فعليها أن تستر جميع بدنها إلا الوجه والكفين عند الجمهور (5).

2 -

إذا ظهر منها شيء -مما يجب ستره- بحضرة الأجانب فهي آثمة لكن لا تبطل صلاتها -على الصحيح من أقوال العلماء- إذا لا دليل على بطلان الصلاة بذلك.

(1) حسنه الألباني: أخرجه أبو داود (636)، والبيهقي (2/ 236) وانظر «صحيح أبي داود» (646).

(2)

صحيح: تقدم قريبًا.

(3)

أفاد نحوه الشيخ وحيد -حفظه الله- في «الإكليل» (1/ 311).

(4)

نقلاً عن كتابي «فقه السنة للنساء» (ص: 81، 82، 83) ط. التوفيقية.

(5)

في كشف الوجه والكفين خلاف بين العلماء ويأتي تحريره في موضعه.

ص: 300

3 -

أما إذا كانت المرأة تصلي منفردة أو يحضرها الزوج أو المحارم فإنه:

يجوز لها كشف وجهها وكفيها في الصلاة وهو قول أكثر العلماء.

وبالنسبة لشعر المرأة في الصلاة، فقد ورد حديث:«لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار» (1) وهو وإن كان ضعيفًا، إلا أن الترمذي قال عقبه:«والعمل عليه عند أهل العلم: أن المرأة إذا أدركت فصلت وشيء من شعرها مكشوف لا تجوز صلاتها، وهو قول الشافعي، قال: لا تجوز صلاة المرأة وشيء من جسدها مكشوف» اهـ.

(لكن إذا انكشف شيء يسير من شعرها وبدنها فصلاتها صحيحة وليس عليها الإعادة -عند كثير من العلماء- وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد، وإن انكشف شيء كثير أعادت الصلاة في الوقت عند عامة العلماء، الأئمة الأربعة وغيره)(2).

أما قدم المرأة في الصلاة:

فقد ورد حديث أم سلمة أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أتصلي المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار؟ قال: «إذا كان الدرع سابغًا يغطي ظهور قدميها» لكنه ضعيف (3).

وقد قال الشافعي في «الأم» (1/ 77): وكل المرأة عورة -يعني في الصلاة- إلا وجهها وكفيها وظهر قدميها

اهـ.

ونقل عنه الترمذي قوله: وقد قيل إن كان ظهر قدميها مكشوفًا فصلاتها جائزة. اهـ. وهذا مذهب أبي حنيفة كما نقله ابن تيمية في الفتاوى (22/ 123).

وذهب مالك وأحمد إلى أن المرأة عورة كلها بل قال أحمد: المرأة تصلي ولا يرى منها شيء ولا ظفرها. اهـ.

قلت: والذي يترجح لي جواز الصلاة مع كشف ظاهر القدم في غير حضرة الأجانب وإن كان الأحوط سترهما والله أعلم.

4 -

يستحب أن تصلي المرأة في الثياب التي تستر بدنها، فما كان فيه زيادة في التستر فهو الأفضل.

(1) أخرجه أبو داود (641)، والترمذي (377) وغيرهما وقد أعله غير واحد من أهل العلم وانظر «جامع أحكام النساء» (1/ 310).

(2)

مجموع الفتاوى لابن تيمية (22/ 123)، وانظر «المغنى» لابن قدامة (1/ 601).

(3)

أخرجه أبو داود (640)، والبيهقي (2/ 232) بسند ضعيف موقوفًا ومرفوعًا.

ص: 301

ولذا قال الشافعي: قد اتفق عامتهم على الدرع والخمار (1)، وما زاد فهو خير وأستر، ولأنه إذا كان عليها جلباب فإنها تجافيه راكعة وساجدة لئلا تصف ثيابها فتبين عجيزتها ومواضع عورتها (2).

5 -

أما المرأة إذا كانت أَمَةً (ليست حرة) فهي كالحرة إلا أنه يجوز لها أن تصلي كاشفة شعرها باتفاق العلماء إلا الحسن وعطاء.

6 -

البنت الصغيرة التي لم تحض لا يجب عليها الاختمار (تغطية الشعر) أثناء الصلاة، فعند عبد الرزاق في «المصنف» (3/ 113) بسند صحيح عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: الجارية التي لم تحض وهي تصلي؟ قال: حسبها إزارها.

فوائد:

(أ) من انكشفت عورته في الصلاة بلا قصد، هل تبطل؟

ذهب الجمهور إلى أن مَن انكشف من عورته شيء في الصلاة -ولو بلا قصد- تبطل صلاته إذا لم يسترها في الحال، وقيده الحنفية بانكشاف ربع عضو، قدر أداء ركن (3)(!!) بينما ذهب الحنابلة إلى أنه لا تبطل الصلاة بانكشاف عورته لزمن قصير، كما لو أطارت الريح ثوبه عن عورته، وكذلك لو بدا يسير من العورة ولو طال زمن الانكشاف (4). لحديث عمرو بن سلمة قال:«انطلق أبي وافدًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من قومه فعلمهم الصلاة، فقال: يؤمكم أقرؤكم، وكنت أقرأهم لما كانت أحفظ، فقدموني، فكنت أؤمهم وعليَّ بردة لي صغيرة صفراء، فكنت إذا سجدت انكشفت عني، فقالت امرأة من النساء: واروا عنا عورة قارئكم، فاشتروا لي قميصًا عمانيًّا، فما فرحت بشيء بعد الإسلام فرحي به» (5) ولم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر ذلك ولا أحد من الصحابة.

قلت: وهذا هو الصحيح، لكن يجب عليه إذا علم بانكشاف عورته أن يواريها إن استطاع.

(1) الدرع يشبه القميص لكنه سابغ يغطى قدميها، والخمار ما يغطي رأسها وعنقها، والجلباب يُلتحف به فوق الدرع، وقد صح عن عمر وابن عمر وابن سيرين وغيرهم أنهم قالوا: تصلي المرأة في ثلاث أثواب (درع وخمار وجلباب).

(2)

«المغنى» (1/ 602)، و «المهذب» (3/ 172) عن «جامع أحكام النساء» (1/ 335).

(3)

«ابن عابدين» (1/ 273)، و «المواهب» (1/ 498)، و «المجموع» (3/ 166).

(4)

«كشاف القناع» (1/ 269).

(5)

صحيح: أخرجه البخاري (4302)، وأبو داود (585) واللفظ له.

ص: 302

(ب) صلاة العاجز عن ستر العورة (1):

لا تسقط الصلاة عمن لم يجد ما يستر به عورته بالاتفاق، واختلفوا في كيفية صلاته؟ فذهب الجمهور إلى أنه إن لم يجد إلا ثوبًا نجسًا أو ثوب حرير (للرجل) فيجب عليه لبسه، فإن لم يجد شيئًا: قالوا يصلي عريانًا لقوله تعالى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (2). ثم قال الحنفية والحنابلة: هو مخيَّر بين أن يصلي قاعدا أو قائمًا، واستحبوا أن يومئ في الركوع والسجود لأنه أستر، وقال المالكية والشافعية يجب أن يصلي قائمًا ولا يجوز الجلوس، وهل يعيد إذا وجد ما يستره؟ الصحيح أن لا يعيد كما قال الشافعية والحنابلة، والله أعلم.

(جـ) التزين والتجمل للصلاة:

يجوز الصلاة في ثوب واحد -كما تقدم- لكن يستحب أن يصلي المرء في أكثر من ثوب وأن يأخذ زينته ويتجمل ما أمكن لقوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} أي عند كل صلاة، وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبيه، فإن الله أحق من تزيَّن له

» (3).

[4]

استقبال القبلة مع القدرة:

وهو شرط لصحة الصلاة بإجماع (4) العلماء، لما يأتي:

1 -

قوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (5).

2 -

حديث ابن عمر قال: «بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ أتاهم آت، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة، فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة» (6).

3 -

حديث المسيء صلاته المشهور، عن أبي هريرة:

(1)«ابن عابدين» (1/ 275)، و «الدسوقي» (1/ 216)، و «المجموع» (3/ 142، 182)، و «كشاف القناع» (1/ 270).

(2)

سورة التغابن، الآية:16.

(3)

أخرجه البيهقي (2/ 236)، وانظر «المجموع» (2/ 54).

(4)

«مراتب الإجماع» لابن حزم (ص 26).

(5)

سورة البقرة، الآية:144.

(6)

صحيح: أخرجه البخاري (4491)، ومسلم (526)، والنسائي (2/ 61).

ص: 303

أن رجلاً دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في ناحية المسجد فصلى ثم جاء فسلم عليه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «وعليك السلام ارجع فصل فإنك لم تصل» فقال في الثانية أو في التي بعدها علمني يا رسول الله فقال «إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ بما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعًا ثم ارفع حتى تستوي قائمًا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا ثم ارفع حتى تستوي قائمًا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها» (1).

الاستقبال على وجهين: فالمصلى إما أن يكون مشاهدًا للكعبة أو لا:

1 -

من كان مشاهدًا للكعبة: فالواجب أن يستقبل عينها بكل بدنه، ولا يجزئه -وهو في الحرم مشاهد للكعبة- أن يستقبل جزءًا من المسجد غير الكعبة.

2 -

من لم يكن مشاهدًا للكعبة: فالواجب عليه أن يستقبل جهتها لا عينها، لأن هذا غاية مقدوره، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ببول أو غائط، ولكن شرقوا أو غرِّبوا» (2) فدلَّ على أن كل ما بين المشرق والمغرب يعتبر قبلة لأهل المدينة، وعليه يكون اتجاه القبلة لأهل مصر ما بين المشرق والجنوب.

ويمكن الاستدلال على القبلة بالمحاريب التي في مساجد المسلمين، أو باستخدام (البوصلة) وغير ذلك.

متى يسقط استقبال القبلة؟ قد علمت أن استقبال القبلة شرط لصحة الصلاة، ولكن يستثنى من ذلك حالات تصح فيها الصلاة بدون استقبال القبلة.

[1]

العاجز عن استقبال القبلة: كالمريض الذي لا يستطيع الحركة وليس معه من يوجهه للقبلة، فهو معذور لقوله تعالى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} ، وقوله:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَاّ وُسْعَهَا} .

[2]

من خفيت عليه القبلة فاجتهد، فصلى إلى غيرها: من خفيت عليه القبلة وجب عليه أن يسأل من يدلُّه، فإن لم يجد، اجتهد في تحديدها، فإن اجتهد وصلى ثم تبيَّن خطؤه أثناء الصلاة: وجب عليه أن يستدير إليها في الصلاة كما في حديث ابن عمر المتقدم قريبًا وفيه: «فاستداروا إلى الكعبة» .

(1) صحيح: أخرجه البخاري (6251)، ومسلم (397).

(2)

صحيح: تقدم في «الطهارة» .

ص: 304

وإذا تبين خطؤه بعد فراغه من الصلاة فصلاته صحيحة ولا إعادة عليه على الراجح، لحديث عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر في ليلة مظلمة، فلم نَدْرِ أين القبلة، فصلى كل رجل منا على حياله، فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزل:{فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} (1)(2). وهو مذهب الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق.

[3]

عند شدة الخوف من عدو ونحوه:

قال تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلّهِ قَانِتِينَ (238) فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} (3).

وفي حديث ابن عمر في صلاة الخوف: «

فإن كان خوف هو أشد من ذلك صلَّوا على أقدامهم أو ركبانًا، مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها» (4).

وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا اختلطوا، فإنما هو التكبير والإشارة بالرأس» (5).

[4]

في صلاة النافلة للراكب في السفر: فيجوز للمسافر أن يصلي النافلة وهو راكب دابته (السيارة أو الطائرة أو السفينة) ولا يلزمه استقبال القبلة إن تعذَّر عليه، فعن ابن عمر أنه كان يصلي على دابته من الليل وهو مسافر، ما يبالي حيثما كان وجهه، وقال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبح [يعني: يصلي] على الراحلة قِبل أي وجه توجَّه، ويوتر عليها غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة» (6).

وعن عامر بن ربيعة قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على الراحلة يسبِّح: يومئ برأسه قبل أي وجه توجَّه، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك في الصلاة المكتوبة» (7).

وعن جابر رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي على راحلته حيث توجهت، فإذا أراد الفريضة نزل فاستقبل القبلة» (8).

(1) سورة البقرة، الآية:115.

(2)

حسنه الألباني: أخرجه الترمذي (345)، وانظر «الإرواء» (1/ 323) وله شاهد عن جابر.

(3)

سورة البقرة، الآيتان: 238، 239.

(4)

صحيح: أخرجه البخاري (4535)، ومالك (396).

(5)

إسناده صحيح: أخرجه البيهقي (3/ 255).

(6)

صحيح: أخرجه البخاري (1098)، ومسلم (700).

(7)

صحيح: أخرجه البخاري (1098).

(8)

صحيح: أخرجه البخاري (400).

ص: 305

لكن .. إن استطاع أن يبتدئ صلاته مستقبلاً القبلة ثم يتوجه مع راحلته حيث توجهت فهو أفضل، لما ورد «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يتطوع على ناقته استقبل بها القبلة فكبر، ثم صلى حيث وجَّهه ركابه» (1).

مسألة: إذا ركب المسافر السيارة -التي لا يقودها هو- بعد صلاة الظهر، وعلم أنه لا يصل إلا بعد المغرب، فهل له أن يصلي العصر في السيارة؟ أو يصليها مع المغرب؟

الأظهر أنه لابد أن يصلي العصر في وقته -في السيارة- ولو قائدًا ولو إلى غير القبلة، لأن الوقت هو آكد فروض الصلاة -كما تقدم- فيتقدَّم على اشتراط استقبال القبلة والله أعلم.

[5]

النيَّة:

النية: هي العزم على فعل العبادة تقربًا إلى الله تعالى، فلا تصح الصلاة بدونها بحال، ولا تسقط النية بحال، لأنها لا تسقط إلا بذهاب العقل، وحينئذ يسقط التكليف لأن العقل مناط التكليف.

وقد انعقد الإجماع على اعتبار النية شرطًا في صحة الصلاة (2)، والأصل فهيا قول الله تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (3) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» (4).

مما لا خلاف فيه:

1 -

أن محل النية القلبُ دون اللسان في جميع العبادات التي منها الصلاة.

2 -

أنه لو تكلَّم بلسانه سهوًا بخلاف ما نوى في قلبه، كان الاعتبار بما نوى بقلبه، وذلك كمن قصد بقلبه الظهر، لكن جرى لسانه بالعصر سهوًا.

3 -

أنه لو تكلم بلسانه ولم تحصل النية في قلبه، لم يجزئه ذلك.

4 -

أن «الجهر بالنية في الصلاة من البدع السيئة، ليس من البدع الحسنة، وهذا متفق عليه بين المسلمين، لم يقل أحد منهم أن الجهر بالنية مستحب ولا هو

(1) حسنه الألباني: أخرجه أبو داود (1225) وغيره وانظر «صفة صلاة النبي» (ص 75).

(2)

«الدسوقي» (1/ 233)، و «مغنى المحتاج» (1/ 148)، و «بداية المجتهد» (1/ 167)، و «كشاف القناع» (1/ 313).

(3)

سورة البينة، الآية:5.

(4)

صحيح: تقدم مرارًا وهو متفق عليه.

ص: 306

بدعة حسنة، فمن قال ذلك فقد خالف سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وإجماع الأئمة الأربعة وغيرهم

وقائل هذا يستتاب، فإن تاب وإلا عوقب بما يستحقه ..» (1).

يضاف إلى هذا ما في الجهر بالنية من التشويش على المصلين، وهو حرام.

والتلفظ بالنية -ولو سرًّا- بدعة:

قال شيخ الإسلام (2): «لم ينقل مسلم -لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه- أنه قد تلفظ قبل التكبير بلفظ النية، لا سرًّا ولا جهرًا، ولا أنه أمر بذلك، ومن المعلوم أن الهمم والدواعي متوفرة على نقل ذلك لو كان ذلك، وأنه يمتنع على أصل التواتر -عادة وشرعًا- كتمانُ نقل ذلك، فإذا لم ينقله أحد، عُلم قطعًا أنه لم يكن .... فزيادة هذا وأمثاله في صفة الصلاة بمنزلة سائر الزيادات المحدثة في العبادات، كمن زاد في العيدين الأذان والإقامة، ومن زاد في السعي صلاة ركعتين على المروة وأمثال ذلك» اهـ.

ثم النية أيسر من أن يتلفظ بها، فمن قام ليتوضأ ثم خرج إلى المسجد عالمًا بمراده من ذلك فقد حقق النية، ولذا قال شيخ الإسلام:«النية تتبع العلم، فمن علم ما أراد فعله فقد نواه» (3) إذ لا يمكن عمل بلا نية.

تعيين الصلاة: ولابد في النية من تعيين الصلاة التي يصليها: هل هي فرض أم نافلة؟ وهل هي ظهر أو عصر؟ والمقصود استحضار هذا في القلب.

موضع النية:

1 -

لا خلاف بين العلماء أن النية إذا كانت مقارنة للتكبير -بأن أعقبها مباشرة- فهي مجزئة، بل هذا هو الأصل والأفضل.

2 -

لا خلاف بينهم في أن النية بعد التكبير لا تجزئ.

3 -

إذا نوى الصلاة ثم تشاغل ثم صلاها صحت صلاته -في أصح القولين- لأن نيَّته مستصحبة للحكم ما لم ينو فسخها (4) والله أعلم.

قلب النية وتغييرها أثناء الصلاة (5):

الانتقال من نية إلى نية في الصلاة له صور متعددة، ومن ذلك:

(1)«مجموع الفتاوى» (22/ 233).

(2)

«مجموع الفتاوى» (22/ 237 - 238).

(3)

«الاختيارات» (ص: 49).

(4)

«الإنصاف» (1/ 23)، و «المبدع» (1/ 417) وهو اختيار ابن عثيمين في «الممتع» (2/ 291).

(5)

«الممتع» (2/ 294 - 301)، و «الإكليل» (1/ 348 - 355) للشيخ وحيد بالي، حفظه الله.

ص: 307

[1]

من فرض إلى نفل مطلق: لا يجوز لمن يصلي الظهر -مثلًا- منفردًا ثم رأى جماعة قد حضروا أن يقلب فرضه نفلاً ثم يصلي معهم جماعة.

[2]

من فرض إلى فرض آخر: فلا يجوز، ويبطل الفرضان، فالأول لأنه قطعه، والثاني لعدم النية قبل البدء فيه، وصورة هذا: أن يتذكر وهو يصلي العصر أنه لم يصلِّ الظهر، فلا يجوز أن يقلبها ظهرًا.

[3]

من نفل إلى فرض: فلا يجوز كذلك للعلة السابقة.

[4]

من نفل معين إلى نفل مطلق: يجوز، لأن النفل المعين يتضمن نية النفل المطلق، ومثاله: أن ينوي صلاة أربع ركعات سنة الظهر، ثم يرى الجماعة، فيقلبها ركعتين لإدراك الجماعة.

[5]

من نفل معين إلى نفل معين: لا يجوز، كما لو نوى تحية المسجد، ثم قلبها -أثناء الصلاة- سنة الفجر، فبطل الأول بقطعه والثاني بعدم النية في أوله.

[6]

من نفل مطلق إلى نفل معين: لا يصح لما سبق.

[7]

من نية إمام إلى مأموم: فيجوز، لحديث عائشة في قصة صلاة أبي بكر بالناس وفيه:«فلما دخل [رسول الله صلى الله عليه وسلم] المسجد سمع أبو بكر حسَّه، ذهب يتأخر، فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: قم مكانك، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس عن يسار أبي بكر، قالت: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس جالسًا وأبو بكر قائمًا، يقتدي أبو بكر بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم، ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر» (1).

[8]

من مؤتم بإمام إلى مؤتم بإمام آخر: فيجوز لحديث عائشة السابق، فقد كان الناس مؤتمين بأبي بكر ثم بالنبي صلى الله عليه وسلم.

وفي قصة مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه قدَّم عبد الرحمن بن عوف فأكمل بهم الصلاة (2).

[9]

من مأموم إلى إمام: فيجوز، كما إذا حدث للإمام عذر في الصلاة، فيستخلف أحد المأمومين لحديث عمر المتقدم.

[10]

من منفرد إلى إمام: فيجوز، كأن يصلي الرجل منفردًا فيأتي إليه آخر فيأتم به، فيكمل الصلاة به إمامًا: لحديث ابن عباس قال: «بِتُّ عند خالتي فقام

(1) صحيح: أخرجه البخاري (664)، ومسلم (418).

(2)

صحيح: أخرجه البخاري (3700).

ص: 308

النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، فقمت أصلي معه، فقمت عن يساره، فأخذ برأسي فأسني عن يمينه» (1). ولا فرق في هذا بين النفل والفرض على الصحيح.

[11]

من إمام إلى منفرد: لا يجوز إلا لعذر، كأن يحدث للمأموم عذر فيترك الإمام وحده، فحينئذ يجوز وصلاته صحيحة.

[12]

من مأموم إلى منفرد: فقيل: يجوز لعذر شرعي كتطويل الإمام فوق السُّنَّة وكأن يطرأ على المأموم وجع ونحوه مما يحتاج معه إلى الانفراد والتخفيف والانصراف، ويستدل لهم بقصة الرجل الذي صلى خلف معاذ بن جبل فأطال القراءة فانفرد الرجل وصلى وحده وشكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يأمره بالإعادة (2).

وقيل: بل ليس له الانفراد وإنما إذا طرأ عليه شيء فله أن يقطع الصلاة ثم يصليها وحده، وأجابوا بأن الظاهر من حديث معاذ أن الرجل خرج من صلاته ثم صلاها وحده، كما في رواية مسلم (465):«فانحرف رجل فسلَّم ثم صلى وحده» .

قلت: والأول أظهر (3) -حتى على الرواية الأخيرة- ففعل الرجل لا يدل على عدم جواز الانفراد، ثم إن الذي يظهر لي أن الإمام والائتمام (الجماعة) وصف زائد على أصل الصلاة، فلا تأثير لنيَّتها في صحة الصلاة، وإن كانت قد تُؤثر في تحصيل ثواب الجماعة، كما يدل على هذا مجموع الأحاديث السابق ذكرها فيما يتعلق بنية الإمام والمأموم، والله تعالى أعلم.

اختلاف نية الإمام والمأموم (4):

لا خلاف في مشروعية ائتمام المصلي بإمام مع توافقهما في النية، فرضًا كانت الصلاة أو سنة.

ثم اختلف أهل العلم فيما إذا اختلفت نية الإمام والمأموم؟ والصحيح أنه لا يشترط أن توافق نية المأموم نية الإمام، وهو مذهب الشافعي وابن حزم (5).

والدليل على ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» .

(1) صحيح: أخرجه البخاري (699)، ومسلم (763).

(2)

صحيح: أخرجه البخاري (6106)، ومسلم (465).

(3)

وهو اختيار الشيخ ابن عثيمين، خلافًا لما اختاره الشيخ وحيد.

(4)

انظر «المنهيات الشرعية في صفة الصلاة» للكمالي (ص: 14 وما بعدها).

(5)

«مغنى المحتاج» (1/ 502)، و «المحلى» (4/ 223)، «بداية المجتهد» (1/ 167).

ص: 309

قال ابن حزم: «فنصَّ عليه السلام نصًّا جليًّا على أن لكل أحد ما نوى، فصحَّ يقينًا أن للإمام نيتَّه، ولا تعلق لإحداهما بالأخرى

» اهـ.

وأما حديث: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه

» (1) فالمراد به: لا تختلفوا عليه في الأفعال الظاهرة، بدليل قوله في الحديث نفسه:«.. فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعين» فلا تعلَّق للحديث باختلاف النيات، ويدل على هذا اتفاق عامة أهل العلم على جواز ائتمام المتنفل بالمفترض مع اختلاف نيتهما -كما سيأتي- وكذلك سائر الأدلة التي تأتي في صور اختلاف النيَّتين، وهي:

[1]

صلاة المتنفل خلف المفترض: وهي جائزة عند عامة أهل العلم من الأئمة الأربعة وغيرهم لما يأتي:

(أ) حديث أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها، أو يميتون الصلاة عن وقتها؟» قلت: فما تأمرني؟ قال: «صلِّ الصلاة لوقتها فإن أَدركتها معهم فصلِّ، فإنها لك نافلة» (2).

(ب) حديث يزيد بن الأسود قال: شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم حجته، فصليت معه صلاة الصبح في مسجد الخيف، قال: فلما قضى صلاته وانحرف، إذا هو برجلين في أخرى القوم لم يصليا معه، فقال:«عليَّ بهما» ، فجيء بهما تَرْعُدُ فرائصهما، فقال:«ما منعكما أن تصليا معنا؟» فقالوا: يا رسول الله، إنا كنا قد صلينا في رحالنا، قال:«فلا تفعلوا، إذا صلَّيتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصلِّيا معهم، فإنها لكما نافلة» (3).

[2]

صلاة المفترض خلف المتنفِّل: وهو جائز لما يلي:

(أ) حديث جابر بن عبد الله: «أن معاذ بن جبل كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء الآخرة، ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة» (4) زاد بعضهم: «هي له تطوع ولهم فريضة» (5).

(1) صحيح: أخرجه البخاري (689)، ومسلم (411).

(2)

صحيح: تقدم في «أوقات النهي عن الصلاة» .

(3)

صحيح: تقدم في «أوقات النهي» .

(4)

صحيح: أخرجه البخاري (711)، ومسلم (465) واللفظ له.

(5)

إسناده ضعيف: أخرجه الشافعي في «الأم» (1/ 173)، والطحاوي (1/ 409)، والدارقطني (1/ 274) وفيه عنعنة ابن جريج وهو مدلس، وصححه الحافظ في الفتح.

ص: 310

قال الحافظ: واستُدلَّ بهذا الحديث على صحة اقتداء المفترض بالمتنفِّل، بناء على أن معاذًا كان ينوي بالأولى الفرض وبالثانية النفل. اهـ. ثم استدل بالزيادة المشار إليها.

قلت: ويدلُّ على ما ذكره الحافظ أنني وجدت في رواية الحديث الأخرى -في قصة الرجل الذي شكا معاذًا -قوله: «

وإن معاذًا صلى معك العشاء ثم أتى فافتتح بسورة البقرة

الحديث» (1) ففيه أن الصلاة التي صلاها معاذ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض العشاء.

(ب) حديث أبي بكرة قال: «صلى النبي صلى الله عليه وسلم في خوف الظهر، فصفَّ بعضهم خلفه وبعضهم بإزاء العدو، فصلَّى بهم ركعتين ثم سلَّم، فانطلق الذين صلَّوا معه فوقفوا موقف أصحابهم، ثم جاء أولئك فصفوا خلفه، فصلى بهم ركعتين ثم سلَّم، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربعًا ولأصحابه ركعتين ركعتين» (2).

قال الشافعي في «الأم» (1/ 173): والآخرة من هاتين للنبي صلى الله عليه وسلم نافلة، وللآخرين فريضة اهـ.

وعلى هذا: فيجوز لمن أتى الجماعة وهم يصلون التراويح -ولم يكن صلى العشاء- أن يدخل معه بنيَّة العشاء، فإذا سلَّم الإمام من ركعتين قام فأتم صلاته منفردًا، أو قام لباقي صلاته فإذا قام الإمام إلى الركعتين بعدهما ائتم به ثم يسلم معه، والأُولى أَوْلى والله أعلم.

[3]

صلاة المفترض خلف من يصلي فرضًا آخر: وهذا له ثلاث حالات:

(أ) أن يكون عدد ركعات الفرضين متفقًا: كأن يصلي ظهرًا مقضية خلف من يصلي العصر أو العشاء، وهذا جائز لعموم ما تقدم.

(ب) أن يكون عدد ركعات فرض المأموم أكثر من الإمام: كمن يصلي لظهر خلف صبح أو مغرب فجائز لما سبق من عدم وجوب اتفاق النيتين، وقياسًا على صلاة المسبوق والمقيم خلف من يقصر الصلاة.

(1) صحيح: تقدم قريبًا.

(2)

رجاله ثقات: أخرجه أبو داود (1248)، وفي سماع الحسن عن أبي بكرة خلاف، مع أن البخاري أخرج له عنه عدة أحاديث وهو لا يكتفي بمجرد إمكان اللقاء!!، وانظر «جامع التحصيل» (1/ 163).

ص: 311

(جـ) أن يكون عدد ركعات فرض المأموم أقل من الإمام: وهذا غير جائز، كمن يصلي الصبح خلف الظهر، أو المغرب خلف العشاء، لأنه هنا لابد له من مخالفة إمامه في الأفعال الظاهرة: إما بمفارقة إمامه لأجل أن يسلم أو لأجل انتظاره للتسليم معه، أو أنه يقوم مع إمامه ليحقق المتابعة، فيزيد في ركعات صلاته عمدًا وهذا يبطلها.

لكن هل يقال: إنه ينتظر حتى يبقى للإمام من صلاته ما يساوي عدد ركعات فرضه فيدخل معه ويسلم معه؟ فهذا موضع نظر واجتهاد، والله تعالى أعلم.

[4]

صلاة المتم خلف من يَقْصر: وهذا جائز، ويجب على المتم أن يأتي ببقية الصلاة بعد سلام إمامه، بلا خلاف بين أهل العلم.

وقد روى عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: «غزوتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدت معه الفتح، فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين، ويقول: يا أهل البلد: صلوا أربعًا، فإنا قوم سَفْر» (1) وهو ضعيف، إلا أن العمل عليه، لأن الصلاة تجب على المتم أربعًا، فلم يجز له ترك شيء من ركعاتها كما لو لم يأتم بمسافر.

فائدة: لا تشترط نية القصر لمن أراد قصر الصلاة (2): وهو قول عامة السلف، لأنه لم ينقل قطُّ أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر أصحابه، لا بنية قصر ولا نية جمع، ولا كان خلفاؤه يأمرون بذلك من يصلي خلفهم، مع أن المأمورين -أو أكثرهم- لا يعرفون ما يفعله الإمام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج في حجته، صلى بهم الظهر بالمدينة أربعًا، وصلى بهم العصر بذي الحليفة ركعتين (3)، وخلفه أمم لا يُحصى عددهم إلا الله، كلهم خرجوا يحجون معه، وكثير منهم لا يعرف صلاة السفر، إما لحدوث عهده بالإسلام، وإما لكونه لم يسافر بعد، ولا سيما النساء.

ومما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يقصر بأصحابه ولا يعلمهم قبل الدخول في الصلاة أنه يقصر: حديث ذي اليدين أن النبي صلى الله عليه وسلم سلَّم من ركعتين في صلاة الظهر أو العصر ناسيًا، فقال له ذو اليدين:«أقصرت الصلاة أم نسيت؟» فقال: «لم أنس ولم تقصر» قال: بلى قد نسيت

» (4).

(1) ضعيف: أخرجه أبو داود (1229).

(2)

«مجموع الفتاوى» (24/ 21، 14/ 105).

(3)

صحيح: يأتي في «الحج» .

(4)

صحيح: يأتي في «سجود السهو» .

ص: 312