الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صلاة الضُّحىَ
الضحى عند الفقهاء: ما بين ارتفاع الشمس إلى زوالها (1).
فضل صلاة الضحى: ثبتت أحاديث كثيرة في فضلها، ومن ذلك:
1 -
حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يُصبح على كلِّ سُلامى (2) من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهى عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى» (3).
2 -
وعن بريدة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «في الإنسان ستون وثلاثمائة مفصل، عليه أن يتصدق عن كل مفصل منها صدقة» قالوا: فمن الذي يطيق يا رسول الله؟ قال: «النخامة في المسجد يدفنها، أو الشيء ينحيه عن الطريق، فإن لم يقدر فركعتا الضحى تجزئ عنه» (4).
«والحديثان يدلَاّن على عظم فضل صلاة الضحى وكبر موقعها، وتأكد مشروعيتها، وأن ركعتيها تجزيان عن ثلاثمائة وستين صدقة، وما كان كذلك فهو حقيق بالمواظبة والمداومة
…
» (5).
3 -
وعن زيد بن أرقم قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم على أهل قباء وهم يصلُّون الضحى، فقال:«صلاة الأوَّابين حين ترمض الفصال» (6).
4 -
وعن جبير بن نفير عن أبي الدرداء وأبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل قال: «ابنَ آدم، اركع لي ركعات من أوَّل النهار، أَكْفِكَ آخره» (7).
5 -
وعن عبد الله بن عمرو قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية، فغنموا وأسرعوا الرجعة، فتحدَّث الناس بقرب مغزاهم وكثرة غنيمتهم وسرعة رجعتهم،
(1)«حاشية ابن عابدين» (2/ 23) ط. الفكر.
(2)
السُّلامى في الأصل: عظام الأصابع وسائر الكف، ثم استعمل في عظام البدن ومفاصله.
(3)
صحيح: أخرجه مسلم (720)، وأبو داود (1285)، وأحمد (5/ 167).
(4)
صحيح: أخرجه أبو داود (2/ 524)، وأحمد (5/ 354).
(5)
«نيل الأوطار» (3/ 78) ط. الحديث.
(6)
صحيح: أخرجه مسلم (748)، وأحمد (4/ 366).
(7)
صحيح بطرقه: أخرجه الترمذي (475) وله شاهد من حديث نعيم بن همار عند أبي داود (1289)، وانظر «الإرواء» (465).
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أدلُّكم على أقرب منهم مغزى وأكثر غنيمة وأوشك رجعة؟ من توضأ ثم غدا إلى المسجد لسبُحة الضحى فهو أقرب منهم مغزى وأكثر غنيمة وأوشك رجعة» (1).
حكم صلاة الضحى:
اختلف أهل العلم في حكم صلاة الضحى على ستة أقوال (2)، أقربها ثلاثة:
الأول: تستحب مطلقًا، ويستحب المواظبة عليها، وهو مذهب الجمهور (3) خلافًا للحنابلة، وحجتهم:
1 -
عموم الأحاديث المتقدمة في فضل صلاة الضحى، وخصوصًا حديث: «يصح على كل سلامى من أحدكم صدقة
…
».
2 -
حديث أبي هريرة قال: «أوصاني خليلي بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أرقد» (4) ونحوه عن أبي الدرداء وأبي ذر.
3 -
حديث معاذة العدوية قالت: قلت لعائشة: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ قالت: «نعم، أربعًا ويزيد ما شاء» (5).
قال الشوكاني في «النيل» (3/ 76): ولا يخفاك أن الأحاديث الواردة بإثباتها قد بلغت مبلغًا لا يقصر البعض منه عن اقتضاء الاستحباب. اهـ.
وقال الحافظ في «الفتح» (3/ 66): وقد جمع الحاكم الأحاديث الواردة في صلاة الضحى في جزء مفرد،
…
وبلغ عدد رواة الحديث في إثباتها نحو العشرين نفسًا من الصحابة. اهـ.
4 -
وأما المواظبة عليها فلقوله صلى الله عليه وسلم: «أحب العمل إلى الله تعالى ما دام عليه صاحبه وإن قلَّ» (6).
(1) صححه الألباني: أخرجه أحمد (2/ 175)، وانظر «صحيح الترغيب» (663 - 664).
(2)
«زاد المعاد» (1/ 341 - 360)، و «بدائع الفوائد» و «فتح الباري» (3/ 66).
(3)
«عمدة القاري» (7/ 240)، و «مواهب الجليل» (2/ 67)، و «روضة الطالبين» (1/ 337)، و «المغنى» (2/ 132).
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (1178)، ومسلم (721).
(5)
صحيح: أخرجه مسلم (719)، وابن ماجه (1381).
(6)
صحيح: أخرجه البخاري (43)، ومسلم (782) واللفظ له.
الثاني: يستحب فعلها تارة وتركها أخرى، ولا يواظب عليها: وهو المذهب عند الحنابلة (1) وحجتهم:
1 -
حديث أبي سعيد قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى حتى نقول لا يدعها، ويدعها حتى نقول لا يصليها» (2) وهو ضعيف.
2 -
في حديث أنس -في قصة صلاة النبي في بيت عتبان بن مالك الضحى- وقال فلان ابن الجاورد لأنس رضي الله عنه: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ قال: «ما رأيته صلَّى غير ذلك اليوم» (3).
3 -
حديث عائشة قالت: «ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سبَّح [تعني: صلَّى] سُبْحة الضحى، وإني لأُسبَّحها [وإن كان ليدع العمل وهو يجب أن يعمله خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم]» (4).
الثالث: لا تشرع إلا لسبب: كفوات قيام الليل ونحوه وهذا ما اختاره ابن القيم بعد بسط الأقوال في المسألة (5).
واحتج القائلون به بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعلها إلا بسبب، واتفق وقوعها وقت الضحى وتعدد الأسباب:
1 -
فحديث أم هانئ: «أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيتها يوم فتح مكة فاغتسل وصلى ثماني ركعات [سبحة الضحى] فلم أر صلاة قطُّ أخفَّ منها غير أنه يتم الركوع والسجود» (6). كان بسبب الفتح، قالوا: وسنة الفتح أن يصلي ثماني ركعات، ونقله الطبري من فعل خالد بن الوليد لما فتح الحيرة.
2 -
وصلاته صلى الله عليه وسلم في بيت عتبان بن مالك إجابة لسؤاله أن يصلي في بيته في مكان يتخذه مصلى، فاتفق أنه جاءه وقت الضحى فاختصره الراوي فقال:«صلى في بيته الضحى» (7).
(1)«الفروع» لابن مفلح (1/ 567).
(2)
ضعيف: أخرجه الترمذي (477)، وأحمد (3/ 21 - 36)، وانظر «الإرواء» (460).
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (670).
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (1177/ 1128)، ومسلم (718).
(5)
«زاد المعاد» (1/ 341 - 360)، و «بدائع الفوائد» (1/).
(6)
صحيح: أخرجه البخاري (1176)، ومسلم (719)، والزيادة لأبي داود (1290).
(7)
صحيح: تقدم تخريجه قريبًا.
3 -
وعن عبد الله بن شقيق أنه قال لعائشة: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ قالت: «لا، إلا أن يجيء من مغيبه» (1).
لأنه كان ينهى عن الطروق ليلاً، فيقدم أول النهار فيبدأ بالمسجد فيصلي وقت الضحى.
قالوا: وأما أحاديث الترغيب فيها والوصية بها فلا تدل على أنها سنة راتبة لكل أحد، ولهذا خص بذلك أبا ذر وأبا هريرة، ولم يوص بذلك أكابر الصحابة!!.
قال ابن القيم: «ومن تأمَّل الأحاديث المرفوعة وآثار الصحابة وحدها لا تدل إلا على هذا القول» اهـ.
وقد اختار شيخ الإسلام أن من كان من عادته قيام الليل فإنه لا يُسنُّ له صلاة الضحى، وأما من لم تكن عادته صلاة الليل فإنه يُسنُّ له صلاة الضحى مطلقًا كل يوم (2).
قلت: ولا يخفى أن القول الأول أصحُّ، لعموم الترغيب في فعل صلاة الضحى، وكونها تجزئ عن الثلاثمائة والستين صدقة التي كل إنسان، وأما ما ورد عن بعض الصحابة من إنكارها كابن مسعود وابن عمر وغيرهما فلا يقدح في المشروعية، لأن غيرهما قد أثبت مشروعيتها وكلٌّ روى ما رأى من علم حجة على من لم يعلم.
وكذلك فما ورد من تركه صلى الله عليه وسلم لها هو أو بعض أصحابه في بعض الأوقات لا ينفي مشروعيتها فإنه ليس من شرط المشروعية مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم بل هي مشروعية مرغَّب في فعلها لما تقدم في فضلها، ولذا قالت عائشة:«ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي سبحة الضحى قط وإني لأسبِّحها، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيُفرض عليهم» (3) والله تعالى أعلم.
(1) صحيح: أخرجه مسلم (717)، وقد جاء عن عائشة روايات مختلفة، فهنا قيدت صلاته صلى الله عليه وسلم الضحى بمجيئه من السفر، وفي مسلم كذلك نفي رؤيتها لصلاته مطلقًا، وفي أخرى: الإثبات مطلقًا، وقد ذهب طائفة من العلماء منهم ابن عبد البر إلى ترجيح ما في الصحيحين مع ما انفرد به مسلم، وجمع آخرون بين هذه الرويات. انظر «فتح الباري» (3/ 67).
(2)
«الاختيارات» (ص/ 64)، و «الفروع» (1/ 567).
(3)
صحيح: تقدم تخريجه.
وقت صلاة الضحى:
يبتدئ وقتها من بعد ارتفاع الشمس وانتهاء وقت الكراهة إلى قبيل زوالها ما لم يدخل وقت النهي عند الجمهور (1) قلت: وعليه فيبتدئ بعد قُرابة ربع ساعة من طلوع الشمس.
وأفضل وقتها: أن تؤخر إلى أن يشتد الحر، لحديث زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«صلاة الأوَّابين حين تَرْمِضُ الفصال» (2) ومعناه: أن تحمى الرمضاء -وهي الرمل- فتجد هذه الحرارة الفصالُ (صغارُ الإبل) بخفافها، وهذا يكون قبيل الزوال بدقائق.
وعدد ركعاتها:
لا خلاف بين القائلين باستحباب صلاة الضحى في أن أقلهَّا ركعتان (3) لحديث: «ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى» وتقدم، ولحديث أبي هريرة: «أوصاني خليلي بثلاث
…
وركعتي الضحى
…
».
ثم اختلفوا في أكثر صلاة الضحى على ثلاثة أقوال:
الأول: أكثرها ثمان ركعات: وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة (4) لحديث أم هانئ أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيتها يوم الفتح وصلى ثماني ركعات
…
» (5) الحديث.
الثاني: أكثرها اثنتا عشرة ركعة: وهو مذهب الحنفية ووجه مرجوح عند الشافعية ورواية عن أحمد، لحديث أنس مرفوعًا:«من صلَّى الضحى ثنتي عشرة ركعة بنى الله له قصرًا في الجنة» وهو ضعيف.
(1)«مواهب الجليل» (2/ 68)، و «كشاف القناع» (1/ 442)، و «روضة الطالبين» (1/ 332)، و «أسنى المطالب» (1/ 204).
(2)
صحيح: أخرجه مسلم (748)، وأحمد (4/ 366).
(3)
«الفتاوى الهندية» (1/ 112)، و «الدسوقي» (1/ 313)، و «روضة الطالبين» (1/ 332)، و «الإنصاف» (2/ 190).
(4)
«الدسوقي» (1/ 313)، و «المجموع» (4/ 36)، و «الروضة» (1/ 332)، و «الإنصاف» (2/ 190)، و «المغنى» (2/ 131).
(5)
صحيح: تقدم قريبًا.