المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وفي لفظ عن سهل بن حنيف وقيس بن سعد: «أليست - صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة - جـ ١

[كمال ابن السيد سالم]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة فضيلة الشيخ/ فؤاد سراج عبد الغفار - حفظه الله

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌[المسلك في هذا الكتاب]

- ‌تمهيدنشأة علم الفقه

- ‌[الفقه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[عهد الصحابة رضي الله عنهم]

- ‌[أحوال الناس في المائة الأولى والثانية]

- ‌1 - كتاب الطهارة

- ‌تعريف الطهارة وأهميتها

- ‌أنواع الطهارة

- ‌أولاً الطهارة الحقيقية

- ‌هل يُعَدُّ المني طاهرًا أم نجسًا

- ‌هل تُعَدُّ الخمر من النجاسات

- ‌هل يعتبر الدم من النجاسات

- ‌هل «قيء الآدمي» نجس

- ‌الاستنجاء

- ‌بم يكون الاستنجاء

- ‌بعض الآداب في الاستنجاء

- ‌هل يجوز للرجل أن يبول قائمًا

- ‌سنن الفطرة

- ‌ الختان

- ‌السواك

- ‌إعفاء اللِّحية

- ‌ثانيًا الطهارة الحكمية:

- ‌الوضوء

- ‌أركان الوضوء

- ‌نواقض الوضوء

- ‌المسح على الحوائل

- ‌أولاً: المسح على الخفين:

- ‌ثانيًا: المسح على الجوربين والنعلين

- ‌ثالثًا: المسح على غطاء الرأس:

- ‌رابعًا: المسح على الجَبيرَة

- ‌مسائل تتعلق بالغسل

- ‌التيمُّم

- ‌نواقض التيمم

- ‌الحيض والنفاس

- ‌دم النفاس

- ‌دم الاستحاضة

- ‌2 - كتاب الصلاة

- ‌تعريف الصلاة

- ‌منزلتها من الدين:

- ‌الصلوات الخمس

- ‌الأحكام الدنيوية لتارك الصلاة:

- ‌عدد الفرائض:

- ‌عدد الركعات:

- ‌مواقيت الصلاة

- ‌مسائل تتعلق بمواقيت الصلاة

- ‌قضاء الصلوات الفائتة

- ‌الأوقات المنهي عن الصلاة فيها

- ‌الأذان والإقامة

- ‌شروط صحة الصلاة

- ‌أركان الصلاة

- ‌واجبات الصلاة

- ‌سنن الصلاة

- ‌السنن الفعلية في الصلاة

- ‌أمور تباح في الصلاة

- ‌(أ) الأفعال المباحة في الصلاة:

- ‌(ب) الأقوال وما في معناها المباحة في الصلاة:

- ‌المنهيات في الصلاة

- ‌مبطلات الصلاة

- ‌القنوت في الفرائض

- ‌صلاة التطوُّع

- ‌صلاة الوتر

- ‌قيام الليل

- ‌صلاة الضُّحىَ

- ‌صلاة الاستخارة

- ‌صلاة التسبيح

- ‌صلاة تحية المسجد

- ‌صلاة التوبة

- ‌صلاة الكسوف

- ‌صلاة الاستسقاء

- ‌سجود التلاوة

- ‌سجود الشكر

- ‌سجود السَّهْو

- ‌الصلاة في السفر

- ‌صلاة الخَوْف

- ‌صلاة الجماعة

- ‌صلاة الجماعة في الفرائض

- ‌الإمامة وأحكامها

- ‌موقف الإمام والمأموم

- ‌الصفوف وأحكامها

- ‌مسائل تتعلق بصفة صلاة الجماعة

- ‌أحكام المَسْبُوق

- ‌ما يُفْعَل بعد انقضاء الصلاة

- ‌طرق من أحكام المساجد

- ‌صلاة الجمعة

- ‌أفعال المأمومين حال الخُطبة

- ‌أذان الجمعة

- ‌خطبة الجمعة وأحكام الخطيب

- ‌أفعال المأمومين حال الخُطبة

- ‌أفعال في صلاة الجمعة

- ‌مسائل متفرقة

- ‌صلاة العيدين

- ‌3 - كتاب الجنائز

- ‌ما يفعله الحاضرون للمُحْتَضَر:

- ‌غسل الميت:

- ‌من أولى الناس بغسل الميت

- ‌صفة المُغَسِّل

- ‌صفة غُسل الميت:

- ‌تكفين الميِّت

- ‌صفة الكفن:

- ‌حمل الجنازة واتبَّاعها

- ‌من آداب اتباع الجنائز:

- ‌صلاة الجنازة

- ‌أين يصلى على الجنازة

- ‌صلاة الجنازة على القبر:

- ‌أفعال صلاة الجنازة:

- ‌دفن الميت، وما يتبعه

- ‌صفة القبر:

- ‌من الذي يقوم بالدَّفن

- ‌تعزية أهل الميت

- ‌ما ينتفع به الميت بعد موته

- ‌زيارة القبور وما يتعلق بها

- ‌هل تشرع زيارة النساء للقبور

- ‌من الأذكار الثابتة عند زيارة القبور:

الفصل: وفي لفظ عن سهل بن حنيف وقيس بن سعد: «أليست

وفي لفظ عن سهل بن حنيف وقيس بن سعد: «أليست نفسًا؟» (1).

لكن .. ذهب أكثر أهل العلم من الأئمة الأربعة وغيرهم إلى أن القيام للجنازة منسوخ بحديث علي بن أبي طالب قال: «قام رسول الله صلى الله عليه وسلم للجنازة فقمنا، ثم جلس فجلسنا» (2).

وفي لفظ: «

ثم جلس بعد ذلك، وأمرنا بالجلوس» (3).

ذهب ابن حزم وابن حبيب وابن الماجشون من المالكية وبعض الشافعية -واختاره النووي- إلى أن قعوده صلى الله عليه وسلم بعد أمره بالقيام لبيان الجواز وأن الأمر كان للندب، وأن النسخ لا يُصار إليه إلا إذا تعذَّر الجمع وهو هنا ممكن.

‌صلاة الجنازة

حكمها:

الصلاة على الجنازة فرض كفاية -إذا فعله بعض المسلمين سقط عن الباقين- أمر النبي صلى الله عليه وسلم بها، فعن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل المتوفى، عليه الدين فيسأل هل ترك لدينه فضلاً؟ فإن حُدِّث أنه ترك وفاء صلى، وإلا قال للمسلمين:«صلوا على صاحبكم» (4).

وعن زيد بن خالد الجهني: «أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم توفى يوم خيبر فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «صلوا على صاحبكم» فتغيرت وجوه الناس لذلك، فقال:«إن صاحبكم غل في سبيل الله» ففتشنا متاعه فوجدنا خرزًا من خرز اليهود لا يساوي درهمين (5).

فضلها:

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من شهد الصلاة حتى يصلى

(1) صحيح: أخرجه البخاري (1312)، ومسلم (961).

(2)

صحيح: أخرجه مسلم (962)، وابن ماجه (1544)، وأحمد (1/ 13).

(3)

جوَّده الألباني: أخرجه أحمد (1/ 82)، والطحاوي (1/ 282)، وانظر «أحكام الجنائز» (ص: 101).

(4)

أخرجه البخاري (1251)، والنسائي (1960).

(5)

صححه الألباني. أخرجه مالك في الموطأ (2/ 14)، وأبو داود (2710)، والنسائي (4/ 64)، وابن ماجه (2848)، وأحمد (4/ 114، 5/ 192)، وانظر «الإرواء» (726).

ص: 639

عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى يدفن فله قيراطان. قيل وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين» (1).

وعن عبد الله بن عباس: «أنه مات ابن له بقديد -أو بعسفان- فقال: يا كريب انظر ما اجتمع له من الناس. قال: فخرجت فإذا ناس قد اجتمعوا له فأخبرته. فقال: تقول هم أربعون؟ قال: نعم. قال: أخرجوه فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئًا إلا شفعهم الله فيه» (2).

وعن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه» (3).

موقف الإمام من الجنازة:

القول الأول: أن يقف الإمام حذاء رأس الرجل، وحذاء وسط المرأة. وهو مذهب الشافعي

وأحمد وإسحاق (4)، وقد اختاره بعض الحنفية (5). قال الشوكاني:«وهو الحق» .

واحتجوا بحديث أنس بن مالك: أن أبا غالب الخياط قال شهدت أنس بن مالك صلى على جنازة رجل، فقام عند رأسه [وفي رواية: رأس السرير] فلما رفع، أتى بجنازة امرأة من قريش -أو من الأنصار- فقيل له: يا أبا حمزة هذه جنازة فلانة ابنة فلان فصلِّ عليها، فصلى عليها، فقام وسطها [وفي رواية: عند عجيزتها، وعليها نعش أخضر] وفينا العلاء بن زياد العدوي. فلما رأى اختلاف قيامه على الرجل والمرأة قال: يا أبا حمزة هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم حيث قمت، ومن المرأة حيث قمت؟ قال: نعم، قال: فالتفت إلينا العلاء فقال: احفظوا (6).

(1) صحيح: أخرجه مسلم (945).

(2)

صحيح: أخرجه مسلم (948).

(3)

صحيح: أخرجه مسلم (947).

(4)

«المجموع» للنووي (5/ 225).

(5)

الهداية (1/ 462)، وشرح المعاني (1/ 284).

(6)

صححه الألباني. أخرجه أبو داود (3194)، والترمذي (1034)، وحسنه، وابن ماجه (1494)، وأحمد (3/ 118، 204)، والبيهقي (4/ 33)، والطيالسي (2149)، وانظر: أحكام الجنائز للعلامة الألباني (ص: 138).

ص: 640

وحديث سمرة بن جندب قال: «صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وصلى على أم كعب ماتت وهي نفساء فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليها وسطها (1).

القول الثاني: أن يقف عند صدر الميت سواء في ذلك الرجل والمرأة وقد أجابوا عن حديث أنس المتقدم بأن وقوفهم عند وسط المرأة إنما كان من أجل الستر حيث لم تكن النعوش، واستشهدا بزيادة رواها أبو داود من حديث أنس المتقدم وهي: «قال أبو غالب: فسألت عن صنيع أنس في قيامه على المرأة عند عجيزتها. فحدثوني أنه إنما كان لأنه لم تكن النعوش، فكان يقوم الإمام حيال عجيزتها يسترها من القوم (2).

وقد أجاب الشيخ العلامة: الألباني على ما ذهب إليه الأحناف فقال: فهذا التعلي مردود من وجوه:

الأول: أنه صادر من مجهول، وما كان كذلك فلا قيمة له.

الثاني: أنه خلاف ما فعله راوي الحديث نفسه وهو أنس رضي الله عنه فإنه وقف وسطها مع كونها في النعش، ودل ذلك على بطلان ذلك التعليل

إلخ (3).

وقال ابن حزم في المحلى: ويصلي على الميت بإمام يقف ويستقبل القبلة والناس وراءه صفوف،

ويقف من الرجل عند رأسه ومن المرأة عند وسطها

إلخ (4).

يستحب أن يصفوا وراء الإمام ثلاثة صفوف وإن قلوا:

لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من ميت يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا أوجب» (5).

وكلما كثر الجمع كان أفضل للميت؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «ما من ميت تصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه» (6).

(1) صحيح: أخرجه البخاري (1332)، ومسلم (964) واللفظ له.

(2)

صحيح: أخرجه أبو داود (3194).

(3)

انظر: أحكام الجنائز وبدعها للألباني ص 139 في الهامش.

(4)

المحلى لابن حزم (5/ 123).

(5)

حسنه الألباني: أخرجه أبو داود (3150)، والترمذي (1033)، وابن ماجه (1490).

(6)

صحيح: مسلم (947)، والترمذي (1034)، والنسائي (4/ 75).

ص: 641

اجتماع جنائز الرجال والنساء:

إذا اجتمع أكثر من ميت من الرجال والنساء، فإن للإمام أن يصلي على كل جنازة على حدة، ويجوز له كذلك أن يصلي عليهم صلاة واحدة، ويصف الجنائز واحدًا بعد الآخر ليكونوا جميعًا بين يدي الإمام، ويكون الرجال أمام والنساء (الأموات) مما يلي القبلة:

فعن نافع أن ابن عمر صلى على تسع جنائز جميعًا فجعل الرجال يلون الإمام والنساء يلين القبلة، فصفهن صفًّا واحدًا، ووضعت جنازة أم كلثوم بنت على امرأة عمر بن الخطاب وابن لها يقال له: زيد، وُضعا جميعًا والإمام يومئذ سعيد بن العاص وفي الناس ابن عمر، وأبو هريرة، وأبو سعيد وأبو قتادة فوضع الغلام مما يلي الإمام فقال رجل: فأنكرت ذلك، فنظرت إلى ابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد وأبي قتادة فقلت: ما هذا؟ قالوا: هي السنة» (1).

يجوز للنساء الصلاة على الجنازة:

يجوز للنساء الصلاة على الجنازة إذا لم يتبعن الجنازة بل تَوافَق وجودهن حيث يصلى عليها:

فعن عبد الله بن الزبير: «أن عائشة أمرت أن يمر بجنازة سعد بن أبي وقاص في المسجد فتصلي عليه، فأنكر الناس ذلك عليها، فقالت: ما أسرى ما نسى الناس، ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن البيضاء إلا في المسجد» (2).

فائدة: في هذا الحديث أنه يجوز الصلاة على الجنازة في المسجد، لكن الأفضل الصلاة عليها خارج

المسجد في مكان مُعَد للصلاة على الجنائز، فقد كان هذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم والغالب من فعله (3).

هل يصلى على بعض أجزاء الميت؟

قد وردت آثار تدور بين الضعف والإرسال عن بعض الصحابة أنهم صلوا على بعض أجزاء الميت:

(1) إسناده صحيح: أخرجه النسائي (4/ 71)، والدارقطني (2/ 79)، والبيهقي (4/ 33)، وعبد الرزاق (6337).

(2)

صحيح: أخرجه مسلم (973)، وأبو داود (3173)، والنسائي (4/ 68).

(3)

الوجيز (ص: 174).

ص: 642

- فعن خالد بن معدان أن أبا عبيدة صلى على رءوس بالشام (1).

- وروى عن أبي أيوب أنه صلى على رِجْل (2).

- وعن عمر أنه صلى على عظام بالشام (3).

وجملة الأقوال في هذه المسألة ثلاثة أقوال عن أهل العلم:

الأول: أنه يصلى عليه سواء قل البعض أم كثر وهو قول الشافعي وأحمد (4) وبه قال ابن حزم (5).

الثاني: إن وجد أكثر من نصفه غسل وصلى عليه وإن وجد النصف فلا غسل ولا صلاة وهو قول أبي حنيفة.

وقول مالك قريب من ذلك فذهب إلى أنه لا يصلى على اليسير منه (6).

الثالث: أنه لا يصلى عليه مطلقًا وهو قول داود (7).

قلت: والذي تميل إليه النفس أنه إن لم يكن قد صلى عليه فإنه يغسل ويصلى على ذلك الجزء ويدفن.

وإن كان قد صلى على الميت ثم وجد جزء منه فلا يصلى عليه ولكن يغسل ويدفن. والله تعالى أعلم.

لا يصلى على شيء من أجزاء الحي:

وذلك لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أو الصحابة أنهم صلوا على ما فصل عن الحي، مع تواتر الأخبار بأنه أقيمت الحدود على عهد النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعد وقطعت أيدٍ فلم يذكر أنهم غسلوا وصلوا على شيء منها، والله تعالى أعلم.

الصلاة على السقط والطفل:

أولا: الطفل: ونعني به من لم يبلغ الحلم، فإنه تشرع الصلاة عليه؛ فعن عائشة قالت: «أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبي من صبيان الأنصار، فصلى عليه، قالت عائشة: فقلت: طوبى لهذا، عصفور من عصافير الجنة، لم يعمل سوءًا، ولم

(1) مرسل: أخرجه ابن أبي شيبة (4013)، والبيهقي (4/ 18).

(2)

ضعيف: أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 40).

(3)

مرسل: أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 41).

(4)

المجموع للنووي (5/ 214).

(5)

المحلى لابن حزم (5/ 138 المسألة: 580).

(6)

المجموع للنووي (5/ 214).

(7)

المجموع للنووي (5/ 214).

ص: 643

يدرك، قال: أو غير ذلك يا عائشة؟ خلق الله عز وجل الجنة، وخلق لها أهلاً، وخلقهم في أصلاب آبائهم وخلق النار، وخلق لها أهلاً، وخلقهم في أصلاب آبائهم» (1).

ثانيًا: الصلاة على السقط:

لا خلاف بين أهل العلم أن السقط إذا استهل صارخًا أو عاطسًا صُلى عليه.

قال ابن المنذر (2): وأجمعوا على أن الطفل إذا عرفت حياته واستهل صُلي عليه اهـ.

وإنما وقع الخلاف في السقط إذا لم يستهل:

فذهب قوم إلى أنه لا يُصلَّى عليه، يروى ذلك عن جابر بن عبد الله وابن عباس، وبه قال الزهري، وهو قول الثوري، والأوزاعي، ومالك والشافعي، وأصحاب الرأي (3).

ويستدلون بما رواه جابر بن عبد الله والمسور بن مخرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يرث الصبي حتى يستهل صارخًا» (4).

وحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا استهل المولود ورث» (5).

وذهب قوم إلى أنه يصلى عليه، يروى ذلك عن ابن عمر، وأبي هريرة وبه قال ابن سيرين، وابن

المسيب وهو قول أحمد وإسحاق (6).

واستدلوا بحديث المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «السقط يصلى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة» (7).

(1) صحيح: أخرجه مسلم (2662)، والنسائي (1/ 76)، واللفظ له، وأحمد (6/ 208).

(2)

الإجماع ص30.

(3)

شرح السنة للبغوي (5/ 373).

(4)

صحيح: أخرجه الترمذي (1032)، والنسائي في «الكبرى» (6358، 6359)، وابن ماجه (1508، 2750، 2751)، والدارمي (4126)، وابن أبي شيبة (11603)، وعبد الرزاق (6608)، وابن حبان (6032)، والحاكم (4/ 348)، (1/ 363)، والبيهقي (4/ 8).

(5)

في إسناده ضعف: أخرجه أبو داود (2920).

(6)

شرح السنة للبغوي (5/ 373).

(7)

صحيح: أخرجه الترمذي (1031)، والنسائي (4/ 358، 360)، وابن ماجه (1507)، وأحمد (4/ 247، 248) وغيرهم.

ص: 644

وقد أجاب إسحاق عن استدلال الفريق الأول فقال:

إنما الميراث بالاستهلال، أما الصلاة فإنه يصلى عليه لأنه نسمة كتب عليه الشقاء والسعادة (1).

وقد نقل الخطابي (2) عن أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه أنهما قالا: كل ما نفخ فيه الروح وتمت له أربعة أشهر وعشر صلى عليه اهـ.

قال النووي رحمه الله: «والظاهر أن السقط إنما يصلى عليه إذا كان قد نفخت فيه الروح، وذلك إذا استكمل أربعة أشهر، ثم مات، فأما إذا سقط قبل ذلك فلا، لأنه ليس بميت كما لا يخفى. وأصل ذلك حديث عبد الله بن مسعود مرفوعًا «إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث إله ملكًا

ينفخ فيه الروح (3).

الصلاة على أهل البدع والكبائر والمعاصي:

حاصل كلام أهل العلم أنه يُصلَّى على كل مسلم ولو كان من أهل الكبائر والفُساق، أو من أهل البدع -ما لم يكفَّ- ببدعته- لكن إن ترك أئمة الدين وأهل الفضل الذي يُقتدى بهم الصلاة على أحدهم زجرًا لأمثالهم فهو حسن، كما امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة على قاتل نفسه (4) وقال لأصحابه:«صلوا عليه» .

وقد قال بهذا مالك وأحمد وغيرهما من الأئمة (5).

الصلاة على من عليه دين:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل الميت، عليه الدين، فيسأل:«هل ترك لدينه من قضاء» . فإن حدِّث أنه ترك وفاء صلى عليه، وإلا قال «صلوا على

صاحبكم»، فلما فتح الله عليه الفتوح قال:«أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفى وعليه دين فعليَّ قضاؤه ومن ترك مالاً فهو لورثته» (6).

(1) شرح السنة للبغوي (5/ 373).

(2)

«معالم السنن» للخطابي (1/ 268 - 269).

(3)

صحيح: أخرجه البخاري (3208)، ومسلم (2643).

(4)

صحيح: أخرجه مسلم (978) وغيره.

(5)

«المدونة» (1/ 165)، و «المغنى» (2/ 355)، و «مجموع الفتاوى» (24/ 289).

(6)

صحيح: أخرجه البخاري (2298)، ومسلم (1619).

ص: 645

قال النووي رحمه الله: إنما كان يترك الصلاة عليه ليحرض الناس على قضاء الدين في حياتهم، والتوصل إلى البراءة منها لئلا تفوتهم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فلما فتح الله عليه عاد يصلي عليهم ويقضي دين من لم يخلف وفاء اهـ (1).

وعلى هذا فلا ينبغي لأحد من المسلمين أن يدع الصلاة على المدين من أجل دينه. والحمد لله رب العالمين.

الصلاة على قاتل نفسه:

للعلماء في ذلك ثلاثة أقوال:

القول الأول: لا يصلى عليه وهو مذهب عمر بن عبد العزيز، والأوزاعي (2) وحجتهم حيث جابر بن سمرة قال: أتُي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمشاقص (3) فلم يصلِّ عليه (4).

القول الثاني: يُصلَّى عليه وبه قال الحسن والنخعي وقتادة ومالك وأبو حنيفة والشافعي وجماهير العلماء، وقد أجابوا عن حديث جابر المتقدم بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل عليه بنفسه زجرًا للناس على مثل فعله، وصلَّت عليه الصحابة، وهذا كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة في أول الأمر على من عليه دين زجرًا لهم عن التساهل في الاستدانة وعن إهمال وفائه وأمر أصحابه بالصلاة عليه فقال صلى الله عليه وسلم:«صلوا على صاحبكم» .

وقال القاضي: مذهب العلماء كافة الصلاة على كل مسلم ومحدود ومرجوم وقاتل نفسه وولد الزنا (5).

القول الثالث: أن يتجنب أهل الفضل والصلاة الصلاة عليه وهو مروي عن مالك وغيره (6). وهو الأظهر.

وإليه جنح ابن تيمية حيث قال: «فيجوز لعموم الناس أن يصلوا عليه، وأما

(1) مسلم شرح النووي (11/ 60).

(2)

مسلم شرح النووي (7/ 47).

(3)

المشاقص: جمع مشقص وهو نصل السهم.

(4)

صحيح: أخرجه مسلم (978).

(5)

انظر «النووي» شرح مسلم (7/ 47).

(6)

«النووي» شرح مسلم (7/ 47).

ص: 646

أئمة الدين الذين يقتدى بهم فإذا تركوا الصلاة عليه زجرًا لغيره اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فهذا حق، والله أعلم اهـ (1).

هل يصلى على شهيد المعركة؟

اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أنه لا يصلى عليه وهو مذهب مالك والشافعي وإسحاق وإحدى الروايات عن أحمد (2). وقد استدلوا بجملة أدلة منها:

1 -

حديث جابر في قتلى أُحد مرفوعًا وفيه قال: «وأمر بدفنهم في دمائهم ولم يغسلوا ولم يصلِّ عليهم» (3).

2 -

حديث أنس أن شهداء أُحد لم يغسلوا ودفنوا بدمائهم ولم يصل عليهم [غير حمزة](4).

3 -

حديث أبي برزة في مقتل جليبيب وفيه قال: «فوضعه على ساعديه ليس له سرير إلا ساعدي النبي صلى الله عليه وسلم قال: فحر له ووضع في قبره ولم يذكر غسلاً» (5).

القول الثاني: أنه تجب الصلاة على الشهيد وهو مذهب أبي حنيفة والثوري وابن المسيب والحسن وإليه ذهب العترة (6) واستدلوا بجملة أدلة، منها:

حديث شداد بن الهاد أن رجلاً من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه وفي الحديث: «فلبثوا قليلاً ثم نهضوا في قتال العدو فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم يُحمل قد أصابه سهم حيث أشار فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أهو هو؟» قالوا: نعم. قال: «صدق الله فصدقه» ثم كفنه النبي صلى الله عليه وسلم في جبة النبي صلى الله عليه وسلم ثم قدمه فصلى عليه

(1)«مجموع الفتاوى» (24/ 289).

(2)

«نيل الأوطار» (4/ 54)، الأفنان الندية (2/ 295).

(3)

صحيح: أخرجه البخاري (1343).

(4)

حسنه الألباني: أخرجه أبو داود (3137) والزيادة له، والحاكم (1/ 520)، والبيهقي (4/ 10 - 11) وانظر «أحكام الجنائز» للألباني (73).

(5)

صحيح: أخرجه مسلم (2472)، والطيالسي (942)، وأحمد (4/ 421، 422، 425)، والبيهقي (4/ 21).

(6)

«نيل الأوطار» (4/ 54)، و «الأفنان الندية» (2/ 295).

ص: 647

فكان فيما ظهر من

صلاته اللهم هذا عبدك خرج مهاجرًا في سبيلك فقتل شهيدًا أنا شهيد على ذلك (1).

حديث عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أُحد بعد ثماني سنين صلاته على الميت كالمودع للأحياء والأموات (2).

ولهم جملة أدلة أخرى لا تصفو أسانيدها من انتقاد.

القول الثالث: وهو الأظهر والذي تميل إليه النفس وهو: أنه يجوز الفعل والترك فإن صلى على قتيل المعركة فحسن، وإن لم يصل عليه فحسن وهذا رأس ابن حزم (3) وهو إحدى الروايات عن أحمد واستصوبه ابن القيم (4).

وفيه العمل بجميع النصوص الثابتة.

فائدة: وأما شهيد غير المعركة فإنه يغسل ويصلى عليه كسائر الموتى. والله تعالى أعلم.

الصلاة على الغائب:

للعلماء في ذلك ثلاثة أقوال:

الأول: أنه تجوز الصلاة على الغائب وهو مذهب الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه (5) وعمدتهم في هذا الباب أن النبي صلى الله عليه وسلم «نعى للناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه فخرج بهم إلى المصلى، وكبر أربع تكبيرات» (6).

الثاني: أنه لا يجوز الصلاة على الغائب؛ وأن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي خاصة لا تعمم وهو مذهب مالك وأبي حنيفة (7).

الثالث: وفيه تفصيل أنه تجوز الصلاة على الغائب الذي مات في أرض لم يُصلِّ عليه فيها أحد، وإن صلى عليه حيث مات لم يُصلَّ عليه صلاة الغائب لأن

(1) صحيح: أخرجه النسائي (4/ 60)، وعبد الرزاق في «المصنف» (9597)، والحاكم في «المستدرك» (3/ 595 - 596)، والبيهقي (4/ 15 - 16).

(2)

صحيح: أخرجه البخاري (4042)، ومسلم (2296).

(3)

«المحلى» لابن حزم (5/ 115).

(4)

انظر «الأفنان الندية» (2/ 294).

(5)

«زاد المعاد» لابن القيم (1/ 197).

(6)

صحيح: أخرجه مسلم (951)، من حديث أبي هريرة مرفوعًا.

(7)

«المحلى» لابن حزم (5/ 139).

ص: 648

الفرض قد سقط بصلاة المسلمين عليه. وهو

مسلك شيخ الإسلام ابن تيمية (1) رحمه الله، واختاره العلامة ابن عثيمين رحمه الله وحجتهم: أنه لم يحفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على غائب إلا على النجاشي لأنه مات بين أمة مشركة ليسوا أهل صلاة، ولو كان منهم من آمن فلا يعرف عن كيفية الصلاة شيئًا (2).

لا يجوز الصلاة على الكافر:

لا يجوز الصلاة على الكافر لقول الله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلَا تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} (3).

وقال: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113) وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلَاّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} (4).

الصلاة على أطفال المشركين:

لا يجوز الصلاة على أطفال المشركين، لأن لهم حكم آبائهم إلا من حكمنا بإسلامه، مثل: أن يسلم أحد أبويه، أو يموت أو يسبى منفردًا من أبويه -فإنه يصلى عليه (5).

الحكم لو وجد ميت فلم يعلم أمسلم هو أم كافر:

الظاهر من أقوال أهل العلم في المسألة أن ينظر إلى العلامات من الختان والثياب والخضاب وغيرها من علامات المسلمين، فإن وجدت غسل وصلى عليه، وإن لم توجد علامات وكان في دار الإسلام غسل وصُلى عليه، وإن كان في دار الكفر لم يغسل، ولم يصل عليه. وقد نص عليه أحمد (6).

لو اختلط موتى المسلمين بموتى الكفار:

اختلف العلماء في ذلك على قولين:

(1)«زاد المعاد» لابن القيم (1/ 197).

(2)

«الشرح الممتع» لابن عثيمين (5/ 439).

(3)

سورة التوبة، الآية:84.

(4)

سورة التوبة، الآية:113.

(5)

«المغنى» لابن قدامة (3/ 507، 508).

(6)

«المغنى» لابن قدامة (3/ 478)، وانظر «المبسوط» للسرخسي (1/ 54)، و «المجموع» للنووي (5/ 213).

ص: 649