الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- بعدها: يتأكد صلاة ركعتين بعد صلاة العشاء، كما تقدم في أحاديث ابن عمر وعائشة وأم حبيبة.
ملخص ما سبق في السنن الراتبة:
الصلاة
…
عدد ركعات الفريضة
…
الراتبة المؤكدة (قبلية)
…
الراتبة المؤكدة (بعدية)
…
الراتبة غير المؤكدة
الفجر .... 2 ..................... 2 ..................... - ...................... -
الظهر .... 4 .................... - (2) أو (4) ......... 2 ...................... 2 بعد
العصر
…
4 .................... - ...................... - ..................... 2 قبل
المغرب
…
3 ................... - ...................... 2 ..................... 2 قبل
العشاء
…
4 ................... - ....................... 2 ..................... 2 قبل
(ب) السنن غير الرواتب: وهي الصلوات التي لا تكون تابعة أو مرتبطة بالصلوات المفروضة وهي:
صلاة الوتر
تعريفها: الوتر (بفتح الواو وكسرها) لغة: العدد الفردي كالواحد والثلاثة والخمسة، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم:«إن الله وتر يحب الوتر» (1) وكقوله: «من استجمر فليوتر» (2) والوتر اصطلاحًا: صلاة الوتر، وهي صلاة تفعل ما بين صلاة العشاء وطلوع الفجر، تختم بها صلاة لليل، وسميت بذلك لأنها تصلى وترًا ركعة واحدة أو ثلاثًا أو أكثر ولا تكون شفعًا.
وصلاة الوتر اختلف فيها، فقيل: هي جزء من صلاة القيام والتهجد، وقيل: هي غير التهجد (3).
حُكْم الوتر: لأهل العلم في حكم الوتر قولان:
(1) صحيح: أخرجه البخاري (6410)، ومسلم (2677) من حديث أبي هريرة.
(2)
صحيح: تقدم في «الطهارة» .
(3)
«المجموع» للنووي (4/ 480).
الأول: أنه واجب: وهو مذهب أبي حنيفة (1)، وهو من مفرداته، حتى قال ابن المنذر: ولا أعلم أحدًا وافق أبا حنيفة في هذا. اهـ. وحجة هذا القول:
1 -
حديث أبي هريرة مرفوعًا: «من لم يوتر فليس منا» (2).
2 -
حديث أبي أيوب مرفوعًا: «الوتر حق، فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل، ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل» (3).
3 -
حديث أبي بصرة مرفوعًا: «إن الله زادكم صلاة، وهي صلاة الوتر، فصلوها فيما بين العشاء إلى الفجر» (4).
4 -
حديث ابن عمر مرفوعًا: «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا» (5).
5 -
حديث أبي سعيد مرفوعًا: «أوتروا قبل أن تصبحوا» (6).
6 -
حديث عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل فإذا أوتر قال: «قومي فأوتري يا عائشة» (7).
القول الثاني: أنه سنة مؤكدة: وهو مذهب جماهير أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وصاحبي أبي حنيفة.
وأجابوا عن أدلة أبي حنيفة -مما تقدم وما في معناه- بأن أكثرها ضعيف لا يثبت، وما صح منها وكان مفيدًا ظاهره للإيجاب، فهو مصروف إلى الندب بما يأتي:
1 -
حديث طلحة بن عبيد الله في الرجل الذي جاء يسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال
(1)«الهداية مع فتح القدير» (1/ 300)، و «المجموع» (3/ 514)، و «نيل الأوطار» (3/ 38).
(2)
ضعيف: أخرجه أحمد (2/ 443) ونحوه من حديث بريدة وهو ضعيف كذلك، وانظر «الإرواء» (417).
(3)
صحيح موقوفًا: أخرجه أبو داود (1422)، والنسائي (8/ 238)، وأحمد (5/ 418) وصحح الأئمة وقفه.
(4)
صححه الألباني: أخرجه أحمد (6/ 397)، والطحاوي (1/ 250)، وانظر طرقه في «الإرواء» (423).
(5)
صحيح: أخرجه البخاري (998)، ومسلم (751).
(6)
صحيح: أخرجه مسلم (754)، والترمذي (468)، والنسائي (1/ 247)، وابن ماجه (1189).
(7)
صحيح: أخرجه مسلم (512)، والبخاري بنحوه (512).
صلى الله عليه وسلم: «خمس صلوات في اليوم والليلة» فقال: هل عليَّ غيرها؟ فقال: «لا، إلا أن تطوع»
…
فقال الرجل: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص، فقال صلى الله عليه وسلم:«أفلح إن صدق» (1) ففي هذا الحديث وحده أربعة أدلة على أن الوتر ليس بواجب، فتأمله.
2 -
حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذًا إلى اليمن قال: «إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله، فإذا عرفوا الله، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا فعلوه
…
» الحديث (2).
وهو من أقوى ما يستدل به لأن بعث معاذ لليمن كان قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بيسير، ولو كان الوتر واجبًا أو شيئًا زاده الله للناس على صلواتهم، لأمره صلى الله عليه وسلم أن يخبرهم بأن الله قد فرض عليهم ست صلوات لا خمسًا.
3 -
حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، كفارات لما بينهن ما لم تُغْشَ الكبائر» (3) فلم يذكر الوتر في الصلوات المذكورة وهي واجبة.
4 -
حديث ابن عمر «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر على البعير» (4) ولو كان الوتر واجبًا لما جاز فعله على الراحلة كما تقدم.
5 -
حديث ابن محيريز عن المُخَدَّجي قال: سأل رجل أبا محمد -رجلاً من الأنصار- عن الوتر، فقال: الوتر واجب كوجوب الصلاة، فأتى عبادة بن الصامت، فذكر ذلك له، فقال: كذب أبو محمد، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خمس صلوات افترضهن الله على عباده
…
» (5). الحديث. والراجح ضعفه.
6 -
حديث جابر قال: صلَّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان ثماني ركعات، وأوتر، فلما كانت الليلة القابلة اجتمعنا في المسجد، ورجونا أن يخرج
(1) صحيح: تقدم مرارًا.
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (1395)، ومسلم (19).
(3)
صحيح: أخرجه مسلم (233)، والترمذي (214)، وابن ماجه (1086).
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (999)، ومسلم (700) وغيرهما.
(5)
ضعيف على الراجح: تقدم تخريجه في «حكم تارك الصلاة» وانظر تخريجه مفصلاً في «تعظيم قدر الصلاة» بتخريجي.
فيصلى بنا، فأقمنا فيه حتى أصبحنا فقلنا: يا رسول الله رجونا أن تخرج فتصلي بنا، فقال:«إني كرهت -أو خشيت- أن يُكتب عليكم الوتر» (1) وهو ضعيف كذلك.
فائدة: اختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الوتر واجب على من له ورد من قيام الليل (2). قلت: لعل مستنده قوله صلى الله عليه وسلم: «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا» وقد تقدم قريبًا.
وقت الوتر: أجمع أهل العلم على أن ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر وقت للوتر، ثم اختلفوا في جوازه بعد الفجر على خمسة أقوال، أشهرها قولان (3):
الأول: لا يجوز بعد طلوع الفجر: وهو مذهب أبي يوسف ومحمد بن الحسن صاحبي أبي حنيفة، وسفيان الثوري وإسحاق وعطاء والنخعي وسعيد بن جبير، وهو مروي عن ابن عمر، وحجتهم:
1 -
حديث خارجة بن حذافة -المتقدم قريبًا- وفيه: «فصلوها ما بين العشاء إلى طلوع الفجر» (4).
2 -
حديث أبي سعيد مرفوعًا: «أوتروا قبل أن تصبحوا» (5) وفي لفظ له: «من أدرك الصبح ولم يوتر فلا وتر له» (6).
3 -
حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بادروا الصبح بالوتر» (7).
4 -
حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى» (8).
(1) ضعيف: أخرجه ابن خزيمة (1070)، وأبو يعلى (1802)، وابن حبان (2409).
(2)
«الاختيارات» (ص/ 64).
(3)
«الأوسط» ، و «التمهيد» (2/ 349 - فتح المالك)، و «بداية المجتهد» (1/ 294)، و «المجموع» (3/ 518).
(4)
صححه الألباني: وقد تقدم وانظر «الإرواء» (423).
(5)
صحيح: تقدم قريبًا.
(6)
إسناده صحيح: أخرجه ابن خزيمة (1092)، وابن حبان (2409)، والحاكم (1/ 301)، والبيهقي (2/ 478).
(7)
صحيح: أخرجه مسلم (750)، وأبو داود (1436)، والترمذي (467)، وأحمد (2/ 37).
(8)
صحيح: تقدم قريبًا.
5 -
عن ابن عمر قال: إذا كان الفجر فقد ذهبت صلاة الليل والوتر، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«أوتروا قبل الفجر» (1).
الثاني: يجوز بعد طلوع الفجر ما لم يُصِّل الصبح: وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد وأبي ثور، واستدلوا بآثار وردت عن الصحابة أنهم كانوا يوترون بعد الفجر، منهم ابن مسعود وابن عباس وعبادة بن الصامت وأبو الدرداء وحذيفة وعائشة، ولم يُرو عن غيرهم من الصحابة خلافه.
الراجح: الذي يظهر أن الأول أرجح لقوة أدلته، وأما الآثار عن الصحابة فالظاهر -كما يقول ابن رشد- أنها ليست مخالفة للآثار المتقدمة، بل إجازتهم لذلك هو من باب القضاء، لا من باب الأداء، وإنما يكون قولهم خلاف الآثار لو جعلوا صلاته بعد الفجر من باب الأداء فتأمل، ثم إنه ينبغي أن تُتَأمَّل صفة النفل في ذلك عنهم!!
وقته المستحب: تقدم أنه يجوز الوتر من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، والأفضل أن يكون في الثلث الأخير من الليل.
فعن عائشة قالت: «من كلِّ الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أول الليل وأوسطه وآخره، فانتهى وتره إلى السحر» (2).
ويستحب -بالاتفاق- أن يجعل الوتر آخر النوافل التي يصليها بالليل، لحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا» (3).
وهذا إذا وثق باستيقاظه آخر الليل فيستحب له تأخير الوتر لآخر الليل، فإن خشي ألا يستيقظ للوتر آخر الليل فيستحب أن يوتر قبل النوم:
لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من خاف منكم ألا يستيقظ من آخر الليل، فليوتر من أوله وليرقد، ومن طمع منكم أن يستيقظ من آخر الليل فليوتر من آخره، فإن صلاة آخر الليل محضورة، فذلك أفضل» (4).
وعن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر: «متى توتر؟» قال: أوتر ثم أنام،
(1) صحيح: أخرجه الترمذي (469)، وابن خزيمة (2/ 148)، والحاكم (1/ 302)، والبيهقي (2/ 478).
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (996)، ومسلم (745).
(3)
صحيح: تقدم قريبًا.
(4)
صحيح: أخرجه مسلم (755)، والترمذي (455)، وابن ماجه (1187).
فقال لعمر: «متى توتر؟» قال: أنام ثم أوتر، قال: فقال لأبي بكر: «أخذت بالحزم أو الوثيقة» وقال لعمر: «أخذت بالقوة» (1).
هل يجوز التنفُل بعد الوتر؟ وهل يكرر الوتر؟
من صلى الوتر، ثم بدا له بعد ذلك أن يصلي نفلاً، فللعلماء فيه قولان (2):
الأول: أنه يجوز، وله أن يصلي ما شاء لكن لا يعيد الوتر: وهو مذهب أكثر العلماء من الحنفية والمالكية والحنابلة والمشهور عند الشافعية وبه قال النخعي والأوزاعي وعلقمة، وهو مروي عن أبي بكر وسعد وعمار وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم.
فأما جواز الصلاة بعد الوتر فيستدل له ما يأتي:
1 -
حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم: «كان يسلم تسليمًا يسمعنا، ثم يصلي ركعتين بعدما يسلِّم وهو قاعد» (3).
2 -
حديث أم سلمة أنه صلى الله عليه وسلم: «كان يركع ركعتين بعد الوتر وهو جالس» (4).
3 -
حديث جابر -المتقدم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من خاف منكم ألا يستيقظ من آخر الليل فليوتر من أوله وليرقد
…
الحديث» (5) ويُفهم منه أنه إذا استيقظ -وقد أوتر قبل النوم- فله أن يصلي كما هو واضح.
وأما منع تكرير الوتر، فلحديث طلق بن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا وتران في ليلة» (6).
الثاني: لا يجوز التنفل بعد الوتر إلا أن ينقض وتره ويصلي ثم يوتر: ومعنى نقض الوتر، أن يبدأ نفله بركعة يشفع بها وتره، ثم يصلي شفعًا ما شاء ثم يوتر، وهذا هو القول الآخر عند الشافعية وهو مروي عن عثمان وعلي وأسامة وابن عمر وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم، وحجتهم:
(1) صحيح: أخرجه أبو داود (1421)، وابن ماجه (1202)، وابن خزيمة (1084).
(2)
«فتح القدير» (1/ 312)، و «الزرقاني» (1/ 285)، «المجموع» (3/ 521)، و «كشاف القناع» (1/ 427)، و «بداية المجتهد» (1/ 297).
(3)
صحيح: أخرجه مسلم (746).
(4)
إسناده لين: الترمذي (471)، وابن ماجه (1195) وله شاهد في الصحيح.
(5)
صحيح: تقدم قريبًا.
(6)
حسن: أخرجه الترمذي (468)، وأبو داود (1439)، والنسائي (3/ 229) وغيرهم.
قوله صلى الله عليه وسلم: «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا» (1).
والراجح: القول الأول لثبوت فعل النافلة بعد الوتر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فدلَّ على الجواز، ولأن نقض الوتر -على الوجه الذي تقدم- ضعيف من وجهين:
1 -
أن الوتر الأول مضى على صحته، فلا يتوجه بإبطاله بعد فراغه، ولا ينقلب إلى النفل بتشفيعه.
2 -
أن النفل بواحدة غير معروف في الشرع. والله تعالى أعلم.
عدد ركعات الوتر وصفته:
يجوز الوتر بركعة واحدة، أو ثلاث، أو خمس، أو سبع، أو تسع.
1 -
الوتر بركعة واحدة: وهو جائز عند الجمهور لأنه يحصل بالركعة الوتر، ولقوله صلى الله عليه وسلم:«صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح، صلَّى واحدة فأوترت له ما قد صلى» (2).
ولحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الوتر ركعة من آخر الليل» (3).
وعن عائشة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، يوتر منها بواحدة» (4).
وأما أبو حنيفة فقال: لا يكون الوتر إلا ثلاثًا، لحديث:«المغرب وتر النهار» (5).
فلما شبِّهت المغرب بوتر صلاة الليل -وكانت ثلاثًا- وجب أن يكون وتر صلاة الليل ثلاثًا!!
قلت: لا يمنع كون صلاة المغرب -وهو ثلاث- وترًا، أن يكون غيرها أيضًا وترًا، ثم إذا كان المغرب وتر النهار، فقد دلَّت الأدلة المتقدمة على أن الركعة الواحدة وتر الليل، وهو واضح.
(1) صحيح: تقدم قريبًا.
(2)
صحيح: تقدم قريبًا.
(3)
صحيح: أخرجه مسلم (752) وغيره.
(4)
صحيح: أخرجه مسلم (736)، وأبو داود (1335)، والترمذي (440)، والنسائي (3/ 234)، وأحمد (6/ 35).
(5)
صحيح: أخرجه أحمد (2/ 30، 41)، وابن أبي شيبة (2/ 81)، وعبد الرزاق (4675) من حديث ابن عمر مرفوعًا، وأخرجه مالك (276) موقوفًا عنه ولا يضر وقفه فمالك يوقف المرفوعات وللحديث شواهد عن عائشة وابن مسعود.
2 -
الوتر بثلاث ركعات: وهو جائز على صفتين، كلتاهما مشروعة وهما:
الأولى: أن يصلي ركعتين ويسلم، ثم يصلي الثالثة وحدها:
فعن ابن عمر «أنه كان يسلِّم بين الركعتين والوتر حتى يأمر ببعض حاجته» (1).
وقد ورد مرفوعًا عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفصل الشفع والوتر بتسليم يُسمعناه» (2). ويشهد له حديث عائشة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين اللتين يوتر بعدهما و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} ، و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، ويقرأ في الوتر بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس} (3).
وقد بوب عليه في «صحيح ابن حبان» : (ذكر الخبر الدال على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفصل بالتسليم بين الركعتين والثالثة).
الثانية: أن يصلي الثلاث بتشهد واحد:
فعن عائشة قالت: «ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ولا في غيره يزيد على إحدى عشرة ركعة: يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثًا
…
» (4).
وعنها: «كان صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث لا يقعد إلا في آخرهن» (5).
تنبيه: لا يُشرع أن يصلي ثلاثًا بتشهدين وتسليم كصلاة المغرب، لحديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لا توتروا بثلاث، أو توتروا بخمس أو بسبع، ولا تشبَّهوا بصلاة المغرب» (6).
(1) صحيح: أخرجه البخاري (991)، عن مالك (1/ 125).
(2)
صحيح بطرقه: أخرجه أحمد (2/ 76)، والطحاوي (1/ 278)، وابن حبان (2433 - 2435) وقواه الحافظ في «الفتح» (2/ 482).
(3)
ضعيف بهذا التمام: أخرجه الطحاوي (1/ 285)، والحاكم (1/ 305)، والدارقطني (2/ 35)، وابن حبان (3432) وقد صح بدون ذكر المعوذتين من حديث ابن عباس وأبي ابن كعب كما سيأتي انظر «التلخيص» (533).
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (1147)، ومسلم (738) وغيرهما.
(5)
أخرجه مالك (466)، والنسائي (3/ 234)، والطحاوي (1/ 280)، والحاكم (1/ 304)، والبيهقي (3/ 31).
(6)
صحيح: أخرجه الحاكم (1/ 304)، والبيهقي (3/ 31)، وابن حبان (2429)، والدارقطني (2/ 24)، قال الحافظ في «التلخيص» وإسناده كلهم ثقات، ولا يضر وقف من أوقفه. اهـ.
ما يقرأ في الثلاث: إذا أوتر بثلاث فيستحب أن يقرأ بما يأتي في الحديثين:
عن ابن عباس قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الوتر بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}، و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} في كل ركعة ركعة» (1) يعني: في كل ركعة سورة منها.
وعن أُبي بن كعب قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الوتر بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} ، و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}
فإذا سلَّم قال: سبحان الملك القدوس، سبحان الملك القدُّوس ثلاث مرات» (2)، وبهذين الحديثين قال الحنابلة، واستحب المالكية والشافعية أن يزيد في الثالثة المعوذتين لحديث عائشة الذي تقدم، ولا يثبت، والله أعلم.
3 -
الوتر بخمس ركعات: وهو جائز، ويستحب إن أوتر بخمس ألا يجلس للتشهد إلا في الخامسة: فعن عائشة قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس إلا في آخرها» (3).
4 -
الوتر بسبع أو تسع ركعات: وهو جائز، ويستحب إن أوتر بذلك أن يسرد الركعات ولا يجلس للتشهد إلا في الركعة قبل الأخيرة -ولا يسلم- ويقوم إلى الأخيرة ويتشهد ويسلِّم:
فعن عائشة -في صفة وتر النبي صلى الله عليه وسلم قالت: «كنا نعد له صلى الله عليه وسلم سواكه، فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه من الليل، فيتسوك ويتوضأ، ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة، فيذكر الله ويحمد ويدعوه، ثم ينهض ولا يسلِّم، ثم يقوم التاسعة، ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثم يسلَّم تسليمًا يسمعناه، ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد، فتلك إحدى عشرة ركعة يا بُنَيَّ، فلما أسنَّ نبي الله صلى الله عليه وسلم وأخذ اللحم أوتر بسبع، وصنع في الركعتين مثل صنيعة الأول، فتلك تسع يا بني» (4).
(1) صحيح: أخرجه الترمذي (461)، والنسائي (3/ 236).
(2)
صحيح: أخرجه أبو داود (1423)، والنسائي (3/ 244)، وابن ماجه (1171) وقد اختلف فيه بما لا يضر، إن شاء الله.
(3)
صحيح: أخرجه مسلم (737)، وأبو داود (1324)، والترمذي (457).
(4)
صحيح: أخرجه مسلم (746)، وأبو داود (1328)، والنسائي (3/ 199).
هل يشترط أن يُسبَق الوتر بصلاة (شفع)؟
بمعنى هل للمصلي أن يقتصر على ركعة واحدة لا يسبقها صلاة، وكذلك في الثلاث وغيرها؟ فذهب المالكية -وهو قول عند الشافعية- إلى أن الوتر بركعة واحدة لا يكون إلا بعد شفع يسبقها (1)، قالوا: والأصل في ذلك حديث: «صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى» . وذهب الشافعية والحنابلة إلى جواز الإيتار بواحدة، قالوا: لكن الاقتصار عليها خلاف الأولى، وأدنى الكمال ثلاث ركعات (2).
قلت: ولعله يُستدل للجواز بما يأتي (3):
1 -
حديث عائشة: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا راقدة معترضة على فراشه، فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوترت» (4) وظاهره أنها كانت تُوتر دون أن تقدِّم على وترها شفعًا.
2 -
حديث عائشة المتقدم قريبًا في صلاته صلى الله عليه وسلم الوتر تسعًا وسبعًا ثم صلاته ركعتين وهو جالس
…
الحديث، وفيه أن الوتر متقدم على الشفع، ففيه حجة على أنه ليس من شرط الوتر أن يتقدمه شفع، والله أعلم.
القنوت في الوتر:
القنوت يطلق على معانٍ منها: القيام والسكوت ودوام العبادة والدعاء والتسبيح والخشوع. وفي الاصطلاح: هو اسم للدعاء في الصلاة في محل مخصوص من القيام (5).
والقنوت في صلاة الوتر مشروع في الجملة عند الجمهور -خلافًا لمالك (6) - واختلفوا في أنه واجب أو مستحب (7)، وفي أنه يكون في جميع السنة أو
(1)«المنتقى» للباجي (1/ 223) والمراجع الآتية بعده.
(2)
«حاشية القليوبي» (1/ 212)، و «كشاف القناع» (1/ 416)، و «المغنى» (2/ 150).
(3)
«بداية المجتهد» لابن رشد (1/ 293) ط. الكتب العلمية.
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (512)، ومسلم (512).
(5)
«الفتوحات الربانية على الأذكار النووية» (2/ 286)، و «بصائر ذوي التمييز» (4/ 298).
(6)
المشهور عنه القول بكراهة القنوت في الوتر، وفي رواية عنه: يقنت في النصف الأخير من رمضان «الكافي» لابن عبد البر (ص: 74)، و «القوانين» (ص: 66)، و «المغنى» (2/ 580)، و «المجموع» (4/ 24).
(7)
قال أبو حنيفة بوجوبه خلافًا للصاحبين والجمهور. «البدائع» (1/ 273)، و «البحر الرائق» (2/ 43).
في رمضان فقط (1)، وفي أنه هل يكون قبل الركوع أو بعده (2)، وفيما يُسَنُّ أن يدعو به (3)، والصحيح ما يأتي:
1 -
يستحب القنوت -أحيانًا- في أي وقت من السنة:
والأصل في هذا حديث الحسن بن عليٍّ رضي الله عنهما قال: علَّمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر: «اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولَّني فيمن تولَّيت وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يُقضى عليك، وإنه لا يذلُّ من واليت، تباركت ربنا وتعاليت» (4).
وعن أُبيِّ بن كعب: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر فيقنت قبل الركوع» (5).
وإنما قلنا: يستحب القنوت في الوتر «أحيانًا» : لأن الصحابة الذين رووا الوتر لم يذكروا القنوت فيه، فلو كان صلى الله عليه وسلم يفعله دائمًا، لنقلوه جميعًا عنه، نعم رواه عنه أُبي بن كعب وحده، فدلَّ على أنه كان يفعله أحيانًا، وعلى أنه غير واجب، وهو قول الجمهور خلافًا لأبي حنيفة (6).
2 -
القنوت في الوتر قبل الركوع وبعد القراءة أَوْلى:
لحديث أُبيِّ بن كعب المتقدم: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر فيقنت قبل الركوع» .
وعن عاصم قال: سألت أنس بن مالك عن القنوت، فقال:«قد كان القنوت» .
فقلت: قبل الركوع، فقال: «كذب، إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الركوع شهرًا، أُراه كان بعث قومًا لهم القرَّاء زُهاء سبعين رجلاً إلى قوم من المشركين دون
(1) عند الحنفية: في جميع السنة، وعند الشافعية: في النصف الأخير من رمضان خاصة، وعندهم وجه: في جميع رمضان، وعند الحنابلة: في جميع السنة «البدائع» (1/ 273)، و «المجموع» (4/ 15)، و «المغنى» (2/ 58)، و «المحلى» (4/ 145).
(2)
عند الحنفية: قبل الركوع، وعند الشافعية والحنابلة: بعد الرفع من الركوع [المراجع المتقدمة].
(3)
عند الحنفية الشافعية: الدعاء بـ (اللهم اهدنا فيمن هديت
…
)، وعند الحنابلة: (اللهم إنا نستعينك ونستهديك
…
).
(4)
صحيح: أخرجه أبو داود (1425)، والترمذي (464)، والنسائي (3/ 248)، وابن ماجه (1178)، وانظر «الإرواء» (429).
(5)
صححه الألباني: أخرجه أبو داود (1414)، والنسائي (1/ 248)، وابن ماجه (1182)، وانظر «الإرواء» (426).
(6)
أفاد نحوه العلامة الألباني رحمه الله في «صفة الصلاة» (ص: 179).
أولئك، وكان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدٌ، فقنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا يدعو عليهم» (1).
قال الحافظ في «الفتح» (2/ 569): «ومجموع ما جاء عن أنس من ذلك أن القنوت لحاجة [يعني: للنازلة] بعد الركوع لا خلاف عنه في ذلك، وأما لغير الحاجة، فالصحيح عنه أنه قبل الركوع، وقد اختلف عمل الصحابة في ذلك، والظاهر أنه من الاختلاف المباح» اهـ.
وعن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه قال: «كان عبد الله -يعني: ابن مسعود- لا يقنت في شيء من الصلوات، إلا في الوتر قبل الركعة» (2).
3 -
ما يُسنُّ الدعاء به في القنوت:
يُسَنَّ الدعاء -في قنوت الوتر- بما علَّمه النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي: «اللهم اهدني فيمن هديت ..» إلخ وقد تقدم.
وتجوز الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت لثبوتها عن الصحابة: فقد ثبت ذلك في حديث إمامة أُبيِّ بن كعب الناس في قيام رمضان، وكذا في إمامة أبي حليمة معاذ الأنصاري، أحد الذين أقامهم عمر يصلي التراويح (3).
4 -
ليس من السنة التطويل في دعاء القنوت: فإن ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من تعليمه الحسن دعاء القنوت في الوتر يسير لا طول فيه.
5 -
هل يجوز التغنِّي بدعاء القنوت؟
لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه - فيما علمتُ- التغني بالدعاء، لا في القنوت ولا في غيره، فأخشى أن يكون ما استحسنه أكثر الأئمة في هذه الأيام محدثًا!!
وقد قال ابن الهمام: «
…
لا أرى تحرير النَّغم في الدعاء -كما يفعله القراء في هذا الزمان- يَصْدُر ممن فهم معنى الدعاء والسؤال، وما ذلك إلا نوع لعب، فإنه لو قُدِّر في الشاهد [أي: الواقع] سائلُ حاجة من مَلِكٍ، أدَّى سؤاله وطلبه
(1) صحيح: أخرجه البخاري (1002)، ومسلم (677).
(2)
إسناده صحيح: أخرجه الطبراني في «الكبير» (9/ 238)، وانظر «الإرواء» (2/ 166).
(3)
«صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم» (ص/ 180).
بتحرير النغم فيه، من الرفع والخفض والتقريب والرجوع كالتغني، نُسب البتة إلى قصد السخرية واللعب، إذ مقام طلب الحاجة التضرع لا التغنِّي» (1) اهـ.
6 -
يستحب رفع اليدين في القنوت:
فعن أنس -في قصة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على قتلة القراء-: «لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما صلى الغداة رفع يديه يدعو عليهم» (2).
وعن أبي رافع قال: «صليت خلف عمر بن الخطاب، فقنت بعد الركوع، ورفع يديه وجهر بالدعاء» (3).
و «كان أبو هريرة يرفع يديه في قنوته في شهر رمضان» (4).
7 -
لا يُشرع مسح الوجه أو الصدر باليدين بعد القنوت: لعدم الدليل على ذلك، قال البيهقي في «سننه» (2/ 212):«فأما مسح اليدين بالوجه عند الفراغ من الدعاء فلست أحفظه عن أحد من السلف في دعاء القنوت» اهـ.
قلت: ولا يصح حديث في مسح الوجه بعد الدعاء خارج الصلاة كذلك، قال شيخ الإسلام (22/ 519): «
…
وأما مسحه وجهه بيديه فليس عنه صلى الله عليه وسلم فيه إلا حديث أو حديثان لا يقوم بهما حجة، والله أعلم» اهـ.
التسبيح والدعاء بعد الوتر: يُستحب بعد التسليم من الوتر التسبيح لما في حديث أبي بن كعب قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الوتر بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}، و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، فإذا سلَّم قال: «سبحان الملك القدوس» ثلاث مرات» (5).
وعن عليٍّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره: «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك» (6).
(1)«فتح القدير» (1/ 370، 371).
(2)
صحيح: أخرجه أحمد (3/ 137)، والبيهقي (2/ 211).
(3)
صحيح: أخرجه البيهقي (2/ 212)، ونحوه في «معرفة السنن» (2/ 83) من طريق أبي عثمان عن عمر.
(4)
أخرجه ابن نصر في «قيام الليل» (ص/ 138).
(5)
صحيح: تقدم قريبًا.
(6)
صحيح: أخرجه أبو داود (1427)، والترمذي (3566)، والنسائي (1/ 252)، وابن ماجه (1179).
قضاء الوتر:
إذا نام المرء عن الوتر أو نسيه، فإنه يصليه إذا قام أو ذكره في أي وقت كان: لحديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نام عن الوتر أو نسيه، فليصلِّ إذا أصبح أو ذكره» (1).
ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها» (2) وهذا عموم يدخل فيه كل صلاة فرض أو نافلة، وهو في الفرض أمر فرض، وفي النفل أمر ندب.
وكذلك إذا فاته الوتر لعلةٍ كمرض ونحوه.
قلت: ومن تعمد ترك الوتر -بغير عذر- حتى دخل وقت الفجر، فلا يشرع له قضاؤه أبدًا على ما حققناه في «قضاء الصلاة» والله أعلم.
كم يقضي الوتر؟
عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نام من الليل أو مرض صلَّى بالنهار ثنتي عشرة ركعة
…
» (3).
وقد عُلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، فعلم أن قضاء الوتر بالنهار يكون شفعًا، فمن كانت عادته الإيتار بواحدة، قضى من النهار ركعتين، ومن كانت عادته الإيتار بثلاث قضاها أربعًا وهكذا.
ويستحب المبادرة بقضائه قبل الظهر: ليكتب له أجر صلاته بالليل، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نام عن حزبه أو عن شيء منه، فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر، كُتب له كأنما قرأه من الليل» (4) والظاهر أنه تحريض على المبادرة، ويحتمل أن فضل الأداء مع المضاعفة مشروط بخصوص الوقت (5).
(1) صحيح: أخرجه الترمذي (465)، وأبو داود (1431)، وابن ماجه (1188)، وأحمد (3/ 44)، وانظر «الإرواء» (2/ 153).
(2)
صحيح: تقدم مرارًا.
(3)
صحيح: أخرجه مسلم (746) وغيره.
(4)
صحيح: أخرجه مسلم (747)، والترمذي (578)، وأبو داود (1299)، والنسائي (3/ 259)، وابن ماجه (1343).
(5)
«حاشية السيوطي على النسائي» (3/ 259).
الركعات بعد الوتر:
عن عائشة رضي الله عنها في صفة صلاة النبي بالليل، قالت:«كان يصلي ثلاث عشرة ركعة: يصلي ثماني ركعات، ويوتر بركعة، وإذا سلَّم كبَّر فصلَّى ركعتين جالسًا، ويصلي ركعتين بين أذان الفجر والإقامة» (1).
وهاتان الركعتان بعد الوتر، للعلماء فيهما ثلاثة مسالك:
1 -
أن النبي صلى الله عليه وسلم فعلهما لبيان الجواز، ولم يواظب على ذلك بل فعله مرة أو مرات قليلة، وأن قولها «كان يصلي» لا يلزم منه الدوام والتكرار إلا أن يدلَّ دليل على ذلك (2).
2 -
أن هاتين الركعتين تجريان مجرى السنة وتكميل الوتر، فإن الوتر عبادة مستقلة -ولا سيما إن قيل بوجوبه- فتكونان كالركعتين بعد المغرب، فإنها وتر النهار، والركعتان بعدها تكميل لها، فكذلك الركعتان بعد وتر الليل (3).
3 -
إنهما خاصتان بالنبي صلى الله عليه وسلم، فلا يكون الحديث مخصصًا للأمر بجعل آخر الصلاة من الليل وترًا!! (4).
قلت: القولان الأوَّلان لكل منهما وجه قوي، وأما الثالث ففيه نظر، فإن الخصوصية لا تثبت إلا بدليل، والأصل في أفعاله صلى الله عليه وسلم مشروعية التأسي به فيها، فإن قيل: فعله صلى الله عليه وسلم لا يخصص أمره بأن يُجعل آخر صلاة الليل وترًا؟ قلنا: نعم، لكن الأمر مصروف إلى الندب بما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: «من خاف منكم ألا يستيقظ من آخر الليل فليوتر من أوله ليرقد
…
» (5) وبإقراره صلى الله عليه وسلم أبا بكر على الإيتار قبل النوم (6)، ففيهما مشروعية التنفل لمن استيقظ من النوم وقد كان أوتر قبله، ثم وقفت على أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالركعتين بعد الوتر في حديث ثوبان مرفوعًا:«إن هذا السَّفر جهد وثقل، فإن أوتر أحدكم فليركع ركعتين، فإن استيقظ وإلا كانتا له» (7) فالتقى الأمر بالفعل وثبتت المشروعية، ويكون الأمر بجعل الوتر آخر الليل على الاستحباب، والله تعالى أعلم.
(1) صحيح: أخرجه البخاري (1159)، ومسلم (738) وغيرهما.
(2)
«شرح مسلم» للنووي (6/ 21) ط. إحياء التراث العربي.
(3)
«زاد المعاد» لابن القيم (1/ 318، 319).
(4)
«نيل الأوطار» (3/ 48) ط. الحديث.
(5)
صحيح: تقدم قريبًا.
(6)
صحيح: تقدم قريبًا.
(7)
صححه الألباني: أخرجه الدارمي (1594)، وعنده «السهر» بدل «السفر» وابن خزيمة (1106)، والدارقطني (2/ 36)، وانظر «الصحيحة» (1993).
القراءة في الركعتين بعد الوتر:
عن أبي أمامة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين بعد الوتر وهو جالس يقرأ فيهما: {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا} و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} (1).
استحباب الاضطجاع بعدها:
يستحب بعد الركعتين اللتين بعد الوتر -أو بعد صلاة الليل- النوم حتى يؤذن بالفجر، ففي حديث ابن عباس -في قصة مبيته عند خالته ميمونة ووصفه لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل-: «
…
ثم قام يصلي، فقمت فصنعت مثل ما صنع، ثم ذهبت، فقمت إلى جنبه فوضع يده اليمنى على رأسي، وأخذ بأذني اليمنى يفلتها، فصلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين، ثم أوتر، ثم اضطجع حتى أتاه المؤذن، فقام فصلى ركعتين خفيفتين، ثم خرج فصلى الصبح» (2).
وفي رواية ابن خزيمة: «
…
فأوتر بتسع أو سبع، ثم صلى ركعتين، ووضع جنبه حتى سمعت ضفيزه، ثم أقيمت الصلاة فانطلق فصلى» وهاتان الركعتان يحتمل أن تكونا الركعتين اللتين كان صلى الله عليه وسلم يصليهما بعد الوتر، ويحتمل أن تكونا ركعتي الفجر (3).
قلت: ويؤيد الاحتمال الأول: حديث الأسود، قال: سألت عائشة رضي الله عنها: كيف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل؟ قالت: «كان ينام أوله، ويقوم آخره، فيصلي، ثم يرجع إلى فراشه، فإذا أذن المؤذن وثب، فإن كانت به حاجة اغتسل وإلا توضأ وخرج» (4).
ولا ينفي هذا مشروعية الاضطجاع بعد ركعتي سنة الفجر، بل الظاهر أنه كان تارة يضطجع بين صلاة الليل وصلاة الفجر، وأخرى بعد ركعتي سنة الفجر، وربما كان يضطجع في الموضعين والله أعلم.
(1) حسن: أخرجه أحمد (5/ 260)، والطحاوي (1/ 280 - 341)، والطبراني في «الكبير» (8/ 277)، والبيهقي (3/ 33) وله شاهد من حديث أنس.
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (1146)، ومسلم (739).
(3)
صحيح: أخرجه ابن خزيمة (2/ 157 - 158).
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (1146)، ومسلم (739).