الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
وإن ضاق المسجد وامتلأت الرحاب واتصلت الصفوف، فتجوز الصلاة في الدور والبيوت المتصلة بالصفوف وعلى ظهر المسجد، ولو حال بينه وبين الإمام حائط أو نحوه لم يضره، وقد تقدم تحريره في «صلاة الجماعة» .
السُّنة بعد الجمعة:
يستحب -بعد صلاة الجمعة- أن يصلي ركعتين أو أربعًا، وهي في البيت أفضل:
فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كن منكم مصليًا بعد الجمعة، فليصلِّ بعدها أربعًا [فإن عجل بك شيء فصلِّ ركعتين في المسجد، وركعتين إذا رجعت]» (1).
وعن ابن عمر قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين في بيته» (2).
مسائل متفرقة
العدد الذي تصح به الجمعة (3):
صلاة الجمعة فريضة من فرائض الله سبحانه، وشعار من شعائر الإسلام، وصلاة من الصلوات، فمن اشترط فيها زيادة على ما تنعقد به الجماعة، فعليه الدليل، ولا دليل، والعجب من كثرة الأقوال في تقدير العدد حتى بلغت إلى خمسة عشر قولاً (4)، ليس على شيء منها دليل يستدل به قط، إلا قول من قال: تنعقد بما ينعقد به سائر الجماعات، أي: بواحد مع الإمام، كيف والشروط إنما ثبتت بأدلة خاصة تدل على انعدام المشروط عند انعدام الشرط؟! فإثبات هذه الشروط بما ليس بدليل أصلاً مجازفة بالغة، وجرأة على التقوُّل على الله وعلى رسوله وعلى شريعته.
(1) صحيح: أخرجه مسلم (822)، وأبو داود (1131)، والترمذي (523)، والنسائي (3/ 113)، وابن ماجه (1132).
(2)
صحيح: أخرجه الحميدي (976)، وعنه ابن المنذر (1878)، وأصلهُ في البخاري (937)، ومسلم (882).
(3)
انظر «الأوسط» (4/ 29)، و «الموعظة الحسنة» لصديق خان عن «الأجوبة النافعة» (ص: 76 - 78).
(4)
ذكرها الحافظ في «الفتح» (2/ 490).
ولو كان لله تعالى في عدد دون عدد مراد، لبيَّن ذلك في كتابه أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم.
السُّنة أن لا تتعدد الجمعة في البلد الواحد إلا لحاجة: كعدم استاع المسجد الواحد لعدد المصلين ونحو ذلك، وإلا فإنه لم يُختلف أنه لم تكن الجمعة تُصلى في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عهد الخلفاء الراشدين إلا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعطل سائر المساجد.
وأما ما نراه في هذه الأيام من الإفراط في تكثير المساجد التي تقام فيها الجُمَع بحيث تقام في المساجد الصغيرة في الشوارع والحارة المتقاربة مع إمكان الاستغناء عنها بكبار المساجد، فلا شك أنه مما يقسم الأمة تقسيمًا يُرثى له، ويخرج الجمعة عن موضوعها (1).
إذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد:
إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد، فللعلماء فيمن صلى العيد يومئذ قولان:
القول الأول: تجب عليه الجمعة كذلك، وهو قول أكثر الفقهاء (2)، لكن الشافعية أسقطوها عن أهل القرى دون الأمصار، وحجة هذا القول:
1 -
عموم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} (3).
2 -
الأدلة المتقدمة في وجوب صلاة الجمعة.
3 -
ولأنهما صلاتان واجبتان (على خلاف في وجوب صلاة العيد) فلم تسقط إحداهما بالأخرى كالظهر مع العيد.
4 -
أن الرخصة في ترك الجمعة ممن صلى العيد مختصة بمن تجب عليهم الجمعة من أهل البوادي، فعن أبي عبيد مولى ابن أزهر قال: شهدت العيد مع
(1) انظر: «الأوسط» (4/ 116)، و «إصلاح المساجد» للقاسمي (ص: 60 - 62)، و «المغنى» (2/ 92)، و «مجموع الفتاوى» (24/ 208).
(2)
«المدونة» (1/ 153)، و «المجموع» (4/ 320)، و «تبيين الحقائق» (1/ 224)، و «التمهيد» (10/ 272)، و «الأوسط» (4/ 291)، و «المحلى» (3/ 303).
(3)
سورة الجمعة، الآية:9.
عثمان بن عفان، وكان ذلك يوم الجمعة، فصلى قبل الخطبة، ثم خطب فقال:«يا أيها الناس، إن هذا يوم قد اجتمع لكم فيه عيدان، فمن أحب أن ينتظر الجمعة من أهل العوالي فلينتظر، ومن أحب أن يرجع فقد أذنت له» (1).
القول الثاني: تسقط عنه الجمعة: لكن يستحب للإمام أن يقيمها ليشهدها من شاء ومن لم يصلِّ العيد، وهو قول جمهور الحنابلة، وهو مروي عن عمر وعثمان وعليٍّ وابن عمر وابن عباس وابن الزبير رضي الله عنهم (2) واستدل لهذا المذهب بحديثين مرفوعين ضعيفين، وجملة آثار صحيحة.
1 -
ما رُوى عن إياس بن أبي رملة قال: شهدت معاوية بن أبي سفيان وهو يسأل زيد بن أرقم قال: أشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم؟ قال: نعم، قال: فكيف صنع؟ قال: صلى العيد ثم رخَّص في الجمعة، قال:«من شاء أن يصلي فليصلِّ» (3).
2 -
ما رُوى عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمِّعون» (4).
3 -
أثر عثمان المتقدم وفيه: «
…
ومن أحب أن يرجع فقد أذنتُ له» وأما قول الفريق الأول بأن هذا خاص بأهل البوادي ممن لا تجب عليهم الجمعة، فيقال: إذا كان كذلك فما فائدة قوله «أذنت له» ؟!
4 -
عن عطاء قال: «صلى بنا ابن الزبير في يوم عيد في يوم جمعة أول النهار، ثم رحنا إلى الجمعة فلم يخرج، فصلينا وحدنا، وكان ابن عباس بالطائف، فلما قدم ذكرنا له ذلك، فقال: «أصاب السنة» [فبلغ ذلك ابن الزبير
(1) صحيح: أخرجه البخاري (5572)، ومالك (1/ 146)، وعنه الشافعي في «الأم» (1/ 239)، وعبد الرزاق (5732).
(2)
«المغنى» (2/ 265)، و «الإنصاف» (2/ 403)، و «كشاف القناع» (2/ 41)، و «مجموع الفتاوى» (24/ 211).
(3)
ضعيف جدًّا: أخرجه أبو داود (1070)، والنسائي (3/ 194)، وابن ماجه (1310)، وأحمد (4/ 372).
(4)
ضعيف: أخرجه أبو داود (1073)، وابن ماجه (1/ 13)، والحاكم (2/ 288)، وأعلَّه غير واحد من أهل العلم كأحمد والدارقطني وابن عبد البر، وله شاهد عند ابن ماجه (1312) عن ابن عمر وسنده ضعيف.
فقال: رأيت عمر بن الخطاب إذا اجتمع عيدان صنع مثل هذا]» (1) وقول الصحابي:
أصاب السنة، له حكم الرفع على الراجح.
5 -
وفي تمام قصة ابن الزبير من طريق هشام بن عروة عن وهب بن كيسان، قال هشام: فذكرت ذلك لنافع، فقال:«ذكر لابن عمر فلم ينكره» (2).
6 -
وعن أبي عبد الرحمن السلمي قال: اجتمع عيدان في عهد عليٍّ فصلى بهم العيد ثم خطب على راحلته، فقال:«أيها الناس، من شهد منكم العيد فقد قضى جمعته إن شاء الله» وفي رواية: «من أراد أن يجمع فليجمع ومن أراد أن يجلس فليجلس [قال سفيان: يعني: يجلس في بيته]» (3).
7 -
قالوا: لا يُعرف لهؤلاء الصحابة مخالف في هذا الحكم.
وقد أجاب الجمهور: عن هذه الآثار بأنها محمولة على أهل البوادي ممن لا تجب عليهم الجمعة!!
قال ابن عبد البر: «وإذا احتملت هذه الآثار من التأويل ما ذكرنا، لم يجز لمسلم أن يذهب إلى سقوط فرض الجمعة عمن وجبت عليه
…
» اهـ.
قلت: والراجح أن الجمعة تسقط عمن صلى العيد للآثار المتقدمة عن الصحابة وعدم ورود ما يخالفه عن أحدهم، وهذا لا شك يعضِّد المرفوع، على أن قول ابن عباس «أصاب السنة» له حكم الرفع، وأما حمل جميع هذه الآثار على من لا تجب عليه الجمعة، فلا يخفى تكلفه، ولئن سلم في أثر عثمان فلا يسلم في غيره كما هو واضح والله أعلم.
ويستحب أن يقيم الإمام الجمعة: ليشهدها من شاء ومن لم يصلِّ العيد، ويستفاد هذا من حديث النعمان بن بشير المتقدم في قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في العيدين والجمعة بالأعلى والغاشية، قال:«وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد، يقرأ بهما أيضًا في الصلاتين» (4).
(1) صحيح: أخرجه أبو داود (1071)، وعن عطاء، والنسائي (3/ 194)، وابن خزيمة (1465) عن وهب بن كيسان وقد جاء في بعض الطرق «أصاب» بدون لفظ السنة، وإثباتها يحتاج إلى تحرير، وعلى كلٍّ فإنا نستدل بفعل الصحابة حيث لا مخالف منهم.
(2)
إسناده حسن: أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 7).
(3)
إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 7)، وعبد الرزاق (5731)، وابن المنذر (4/ 290).
(4)
صحيح: تقدم تخريجه.