الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
8 -
حديث يزيد بن الأسود قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجَّته، فصليتُ معه صلاة الصبح في مسجد الخيف من منى، فلما قضى صلاته إذا رجلان في آخر الناس لم يصليا، فأُتي بهما ترعُد فرائضهما، فقال:«ما منعكما أن تصليا معنا؟» قالا: يا رسول الله، كنا قد صلينا في رحالنا، قال:«فلا تفعلا، إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة، فصليا معهم، فإنها لكما نافلة» (1) قال الخطابيُّ: وفي قوله: (فإنها نافلة) دليل على أن صلاة التطوع جائزة بعد الفجر قبل طلوع الشمس إذا كان لها سبب. اهـ (2).
قلت: وعلى ما تقدم فإن النهي عن الصلاة في الأوقات الواردة في النصوص خاص بمطلق التنفل من غير سبب، وبمن قصد تحرى الصلاة فيها، ويؤيده حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لا يتحرَّى أحدكم فيصلي عند طلوع الشمس ولا عند غروبها» (3).
فائدة: أوقات النهي المتقدمة إنما هي ما كان النهي فيها متعلقًا بالأوقات الأصلية، وهناك أوقات أخرى نهى عن الصلاة فيها لتعلقها بأمر خارج عن أصل الوقت، وستأتي مفرقة في مواضعها في «صلاة التطوع» إن شاء الله.
الأذان والإقامة
التعريف (4):
الأذان لغة: الإعلام، قال الله تعالى:{وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} (5). أي: أَعْلمِهم به.
وشرعًا: التعبد لله تعالى للإعلام بدخول وقت الصلاة بذكر مخصوص.
والإقامة لغة: مصدر (أقام) من أقام الشيء إذا جعله مستقيمًا، ولها معان منها: الاستقرار والإظهار والنداء، وشرعًا: التعبد لله بالقيام للصلاة والشروع فيها لذكر مخصوص.
(1) صحيح: أخرجه الترمذي (219)، والنسائي (2/ 112) وغيرهما.
(2)
«معالم السنن» (1/ 165).
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (585)، ومسلم (828).
(4)
«اللسان» ، و «المصباح المنير» ، و «شرح منتهى الإرادات» (1/ 122، و «الممتع» (35 - 36).
(5)
سورة الحج، الآية:27.
أولاً: الأذان
من فضائل الأذان:
1 -
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا نوُدي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين فإذا قُضي النداء أقبل حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر حتى إذا قضى التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول: اذكر كذا اذكر كذا، لما لم يكن يذكر حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى» (1).
2 -
عن أبي سعيد الخدري قال لابن أبي صعصعة: إني أراك تحب الغنم والبادية فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء فإنه «لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة» قال أبو سعيد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
3 -
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوًا» (3).
4 -
عن معوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال: قال رضي الله عنه: «المؤذِّنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة» (4).
5 -
عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يعجب ربُّكم من راعي غنم في رأس شَظيَّة بجبل يؤذِّن بالصلاة، ويصلى فيقول الله عز وجل: انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني، قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة» (5).
6 -
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الإمام ضامن، والمؤذِّن مؤتمن، فأرشد الله الأئمة، وغفر للمؤذِّنين» (6).
(1) صحيح: أخرجه البخاري (608)، ومسلم (389).
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (608)، والنسائي (2/ 12).
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (614)، ومسلم (437).
(4)
صحيح: أخرجه مسلم (387)، وابن ماجه (725)، وأحمد (4/ 95).
(5)
صحيح: أخرجه أبو داود (1203)، والنسائي (2/ 20)، وأحمد (4/ 158).
(6)
صحيح: أخرجه أبو داود (517)، والترمذي (207)، وأحمد (2/ 284 - 419)، وانظر «الإرواء» (1/ 231).
7 -
الأذان أفضل من الإمامة: للأحاديث المتقدمة في فضل الأذان، ولأن «الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن» والأمانة أعلى من الضمان، والمغفرة أعلى من الإرشاد، وإنما لم يتولَّ النبي صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه الراشدون التأذين، لأن الإمامة كانت متعيِّنة عليهم، فإنها وظيفة الإمام الأعظم، ولم يمكن الجمع بينها وبين الأذان، لضيق وقتهم عنه، وانشغالهم بما هو أهم كتدبير شئون المسلمين، فصارت الإمامة في حقهم أفضل من الأذان لخصوص أحوالهم، وإن كان لأكثر الناس الأذان أفضل.
وهذا مذهب الشافعي وأصح الروايتين عن أحمد واختاره أكثر أصحابه والمالكية، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية (1).
بدء مشروعية الأذان: شُرع الأذان بالمدينة في السنة الأولى من الهجرة، على الأصح، للأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك، ومن ذلك حديث ابن عمر:
كان يقول: كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلاة ليس ينادى لها، فتكلموا يومًا في ذلك فقال بعضهم: اتخذوا ناقوسًا مثل ناقوس النصارى وقال بعضهم بل بوقًا مثل قرن اليهود، فقال عمر: أو لا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا بلال قم فناد بالصلاة» (2).
حكم الأذان:
اتفقت الأمة الإسلامية على مشروعية الأذان، والعمل به جارٍ منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا بلا خلاف.
ثم اختلف أهل العلم في حكمه، هل هو واجب؟ أو سنة مؤكدة؟ والصحيح الذي لا ينبغي التردد فيه في مثل هذه العبادات العظيمة أن الأذان فرض كفاية، فليس لأهل مدينة أو قرية أن يدعوا الأذان والإقامة، ويستدل على ذلك بأمور:
1 -
أن الأذان عبادة من أعظم شعائر الإسلام وأشهر معالم الدين، وقد وقعت المواظبة عليها منذ شرعها الله سبحانه إلى أن مات رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليل ونهار وسفر وحر، ولم يسمع أنه وقع الإخلال بها أو الترخيص في تركها.
(1)«المغنى» (1/ 402)، و «المجموع» (3/ 74)، و «مواهب الجليل» (1/ 422)، و «الاختيارات» (ص: 36).
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (604)، ومسلم (377).
2 -
أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعله علامة للإسلام ودلالة على التمسك به والدخول فيه، فعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم «كان إذا أغزى بنا قومًا لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر، فإن سمع أذانًا كفَّ عنهم، وإن لم يسمع أذانًا أغار عليهم» (1).
3 -
أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر به، فعن مالك بن الحويرث رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ولأصحابه:«إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمَّكم أكبركم» (2).
4 -
عن أنس بن مالك قال: «أُمِرَ بلال أن يشفع الأذان ويُوتر الإقامة» (3).
5 -
في حديث عبد الله بن زيد في رؤياه الأذان، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«إنها رؤيا حق، إن شاء الله، ثم أمر بالتأذين» (4).
6 -
قوله صلى الله عليه وسلم لعثمان بن أبي العاص: «
…
واتَّخِذْ مؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا» (5).
7 -
عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من ثلاثة [لا يؤَذَّن] ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان» (6) وهو دالٌّ على وجوب الأذان لأن الترك الذي هو نوع من استحواذ الشيطان يجب تجنُّبه.
وقد ذهب إلى وجوب الأذان: مالك -في قول، وخصَّ الفرضية بمساجد الجماعات- وأحمد، وهو وجه عند الشافعية، وبه قال عطاء ومجاهد والأوزاعي وداود وابن حزم، واختاره ابن المنذر وشيخ الإسلام ابن تيمية (7).
بينما ذهب أبو حنيفة والشافعي، وهو قول عن مالك، إلى أنه سنة مؤكدة!! قلت: ولا شك أن الأول أرجح، ثم إن الحنفية -القائلين بأنه سنة- قد صرَّحوا بأنها كالواجب في لحوق الإثم (8)، فكأَّن الخلاف معهم لفظي والله أعلم.
(1) صحيح: أخرجه البخاري (610)، ومسلم (382).
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (631)، ومسلم (674).
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (605)، ومسلم (378).
(4)
حسن: أخرجه أبو داود (499)، والترمذي (189)، وابن ماجه (706) وغيرهم.
(5)
صحيح: أخرجه أبو داود (531)، والنسائي (672)، والترمذي (209)، وابن ماجه (714).
(6)
إسناده لين: أخرجه أبو داود (547)، والنسائي (847)، وأحمد (6/ 446) والزيادة له.
(7)
«الإنصاف» (1/ 407)، و «مواهب الجليل» (1/ 422)، و «روضة الطالبين» (1/ 195)، و «الأوسط» (3/ 24)، و «مجموع الفتاوى» (22/ 64)، و «السيل الجرار» (1/ 196).
(8)
«ابن عابدين» (1/ 384)، و «فتح القدير» (1/ 240).
فوائد:
1 -
الأذان على المسافرين: يجب الأذان على المسافرين إذا أرادوا الصلاة، كالحاضرين، لعموم الأدلة، وملازمة النبي صلى الله عليه وسلم لذلك في الحضر والسفر، ولأن أمره صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث وأصحابه بالأذان كان وهم مسافرون إلى أهليهم، وهذا هو الصواب خلافًا لمذهب الحنابلة والجمهور.
2 -
الأذان للصلاة الفائتة: يجب الأذان للصلوات الخمس، سواء كانت مؤدَّاة أم مقضيَّة، وقد تقدم حديث نوم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه -في سفرهم- عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالاً بالأذان والإقامة، ويدل عليه كذلك عموم قوله صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث: «إذا حضرت الصلاة، فليؤذن لكم أحدكم
…
».
لكن
…
لو نام جماعة عن الصلاة -في بلدة- حتى خرج وقتها، وقد أُذِّن في هذه البلدة، لم يجب عليهم الأذان اكتفاءً بالأذان العام في هذه البلدة، وسقطت به فريضة الأذان عنهم (1).
3 -
حكم أذان النساء وإقامتهن (2)
لا يجب على النساء أذان ولا إقامة، عند جماهير السلف والخلف، من الأئمة الأربعة والظاهرية، وقد ورد عن أسماء مرفوعًا: «ليس للنساء أذان ولا إقامة ولا جمعة
…
» (3). وهو ضعيف لا يصح، لكن لم يرد كذلك أمر النساء بالأذان أو الإقامة.
ولا يجوز -بل لا يجزئ- أذان المرأة للرجال عند الجمهور خلافًا للحنفية، لأن الأذان للإعلام ويشرع له رفع الصوت، ولا يشرع للمرأة رفع صوتها، ولم يُسمع في أيام النبوة ولا في الصحابة ولا فيمن بعدهم أنه وقع التأذين المشروع الذي هو الإعلام بدخول الوقت والدعاء إلى الصلاة من امرأة قط.
ثم اختلفوا في أذان النساء وإقامتهن إذا كُنَّ منفردات عن الرجال: فقيل: يُكرهان وقيل: يباحان، وقيل: يستحبان، وقيل: تستحب الإقامة دون الأذان.
(1) أفاده في «الشرح الممتع» (2/ 41) وانظر ما تقدم في «قضاء الفائتة» .
(2)
«المغنى» (1/ 422)، و «المجموع» (3/ 98)، و «البدائع» (1/ 135)، و «منح الجليل» (1/ 120)، و «الأوسط» (3/ 53)، و «جامع أحكام النساء» لشيخنا (1/ 299).
(3)
ضعيف: أخرجه البيهقي (1/ 408).
والذي يظهر أن النساء إذا كنَّ منفردات عن الرجال، فإذا أَذَّنَّ وأقَمْنَ فحسن، لأنهما ذكر لله تعالى، ولم يرد ما يمنع منهما، ولذا سئل ابن عمر: هل على النساء أذان؟ فغضب، وقال:«أَنْهى عن ذكر الله؟!!» (1).
وعن معتمر بن سليمان عن أبيه قال: كنا نسأل أنسًا: هل على النساء أذان وإقامة؟
قال: «لا، وإن فعلن فهو ذكر» (2).
وهذا قول الشافعي ورواية عن أحمد، وإليه ذهب ابن حزم (3)، قال الشافعي: «ولا تجهر المرأة بصوتها، تؤذن في نفسها، وتسمع صواحباتها إذا أذَّنت، وكذلك تقيم إذا أقامت
…
» اهـ.
4 -
أذان المنفرد، والجماعة بمسجد صَلَّى فيه أهله:
من صلى منفردًا ببلده أُذِّن بها، فإن اكتفى بأذانهم أجزأه، وإن أذَّن وأقام فقد أحسن لإدراك فضيلة الأذان، ولحديث أبي سعيد وعقبة بن عامر المتقدمين في «فضائل الأذان» .
وكذلك إذا فاتته الجماعة، وحضر في مسجد قد صلَّى فيه أهله، فإن اكتفى بأذانهم أجزأه، والأولى أن يؤذِّن ويقيم، كذا فعل أنس بن مالك: فعن أبي عثمان قال: أتانا أنس بن مالك في مسجد بني ثعلبة، فقال: قد صليتم؟ - وذلك صلاة الغداة - فقلنا: نعم، فقال لرجل: أذِّن، فأذَّن وأقام ثم صلى في جماعة (4).
وبذا قال الشافعي وأحمد، وقال مالك والأوزاعي: يقيم ولا يؤذن، وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يؤذن ولا يقيم (5).
5 -
الأذان للصلاتين المجموعتين:
إذا جُمعت صلاتان في وقت إحداهما كجمع العصر مع الظهر في وقت الظهر بعرفة، وكجمع المغرب مع العشاء بمزدلفة، فإنه يكتفي بأذان واحد، ويقام
(1) إسناده حسن: أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 223).
(2)
إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 223).
(3)
«الأم» (1/ 84)، و «المغنى» (1/ 422)، و «المحلى» (3/ 129).
(4)
إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 221).
(5)
«الأم» (1/ 84)، و «المغنى» (1/ 418)، و «المدونة» (1/ 61)، و «الأوسط» (3/ 60 - 62).
لكل صلاة بإقامة، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم -وسيأتي في «الحج» - وبهذا قال الجمهور خلافًا للمشهور عند المالكية من أنه يؤذن لكل منهما!! (1).
6 -
ما يُشرع له الأذان من الصلوات:
اتفق أهل العلم على أن الأذان إنما شُرع للصلوات الخمس المفروضة، ولا يؤذن لصلاة غيرها كالجنازة والوتر والعيدين وغير ذلك، لأن الأذان للإعلام بدخول وقت الصلاة، والمكتوبات هي المخصصة بأوقات معينة، والنوافل تابعة للفرائض، فجعل أذان الأصل أذانًا للتبع تقديرًا، أما صلاة الجنازة فليست بصلاة على الحقيقة، إذ لا قراءة فيها ولا ركوع ولا سجود.
ومما ورد في ذلك حديث جابر بن سمرة قال: «صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد غير مرة ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة» (2).
كيف يُعلن عن الصلوات التي لا أذان لها؟
ذهب الشافعي إلى أنه يُنادى لكل صلاة لا يؤذن لها بقوله: «الصلاةُ جامعة» ووافق الحنابلة في صلاة العيد والكسوف والاستسقاء، والحنفية والمالكية في الكسوف فقط (3)، قلت: والصواب أن يوقف في هذا مع النص فما ثبت فيه النص بالنداء بـ «الصلاة جامعة» استحب فعله وإلا لم يُشرع، وسيأتي بيانه مفرَّقًا في مواضعه، إن شاء الله تعالى.
شروط الأذان:
[1]
دخول وقت الصلاة (عدا الفجر):
يشترط للأذان أن يدخل وقت الصلاة المفروضة، فلا يصح الأذان قبل دخول الوقت -إلا في الفجر على ما سيأتي- ويستحب إذا دخل الوقت أن يؤذن في أوله، ليعلم الناس فيأخذوا أهبتهم للصلاة، فعن جابر بن سمرة قال:«كان بلال يؤذن إذا زالت الشمس لا يَخْرمُ (4)، ثم لا يقيم حتى يخرج إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا خرج أقام حين يراه» (5).
(1)«البدائع» (1/ 152)، و «المجموع» (3/ 83)، و «مواهب الجليل» (1/ 468)، و «المنع (2/ 41).
(2)
صحيح: أخرجه مسلم (887)، وأبو داود (1148)، والترمذي (532).
(3)
«ابن عابدين» (1/ 565)، و «المجموع» (3/ 77)، و «المواهب» (1/ 435)، و «كشاف القناع» (1/ 211).
(4)
أي: لا يترك شيئًا من ألفاظه. «نيل الأوطار» (2/ 57).
(5)
صحيح: أخرجه مسلم (606)، وأبو داود (537)، والترمذي (202)، وأحمد (5/ 91).
وأما الفجر
…
فذهب مالك والشافعي والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو يوسف وابن حزم إلى أنه يُشرع الأذان للفجر قبل الوقت (قبل طلوع الفجر الصادق)(1) لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن بلالاً يؤذِّن بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم» [قال: وكان رجلاً أعمى لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت](2).
فيكون هذا الأذان (الأول) لأجل إيقاظ النائم ليتأهب للصلاة، ولردِّ القائم المجتهد إلى راحته ليقوم إلى صلاة الصبح نشيطًا، وليتسحَّر إن كان له حاجة إلى الصيام، كما في حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا يمنعنَّ أحدكم أذان بلال من سحوره، فإنه يؤذن بليل، ليرجع قائمكم، ويُوقظ نائمكم» (3).
وقد استحب الجمهور الأذان الثاني عند دخول الوقت، ورأوا أنه يجوز الاكتفاء به للصلاة!! والصحيح ما ذهب إليه ابن المنذر وابن حزم من أنه لابد من الأذان الثاني الذي في الوقت لأنه الأصل، وقد قال صلى الله عليه وسلم:«إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم» وهذا عام لا يستثنى منه شيء ولا يعارضه حديث «إن بلالاً يؤذن بليل» لأن هذا الأذان ليس لصلاة الفجر كما تقدم. بينما ذهب الثوري وأبو حنيفة (4) إلى أنه لا يؤذن للفجر إلا بعد طلوع الفجر الصادق، قياسًا على سائر الصلوات، ولما يُروى عن شداد مولى عياض بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال:«لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر» (5) وهو ضعيف لا يصح.
ولما يُروى عن ابن عمر أن بلالاً أذن قبل طلوع الفجر، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع فينادي:«ألا إن العبد نام» (6) وهو معلول عند أئمة الحديث لا تقوم به حجة.
(1)«المدونة» (1/ 60)، و «الأم» (1/ 83)، و «مسائل أحمد» لعبد الله (58)، و «المجموع» (3/ 88)، و «الأوسط» (3/ 29)، و «المحلى» (3/ 160).
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (617)، ومسلم (1092).
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (621)، ومسلم (1093).
(4)
«المحلى» (3/ 163)، و «المجموع» (3/ 88)، و «الأوسط» (3/ 30)، و «المبسوط» (1/ 134).
(5)
ضعيف: أخرجه أبو داود (534)، وقد أعلَّه البيهقي بالانقطاع وقال ابن القطان: شداد مجهول، وانظر «نصب الراية» (1/ 283).
(6)
أعلَّه الأئمة: أخرجه أبو داود (532) وضعفه وكذا ضعفه الترمذي (203)، وأعلَّه أكابر الحفاظ بالوقف، وانظر «نيل الأوطار» (3/ 59)، و «سبل السلام» (1/ 125).
فأما قياسهم فهو في مقابل النصوص السابقة في إثبات الأذان قبل الفجر، وهي دالة على دوام ذلك من بلال، وقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينهه فثبت جوازه بل استحبابه. وأما الأحاديث التي استدلوا بها فمعلولة لا تقوم بها حجة فضلاً عن أن تردَّ بها السنن الثابتة الصحيحة، والله أعلم.
[2]
نية الأذان: يشترط لصحة الأذان النية كسائر العبادات، لقوله صلى الله عليه وسلم:«إنما الأعمال بالنيات» (1) فلو أخذ شخص في ذكر الله بالتكبير ثم بدا له عقب ما كبَّر أن يؤذن، فإنه يبتدئ الأذان من أوله ولا يبني على ما قال، وهذا مذهب المالكية والحنابلة (2).
[3]
أداؤه باللغة العربية (3): فيشترط كون الأذان باللفظ العربي، ولا يصح الإتيان به بأي لغة أخرى ولو علم أنه أذان، وهذا مذهب الحنفية والحنابلة، ونحوه مذهب الشافعية إلا أنهم قالوا: إن لم يوجد منهم من يحسن العربية أجزأهم بغيرها.
[4]
خلو الأذان من اللحن الذي يغيِّر المعنى (4): كمدِّ همزة (أكبر) أو بائه وغير ذلك مما يغير المعنى، وكذلك التمديد الزائد عن المطلوب في الأذان، فإن أحال المعنى أبطل الأذان وإلا كُره عند الجمهور خلافًا للحنفية.
[5]
ترتيب كلمات الأذان (5): فيشترط أن يأتي المؤذن بكلمات الأذان على نفش النظم والترتيب الوارد في السنة -والذي يأتي قريبًا- دون تقديم أو تأخير لكلمة أو جملة على الأخرى، فإن فعل المؤذن ذلك استأنف الأذان من أوله -عند الجمهور خلافًا للحنفية- لأن ترك الترتيب يخل بالإعلام المقصود، ولأنه ذكر يعتد به، فلا يجوز الإخلال بنظمه، وقد قال صلى الله عليه وسلم:«من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ» (6).
(1) صحيح: تقدم مرارًا.
(2)
«مواهب الجليل» (1/ 424)، و «منتهى الإرادات» ؛1/ 129).
(3)
«ابن عابدين (1/ 256)، و «كشاف القناع» (1/ 215)، و «المجموع» (3/ 129).
(4)
«ابن عابدين» (1/ 259)، و «منتهى الإرادات» (1/ 130)، و «المواهب» (1/ 438)، و «المجموع» (3/ 108).
(5)
«البدائع» (1/ 149)، و «مغنى المحتاج» (1/ 137)، و «الإرادات» (1/ 128)، و «المواهب» (1/ 425).
(6)
صحيح: علقه البخاري في «الاعتصام» ، ووصله مسلم (1718) وغيره.
[6]
الموالاة بين ألفاظ الأذان (1): وهي المتابعة بين ألفاظه بدون فصل بقول أو فعل، فإن كان الفصل يسيرًا كأن يعطس المؤذن في أثنائه فيبنى على ما مضى عند الجمهور، وأما لو طال الفصل بين كلمات الأذان بكلام كثير أو إغماء ونحوه فيبطل الأذان ويجب استئنافه من أوله، ولا يجوز أن يبنى غيره على أذانه، بل يستأنف.
[7]
إسماع غير الحاضرين (2): إما برفع الصوت أو باستعمال مكبِّر الصوت، ليحصل المقصود للأذان، فإن كان يؤذن لنفسه فلا يشترط رفع الصوت إلا بقدر ما يسمع نفسه أو يسمع الحاضر معه، وقد تقدم في حديث أبي سعيد:«.. فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة» (3).
وقال صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن زيد: «علِّمه بلالاً فإنه أندى وأمدُّ صوتًا منك» (4).
وهذا مذهب الشافعية والحنابلة وقول عند الحنفية، وهو سنة عند المالكية والراجح عند الحنفية.
هل يجزئ عرض الأذان من المذياع؟ (5) عرض الأذان من المذياع أو المسجل غير صحيح، لأنه عبادة، وقد سبق أنه أفضل من الإمامة، وكما أنه لا يصح أن يقتدي الناس في صلاتهم بصلاة مسجلة، فكذلك الأذان. والله أعلم.
هل يجوز الكلام أثناء الأذان والإقامة؟ اختلف أهل العلم في حكم كلام المؤذن أثناء التأذين على أقوال (6):
الأول: يجوز الكلام في الأذان مطلقًا: وبه قال الحسن وعطاء وقتادة وأحمد (إلا أنه منعه في الإقامة) وهو مروي عن سليمان بن صرد (من الصحابة) وعروة ابن الزبير، واحتجوا بما يلي:
1 -
أن ابن عباس أمر مناديه يوم الجمعة في يوم مطير، لما بلغ: حي على
(1) المراجع السابقة.
(2)
المراجع السابقة.
(3)
صحيح: تقدم في «فضائل الأذان» .
(4)
حسن: تقدم في «حكم الأذان» وسيأتي.
(5)
«الشرح الممتع» (2/ 61 - 62) بمعناه.
(6)
«الأوسط» (3/ 43)، و «مسائل أحمد» لأبي داود (27)، و «المدونة» (1/ 59)، و «الأم» (1/ 85).
الصلاة، أن يقول:«الصلاة في الرحال، فقيل: ما هذا، قال: فعله من هو خير مني» (1).
2 -
عن موسى بن عبد الله بن زيد أن سليمان بن صرد -وكانت له صحبة- «كان يؤذن في العسكر فيأمر غلامه بالحاجة وهو في أذانه» (2).
الثاني: يكره الكلام أثناء الأذان والإقامة: وبه قال النخعي وابن سيرين والأوزاعي ومالك والثوري والشافعي وأبو حنيفة.
الثالث: لا ينبغي للمؤذن أن يتكلم في أذانه إلا كلامًا من شأن الصلاة نحو (صلوا في رحالكم)، وهو قول إسحاق واختاره ابن المنذر.
الرابع: إن تكلم في الإقامة أعادها: وهو قول الزهري.
صفات المؤذن: يستحب أن يتصف المؤذن بما يلي:
1 -
أن يبتغي بأذانه وجه الله: فلا يأخذ أجرة على أذانه وإقامته، لأنَّ الاستئجار على الطاعة لا يجوز، وقد قال صلى الله عليه وسلم لعثمان بن أبي العاص:«واتخذ مؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا» (3).
فإن لم يوجد متطوع، رَزَق الإمام (جعل راتبًا) من بيت المال من يقوم به، لحاجة المسلمين إليه.
2 -
أن يكون عدلاً أمينًا: لأن «المؤذن مؤتمن» (4) أي: أمين على مواقيت الصلاة، وليؤمن نظره إلى العورات، ويصح أذان الفاسق مع الكراهة عند الجمهور، واختار شيخ الإسلام عدم إجزاء أذان ظاهر الفسق، لمخالفته لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وهو وجه عند الحنابلة (5).
(1) صحيح: أخرجه البخاري (616)، ومسلم (699) بنحوه.
(2)
إسناده صحيح: أخرجه البخاري تعليقًا (2/ 116 - فتح) ووصله ابن أبي شيبة (1/ 212، وابن المنذر (3) 44)، وأبو نعيم شيخ البخاري بسند صحيح كما في الفتح (2/ 116).
(3)
صحيح: تقدم في «حكم الأذان» .
(4)
صحيح: تقدم في «فضائل الأذان» .
(5)
«ابن عابدين» (1/ 263)، و «المواهب» (1/ 436)، و «مغنى المحتاج» (1/ 138)، و «المغنى» (1/ 413)، و «الاختيارات» (37).
3 -
أن يكون صيِّتًا (حسن الصوت)(1): لقوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن زيد «فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت، فإنه أندى صوتًا منك» (2).
وعليه فيستحب استخدام أجهزة الصوتيات الحديثة لتحسين الصوت وإبلاغه، هذا مع كراهة التمطيط والتطريب.
4 -
أن يكون عالمًا بالوقت: ليتمكن من الأذان في أوله، ويؤمن خطره، ويجوز لمن لا يعلم الوقت بنفسه -كالأعمى- أن يؤذن إذا كان معه من يخبره به، فقد «كان ابن أم مكتوم -وهو أعمى- لا يؤذن حتى يقال له: أصبحت أصبحت» (3).
صفة الأذان:
وردت ألفاظ الأذان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثلاث كيفيات:
الأولى: خمس عشرة جملة (تربيع التكبير، وتثنية بقية الألفاظ، ما عدا كلمة التوحيد الأخيرة فإنها منفردة): وهذه الكيفية ثابتة في حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال:
لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس ليضرب به للناس في الجمع للصلاة أطاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسًا في يده فقلت له: يا عبد الله أتبيع الناقوس فقال: وما تصنع به؟ قال: قلت: ندعو به للصلاة، قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ قلت: بلى، قال: تقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدًا رسول الله أشهد أن محمدًا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله. قال: ثم استأخر غير بعيد، قال: ثم تقول إذا أقمت الصلاة: الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله. فلما أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت، فقال: إن هذا رؤيا حق إن شاء الله، فقم مع بلال فألقِ عليه ما رأيت فليؤذن به، فإنه أندى صوتًا منك. فقمت مع بلال فجعلت ألقنه عنه ويؤذن به، قال: فسمع بذلك عمر
(1)«ابن عابدين» (1/ 259)، و «المواهب» (1/ 437)، و «مغنى المحتاج» (1/ 138)، و «منتهى الإرادات» (1/ 125).
(2)
حسن: تقدم مرارًا، ويأتي في «صفة الأذان» .
(3)
صحيح: تقدم قريبًا.
ابن الخطاب رضي الله عنه وهو في بيته فخرج يجر رداءه يقول: والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل الذي أُرى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلله الحمد (1).
وبهذه الكيفية أخذ أبو حنيفة وأحمد في المشهور عنه (2).
الثانية: تسع عشرة جملة (كالسابقة مع زيادة الترجيع في الشهادتين):
والترجيع هو: أن يخفض صوته بالشهادتين -مع إسماعه الحاضرين- ثم يعود فيرفع صوته بهما. وهذه الكيفية ثابتة في حديث أبي محذورة أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه الأذان: «الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدًا رسول الله أشهد أن محمدًا رسول الله» ثم قال: «ارجع فامدد من صوتك» ثم قال: «قل: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدًا رسول الله أشهد أن محمدًا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله
…
» الحديث (3).
وفي رواية عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم علَّمه الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة كلمة» .
وبهذه الكيفية أخذ الشافعي (4).
الثالثة: سبع عشرة جملة (كالسابقة لكن بتثنية التكبير في أوله لا تربيعه):
وهي رواية أخرى لحديث أبي محذورة السابق:
«أن نبي الله علمه هذا الأذان: الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدًا رسول الله أشهد أن محمدًا رسول الله، ثم يعود فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدًا رسول الله أشهد أن محمدًا رسول الله حي على الصلاة -مرتين- حي على الفلاح -مرتين- الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله» (5). لكن هذه الرواية معلولة لا تصح، إنما الصحيح تربيع التكبير كما تقدم.
(1) حسن: أخرجه أبو داود (499)، والترمذي (189)، وابن ماجه (706)، وانظر «الإرواء» (2/ 264).
(2)
«البدائع» (1/ 147)، و «المغنى» (1/ 404)، و «الأوسط» (3/ 16).
(3)
حسن: أخرجه أبو داود (500 - 503)، والترمذي (192)، والنسائي (2/ 4)، وابن ماجه (709).
(4)
«الأم» (1/ 85).
(5)
أعلَّ بهذا اللفظ. أخرجه مسلم (379) وغيره.
وبهذه الكيفية أخذ مالك وصَاحَبا أبي حنيفة (1).
وقد رجَّح بعض العلماء تربيع التكبير (الكيفية الثالثة) في حديث أبي محذورة بأنها زيادة مقبولة لعدم منافاتها وصحة مخرجها، ولموافقتها لرواية «علمَّه الأذان تسع عشرة كلمة
…
».
ثم رجَّحوها على الكيفية الأولى (التي ليس فيها الترجيع) بأن حديث أبي محذورة سنة ثمان من الهجرة بعد حنين، وحديث ابن زيد في أول الأمر، وبأن عمل أهل مكة والمدينة على الترجيع (2).
بينما ذهب آخرون إلى أن هذه الكيفيات كلها مباحة يخيَّر بين فعل أيٍّ منها، وهو قول أحمد (وإن اختار الأولى) وإسحاق، وبه قال شيخ الإسلام ابن تيمية (3)، ولعلَّه أولى من الترجيح لأن القاعدة أن «العبادات الواردة على وجوه متنوعة فالأولى فعلها على هذه الوجوه» والله أعلم.
التثويب في أذان الفجر:
التثويب هو أن يقول المؤذن (الصلاة خير من النوم) مرتين بعد الحيعلتين (4) في أذان الفجر، وهو سنة عند الجمهور (5) لحديث أبي محذورة المتقدم وفيه: «
…
فإن كان صلاة الصبح قلت: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله» وفي لفظ «في الأولى من الصبح» (6).
وقد ورد التثويب في الفجر من حديث بلال، وسعد القرظ، وأبي هريرة، وابن عمر، ونعيم النحام، وعائشة، وأبي محذورة، وفي أسانيدها مقال، وأفضلها الثلاثة الأخيرة، وهي بمجموعها تثبت مشروعية التثويب في أذان الفجر.
(1)«المدونة» (1/ 57)، و «البدائع» (1/ 147).
(2)
«المحلى» (3/ 203 - 206)، و «الأوسط» (3/ 16)، و «نيل الأوطار» (2/ 45)، و «زاد المعاد» (2/ 389).
(3)
«مسائل أحمد» لأبي داود (27)، و «المغنى» (1/ 404)، و «مجموع الفتاوى» (22/ 336 - 337)، و «الممتع» (2/ 51).
(4)
أي: حي على الصلاة، حي على الفلاح.
(5)
«مواهب الجليل» (1/ 431)، و «المجموع» (3/ 92)، و «المغنى» (1/ 407)، و «سبل السلام» (1/ 250).
(6)
حسن بطرقه: أخرجه أبو داود (501)، والنسائي (2/ 8 - 79، وأحمد (3/ 408) وصححه الألباني لذاته في تخريج «المشكاة» (645)، وإنما يحسَّن بمجموع الطرق. والله أعلم.
التثويب في الأذان الأول دون الثاني:
الأحاديث المشار إليها آنفًا منها ما ذكر التثويب دون تحديد بكونه في الأذان الأول أو الثاني، ومنها ما نص على أنه في الأول، وليس فيها حديث واحد نص على أنه في الثاني، فدلَّ على أن مشروعية التثويب إنما هي الأذان الأول لأنه لإيقاظ النائم -كما تقدم- وأما الأذان الثاني فإنه إعلام بدخول الوقت ودعاء إلى الصلاة.
ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له مؤذنان للفجر أحدهما بلال -وورد عنه التثويب- والثاني ابن أم مكتوم، وكان أذان بلال هو الأول ولم يَرد أن ابن أم مكتوم كان يثوب في أذانه، والله تعالى أعلم (1).
فائدة: أجاز بعض الحنفية والشافعية التثويب في العشاء، قالوا: لأنها وقت غفلة ونوم كالفجر (!!) وأجاز بعض الشافعية التثويب في جميع الأوقات!! وهذه بدعة مخالفة للسنة، وقد أنكرها عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما دخل يصلي في مسجد فسمع رجلاً يثوِّب في أذان الظهر فخرج، فقيل له: أين؟ فقال: «أخرجتني البدعة» (2).
المستحبات في الأذان:
1 -
الأذان على طهارة: لعموم الأدلة على استحباب ذكر الله على طهارة -وقد تقدمت في الوضوء- وقد رُوي حديث: «لا يؤذن إلا متوضئ» ولا يصح.
فإذا أذَّن وهو محدث الحدث الأصغر أجزأ عند جميع الفقهاء، وكذلك إن كان جنبًا على الصحيح لعدم الدليل على المنع ولأن الجنب ليس بنجس، وقد منعه أحمد وإسحاق (3).
2 -
الأذان قائمًا:
لم يختلف أهل العلم في أن من السنة أن يؤذن وهو قائم إلا من علة، فإن كانت به علة فله أن يؤذن جالسًا، وكره مالك والأوزاعي وأصحاب الرأي الأذان قاعدًا مطلقًا (4).
(1) انظر رسالة «تحفة الحبيب .. بحكم الأذانين الفجر والتثويب» لشيخنا مجدي بن عرفان رفع الله قدره.
(2)
حسَّنه الألباني: أخرجه أبو داود (538)، والبيهقي (1/ 424)، وانظر «الإرواء» (236).
(3)
«الأوسط» (3/ 28).
(4)
«الأوسط» (3/ 46).
وقد تقدم في حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قُم يا بلا فنادِ بالصلاة» (1).
وفي حديث عبد الله بن زيد: «رأيت في المنام كأن رجلاً قائمًا
…
فأذن مثنى وأقام مثنى» (2).
3 -
استقبال القبلة:
أجمع أهل العلم على أن من السنة أن تُستقبل القبلة بالأذان (3)، وقد رُوي فيه أحاديث فيها مقال منها ما في بعض روايات حديث ابن زيد أن الملك الذي رآه يؤذن استقبل القبلة (4).
4 -
إدخال إصبعيه في أذنيه: لحديث أبي جحيفة قال: «رأيت بلالاً يؤذن ويدور، ويتبع فاه هاهنا وهاهنا، وإصبعاه في أذنيه» (5).
5 -
جمع المؤذن بين كل تكبيرتين:
لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله
…
الحديث» (6) وسيأتي بتمامه، ففيه إشارة ظاهرة إلى أن المؤذن يجمع بين كل تكبيرتين، وأن السامع يجيبه كذلك (7)، لا كما يفعله بعض المؤذنين من إفراد كل تكبيرة من الأربع بِنَفَس (!!)
6 -
الالتفات بالرأس يمينًا عند قوله: حي على الصلاة، ويسارًا عند قوله: حي على الفلاح:
لحديث أبي جحيفة «أنه رأى بلالاً يؤذن، قال: «فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا بالأذان» (8). فيسنُّ أن يلتفت برأسه، وبدنُه مستقبل القبلة، وبه قال الجمهور
(1) صحيح: تقدم تخريجه.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 203)، وأحمد (5/ 232).
(3)
«الأوسط» (3/ 28).
(4)
انظر «إرواء الغليل» (1/ 250).
(5)
صحيح: أخرجه الترمذي (197)، وأحمد (4/ 308)، وانظر «الإرواء» (230).
(6)
صحيح: يأتي بتمامه قريبًا.
(7)
«شرح مسلم» للنووي (3/ 79).
(8)
صحيح: أخرجه البخاري (634)، ومسلم (503).
خلافًا لمالك فقد أنكره!! وقيَّده أحمد وإسحاق بمن يؤذن على المنارة يريد أن يسمع الناس (1).
7 -
التثويب في الأذان الأول للفجر: وقد تقدم الكلام عليه.
ما يستحب لمن سمع الأذان:
1 -
الترديد سرًّا خلف المؤذن: فعن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن» (2).
فإذا قال المؤذن: حي على الصلاة، وحي على الفلاح، فليقل: لا حول ولا قوة إلا بالله، لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ثم قال: أشهد أن محمدًا رسول الله، قال: أشهد أن محمدًا رسول الله، ثم قال: حي على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: الله أكبر الله أكبر، قال: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: لا إله إلا الله، قال: لا إله إلا الله، من قلبه دخل الجنة» (3).
وقد ذهب الجمهور إلى تخصيص الحيعلتين بهذا الحديث من عموم حديث أبي سعيد المتقدم، ولأن الحيعلتين خطاب، فإعادته عبث.
إذا قال المؤذن (الصلاة خير من النوم) بم يجيب؟ يجيب السامع بقوله: (الصلاة خير من النوم) على عموم حديث أبي سعيد المتقدم، وأما قو لبعضهم:(صدقت وبررت) فلا يثبت فيه حديث صحيح، فلا يجوز التعبد به، والله أعلم.
فائدة: يكفي في إجابة المؤذين بالشهادتين أن يقول: (وأنا) أو (وأنا أشهد) ونحو ذل لحديث سهل بن حنيف أنه سمع معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وهو جالس على المنبر، أَذَّن المؤذن، قال: الله أكبر الله أكبر، قال معاوية: قال: الله أكبر الله أكبر، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال معاوية: وأنا فقال: أشهد أن محمدًا رسول الله، فقال معاوية: وأنا، فلما قضى التأذين قال: «أيها الناس إني سمعت
(1)«الأوسط» (3/ 26، 27).
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (611)، ومسلم (383).
(3)
صحيح: أخرجه مسلم (385)، وأبو داود (523).
رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا المجلس -حين أذن المؤذن- يقول ما سمعتم مني من مقالتي (1).
2 -
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وسؤال الوسيلة له بعد فراغ المؤذن:
فعن عبد الله بن عمرو أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا سمعتم المؤذن، فقولوا مثل ما يقول، ثم صلَّوا عليَّ، فإنه من صلَّى عليَّ صلاة، صلى الله بها عليه عشرًا، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، فأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة» (2).
وعن جابر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من قال حين يسمع النداء: اللهم ربَّ هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته، حلَّت له شفاعتي يومَ القيامة» (3).
3 -
الشهادة بالوحدانية والرسالة والرضا بالله ورسوله وبدينه:
فعن سعد بن أبي وقاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قال حين يسمع المؤذن: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، رضيت بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمجمد صلى الله عليه وسلم رسولاً، غُفر له ما تقدم من ذنبه» (4).
4 -
الدعاء بين الأذان والإقامة: لأن الدعاء حينئذ مستجاب، فعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«الدعاء لا يُرَدُّ بين الأذان والإقامة [فادعوا]» (5).
وعن عبد الله بن عمرو أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن المؤذنين يفضلوننا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«قل كما يقولون، فإذا انتهيت، فَسَلْ تُعْطَهْ» (6).
النهي عن الخروج من المسجد بعد الأذان:
فعي أبي الشعثاء قال: كنا قعودًا في المسجد مع أبي هريرة، فأذن المؤذن، فقام
(1) صحيح: أخرجه البخاري (914)، والنسائي (2/ 24)، وأحمد (4/ 95).
(2)
صحيح: أخرجه مسلم (384)، وأبو داود (523)، والترمذي (3694)، والنسائي (2/ 25).
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (614)، وأبو داود (529)، والترمذي (211)، والنسائي (2/ 27).
(4)
صحيح: أخرجه مسلم (386)، وأبو داود (525)، والترمذي (210)، والنسائي (2/ 26).
(5)
صحيح: أخرجه أبو داود (521)، والترمذي (212)، وابن خزيمة (425)، وأحمد (3/ 155).
(6)
لا بأس به: أخرجه أبو داود (524)، وأحمد (2/ 172)، وابن حبان (1695).
رجل من المسجد يمشي فأتبعه أبو هريرة بصره، حتى خرج من المسجد، فقال أبو هريرة:«أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم» (1).
قال النووي: «فيه كراهة الخروج من المسجد بعد الأذان حتى يصلي المكتوبة إلا لعذر» (2) اهـ.
قلت: ولا يخرج إلا لضرورة كالوضوء أو الغسل ونحوه، وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما أقيمت الصلاة وعدِّلت الصفوف فاغتسل ثم رجع، وسيأتي في «الإقامة» ، قال الحافظ في «الفتح» (2/ 143): يلحق بالجنب: المحدث والراعف والحاقن ونحوهم، وكذا من يكون إمامًا لمسجد آخر ومن في معناه. اهـ.
بعض الأخطاء والبدع فيما يتعلق بالأذان (3): الأذان عبادة، فالأصل فيه التوقيف على النص ومورده، فلا يشرع فيه إلا ما شرعه الله ورسوله، وقد فشت في مجتمعاتنا كثير من المخالفات والأخطاء فيما يتعلق بالأذان، وأذكر من ذلك على سبيل الاختصار.
(أ) من أخطاء المؤذنين:
1 -
التمطيط والتطريب والتلحين الزائد في الأذان.
2 -
زيادة لفظة (سيدنا) عند الشهادة في الأذان.
3 -
التسابيح والتواشيح ونحو ذلك قبل الأذان.
4 -
الجهر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عقب الأذان.
5 -
عدم الالتزام بسنن الأذان التي تقدم ذكرها.
6 -
ترك الأذان الأول للفجر، وترك التثويب فيه.
(ب) من أخطاء مستمعي الأذان:
1 -
عدم الالتزام بالسنن التي تقدم ذكرها.
2 -
قولهم: (الله أعظم والعزة لله) عند سماع التكبير.
3 -
إقسام بعضهم بحق الأذان.
(1) صحيح: أخرجه مسلم (655)، وأبو داود (536)، والنسائي (2/ 29)، والترمذي (131).
(2)
«شرح مسلم» (5/ 157)، وانظر «سنن الترمذي» (1/ 398) - شاكر.
(3)
انظر «بدع وأخطاء المصلين» (لأخينا عماد زكي أثابه الله ط. التوفيقية).
4 -
زيادة بعضهم (والدرجة العالية الرفيعة) و (إنك لا تخلف الميعاد) في الدعاء بعد الأذان.
5 -
قولهم: لا إله إلا الله، إذا كبَّر المؤذن التكبير الأخير، فيسبقون بهذا المؤذن.
(جـ) من الأخطاء عند إقامة الصلاة:
1 -
عدم إجابة المقيم.
2 -
قولهم (أقامها الله وأدامها) عند قول المقيم: قد قامت الصلاة.
3 -
قولهم بعد الإقامة: (اللهم أحسن وقوفنا بين يديك).
ثانيًا: الإقامة
تعريفها: تقدم أن الإقامة: إعلام بالقيام إلى الصلاة، بألفاظ مأثورة على صفة مخصوصة.
صفة الإقامة:
الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة الإقامة كيفيتان:
الأولى: إحدى عشرة جملة: (الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله).
وهذه الكيفية هي الواردة في حديث عبد الله بن زيد الذي تقدم في الأذان، وعليها يُحمل ما ثبت عن أنس قال:«أُمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة، إلا الإقامة» (1).
لأن بلالاً إنما كان يؤذن على ما علَّمه عبد الله بن زيد، وعلى هذا جماهير أهل العلم من السلف والخلف.
الثانية: سبع عشرة جملة: (الله أكبر أربعًا، أشهد أن لا إله إلا الله مرتين، أشهد أن محمدًا رسول الله مرتين، حي على الصلاة مرتين، حي على الفلاح مرتين، قد قامت الصلاة مرتين، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله).
وهذه الكيفية ثابتة في حديث أبي محذورة المتقدم في الأذان.
ومن ألزم نفسه -في الأذان- بحديث ابن زيد لزمه أن يلتزم في الإقامة
(1) صحيح: أخرجه البخاري (605)، ومسلم (378).
بالكيفية الأولى، ومن ألزمها بحديث أبي محذورة لزمه الثانية، ومن رأى التخيير فهو كذلك في الإقامة، وهو الأَوْلى، والله أعلم.
هل يلزم أن يقيم من أذَّن؟
الأَوْلى أن يقيم من أذَّن، لأن بلالاً رضي الله عنه كان يتولى الأذان والإقامة -كما سيأتي- وإلى هذا ذهب أكثر أهل العلم، ولو أذَّن رجل وأقام آخر فهو جائز، وأما حديث زيد الصدائي مرفوعًا:«يقيم أخو الصداء، فإن من أذَّن فهو يقيم» (1) فلا يصح وكذلك حديث عبد الله بن زيد أنه أقام بعد أن أذَّن بلال (2) ضعيف.
هل يردد خلف من يُقيم؟
يُشرع لمن سمع الإقامة أن يقول مثلما يقول المقيم، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:«إذا سمعتم النداء، فقولوا مثلما يقول المؤذن» (3) والإقامة نداء وأذان، كما قال صلى الله عليه وسلم:«بين كل أذانين صلاة» (4) يعني: الأذان والإقامة.
وقيل: لا يشرع الإجابة إلا في الأذان، قلت: والأمل أرجح والأمر واسع.
ماذا يقول إذا قال: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة؟
السنة أن يقول كما سمع (قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة) لعموم الحديث المتقدم، وأما ما يُروى من أنه يقول:«أقامها الله وأدامها» (5) فلا يثبت الحديث فيه.
متى يقيم الصلاة؟
1 -
الأصل أن لا يقيم إلا إذا رأى الإمام، فعن جابر بن سمرة رضي الله عنه، قال:«كان بلال يؤذِّن إذا دحضت، فلا يقيم حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا خرج أقام الصلاة حتى يراه» (6).
2 -
ويشرع أحيانًا أن يقيم قبل أن يخرج الإمام، إذا رآه من بعيد أو علم بقرب خروجه كما في حديث أبي هريرة «أن الصلاة كانت تقام لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأخذ الناس مصافهَّم قبل أن يقوم النبي صلى الله عليه وسلم مقامه» (7).
(1) ضعيف: وانظر «الضعيفة» (35)، و «الإرواء» (237).
(2)
ضعيف: أخرجه أبو داود (499)، وأحمد (4/ 43).
(3)
صحيح: تقدم قريبًا.
(4)
صحيح: يأتي في «صلاة التطوع» .
(5)
ضعيف: أخرجه أبو داود (528)، وانظر «الإرواء» (241).
(6)
صحيح: أخرجه مسلم (606) وقد تقدم.
(7)
صحيح: أخرجه مسلم (605).