الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صلاة التطوُّع
تعريفها: التطوع في الأصل: فعل الطاعة، وصار في الشرع مخصوصًا بطاعة غير واجبة. وصلاة التطوع هي ما زادت على الصلوات المفروضة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الإسلام:«خمس صلوات في اليوم والليلة» فقال السائل: هل عليَّ غيرها؟ قال: «لا، إلا أن تطوَّع» (1).
أهميَّة صلاة التطوع:
1 -
الصلاة خير الأعمال: الصلاة أفضل عبادات البدن، وخير ما يتُقرب به إلى الله سبحانه وتعالى، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«استقيموا، ولن تُحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة» (2).
2 -
الرفعة في الجنة بكثرة التطوع:
عن ربيعة بن مالك الأسلمي قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «سَلْ» فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، فقال:«أو غير ذلك؟» قلت: هو ذاك، قال:«فأعنَّي على نفسك بكثرة السجود» (3).
وفي حديث ثوبان أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عمل يدخله الجنة فقال: «عليك بكثرة السجود فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة
…
» (4).
3 -
جبر النقص في الفرائض:
عن عمار بن ياسر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الرجل لينصرف [من صلاته] وما كتب له إلا عُشْرها تُسْعها ثمنها سْبعها سْدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها» (5).
وقد شرعت صلاة التطوع لتكون جبرًا وتكميلاً لما قد يقع في الفرائض من
(1) صحيح: تقدم تخريجه.
(2)
صحيح بطرقه: أخرجه ابن ماجه (277) وغيره وله أسانيد يصح بمجموعها، انظر «تعظيم قدر الصلاة» (170 - بتحقيقنا).
(3)
صحيح: أخرجه مسلم (489)، والنسائي (2/ 227)، وأبو داود (1320)، وأحمد (4/ 59).
(4)
صحيح: أخرجه مسلم (488)، وانظر «تعظيم قدر الصلاة» بتحقيقي (300).
(5)
أخرجه أبو داود (769)، وأحمد (4/ 321)، وانظر «قدر الصلاة» بتحقيقي (156).
نقص، فقد قال صلى الله عليه وسلم:«أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة، يقول ربنا للملائكة -وهو أعلم-: انظروا في صلاة عبدي أتَّمها أم نقصها؟ فإن كانت تامة كتبت له تامة، وإن كان انتقص منها شيئًا قال: انظروا هل لعبدي من تطوُّع؟ فإن كان له تطوع قال: أتموا لعبدي فريضة من تطوُّعه، ثم تؤخذ الأعمال على ذلك» (1).
أقسام صلاة التطوع:
[1]
تطوع مطلق: وهو الذي لا سبب له، ولا حصر له، ولا لعدد ركعات الواحدة منه، وله أن ينوي عددًا وله أن لا ينويه، بل يقتصر على نية الصلاة، فإذا شرع في تطوع ولم ينو عددًا فله أن يسلم من ركعة وله أن يزيد فيجعلها ركعتين أو ثلاثًا أو عشرًا أو أكثر، ولو صلى عددًا لا يعلمه ثم سلَّم صحَّ (2).
فعن أبي ذر رضي الله عنه أنه صلى عددًا كثيرًا، فلما سلَّم قال له الأحنف بن قيس: هل تدري انصرفت على شفع أم على وتر؟ قال: إلا أكن أدري فإن الله يدري، إني سمعت خليلي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول:«ما من عبد يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة وحطَّ عنه بها خطيئة» (3).
متى يتشهد؟
إن تطوع بركعة فلابد من التشهد عقبها، وإن زاد على ركعة فله أن يقتصر على تشهد واحد في آخر صلاته، وهذا التشهد ركن لابد منه، وله أن يتشهد في كل ركعتين كما في الفرائض الرباعية، فإن كان العدد وترًا فلابد من التشهد في الآخرة أيضًا إن كانت صلاته أربعًا، فإن كانت ستًّا أو عشرًا أو أكثر من ذلك شفعًا كانت أو وترًا ففيها أربعة أوجه (4):
1 -
يجوز أن يتشهد في كل ركعتين وإن كثرت التشهدات، ويتشهد في الآخرة، وله أن يقتصر على تشهده في الآخرة، وله أن يتشهد في كل أربع أو ثلاث أو ست وغير ذلك، ولا يجوز أن يتشهد في كل ركعة لأنه اختراع صورة في الصلاة لا عهد بها.
(1) صحيح في الجملة. وانظر «تعظيم قدر الصلاة» بتحقيقي (180).
(2)
«المجموع» للنووي (3/ 541).
(3)
صحيح: أخرجه أحمد (5/ 164)، وعبد الرزاق (3561، 4847)، والبزار (9/ 345)، والبيهقي (2/ 489).
(4)
«المجموع» (3/ 542 - 543).
2 -
لا يجوز الزيادة على تشهدين بحال من الصلاة الواحدة، ولا يجوز أن يكون بين التشهدين أكثر من ركعتين إن كان العدد شفعًا، فإن كان وترًا لم يجز بينهما أكثر من ركعة، قال النووي: وهو قوي، وظاهر السنة يقتضيه. اهـ. قلت: وسيأتي الدليل عليه في «قيام الليل» .
3 -
أن لا يجلس إلا في الآخرة، قال النووي: وهو غلط، قلت: بل ثبت فعل النبي صلى الله عليه وسلم له، كما سيأتي في «الوتر» .
4 -
يجوز التشهد في كل ركعتين وفي كل ركعة، قال النووي: وهو ضعيف أو باطل.
الأفضل أن تصلي ركعتين ركعتين:
لا خلاف في أن الأفضل أن يسلم من كل ركعتين في نوافل الليل والنهار، وقد رُوى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«صلاة الليل [والنهار] مثنى مثنى» (1) ولا يصح.
والصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: «صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة» (2).
وهذا الذي ذكرتُ من جواز جمع ركعات كثيرة من النوافل المطلقة بتسليمة، وأن الأفضل في صلاة الليل والنهار أن يسلِّم من كل ركعتين، هو مذهب مالك والشافعي وأحمد وداود وابن المنذر، وحكى عن الحسن وسعيد بن جبير.
وقال أبو حنيفة: التسليم من ركعتين أو أربع في صلاة النهار سواء في الفضيلة ولا يزيد على ذلك، وصلاة الليل ركعتان وأربع وست وثمان بتسليمة ولا يزيد على ثمان.
[2]
التطوع المقيَّد: وهي الصلوات التي ورد النص بمشروعيتها، وهي نوعان:
(أ) السنن الرواتب: وهي السنن التابعة للفرائض الخمس، ومن هذه السنن ما يتقدم على الفرائض، وتسمى (السنة القبلية)، ومنها ما يتأخر عنها، وتسمى (السنة البعدية) وفي ذلك معنى لطيف مناسب:
(1) شاذ بهذه الزيادة: أخرجه أبو داود (1295)، والترمذي (594)، والنسائي (3/ 227)، وابن ماجه (1322)، وانظر «فتاوى ابن تيمية» (21/ 289) وأعله أحمد والنسائي والترمذي والدارقطني وابن عبد البر وابن حجر.
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (990)، ومسلم (749) من حديث ابن عمر.
أما في التقديم فلأن النفوس -لاشتغالها بأسباب الدنيا -تكون بعيدة عن حال الخشوع والحضور التي هي روح العبادة، فإذا قُدِّمت النوافل على الفرائض أنست النفس بالعبادة.
- وأما تأخيرها عنها، فلما تقدم من أن النوافل جابرة لنقص الفرائض، فإذا وقع الفرض ناسب أن يقع بعده ما يجبر الخلل الذي يقع فيه.
الرواتب: مؤكدة، وغير مؤكدة:
وهذه السنن التابعة للفرائض منها ما هو مؤكد قد داوم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي عشر، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «حفظت عن النبي صلى الله عليه وسلم عشر ركعات: ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل صلاة الصبح (1). وبهذا قال الشافعية والحنابلة (2).
وعند الحنفية (3) الرواتب المؤكدة اثنتا عشرة: كالعشر السابقة لكن قبل الظهر أربع، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت:«كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدع أربعًا قبل الظهر» (4).
وعن أم حبيبة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة، بُنى له بهن بيتُ في الجنة» قالت أم حبيبة: فما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم (5).
زاد الترمذي: «أربعًا قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل صلاة الفجر» .
وأما المالكية فلا تحديد لعدد ركعات السنن الرواتب عندهم، بل يكفي في تحصيل الندب ركعتان في كل وقت.
ومن السنن الرواتب ما ليس بمؤكد، وهي ما ورد الندب إلى فعلها في الجملة من غير تأكيد.
(1) صحيح: أخرجه البخاري (1180)، ومسلم (729).
(2)
«المجموع» (3/ 501)، و «كشاف القناع» (1/ 422).
(3)
«ابن عابدين» (1/ 441).
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (1182).
(5)
صحيح: أخرجه مسلم (728)، والترمذي (415)، والزيادة له، وأبو داود (1250)، وابن ماجه (1141)، ولها شاهد من حديث عائشة عند الترمذي (414)، والنسائي (3/ 260)، وابن ماجه (1140).
سُنَّة الفجر:
توكيدها: من آكد السنن الراتبة: ركعتان قبل صلاة الفجر، فعن عائشة رضي الله عنها قالت:«لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد منه تعاهدًا على ركعتي الفجر» (1) وفي لفظ «لم يكن يدعهما أبدًا» (2) وذلك لما روته عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها» (3).
قال ابن القيم: في «الزاد» (1/ 315): «.. ولذا لم يدعها -يعني النبي صلى الله عليه وسلم هي والوتر سفرًا ولا حضرًا، وكان في السفر يواظب على سنة الفجر والوتر أشدُّ من جميع النوافل دون سائر السنن، ولم ينقل عنه في السفر أنه صلى الله عليه وسلم صلى سنة راتبة غيرهما» اهـ.
تخفيفهما:
يُسَنُّ تخفيف ركعتي الفجر، بشرط أن لا تخل بواجب، فعن ابن عمر قال: أخبرتني حفصة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتكف المؤذن للصبح وبدا الصبح، صلى ركعتين خفيفتين قبل أن تقام الصلاة» (4).
وعن عائشة: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين خفيفتين بين النداء والإقامة من صلاة الصبح» (5).
وعنها قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يُخفِّف الركعتين اللتين قبل صلاة الصبح حتى إني لأقول: هل قرأ بأم الكتاب؟» (6).
القراءة فيهما بعد الفاتحة: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في القراءة في ركعتي سنة الفجر أَوْجُه:
1 -
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «قرأ في ركعتي الفجر: (قل يا أيها الكافرون) و (قل هو الله أحد)» (7).
(1) صحيح: أخرجه البخاري (1093)، ومسلم (1191).
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (1159).
(3)
صحيح: أخرجه مسلم (725)، والترمذي (416).
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (583).
(5)
صحيح: أخرجه البخاري (584).
(6)
صحيح: أخرجه البخاري (1095)، ومسلم (1189).
(7)
صحيح: أخرجه مسلم (726).
2 -
عن ابن عباس قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في ركعتي الفجر: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا
…
} (1). والتي في آل عمران: {تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} (2)» (3).
فيقرأ بعد الفاتحة في الأولى الآية (136) من البقرة، وبعدها في الثانية الآية (64) من آل عمران.
3 -
وربما استدل آية آل عمران في الثانية بقوله تعالى {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ} (4) إلى آخر الآية كما في حديث ابن عباس (5).
قلت: والأولى أن ينوِّع المرء بين هذا كله إصابة للسنة، كما هو الشأن في سائر العبادات التي صحت على أوجه متنوعة والله أعلم.
الاضطجاع على الجنب الأيمن بعدهما:
وقد اختلف أهل العلم في حكم الاضطجاع بعد ركعتي سنة الفجر على أقوال (7):
1 -
يستحب مطلقًا: وهو مذهب الشافعي وبه قال أبو موسى الأشعري ورافع ابن خديج وأنس بن مالك وأبو هريرة رضي الله عنهم، وبه قال ابن سيرين والفقهاء السبعة.
2 -
أن الاضطجاع واجب: وهو مذهب أبي محمد بن حزمن بل أغرب رحمه الله فجعله شرطًا لصحة صلاة الفجر!! قال شيخ الإسلام: «وهذا مما تفرَّد به عن الأمة» (8) اهـ.
(1) سورة البقرة، الآية:136.
(2)
سورة آل عمران، الآية:64.
(3)
صحيح: أخرجه مسلم (727)، والنسائي (2/ 155).
(4)
سورة آل عمران، الآية:52.
(5)
صحيح: أخرجه مسلم (727)، وأبو داود (1259).
(6)
صحيح: أخرجه البخاري (590).
(7)
«نيل الأوطار» (3/ 28 - 32)، و «المحلى» (3/ 196)، و «المجموع» (3/ 523 - 524).
(8)
نقله ابن القيم في «الزاد» (1/ 319).
قلت: مستنده حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا صلىَّ أحدكم الركعتين قبل صلاة الصبح، فليضطجع على جنيه الأيمن» (1).
وأجيب بأن الحديث متكلم فيه، وعلى فرض صحته، فالأمر فيه مصروف إلى الاستحباب بحديث عائشة:«أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين، فإن كنت مستيقظة حدَّثني وإلا اضطجع» (2).
وظاهره أنه كان لا يضطجع مع استيقاظها، فكان ذلك قرينة لصرف الأمر إلى الندب، وأجيب بأن تركه صلى الله عليه وسلم لما أمر به أمرًا خاصًّا بالأمة لا يعارض ذلك الأمر الخاص ولا يصرفه عن حقيقته كما تقرر في الأصول، قلت: هذا إذا ثبت الحديث!!
3 -
أنه مكروه: وهو قول جمع من السلف منهم ابن مسعود وابن المسيب والنخعي، وحكاه القاضي عياض عن جمهور العلماء، وحجتهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعرف عنه أنه عمل في المسجد إذا لو عمل به لتواتر نقله!!
4 -
أنه خلاف الأولى: وهو مروي عن الحسن البصري.
5 -
أنه مستحب لمن يقوم الليل ليستريح: وهو اختيار ابن العربي وشيخ الإسلام ابن تيمية.
6 -
أن الاضطجاع ليس مقصودًا لذاته بل للفصل بين السنة والفرض: وهو مروي عن الشافعي، وهو مردود، لأن الفصل يمكن أن يكون بشيء غير الاضطجاع.
قلت: والراجح أن الاضطجاع بعد ركعتي سنة الفجر مستحب بشرطين:
الأول: أن يكون في البيت لا في المسجد لعدم نقله عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه، والثاني: أن يكون الشخص ممن يستطيع القيام لصلاة الفجر ولا ينام عنها، والله أعلم.
قضاؤهما:
من فاتته ركعتا سنة الفجر -لعذر- فإنه يشرع له قضاؤهما متى زال عذره لما يأتي:
1 -
حديث أبي هريرة قال عرَّسنا مع نبي الله صلى الله عليه وسلم فلم نستيقظ حتى طلعت الشمس فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليأخذ كل رجل برأس راحلته، فإن هذا منزل حضرنا
(1) أخرجه أبو داود (1261)، والترمذي (420)، وأحمد (2/ 415) وغيرهم وقال ابن تيمية هذا باطل وليس بصحيح، وإنما الصحيح عنه الفعل، لا الأمر بها، والأمر تفرد به عبد الواحد بن زياد.
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (1092)، ومسلم (1227).
فيه الشيطان» قال: ففعلنا، ثم دعا بالماء فتوضَّأ، ثم سجد سجدتين ثم أقيمت الصلاة فصلَّى الغداة (1). ونحوه حديث عمران بن حصين وقد تقدم.
2 -
حديث قيس بن عمرو قال رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يصلي بعد صلاة الصبح ركعتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلاة الصبح ركعتان» «فقال الرجل: إني لم أكن صليت الركعتين اللتين قبلهما، فصليتهما الآن، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
ولا يعارض ما تقدم حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لم يصلِّ ركعتي الفجر، فليصلهما بعد ما تطلق الشمس» (3) فإنه ليس صريحًا في أن من تركهما لا يصليهما إلا بعد طلوع الشمس -كما قال الجمهور- إذ ليس فيه إلا الأمر لمن لم يصلهما مطلقًا أن يصليهما بعد طلوع الشمس، ولا شك أنهما إذا تركا في وقت الأداء فُعِلا في وقت القضاء، وليس في الحديث ما يدل على المنع من فعلهما بعد صلاة الصبح، والله أعلم.
هل يتطوع -بعد طلوع الفجر- سوى ركعتي الفجر؟ (4).
اختلف أهل العلم في التطوع بعد طلوع الفجر سوى ركعتي السنة اللتين قبل صلاة الفجر على قولين:
الأول: يُكره التطوع بغير ركعتي الفجر: وهو قول أكثر السلف منهم الحسن البصري والنخعي وسعيد بن المسيب وأصحاب الرأي، وهو مروي عن عبد الله بن عمرو، وابن عمر وفي إسنادهما مقال.
وعن يسار مولى ابن عمر قال: رآني ابن عمر وأنا أصلي بعد طلوع الفجر، فقال: يا يسار، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج علينا ونحن نصلي هذه الصلاة، فقال:«ليبلغ شاهدكم غائبكم، لا تصلُّوا بعد الفجر إلا سجدتين» (5).
الثاني: لا بأس أن يتطوع بعد طلوع الفجر: وقد حكاه ابن المنذر عن الحسن
(1) صحيح: أخرجه مسلم (1098) وغيره.
(2)
حسن بطرقه: وقد تقدم في «أوقات النهي» .
(3)
صحيح: أخرجه الترمذي (423)، وابن خزيمة (1117)، والحاكم (1/ 274)، وابن حبان (2472) وغيرهم.
(4)
«الأوسط» لابن المنذر (2/ 399 - 400).
(5)
صححه الألباني: أخرجه أبو داود (1264)، والترمذي (417)، وانظر «صحيح الجامع» (5353).
البصري -أيضًا- قال: وكان مالك يرى أن يفعل ذلك من فاتته صلاته بالليل، وهو مروي عن بلال رضي الله عنه.
قلت: والأول أقوى ويؤيده حديث ابن عمر عن حفصة قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلع الفجر لا يصلي إلا ركعتي الفجر» (1) وهو يقوى حديث ابن عمر السابق -وإن لم يكن مردُّه إلى حديث حفصة!! - ويستثنى من هذا قضاء الفائتة وصلاة ذات السبب كما تقدم في أوقات النهي، والله أعلم.
تنبيهان:
1 -
لا يكره الكلام بعد ركعتي الفجر: خلافًا لما ورد عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم كأحمد وإسحاق، من كراهة الكلام بعد طلوع الفجر حتى يصلى الفجر إلا ما كان من ذكر الله أو مما لا بد منه، إذ لا دليل على ذلك، بل في حديث عائشة الذي تقدم دليل على خلافه، وهو قولها:«فإن كنت مستيقظة حدثني وإلا اضطجع» .
2 -
لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء في الدعاء بعد الفراغ من ركعتي الفجر: وفيهما حديثان ضعيفان جدًّا لا يجوز العمل بهما حتى عند القائلين بالعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، لشدة ضعفهما (2).
سُنَّة الظهر:
وردت سنة الظهر على ثلاثة أوجه:
الأول: ركعتان قبلها وركعتان بعدها: كما في حديث ابن عمر قال: «حفظت من النبي صلى الله عليه وسلم عشر ركعات: ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتين قبل الصبح» (3).
الثاني: أربع ركعات قبلها واثنتان بعدها:
فعن عائشة قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدع أربعًا قبل الظهر» (4).
(1) صحيح: أخرجه البخاري (1173)، ومسلم (723) وغيرهما.
(2)
نبَّه على هذا العلامة الألباني رحمه الله في «تمام المنة» (ص/ 238 - 239) فليراجع.
(3)
صحيح: تقدم قريبًا.
(4)
صحيح: تقدم قريبًا.
وعن عبد الله بن شقيق قال: سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت:«كان يصلي قبل الظهر أربعًا واثنتين بعدها» (1).
وقد تقدم نحوه من حديث أم حبيبة رضي الله عنها.
الثالث: أربع ركعات قبلها وأربع بعدها:
لحديث أم حبيبة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من صلَّى أربع ركعات قبل الظهر، وأربعًا بعدها حرَّمه الله على النار» (2).
فائدة: الأولى أن تصلى الأربع ركعتين ركعتين، وأما حديث أبي أيوب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أربع قبل الظهر لا يُسلَّم فيهن، تفتح لهن أبواب السماء» (3) فضعيف لا يصح.
قضاء سنة الظهر:
- قضاء السنة القبلية: من فاتته السنة قبل الظهر -لعذر- فإنه يقضيها بعدها، فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا لم يصلِّ أربعًا قبل الظهر صلاهنَّ بعدها» (4).
- قضاء السنة البعدية: وكذلك يقضي السنة البعدية للظهر إذا زال عذره، ولو بعد صلاة العصر، لحديث أم سلمة أنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين بعد العصر -وقد نَهَى ذلك- فسألته عنهما فقال:«يا بنت أبي أمية، سألت عن الركعتين بعد العصر، فإنه أتاني أناس من بني عبد القيس فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان» (5).
(1) صحيح: أخرجه مسلم (730)، وأحمد (6/ 30).
(2)
صحيح بطرقه: أخرجه أبو داود (1269)، والترمذي (428)، والنسائي (3/ 265)، وابن ماجه (1160)، وأحمد (6/ 326)، والحاكم (1/ 312) وله طرق يصح بمجموعها.
(3)
ضعيف: أخرجه أبو داود (1270)، وأحمد (5/ 416)، وعبد بن حميد (226)، والطيالسي (507)، وابن خزيمة (1214)، والبيهقي (2/ 488) ومداره على عبيدة بن متعب، ولا يحتج به وقد ضعف الحديث الحافظ في «الدراية» (1/ 199)، وابن الجوزي في «التحقيق» (108) وهو كذلك.
(4)
حسن: أخرجه الترمذي (426).
(5)
صحيح: أخرجه البخاري (1233)، ومسلم (834)، وأحمد (6/ 310).
سنة العصر: ليس للعصر سنة راتبة مؤكدة، لكن يستحب أن يصلي قبلها ركعتين، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:«بين كل أذانين صلاة» (1) والمراد بين الأذان والإقامة وقد ورد عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رحم الله امرأً صلَّى قبل العصر أربعًا» (2). والحديث -عند من يصححه- يدل على مشروعية صلاة أربع قبل العصر.
تنبيه: ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «ركعتان لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعهما سرًّا ولا علانية: ركعتان قبل صلاة الصبح، وركعتان بعد العصر» (3).
وعنها قالت: «ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم السجدتين بعد العصر عندي قطُّ» (4).
وهذه المواظبة من النبي صلى الله عليه وسلم على الصلاة بعد العصر إنما هي من خصائصه صلى الله عليه وسلم كما ذكر غير واحد من أهل العلم (5) قلت: ولعل هذا يتأيد بقولها رضي الله عنها: «والذي ذهب به ما تركهما حتى لقي الله [تعني: الركعتين بعد العصر]
…
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصليهما، ولا يصليهما في المسجد مخافة أن يُثَقِّل على أمته، وكان يحب ما يخفف عنهم» (6).
سنة المغرب:
- قبلها: يستحب -لمن شاء- أن يصلي ركعتين قبل صلاة المغرب لما يأتي:
1 -
حديث عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب، ثم قال في الثالثة: لمن شاء» كراهية أن يتخذها الناس سنة راتبة (7).
2 -
حديث أنس بن مالك قال: «كان المؤذن إذا أذَّن، قام الناس من أصحاب
(1) صحيح: أخرجه البخاري (624)، ومسلم (838).
(2)
ضعيف: أخرجه أبو داود (1271)، والترمذي (430)، وأحمد (2/ 117) وقد صححه الألباني والظاهر خلافه، وانظر الميزان (6/ 332)، والكامل (6/ 243).
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (592).
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (591).
(5)
انظر «فتح الباري» (2/ 77 - سلفية).
(6)
صحيح: أخرجه البخاري (590).
(7)
صحيح: أخرجه البخاري (1129)، وأبو داود (1281).
رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتدرون السوراي (1) يصلَّون، حتى يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم وهم كذلك، يصلُّون الركعتين قبل المغرب، ولم يكن بين الأذان والإقامة شيء» (2). وهو يدل على استحباب تخفيفهما كما في ركعتي الفجر. والله أعلم.
3 -
حديث عبد الله بن مغفل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بين كل أذانين صلاة -ثلاثًا- لمن شاء» (3).
4 -
حديث عبد الله بن الزبير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من صلاة مرفوضة إلا وبين يديها ركعتان» (4).
- بعدها: ويتأكد صلاة ركعتين بعد صلاة المغرب كما تقدم في أحاديث ابن عمر وعائشة وأم حبيبة. ويستحب أن تصلى الركعتان بعد المغرب في البيت، لحديث ابن عمر قال:«كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي الركعتين بعد المغرب، والركعتين بعد الجمعة إلا في بيته» (5).
وعن محمود بن لبيد قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد الأشهل فصلى بهم المغرب، فلما سلَّم قال:«اركعوا هاتين الركعتين في بيوتكم» (6).
والقراءة فيهما: ويستحب أن يقرأ فيهما: (قل يا أيها الكافرون) و (قل هو الله أحد) بعد الفاتحة لحديث ابن مسعود قال: «ما أحصى ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين بعد المغرب وفي الركعتين قبل الفجر بـ (قل يا أيها الكافرون) و (قل هو الله أحد)» (7).
سنة العشاء:
- قبلها: يستحب -لمن شاء- صلاة ركعتين قبل العشاء، لعموم الندب إلى الصلاة قبل الفريضة وقد تقدم.
(1) السواري جمع سارية وهي الأسطوانة (العمود) والمراد: يتسارعون إليها للاستتار بها ممن يمر بين أيديهم.
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (625)، ومسلم (837) وغيرهما.
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (624)، ومسلم (838).
(4)
صحيح بما قبله: أخرجه ابن حبان (2455)، والدارقطني (1/ 267) وما قبله يشهد له.
(5)
صحيح: أخرجه الترمذي (432)، والطيالسي (1836)، والطحاوي (1/ 336).
(6)
حسن: أخرجه أحمد (5/ 428)، وابن ماجه (1165).
(7)
حسن لشواهده: أخرجه الترمذي (431)، وابن ماجه (1166) بسند ضعيف، وله شاهد عن ابن عمر عند النسائي (992)، وابن ماجه (833)، وأحمد (4533) بسند لا بأس به.