الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موقف الإمام والمأموم
[1]
صلاة واحد مع الإمام:
إذا صلَّى الرجل وحده مع الإمام فإنه يقف عن يمينه محاذيًا له -غير متأخر قليلاً كما يقول الشافعية- لما في قصة ابن عباس في صلاته مع النبي صلى الله عليه وسلم: «
…
ثم قام يصلي [أي النبي صلى الله عليه وسلم] فقمت فصنعت مثل ما صنع ثم ذهبت فقمت إلى جنبه فوضع يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني اليمنى يفتلها، فصلَّى
…
» (1) وفي رواية (2): «
…
فلما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على صلاة خنست، فصلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما انصرف، قال لي: «ما شأني أجعلك حذائي فتنخسُّ
…
» الحديث.
وفي قصة صلاة جابر معه صلى الله عليه وسلم: «
…
فجاء فتوضأ ثم قام فصلَّى في ثوب واحد خالف بين طرفيه، فقمتُ خلفه فأخذ بأذني فجعلني عن يمينه» (3).
وفي قصة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم -في مرض موته- بجانب أبي بكر، قالت عائشة: «
…
فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم حذاء أبي بكر إلى جنبه، فكان أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يصلون بصلاة أبي بكر» (4).
[2]
صلاة اثنين فأكثر مع الإمام:
إذا صلَّى مع الإمام رجلان فإنهما يقفان وراءه صفًّا باتفاق العلماء من الصحابة ومن بعدهم غير ابن
مسعود وصاحبيه، لحديث جابر الذي فيه: «.. ثم جئت حتى قمت عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه، ثم جاء جبار بن صخر فتوضأ ثم جاء فقام عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدينا جميعًا فدفعنا حتى أقامنا خلفه
…
» الحديث (5).
وعن أنس قال: «صليت أنا ويتيم في بيتنا خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وأمي -أم سليم- خلفنا» (6). وأما ابن مسعود فكان يرى أن يقف أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله:
فعن الأسود وعلقمة أنهما صليا مع عبد الله بن مسعود في داره قالا: «
…
(1) صحيح: أخرجه البخاري (183)، ومسلم (763).
(2)
أخرجها أحمد (1/ 330) بسند صحيح لكن الظاهر أنها شاذة.
(3)
صحيح: أخرجه مسلم (766)، وأحمد (3/ 351).
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (683)، ومسلم (418).
(5)
صحيح: أخرجه مسلم (3006)، في حديث طويل وابن ماجه (974)، وأحمد (3/ 421).
(6)
صحيح: أخرجه البخاري (727)، ومسلم (658).
وذهبنا لنقوم خلفه فأخذ بأيدينا فجعل أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله، فلما ركع وضعنا أيدينا على ركبنا قال: فضرب أيدينا وطبَّق بين كفَّيه ثم أدخلهما بين فخذيه
…
ثم قال: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم» (1). لكن ذكر جماعة من العلماء منهم الشافعي أن حديث ابن مسعود هذا منسوخ، لأنه تعلم هذه الصلاة من النبي صلى الله عليه وسلم وهو بمكة وفيها التطبيق وأحكام أخر هي الآن متروكة وهذا الحكم من جملتها، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة تركه، وعلى فرض عدم علم التاريخ، لا ينتهض هذا الحديث لمعارضة الأحاديث المتقدمة (2).
وإذا صلى مع الإمام ثلاثة فأكثر، فإنهم يقفون وراءه بإجماع العلماء والأحاديث في بيان هذا أكثر من أن تحصر.
ولا يجوز أن يتقدم المأموم على الإمام، لأنه لا يصح الائتمام بالإمام إلا إذا كان مقدمًا عليهم، وقد ذهب الجمهور إلى أن من تقدم على الإمام بطلت صلاته، وذهب مالك وإسحاق وأبو ثور وداود إلى جوازه إذا ضاق المكان وقيل مطلقًا (3).
[3]
الصلاة إلى جنب الإمام لمن لم يجد مكانًا في المسجد:
من دخل المسجد فوجد المسجد ممتلئًا والصفوف تامة، فله أن يتخلل الصفوف حتى يقف بجانب الإمام كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه مع أبي بكر حين أمَّ الناس: «
…
فلما رآه أبو بكر
استأخر، فأشار إليه أن كما أنت، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم حذاء أبي بكر إلى جنبه» (4).
وفي لفظ في قصة ذهاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني عمرو بن عوف ليُصلح بينهم وصلاة أبي بكر بالناس: «.. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة، فتخلَّص حتى وقف في الصف
…
» (5) وفي لفظ لمسلم «فخرَّق الصفوف حتى قام عند الصف المتقدم» .
[4]
صلاة المرأة مع الإمام:
المرأة إذا صلت مع الإمام، فإنها تقف خلف صفوف الرجال حتى ولو لم
(1) صحيح: أخرجه مسلم (534)، وأبو داود (613)، والنسائي (2/ 49).
(2)
«نيل الأوطار» ، و «المحلى» .
(3)
«ابن عابدين» (1/ 551)، و «الدسوقي» (1/ 331)، و «مغنى المحتاج» (1/ 49)، و «كشاف القناع» (1/ 485)، و «الإنصاف» (2/ 280).
(4)
صحيح: تقدم قريبًا.
(5)
صحيح: أخرجه البخاري (684)، ومسلم (421).
يكن معها امرأة أخرى، فتقف وحدها في الصف الأخير، وكذلك لو صلَّت وحدها مع الإمام فإنها تقف خلفه لا عن يمينه:
فعن أم سلمة قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلَّم قام النساء حين يقضي تسليمه، ويمكث هو في مقامه يسيرًا قبل أن يقوم نرى -والله أعلم- أن ذلك لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن أحد من الرجال» (1).
وعن أنس قال: «صليت أنا ويتيم خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وأمي أم سليم خلفنا» (2).
وقال ابن مسعود: «كان الرجال والنساء في بني إسرائيل يصلون جميعًا، فكانت المرأة لها الخليل تلبس القالبين تطول بهما لخليلها، فأُلقي عليهن الحيض» فكان ابن مسعود يقول: «أخروهن حيث أخَّرهنَّ الله» (3).
وإذا صلَّى مع الإمام رجل واحد وامرأة، فإن الرجل يقف حذاءه عن يمينه وتقف المرأة وحدها وراءهما، فعن أنس:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَمَّهُ والمرأة معهم فجعله عن يمينه، والمرأة أسفل من ذلك» (4).
فائدة: إذا خالفت المرأة فتقدمت على بعض الرجال أجزأت صلاتها عند الجمهور، وعند الحنفية تفسد صلاة الرجل دون المرأة!!
قلت: الأصح أن تفسد صلاتها هي لحديث «لا صلاة لمنفرد خلف الصف» وسيأتي، وبضميمة وقوف أم سليم وحدها خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأنس واليتيم، فدل هذا على بطلان صلاتها أمام
الرجال أو معهم، لكن محل هذا عدم الضرورة، كما لا يخفى.
[5]
صلاة المرأة بالنساء:
إذا صلت المرأة بجماعة النساء فإنها تقف وسطهن ولا تتقدم على الصف الأول منهنَّ، وهذا أستر لها، فعن ربطة الحنفية:«أن عائشة أمَّتهنَّ وقامت بينهن في صلاة مكتوبة» (5) وعن حجيرة عن أم سلمة: «أنها أمتهن فكانت وسطًا» (6).
(1) صحيح: أخرجه البخاري (870)، وأبو داود (1040)، والنسائي (2/ 66)، وابن ماجه (932).
(2)
صحيح: تقدم قريبًا.
(3)
إسناده صحيح: أخرجه عبد الرزاق (5115)، والطبراني (9384).
(4)
صحيح: أخرجه مسلم (269)، وابن أبي شيبة (2/ 88).
(5)
صحيح لشواهد: أخرجه عبد الرزاق (3/ 141)، والدارقطني (1/ 404)، والبيهقي (3/ 131).
(6)
صحيح لشواهد: أخرجه عبد الرزاق (3/ 140)، والدارقطني (1/ 405)، والبيهقي (3/ 131).
فإذا صلَّت المرأة بهنَّ متقدمة عليهن فالأظهر أن الصلاة صحيحة مجزئة لعدم الدليل على بطلانها، لكن خلاف الأولى والله أعلم.
[6]
أين يقف الصبيان في الصلاة؟
رُوى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان يجعل الرجال قدام الغلمان، والغلمان خلفهم، والنساء خلف الغلمان» (1) لكنه ضعيف لا يصح.
قال الإمام الألباني -نضرَّ الله وجهه-: «وأما جعل الصبيان وراءهم فلم أجد فيه سوى هذا الحديث، ولا تقوم به حجة، فلا أرى بأسًا من وقوف الصبيان مع الرجال إذا كان في الصف متَّسع، وصلاة اليتيم مع أنس وراءه صلى الله عليه وسلم حجة في ذلك» (2).
قلت: قد تقدم حديث أنس وصلاة اليتيم معه خلف النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان يُمنع الصبيان من الصفِّ مع الرجال، لقام أنس عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم واليتيم خلفهما وأم سليم خلفهم، والله أعلم.
صلاة الإمام أو المأموم في مكان مرتفع:
1 -
ارتفاع الإمام عن المأمومين:
يُكره للإمام أن يصلي أعلى من المأمومين، وهو مذهب الجمهور، سواء كان هذا العلو لحاجة أو لا. فعن همام:«أن حذيفة أمَّ الناس بالمدائن على دكان، فأخذ أبو مسعود (الأنصاري) بقميصه فجبذه، فلما فرغ من صلاته قال: ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عن ذلك؟ قال: بلى قد ذكرت حين مددتني» (3).
وقال الشافعي: أختار للإمام الذي يُعلَّم من خلفه أن يصلي على الشيء المرتفع فيراه من خلفه فيقتدون به. وهو رواية عن أحمد، لحديث سهل بن سعد لما سئل عن المنبر قال: «
…
ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى عليها (يعني أعواد المنبر) وكبَّر وهو عليها، ثم ركع وهو عليها، ثم نزل القهقري، فسجد في أصل المنبر ثم عاد، فلما فرغ أقبل على الناس فقال: أيها الناس إنما صنعت هذا لتأتموا، ولتعلموا صلاتي» (4).
(1) ضعيف: أخرجه أبو داود (677)، وأحمد (5/ 341) عن أبي مالك الأشعري.
(2)
«تمام المنة» (ص/ 282).
(3)
إسناده صحيح: أخرجه أبو داود (597)، وابن خزيمة (1523)، والحاكم (1/ 210)، والبيهقي (3/ 108) وليس فيه إلا ما يخشى من عنعنة الأعمش.
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (917)، ومسلم (544).
قلت: فإن وجدت مصلحة من قيام الإمام على المكان المرتفع كتعليم الناس ونحوه فلا بأس لهذا الحديث، وكذلك إذا دعت الحاجة، كأن يمتلئ الطابق العلوي من المسجد والإمام فيه، فيصلي بعضهم في الطابق الأسفل.
2 -
ارتفاع المأمومين عن الإمام:
لا دليل يمنع ارتفاع المأموم عن الإمام في الصلاة، لا سيما إذا دعت الحاجة إليه، كأن يمتلئ المسجد فيصلي بعضهم في الطابق العلوي منه، لكن ينبغي أن يكون على وجه يمكن المؤتم العلم بأفعال الإمام ليقتدي به، ويكون مُسامتًا لما خلف الإمام، لا متقدمًا عليه إلا لعذر، ويعضد هذا أن أبا هريرة:«كان بظهر البناء على ظهر المسجد، فيصلي بصلاة الإمام» (1).
وعن سعيد بن سليم قال: «رأيت سالم بن عبد الله صلى فوق ظهر المسجد صلاة المغرب ومعه رجل آخر، يعني ويأتم بالإمام» (2).
الاقتداء بالإمام من وراء حائل:
إذا صلى المأموم خلف الإمام خارج المسجد، أو في المسجد وبينهما حائل: فإن كانت الصفوف متصلة جاز باتفاق الأئمة (3).
فعن عائشة قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل في حجرته (4) وجدار الحجرة قصير، فرأى الناس شخص النبي صلى الله عليه وسلم، فقام أناس يصلون بصلاته
…
» الحديث (5).
وعن جبلة بن أبي سليمان قال: (رأيت أنس بن مالك يصلي في دار أبي عبد الله، يشرف على المسجد، له باب إلى المسجد، فكان يجمع فيه ويأتم بالإمام» (6).
،إذا صفُّوا وبينهم وبين الصف الآخر طريق يمشي الناس فيه أو نهر تجري فيه
(1) إسناده حسن: أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 223)، وعبد الرزاق (4888)، والبيهقي (3/ 111).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 233).
(3)
«مجموع الفتاوى» (23/ 407).
(4)
حصير كان يحتجره بالليل في المسجد، كما في بعض روايات الحديث.
(5)
صحيح: أخرجه البخاري (729)، ومسلم (782).
(6)
إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 223)، وعبد الرزاق (5455)، والبيهقي (3/ 111).