المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وإلى هذا ذهب الجمهور: الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وابن - صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة - جـ ١

[كمال ابن السيد سالم]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة فضيلة الشيخ/ فؤاد سراج عبد الغفار - حفظه الله

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌[المسلك في هذا الكتاب]

- ‌تمهيدنشأة علم الفقه

- ‌[الفقه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[عهد الصحابة رضي الله عنهم]

- ‌[أحوال الناس في المائة الأولى والثانية]

- ‌1 - كتاب الطهارة

- ‌تعريف الطهارة وأهميتها

- ‌أنواع الطهارة

- ‌أولاً الطهارة الحقيقية

- ‌هل يُعَدُّ المني طاهرًا أم نجسًا

- ‌هل تُعَدُّ الخمر من النجاسات

- ‌هل يعتبر الدم من النجاسات

- ‌هل «قيء الآدمي» نجس

- ‌الاستنجاء

- ‌بم يكون الاستنجاء

- ‌بعض الآداب في الاستنجاء

- ‌هل يجوز للرجل أن يبول قائمًا

- ‌سنن الفطرة

- ‌ الختان

- ‌السواك

- ‌إعفاء اللِّحية

- ‌ثانيًا الطهارة الحكمية:

- ‌الوضوء

- ‌أركان الوضوء

- ‌نواقض الوضوء

- ‌المسح على الحوائل

- ‌أولاً: المسح على الخفين:

- ‌ثانيًا: المسح على الجوربين والنعلين

- ‌ثالثًا: المسح على غطاء الرأس:

- ‌رابعًا: المسح على الجَبيرَة

- ‌مسائل تتعلق بالغسل

- ‌التيمُّم

- ‌نواقض التيمم

- ‌الحيض والنفاس

- ‌دم النفاس

- ‌دم الاستحاضة

- ‌2 - كتاب الصلاة

- ‌تعريف الصلاة

- ‌منزلتها من الدين:

- ‌الصلوات الخمس

- ‌الأحكام الدنيوية لتارك الصلاة:

- ‌عدد الفرائض:

- ‌عدد الركعات:

- ‌مواقيت الصلاة

- ‌مسائل تتعلق بمواقيت الصلاة

- ‌قضاء الصلوات الفائتة

- ‌الأوقات المنهي عن الصلاة فيها

- ‌الأذان والإقامة

- ‌شروط صحة الصلاة

- ‌أركان الصلاة

- ‌واجبات الصلاة

- ‌سنن الصلاة

- ‌السنن الفعلية في الصلاة

- ‌أمور تباح في الصلاة

- ‌(أ) الأفعال المباحة في الصلاة:

- ‌(ب) الأقوال وما في معناها المباحة في الصلاة:

- ‌المنهيات في الصلاة

- ‌مبطلات الصلاة

- ‌القنوت في الفرائض

- ‌صلاة التطوُّع

- ‌صلاة الوتر

- ‌قيام الليل

- ‌صلاة الضُّحىَ

- ‌صلاة الاستخارة

- ‌صلاة التسبيح

- ‌صلاة تحية المسجد

- ‌صلاة التوبة

- ‌صلاة الكسوف

- ‌صلاة الاستسقاء

- ‌سجود التلاوة

- ‌سجود الشكر

- ‌سجود السَّهْو

- ‌الصلاة في السفر

- ‌صلاة الخَوْف

- ‌صلاة الجماعة

- ‌صلاة الجماعة في الفرائض

- ‌الإمامة وأحكامها

- ‌موقف الإمام والمأموم

- ‌الصفوف وأحكامها

- ‌مسائل تتعلق بصفة صلاة الجماعة

- ‌أحكام المَسْبُوق

- ‌ما يُفْعَل بعد انقضاء الصلاة

- ‌طرق من أحكام المساجد

- ‌صلاة الجمعة

- ‌أفعال المأمومين حال الخُطبة

- ‌أذان الجمعة

- ‌خطبة الجمعة وأحكام الخطيب

- ‌أفعال المأمومين حال الخُطبة

- ‌أفعال في صلاة الجمعة

- ‌مسائل متفرقة

- ‌صلاة العيدين

- ‌3 - كتاب الجنائز

- ‌ما يفعله الحاضرون للمُحْتَضَر:

- ‌غسل الميت:

- ‌من أولى الناس بغسل الميت

- ‌صفة المُغَسِّل

- ‌صفة غُسل الميت:

- ‌تكفين الميِّت

- ‌صفة الكفن:

- ‌حمل الجنازة واتبَّاعها

- ‌من آداب اتباع الجنائز:

- ‌صلاة الجنازة

- ‌أين يصلى على الجنازة

- ‌صلاة الجنازة على القبر:

- ‌أفعال صلاة الجنازة:

- ‌دفن الميت، وما يتبعه

- ‌صفة القبر:

- ‌من الذي يقوم بالدَّفن

- ‌تعزية أهل الميت

- ‌ما ينتفع به الميت بعد موته

- ‌زيارة القبور وما يتعلق بها

- ‌هل تشرع زيارة النساء للقبور

- ‌من الأذكار الثابتة عند زيارة القبور:

الفصل: وإلى هذا ذهب الجمهور: الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وابن

وإلى هذا ذهب الجمهور: الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر وصاحبا أبي حنيفة (1).

هيئته: كهيئة سجود الصلاة على نحو ما تقدم في سجود التلاوة.

ولا يشترط له الطهارة ولا استقبال القبلة: لأنه ليس بصلاة، وإنما يستحب ذلك.

ولا يكره في أوقات النهي: كما تقدم في سجود التلاوة.

هل يشرع سجود الشكر في الصلاة؟

لا يُشرع أن يسجد للشكر وهو في الصلاة، لأن سببها خارج عن الصلاة، فإن سجد في الصلاة بطلت صلاته، إلا أن يكون جاهلاً أو ناسيًا فلا تبطل، كما لو زاد في الصلاة سجدةَ نسيانًا، وبهذا صرَّح الشافعية، والحنابلة، وعند الحنابلة قول بأنه لا بأس به في الصلاة!! (2) وهو ضعيف، والله أعلم.

‌سجود السَّهْو

تعريفه:

السهو لغة: السهو لغة: نسيان الشيء والغفلة عنه، وذهاب القلب عنه إلى غيره (3).

وسجود السهو اصطلاحًا: هو ما يكون في آخر الصلاة أو بعدها لجبر خلل بترك مأمور به أو فعل

بعض منهي عنه دون تعمد (4).

مشروعيته:

اتفقت المذاهب على مشروعية سجود السهو لمن وقع له في الصلاة ما جرى من النبي صلى الله عليه وسلم أو نحوه على وجه السهو (5).

وقد صحَّ في مشروعية سجود السهو عدة أحاديث عليها مدار أحكامه، أسوقها ههنا ليسهل الإحالة عليها في مسائل الباب:

(1)«روضة الطالبين» (1/ 324)، و «المغنى» (1/ 627)، و «الفتاوى الهندية» (1/ 135).

(2)

«المجموع» (40/ 68)، و «الفروع» (1/ 505).

(3)

«لسان العرب» مادة: (سها).

(4)

«الإقناع» للشربيني (2/ 89).

(5)

«نظم الفرائد، لما في حديث ذي اليدين من الفوائد» للحافظ العلائي (ص/ 405).

ص: 459

1 -

حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا نُودي بالأذان أدبر الشيطان له ضراط حتى لا يسمع الأذان، فإذا قضي الأذان أقبل، فإذا ثَّوب أدبر، فإذا قضى التثويب أقبل، يخطر بين المرء ونفسه، يقول: اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يكن يذكر، حتى يظل الرجل لا يدري كم صلَّى، فإذا لم يَدْرِ أحدكم كم صلَّى، فليسجد سجدتين وهو جالس» (1).

2 -

حديث أبي هريرة قال: «صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتَيْ العشى -إما الظهر وإما العصر- فسلَّم في الركعتين ثم أتى جزعًا في قبل المسجد، فاستند إليها، وخرج سَرَعان الناس، فقام ذو اليدين، فقال: يا رسول الله، أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فنظر النبي صلى الله عليه وسلم يمينًا وشمالاً، فقال: «ما يقول ذو اليدين؟!» قالوا: صدق، لم تصلِّ إلا ركعتين، فصلَّى ركعتين وسلَّم ثم كبَّر وسجد ثم كبَّر ورفع» (2).

3 -

حديث عمران بن حصين بنحو حديث أبي هريرة السابق وفيه: «

وسلَّم من ثلاث ركعات، فلما قيل له، صلَّى ركعة، ثم سلَّم، ثم سجد سجدتين، ثم سلَّم» (3).

4 -

حديث عبد الله بن بُحَيْنة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «قام من صلاة الظهر وعليه جلوس، فلما أتمَّ صلاته سجد سجدتين يكبِّر في كل سجدة وهو جالس قبل أن يسلِّم، وسجدهما الناس معه، مكان ما نسى من الجلوس» (4).

5 -

حديث ابن مسعود قال: «صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم [قال إبراهيم: زاد أو نقص]

فلما سلَّم، قيل له يا رسول الله، أحدث في الصلاة شيء؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: صليت كذا وكذا، فثنى رجليه واستقبل القبلة فسجد سجدتين ثم سلَّم، ثم أقبل علينا بوجهه، فقال:«إنه لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به، ولكن إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكِّروني، وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحرَّ الصواب، فليتم عليه، ثم ليسجد سجدتين» (5).

(1) صحيح: أخرجه البخاري (1231)، ومسلم (389).

(2)

صحيح: أخرجه البخاري (1229)، ومسلم (573).

(3)

صحيح: أخرجه مسلم (574)، والنسائي (1/ 26)، وابن ماجه (1018).

(4)

صحيح: أخرجه البخاري (1224)، ومسلم (570).

(5)

صحيح: أخرجه البخاري (1226)، ومسلم (572).

ص: 460

وفي لفظ للبخاري «ثم ليسلم ثم يسجد سجدتين» وفي رواية: انه صلَاّها خمسًا فسجد سجدتين.

6 -

حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلَّى أثلاثًا أم أربعًا، فليطرح الشك ولْيَبْنِ على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلِّم، فإن كان صلى خمسًا شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتمامًا لأربع كانتا ترغيمًا للشيطان» (1) ونحوه عن عبد الرحمن بن عوف.

أسباب سجود السهو: يُشرع سجود السهو في الصلاة لثلاثة أسباب:

[1]

النقص: إذا وقع في الصلاة نقص لغفلة أو سهو فلا يخلو المتروك من أن يكون ركنًا أو واجبًا أو مستحبًا:

(أ) فإن ترك ركنًا في ركعة -سهوًا- ثم ذكره قبل شروعه في القراءة في الركعة التي بعدها لزمه أن يعود إليه فيأتي به وبما بعده، ثم يلزمه سجود السهو في آخر صلاته على ما سيأتي تحرير موضعه. وإن لم يذكر الركن إلا بعد شروعه في قراءة الركعة التي بعدها، بطلت الركعة التي نقص منها وعليه إلغاؤها وإتمام صلاته ثم يسجد للسهو (2).

وإن نسي ركعة أو أكثر من صلاته، فإني يأتي بتمام صلاته، ثم يسجد للسهو، والأصل في هذا حديث أبي هريرة -في قصة ذي اليدين- وعمران بن حصين.

(ب) وإن ترك واجبًا من واجبات الصلاة -كالتشهد الأوسط مثلًا- فإن أمكنه استدراكه قبل مفارقة محلِّه أتى به ولا شيء عليه، وإن ذكره بعد مفارقة محله وقبل أن يصل إلى الركن الذي يليه رجع فأتى به ثم يكمل صلاته ولا سهو عليه، وإن ذكره بعد مفارقة محلِّه وبعد أن يصل إلى الركن الذي سقط عنه فلا يرجع إليه، ويستمر في صلاته، ويسجد للسهو. والأصل في هذا حديث عبد الله بن بجينة المتقدم.

وعن زياد بن علاقة قال: «صلى بنا المغيرة بن شعبة فلما صلى ركعتين قام

(1) صحيح: أخرجه مسلم (571)، وأبو داود (1024)، والنسائي (3/ 27)، وابن ماجه (1210).

(2)

بهذا صرَّح الحنابلة، ومذهب المالكية والشافعية قريب منه. وانظر:«الدسوقي» (1/ 293)، و «المجموع» (4/ 116)، و «كشاف القناع» (1/ 402)، و «المغنى» (2/ 6).

ص: 461

ولم يجلس، فسبح به من خلقه، فأشار إليهم: أن قوموا، فلما فرغ من صلاته سلَّم، وسجد سجدتين وسلَّم، وقال:«هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم» .

وفي رواية قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا استتم أحدكم قائمًا فليصلِّ وليسجد سجدتي السهو، وإن لم يستتم قائمًا فليجلس ولا سهو عليه» (1).

(جـ) وإن ترك مستحبًّا، فقيل: لا سهو عليه لأن المستحبات لا حرج في تركها، وقيل: بل يستحب السجود لمسنون -ولا يجب لئلا يزيد الفرع على أصله- لحديث: «لكل سهو سجدتان» (2). لكنه ضعيف لا يُحتجُّ به.

[2]

الزيادة: إذا سها المصلي فزاد ركعة أو أكثر في صلاته، فإن ذكر في أثنائها، فعليه أن يجلس -على أي وضع كان- ويتشهد ويسلم ويسجد للسهو ويسلِّم، فإن لم يذكر إلا بعد السلام، فإنه يسجد للسهو ويسلِّم.

لحديث ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى الظهر خمسًا، فقيل له: أزيد في الصلاة؟ فقال: «وما ذاك؟» قال: صليت خمسًا، فسجد سجدتين بعد ما سلَّم» (3).

[3]

الشك: إذا شك المصلي -أي تردَّد- هل صلى ثلاثًا أو أربعًا مثلًا، فإنه يتحرى صلاته (4) فإن ترجَّح عنده أحد الأمرين بنى عليه وسجد بعد السلام، كما في حديث ابن مسعود المتقدم.

وإذا لم يترجَّح له أحدهما، فإنه يبني على اليقين (وهو الأقل منهما) ويسجد قبل السلام، لحديث أبي سعيد المتقدم، وحديث عبد الرحمن بن عوف قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا سها أحدكم في صلاته فلم يدر واحدة صلى أم

(1) صحيح بطرقه: أخرجه أبو داود (1036)، والترمذي (365)، وأحمد (4/ 247)، والطحاوي في «المعاني» (1/ 439)، وانظر «الإرواء» (388).

(2)

ضعيف: أخرجه أبو داود (1038)، وابن ماجه (1219)، وأحمد (5/ 285)، وعبد الرزاق (3533)، والطيالسي (997)، والبيهقي (2/ 337)، والطبراني (2/ 92) وفي سنده اختلاف، وفيه ضعف وانقطاع.

(3)

صحيح: تقدم قريبًا.

(4)

معنى التحري: أن يتذكر مثلًا أنه قرأ الفاتحة وسورة مرتين فيعلم أنه صلى ركعتين لا ركعة، أو يتذكر أنه تشهد التشهد الأول فيعلم أنه صلى ركعتين لا واحدة، ونحو ذلك، فإذا تحرَّى الذي هو أقرب إلى الصواب أزال الشك، ولا فرق في هذا بين أن يكون إمامًا أو منفردًا كما اختار شيخ الإسلام (13/ 23) خلافًا للمشهور في مذهب أحمد، وانظر «المغنى» (1/ 378)، و «كشاف القناع» (1/ 406). وأما الجمهور فعندهم يبني على اليقين مطلقًا!!

ص: 462

اثنتين فلْيَبْن على واحدة، فإن لم يدر اثنتين صلى أم ثلاثًا

فليبن على اثنتين، فإن لم يدر أثلاثًا صلى أم أربعًا فليبن على ثلاث، ولسجد سجدتين قبل أن يسلِّم» (1).

تنبيه: لا يُلْتفت إلى الشك في العبادة في ثلاث حالات (2):

1 -

إذا كان مجرد وهم لا حقيقة له، كالوسواس.

2 -

إذا كثر مع الشخص بحيث لا يفعل عبادة إلا حصل له فيها شك.

3 -

إذا كان الشك بعد الفراغ من العبادة فلا يلتفت إليه ما لم يتيقَّن فيعمل بما تيقن.

حكم سجود السهو:

لأهل العلم في حكم سجود السهو في الصلاة عند وجود سببه، قولان (3):

الأول: أنه واجب: وهو ذهب الحنفية وقول عبد المالكية والمعتمد عند الحنابلة والظاهرية واختاره شيخ الإسلام، وحُجَّتهم:

1 -

أمر النبي صلى الله عليه وسلم به في الأحاديث المتقدمة، وفي بعضها لمجرد الشك.

2 -

مداومته صلى الله عليه وسلم على سجدتي السهو -عند وقوع سببها- وعدم تركهما في السهو المقتضي لهما قط.

الثاني: أنه مستحب: وهو المشهور عن المالكية والشافعية ورواية عن الحنابلة، وحجتهم:

- ما جاء في حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا شك أحدكم في صلاته فليلق الشك وليبن على اليقين، فإذا استيقن التمام سجد سجدتين، فإن كانت صلاته تامة كانت الركعة نافلة والسجدتان، وإن كانت ناقصة كانت الركعة تمامًا لصلاته، وكانت السجدتان مرغمتي الشيطان» (4).

(1) فيه لين: أخرجه الترمذي: (398)، وابن ماجه (1209)، والحاكم (1/ 325)، والبيهقي (2/ 332)، وفيه عنعنة ابن إسحاق وهو مدلس.

(2)

«سجود السهو» للشيخ محمود غريب -حفظه الله- (ص/ 17).

(3)

«فتح القدير» (1/ 502)، و «القوانين» (67)، و «المجموع» (4/ 152)، و «المغنى» (2/ 36)، و «كشاف القناع» (1/ 408)، و «المحلى» (4/ 159)، و «مجموع الفتاوى» (23/ 27).

(4)

إسناده حسن: أخرجه أبو داود (1024)، وابن ماجه (1210)، وأصله في مسلم لكن بدون ذكر لفظ (السجدتان نافلة).

ص: 463

قالوا: فدلَّ على أن السجدتين نافلة أي سنة وليستا واجبتين!!

والراجح: الوجوب، وأما حجة المخالفين فقد رد عليها شيخ الإسلام بأمرين:

1 -

أن هذا اللفظ (كانت الركعة والسجدتان نافلة) ليس في الصحيح ولفظ الصحيح: «فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتي قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمسًا شفعتا له صلاته، وإن

كان صلى تمامًا لأربع كانتا ترغيمًا للشيطان» وهو يقتضي وجوبهما، وجوب الركعة والسجدتين.

2 -

على فرض أن الرسول صلى الله عليه وسلم قاله، فمعناه: أنه مأمور بذلك مع الشك، فعلى تقدير أن تكون صلاته تامة في نفس الأمر، لم ينقص منها شيء يكون ذلك زيادة في عمله، وله فيه أجر كما في النافلة.

موضع سجود السهو (قبل السلام أو بعده؟):

اختلف أهل العلم في سجود السهو: يكون قبل السلام أو بعده؟ بناء على الأحاديث الثابتة في هذا الباب، بعد الاتفاق على أنه يجزئ على كل حال -على تسعة أقوال (1):

الأول: سجود السهو كله قبل السلام: وبه قال أبو هريرة ومكحول والزهري وابن المسيب وربيعة والأوزاعي والليث، وهو مذهب الشافعي الجديد.

الثاني: سجود السهو كله بعد السلام: وبه قال سعد بن أبي وقاص وابن مسعود وأنس وابن الزبير وابن عباس، وهو مروي عن عليٍّ وعمار، والحسن والنخعي والثوري، وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه.

الثالث: يسجد للزيادة بعد السلام، وللنقص قبله: وهو مذهب مالك والمزني وأبي ثور وقول للشافعي.

الرابع: يستعمل كل حديث كما ورد، وما لم يرد فيه شيء سجد قبل السلام: وهو مذهب أحمد وابن أبي خيثمة واختاره ابن المنذر.

(1)«ابن عابدين» (1/ 495)، و «المبسوط» (1/ 219)، و «القوانين» (67)، و «الدسوقي» (1/ 274)، و «روضة الطالبين» (1/ 315)، و «المجموع» (4/ 154)، و «المغنى» (2/ 22)، و «الكافي» (1/ 209) النبي صلى الله عليه وسلم و «الأوسط» (3/ 307)، و «بداية المجتهد» (1/ 279)، و «نيل الأوطار» (3/ 132 - 135).

ص: 464

الخامس: يستعمل كل حديث كما ورد، وما لم يرد فيه شيء سجد بعد السلام إن كان لزيادة، وقبله إن كان لنقص: وهو مذهب إسحاق بن راهوية.

السادس: كالسابق، لكن يخيَّر فيما لم يرد فيه شيء: وهو اختيار الشوكاني.

السابع: الباني على الأقل يسجد قبل السلام: والمتحرِّي يسجد بعد السلام: وهو مذهب ابن حبان.

الثامن: أنه مخيَّر في السجود قبل السلام أو بعده مطلقًا: وهو محكي عن عليٍّ، والشافعي في قول والطبري.

التاسع: أنه بعد السلام إلا في موضعين يكون فيهما مخيَّرًا: أحدهما إذا قام ولم يجلس للتشهد الأول،

والثاني: أن لا يدري أصلى ركعة أم ثلاثًا أو أربعًا فيبني على الأقل ويخيَّر في السجود، وإليه ذهب ابن حزم وأهل الظاهر.

والصحيح الذي تجتمع عليه النصوص المتقدمة: التفريق بين الزيادة والنقص، وبين الشك مع التحرِّي والشك مع البناء على اليقين وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية (1) وقال: وهذا إحدى الروايات عن أحمد، ومذهب مالك قريب منه وليس مثله، فإن هذا مع ما فيه من استعمال النصوص كلها، ففيه الفرق المعقول، وذلك أنه:

1 -

إذا كان في نقص -كترك التشهد الأول- احتاجت الصلاة إلى جبر، وجابرها يكون قبل السلام لتتم به الصلاة، فإن السلام هو تحليل من الصلاة.

2 -

وإذا كان من زيادة -كركعة- لم يجمع في الصلاة بين زيادتين، بل يكون السجود بعد السلام، لأنه إرغام للشيطان، بمنزلة صلاة مستقلة جبر بها نقص صلاته، فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل السجدتين كركعة.

3 -

وكذلك إذا شك وتحرَّى فإنه أتم صلاته، وإنما السجدتان لترغيم الشيطان فيكون بعد السلام.

4 -

وكذلك إذا سلَّم وقد بقي عليه بعض صلاته ثم أكملها فقد أتمها، والسلام منها زيادة، والسجود في ذلك بعد السلام، لأنه إرغام للشيطان.

5 -

وأما إذا شك ولم يتبين له الراجح، فهنا إما أن يكون صلى أربعًا أو خمسًا، فإن كان صلى خمسًا فالسجدتان يشفعان له صلاته، ليكون كأنه قد صلى ستًّا لا خمسًا، وهذا إنما يكون قبل السلام.

(1)«مجموع الفتاوى» (23/ 24 - 25).

ص: 465

قال ابن تيمية رحمه الله: «فهذا القول الذي نصرناه هو الذي يستعمل فيه جميع الأحاديث، لا يترك منها حديث، مع استعمال القياس الصحيح فيما لم يرد فيه نص، وإلحاق ما ليس بمنصوص بما يشبهه من المنصوص» اهـ.

إذا سها عن سجود السهو، وحصل فصل أو نقض للوضوء: فهل يبنى على صلاته ويسجد للسهو؟ أم يستأنف الصلاة من جديد؟

(أ) أما إذا وقع فصل طويل -ما لم ينتقض الوضوء- فللعلماء فيه قولان:

الأول يستأنف الصلاة من جديد: وهو مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد (1)، قالوا: لأنها صلاة واحدة فلم يجز بناء بعضها على بعض مع طول الفصل، كما لو انتقض وضوؤه.

الثاني: يبني على صلاته ويسجد للسهو ما لم ينتقض الوضوء: وهو قول لمالك والقديم للشافعي وبه قال يحيى بن سعيد الأنصاري والليث والأوزاعي وابن حزم وابن تيمية إلا أنه خصَّه بما كان بعد السلام (2).

قالوا: لأن طول الفصل ليس له حد منضبط، وقد سلم النبي صلى الله عليه وسلم ساهيًا وتكلَّم وراجع وخرج من المسجد ودخل بيته ثم عرف فخرج فأتم ما بقي من صلاته وسجد لسهوه سجدتين.

ولأنه مأمور بإتمام صلاته وسجوده للسهو فوجب، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:«من نسى صلاة أو نام عنها فكفَّارتها أن يصليها إذا ذكرها» (3).

قلت: وهذا مذهب قوي، لكن من أراد أن يحتاط لنفسه فيعيد الصلاة، فله ذلك والله أعلم.

(ب) وأما إذا انتقض وضوؤه بعد ما سلم من صلاته الناقصة، بطلت صلاته بالاتفاق. فإن كان سها عن السجود -بعد السلام- لزيادة في صلاته، جاز أن يسجدها وإن حدث (نقض للوضوء) لأنهما ترغيم للشيطان، كما قال ابن تيمية (4) قلت: يعني يتوضأ ويسجد للسهو، وهذا قوي ومتجه.

(1)«المبسوط» (1/ 224)، و «المدونة» (1/ 135)، و «المجموع» (4/ 156)، و «المغنى» (2/ 13).

(2)

«المدونة» (1/ 135)، و «المحلى» (4/ 166)، و «مجموع الفتاوى» (23/ 32 - 35).

(3)

صحيح: أخرجه مسلم (684)، والنسائي (614)، وعند البخاري (597) نحوه.

(4)

«مجموع الفتاوى» (23/ 36).

ص: 466

تكرار السهو في نفس الصلاة (1):

إذا تكرر السهو للمصلي في الصلاة، فإنه لا يتكرر لذلك سجود السهو، فلا يلزمه إلا سجدتان، عند جمهور العلماء، لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه أنهم كرَّروا السجود لتكرار السهو، مع أن تكرار السهو ممكن من كل مصلٍّ.

ولأنه لو لم تتداخل لسجد النبي صلى الله عليه وسلم عقب السهو، فلما أخَّر إلى آخر صلاته دلَّ على أنه إنما أخر ليجمع كل سهو في الصلاة.

قلت: وأما حديث ثوبان مرفوعًا: «لكل سهو سجدتان بعد ما يسلم» (2) فضعيف لا يصح، كما تقدم.

سجود السهو في صلاة التطوع (3):

جمهور العلماء على أنه يسجد للسهو في صلاة التطوع كالفرض، لعموم ذكر الصلاة في أحاديث

الباب من غير تفريق بين فريضة ونافلة، ولعدم الدليل على التفريق.

وعن أبي العالية قال: «رأيت ابن عباس يسجد بعد وتره سجدتين» (4).

وعن عطاء عن ابن عباس قال: «إذا أوهمت في التطوع فاسجد سجدتين» (5).

من أحكام السهو في صلاة الجماعة: قد يحصل السهو في الصلاة للإمام أو المأموم.

[1]

إذا سها الإمام في الصلاة:

(أ) يشرع للمأموم تنبيه إمامه إذا سها: ويكون ذلك بتسبيح الرجال، وتصفيق

(1)«رد المحتار» (1/ 497)، و «مواهب الجليل» (2/ 15)، و «شرح المنهاج» (1/ 204)، و «المغنى» (2/ 39).

(2)

ضعيف: تقدم تخريجه.

(3)

«شرح مسلم» (5/ 60)، و «فتح الباري» (3/ 125 - 126)، و «الأوسط» (3/ 325).

(4)

إسناده صحيح: علَّقه البخاري (3/ 125 - فتح)، ووصله ابن أبي شيبة (2/ 81) بسند صحيح.

(5)

إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي المنذر في «الأوسط» (3/ 325).

ص: 467

النساء -عند الجمهور خلافًا لمالك- (1) لحديث سهل بن سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من نابه شيء في صلاته فليقل: سبحان الله» (2).

وفي لفظ: «إذا نابكم أمر فليسبِّح الرجال» (3).

وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «التسبيح للرجال والتصفيق للنساء» (4).

وعند المالكية: يسبِّح الرجال والنساء على سواء، ويُكره تصفيق النساء في الصلاة!! والحديث حجة عليهم، ومعنى التصفيق أو التصفيح: أن تضرب ببطن كفِّها على ظهر الأخرى لتنبيه الإمام.

(ب) استجابة الإمام لتنبيه المأمومين ومتابعتهم (5):

ذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن الإمام إذا زاد في صلاته وكان على يقين أو غلب على ظنه أنه مصيب، والمأمومون يرون أنه في الخامسة مثلًا- لم يستجب لهم.

وعند المالكية أنه إن كثر عددهم بحيث يفيد العلم الضروري، فإن الإمام يترك يقينه ويرجع لهم فيما أخبروه.

وهذا إذا كان الإمام قد غلب على ظنه أو تيقن صواب فعله، فإن كان في شك، فيلزمه الاستجابة للمأمومين، لحديث ذي اليدين المتقدم، وبهذا قال الجمهور في الشك، خلافًا للشافعية، فإنهم يرون أنه يبني على اليقين ولا يلتفت للمأمومين!! قلت: وقول الجمهور أولى لأن شهادة المأمومين -الثقات- هي

نوع من التحري، فغن ترجَّح له صواب إخبار المأمومين عمل به، والله أعلم.

(جـ) إذا سها الإمام وسجد للسهو وجب على المأموم اتباعه: سواء سها المأموم معه أو انفرد الإمام بالسهو، قال ابن المنذر في «الأوسط» (3/ 322): «أجمع كل

(1)«فتح القدير» (1/ 356)، و «مواهب الجليل» (2/ 29)، و «نهاية المحتاج» (2/ 44)، و «المغنى» (2/ 19).

(2)

صحيح: أخرجه البخاري (1218)، والنسائي (784).

(3)

صحيح: أخرجه البخاري (7190)، والنسائي (793)، وأبو داود (940).

(4)

صحيح: أخرجه البخاري (1203)، ومسلم (422).

(5)

«ابن عابدين» (1/ 507)، و «نهاية المحتاج» (2/ 75)، و «الخرشي» (1/ 322)، و «المغنى» (2/ 20).

ص: 468

من نحفظ عنه من أهل العلم على أن على المأموم إذا سها الإمام في صلاته وسجد أن يسجد معه، وحجتهم فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم:«إنما جعل الإمام ليؤتم به» (1) ولأن المأموم تابع للإمام، وحكمه حكمه إذا سها، وكذلك إذا لم يَسْه.

(د) إذا سها الإمام ولم يسجد للسهو؟ فهل يسجد المأموم؟ (2).

اختلف أهل العلم في هذا، فذهب عطاء والحسن والنخعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه إلى أنه إن لم يسجد لم يسجدوا لما فيه من مخالفة الإمام.

وذهب ابن سيرين وقتادة والأوزاعي ومالك والليث والشافعي وأبو ثور ورواية عن أحمد، إلى أنهم يسجدون وإن لم يسجد الإمام، قالوا: ذلك أن هذا شيء وجب عليهم وعليه، فلا يزول عنهم بتركه ما وجب عليه، وذلك أن الكل مؤدٍّ فريضة وما وجب عليه، فلا يزول عنه إلا بأدائه.

(هـ) هل يسجد للسهو المسبوق مع الإمام؟

إذا أدرك الرجل بعض (3) صلاة الإمام، وعلى الإمام سجود السهو، فللعلماء فيه أربعة أقوال:

الأول: يسجد مع الإمام ثم يقوم ليقضي ما عليه: وبه قال الشعبي وعطاء والنخعي والحسن، وأحمد وأبو ثور وأبو حنيفة وأصحابه (4).

الثاني: يقضي، ثم يسجد لسهو إمامه، وبه قال ابن سيرين وإسحاق بن راهويه (5).

الثالث: يسجد مع الإمام ثم يقضي ثم يسجد بعد فراغه من الصلاة، وهو مذهب الشافعي (6).

(1) صحيح: تقدم تخريجه.

(2)

«الأوسط» (3/ 322)، و «ابن عابدين» (1/ 499)، و «الخرشي» (1/ 331)، و «المجموع» (4/ 134) النبي صلى الله عليه وسلم و «المغنى» (1/ 41).

(3)

اختلف العلماء في مقدار الإدراك الذي يلزم به متابعة الإمام في سجود السهو، فقال الجمهور: إذا أدرك معه ركنًا قبل سجوده للسهو وجب متابعته سواء كان السهو قبل الاقتداء أو بعده، وقال المالكين: إذا لم يدرك معه ركعة لم يسجد. قلت: وهو الأظهر، لكن إن سها مع الإمام فعليه أن يسجد لسهو نفسه لا لسهو إمامه، والله أعلم.

(4)

«الأوسط» (3/ 323)، و «مسائل أحمد» لأبي داود (55)، و «الأصل» (1/ 234).

(5)

«الأوسط» (3/ 323).

(6)

«الأم» للشافعي (1/ 132).

ص: 469

الرابع: إن سجد الإمام قبل التسليم سجد معه، وإن سجد بعد التسليم قام فقضى صلاته ثم

يسجدها.

وهو مذهب مالك والأوزاعي والليث بن سعد (1).

قلت: ولعل هذا الأخير هو الأقرب لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما جعل الإمام ليؤتم به

وإذا سجد فاسجدوا» وقد تقرر -فيما مضى- أن السجود قبل التسليم يكون جبرًا للنقص فوجب المتابعة فيه.

وأما ما يسجد فيه بعد السلام فإنه ترغيم للشيطان، فيقوم يتم ما عليه ثم يسجد لسهو إمامه لقوله صلى الله عليه وسلم:«ما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكم فأتموا» (2) ويكون بهذا قد ائتم بالإمام من جهة أن الإمام سجد في آخر صلاته فكذلك هو.

[2]

إذا سها المأموم خلف إمامه (3):

إذا سها المأموم خلف الإمام فإن الإمام يحمل عنه سهوه، وليس عليه سجود للسهو، عند أكثر أهل العلم من الأئمة الأربعة وغيرهم، وقد ورد في هذا حديث مرفوع عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم:«ليس على من خلف الإمام سهو، فإن سها الإمام فعليه وعلى من خلفه السهو، وإن سها خلف الإمام فليس عليه سهو والإمام كافيه» (4) لكنه ضعيف لا يصح لكن عليه العمل عند الأكثرين.

وخالف في هذا ابن سيرين وداود وابن حزم فقالوا: يسجد كما لو كان منفردًا أو إمامًا لأن أمر النبي صلى الله عليه وسلم كل من أوهم في صلاته بسجدتي السهو لم يخص إمامًا ولا منفردًا من مأموم.

قلت: مذهب الجمهور أرجح لا للحديث المرفوع، وإنما لما ذكره العلامة الألباني رحمه الله حيث قال (5): «نحن نعلم يقينًا أن الصحابة الذين كانوا يقتدون به صلى الله عليه وسلم كانوا يسهون وراءه سهوًا يوجب السجود عليهم لو كانوا منفردين، هذا الأمر لا يمكن لأحد إنكاره، فإذا كان كذلك فلم ينقل أن أحدًا منهم سجد بعد سلامه صلى الله عليه وسلم، ولو كان مشروعًا لفعلوه، ولو فعلوه لنقلوه، فإذا لم ينقل، دلَّ

(1)«الأوسط» (3/ 323)، و «المدونة» (1/ 139).

(2)

صحيح: أخرجه البخاري (635)، ومسلم (602).

(3)

«الأوسط» (3/ 320)، و «المحلى» (4/ 167).

(4)

ضعيف: أخرجه الدارقطني (1/ 377)، والبيهقي (2/ 352).

(5)

«إرواء الغليل» (2/ 132).

ص: 470

على أنه لم يشرع، وهذا ظاهر -إن شاء الله تعالى- وقد يؤيد ذلك ما مضى في حديث معاوية بن الحكم السلمي أنه تكلم في الصلاة خلفه صلى الله عليه وسلم جاهلاً بتحريمه، ثم لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بسجود السهو» اهـ.

صفة سجود السهو: سجود السهو سجدتان كالسجدتين في الركعة تمامًا يكبِّر عند كل خفض ورفع ثم يسلِّم، سواء كانه السجود قبل التسليم أو بعده.

فأما التكبير: ففي حديث ابن بجينة: «فلما أتم صلاته سجد سجدتين: يكبِّر في كل سجدة وهوجالس قبل أن يسلم ....» (1) وهذا قبل السلام.

وأما بعد السلام، فهو ثابت في حديث أبي هريرة: «

فصلى ركعتين وسلَّم، ثم كبَّر وسجد، ثم كبَّر فرفع، ثم كبر وسجد، ثم كبر فرفع» (2).

هل لسجود السهو تكبيرة إحرام؟

ظاهر الأحاديث أنه يكفي بتكبير السجود وبه قال الجمهور (3)، وقال مالك: لابد من تكبيرة إحرام قبل السجود، لزيادة وردت في حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين:«أنه كبر وسجد، وقال هشام -يعني ابن حسان-: كبر ثم كبر وسجد» وهي زيادة شاذة لا تثبت.

قال ابن عبد البر (4): «سلامه ساهيًا لا يخرجه من صلاته عندنا وعند جمهور العلماء ولا يفسدها عليه، وإذا كان في صلاته بنى عليها، فلا معنى للإحرام، لأنه غير مستأنف لصلاة بل هو متمم لها بانٍ فيها، وإنما يؤمر بتكبيرة الإحرام من ابتدأ صلاته وافتتحها» اهـ.

وأما التسليم بعد السجدتين: فهو ثابت في خبر ذي اليدين، وحدث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى خمسًا، وحديث عمران بن حصين وفيه: «

فصلى ركعة ثم سلَّم، ثم سجد سجدتين، ثم سلَّم» (5).

(1) صحيح: تقدم في أوب الباب.

(2)

صحيح: تقدم في أوب الباب.

(3)

«فتح الباري» (3/ 99).

(4)

«الاستذكار» (4/ 345).

(5)

صحيح: تقدم في أوب الباب.

ص: 471