الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تكفين الميِّت
حكمه:
أجمع العلماء على أن تكفين الميت بما يستره فرض كفاية، وقد دلَّت النصوص على ذلك:
1 -
فعن ابن عباس أن رجلاً وقصه بعيره ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اغسلوه بماء وسدر، وكفِّنوه في ثوبين، ولا تُمسَّوه طِيبًا، ولا تخمروا رأسه، فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيًا» (1).
2 -
3 -
وعن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يومًا فذكر رجلاً من أصحابه قُبِضَ فكُفِّن في كفن غير طائل، وقُبر ليلاً، فزجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يُقْبَر الرجل بالليل حتى يُصلى عليه إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:«إذا كفَّن أحدكم أخاه فليحسن كفنه» (3).
على من تكون تكاليف الكفن (4)؟
ذهب أكثر أهل العلم إلى أن قيمة الكفن وتكاليف الغسل والدفن من رأس مال الميت، واستدلَّ بعضهم بحديث عبد الرحمن بن عوف «أنه أتُي يومًا بطعامه فقال: قُتل مصعب بن عمير -وكان خيرًا مني- فلم يوجد له ما يُكفَّن فيه إلا بردة ....» الحديث (5).
(1) صحيح: أخرجه البخاري (1267)، ومسلم (1206).
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (1276)، ومسلم (940).
(3)
صحيح: أخرجه مسلم (943)، وأبو داود (3148)، والنسائي (4/ 33)، والمراد بإحسان الكفن: نظافته وكثافته وستره ونحوه، لا أن المراد السرف فيه والمغالاة ونفاسته (أفاده النووي).
(4)
«الأم» (1/ 236)، و «المجموع» (5/ 188)، و «المحلى» (5/ 121)، و «الغسل والكفن» (ص: 150).
(5)
صحيح: أخرجه البخاري (1274)، وغيره.
وقال أكثرهم: يُبدأ بالكفن ثم بالدَّين ثم بالوصية لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الرجل الذي وقصه بعيره: «وكفنوه في ثوبين» ولم يستفصل هل عليه دين أم لا؟ فدلَّ على تقديم الكفن على الدين، فليس لغرمائه ولا لورثته منع ذلك، فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمهم نفقته فإن لم يكن ففي بيت المال فإن لم يكن وجب على المسلمين يوزعه الإمام على أهل اليسار وعلى من يراه ..
وقيل: بل يقدَّم الدين، لأن الله تعالى لم يجعل ميراثًا ولا وصية إلا فيما يخلفه المرء بعد دينه فصحَّ أن الدين مقدَّم، فإن لم يكن له مال وجب على المسلمين تكفينه، وأما الاستدلال بحديث من وقصه بعيره فيرد عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان تكفل بديون من مات من المسلمين لقوله:«أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن مات وعليه دين ولم يترك وفاء فعلينا قضاؤه، ومن ترك مالاً فلورثته» (1) وهو قول أبي محمد بن حزم.
وأما تكاليف المرأة المزوَّجة:
فقال بعض أهل العلم: يُلزم زوجها بتكاليف كفنها وسائر مؤن تجهيزها (2)، وقيل: بل يُخصم من رأس مالها إن تركت مالاً ولا يلزم زوجها، لأن أموال المسلمين محظورة إلا بنص قرآن أو سنة، قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام» (3) وإنما أوجب تعالى على الزوج النفقة والكسوة والإسكان، ولا يسمى في اللغة التي خاطبنا الله تعالى بها الكفن كسوة، ولا القبر إسكانًا» (4).
قلت: وهذا هو الأظهر والله أعلم.
فائدة: يجوز للشخص تجهيز كفنه قبل الموت:
فعن سهل بن سعد «أن امرأة جاءت النبي صلى الله عليه وسلم ببردة منسوجة فيها حاشيتُها
…
قالت: نسجتها بيدي فجئت لأكسوكها، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجًا إليها، فخرج إلينا وإنها إزاره، فحسَّنها فلان، فقال: اكسنيها ما أحسنها، قال القوم: ما أحسنتَ، لبسها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجًا إليها ثم سألته وعلمت أنه لا يردُّ؟!
(1) صحيح: أخرجه البخاري (6731)، وغيره.
(2)
«المجموع» (5/ 188)، وانظر كتابي «فقه السنة للنساء» (ص: 189) ط. التوفيقية.
(3)
صحيح: يأتي بطوله وتخريجه في «الحج» .
(4)
«المحلى» لابن حزم (5/ 122).