الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخفين على الطهارة، ولم ينص على ذلك في العمامة والخمار، ولو وجب لبيَّنه صلى الله عليه وسلم (1).
قلت: هذا، على أن الخفين بدل عما فرضه الغَسل، وأما الرأس ففرضه المسح، وما كان على الرأس فآخذ حكمه، فافترقا، والله أعلم.
ولا توقيت ولا تحديد لمدة المسح على أغطية الرأس: لعدم صحة القياس على مسح الخفين، وقد مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على العمامة والخمار ولم يوقت في ذلك وقتًا وهذا مروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه (2).
رابعًا: المسح على الجَبيرَة
الجبيرة: عيدان تجبر بها العظام المكسورة لتتماسك، وقد استعيض عنها في هذه الأيام بالجبس.
ومن كان على أحد أعضاء الوضوء -كالذراعين أو الرجلين- جبيرة، فإنه يجوز له أن يمسح عليها عند جمهور العلماء من الأئمة الأربعة وغيرهم (3)، واستدلوا بما يلي:
1 -
حديث جابر في الذي أصابته الشجة، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إنما يكفيه أن يعصب على جرحه خرقة، ثم يمسح عليها» (4) وهو ضعيف.
2 -
قول ابن عمر: «من كان له جرح معصوب عليه، توضأ ومسح على العصائب، ويغسل ما حول العصائب» (5) ولا يُعلم لابن عمر مخالف من الصحابة.
3 -
القياس على المسح على الخفين، فإن المسح عليهما لغير ضرورة جائز، فكيف بالجبيرة وهي ضرورة فهي أولى.
وذهب ابن حزم إلى أن من كانت عليه جبيرة فليس عليه أن يمسح عليها، وأنه يسقط حكم ذلك المكان (6).
(1)«المحلى» (2/ 64).
(2)
«المحلى» (2/ 65).
(3)
«شرح فتح القدير» (1/ 140)، و «المدونة» (1/ 23)، و «المغنى» (1/ 203)، و «المجموع» (2/ 327).
(4)
ضعيف: أخرجه أبو داود (236) وغيره، وانظر «الإرواء» (105).
(5)
إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 126)، والبيهقي (1/ 228).
(6)
«المحلى» (2/ 74).
قلت: هذا لأنه يضعِّف أحاديث المسح على العصائب، ولا يرى القياس حجة!! وهذه الأحاديث لا تصح كما قال، وأما القياس فلا شك أنه حجة إذا تحققت أركانه وشروطه، لكن قد يقال إن القياس هنا فاسد لاختلاف حكم الفرع عن الأصل، فهو قياس واجب (المسح على الجبيرة عند الجمهور) على مباح (المسح على الخفين فيتألق حينئذٍ مذهب ابن حزم والله أعلم.
فوائد:
1 -
المسح على الجبيرة -يجزئ في الوضوء والغُسل على سواء: لأن الجبيرة ضرورة فلا يفرق فيها بين الحدث الأصغر والأكبر، بخلاف المسح على الخفين فإنه رخصة.
2 -
لا يشترط وضع الجبيرة على طهارة ولا التوقيت:
لا يشترط أن توضع الجبيرة على طهارة لأن هذا ينافي مقصد الشرع في إباحة المسح من رفع الحرج والمشقة، ولأن حال الجبيرة اضطرار يأتي مفاجأة بخلاف الخفين، ثم لعدم النص أو الإجماع.
وكذلك لا توقيت للمسح عل الجبيرة بل متى نزعت أو برئ العضو لم يجز المسح.
3 -
اللفائف الطبية على أعضاء الوضوء لها حكم الجبيرة: كما حققه شيخ الإسلام (1).
الغُسْل
تعريفه: المراد بالغُسل: فعل الاغتسال، وهو لغة: سيلان الماء على الشيء، والغُسل شرعًا: إفاضة الماء الطهور على جميع البدن على وجه مخصوص (2).
مُوجبِات الغُسل: وهي الأمور التي توجب الغُسل على الصفة الشرعية التي تأتي فيما بعد:
[1]
خروج المَنيِّ -على وجه الصحة- في اليقظة أو النوم:
لقوله تعالى: {وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} (3). وقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُباً إِلَاّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُوا} (4).
(1)«مجموع الفتاوى» (21/ 185).
(2)
«كشاف القناع» (1/ 158).
(3)
سورة المائدة، الآية:6.
(4)
سورة النساء، الآية:43.
وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما الماء من الماء» (1) والمراد: أن الاغتسال (بالماء) يكون إذا أنزل (الماء) وهو المني.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعليٍّ: «إذا فَضَخْتَ الماء فاغتسل» (2) وفي لفظ: «إذا حذفت» ولا يكون بهذه الصفة إلا إذا خرج بشهوة كما قال الله تعالى: {خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ} (3).
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: «جاءت أم سليم -امرأة أبي طلحة- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحي من الحق، هل على المرأة غُسل إذا هي احتلمت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم، إذا رأت الماء» (4) وهو دالٌّ على أنه لا يشترط للغسل من الاحتلام أن يخرج بشهوة ودفق، بل إذا رأى المني في ثوبه وجب الغسل وإلا فلا غسل عليه وإن ذكر أنه احتلم، لحديث عائشة قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلامًا؟ فقال: «يغتسل» وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولا يجد البلل؟ فقال: «لا غُسل عليه» (5).
تنبيهان:
1 -
المرأة في كل ما تقدم كالرجل سواء بسواء.
2 -
من سال منه المني بلا شهوة: لمرض أو برد أو نحوه، فلا غسل عليه في أصح قولي العلماء وهو مذهب الجمهور، خلافًا للشافعي وابن حزم.
وقد أجمع العلماء (6) على إيجاب الغسل بخروج المني بشهوة -في اليقظة- وبالاحتلام مع خروج المني، إلا ما يُروى عن إبراهيم النخعي أنه كان لا يرى على المرأة الغسل من الاحتلام، قال الشوكاني: ما أظنها تصح الرواية عنه، ولو صحت لكان قوله مخالفًا لإجماع من قبله من المسلمين، ومن بعده. اهـ.
[2]
التقاء الختانين ولو من غير إنزال: فإذا غابت حشفة ذكر الرجل في فرج المرأة فقد وجب عليهما الغسل أنزلا أو لم ينزلا، لحديث أبي هريرة عن النبي
(1) صحيح: أخرجه مسلم (343)، وأبو داود (214).
(2)
صحيح: أخرجه أبو داود (206)، والنسائي (193)، وأحمد (1/ 247) وأصله في «الصحيحين» .
(3)
سورة الطارق، الآية:6.
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (282)، ومسلم (313).
(5)
صحيح: أخرجه الترمذي (113)، وأبو داود (233).
(6)
«المجموع» (1/ 139)، و «بداية المجتهد» (1/ 58)، و «السيل الجرار» (1/ 104).
صلى الله عليه وسلم قال: «إذا جلس بين شُعبها الأربع، ثم جهدها فقد وجب الغسل [وإن لم ينزل]» (1).
وعن عائشة رضي الله عنها: أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجامع أهله ثم يَكْسَل: هل عليهما غسل؟ -وعائشة جالسة- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل» (2).
قال النووي: «وهذا لا خلاف فيه اليوم، وقد كان فيه خلاف لبعض الصحابة، ومن بعدهم، ثم انعقد الإجماع على ما ذكرناه» اهـ.
قلت: أما خلاف الصحابة في هذه المسألة فمنه حديث زيد بن خالد «أنه سأل عثمان بن عفان فقال: أرأيت إذا جامع الرجل امرأته فلم يُمْن؟ قال عثمان: يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره، قال عثمان: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألت عند ذلك عليَّ بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وأبي بن كعب رضي الله عنهم فأمروه بذلك» (3).
وذهب داود الظاهري إلى عدم وجوب الغسل إن لم ينزل لحديث: «إنما الماء من الماء» (4).
وحديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: «إذا أُعجلت -أو: قحطت- فعليك الوضوء» (5).
فأما هؤلاء الصحابة فقد ثبت عنهم الرجوع عن القول بعدم إيجاب الغسل (6).
وأما قول داود فقد خالف فيه الجماهير من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والفقهاء من التابعين ومن بعدهم فرأوا أن حديث «الماء من الماء» وما في معناه كان في أول الإسلام ثم نسخ، قال الترمذي (1/ 185): «وهكذا روى غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبي بن كعب (7) ورافع بن خديج والعمل على هذا عند أكثر
(1) صحيح: أخرجه البخاري (291)، ومسلم (348) والزيادة له.
(2)
صحيح: أخرجه مسلم (350).
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (292)، ومسلم (347).
(4)
صحيح: أخرجه مسلم (343) وقد تقدم.
(5)
صحيح: أخرجه البخاري (180)، ومسلم (345).
(6)
انظر الآثار عنهم في «جامع أحكام النساء» لشيخنا، حفظه الله (1/ 89، 90).
(7)
حديث أبي صحيح بطرقه كما بيَّنه شيخنا أبو عمير الأثري -أمتع الله بحياته- في «شفاء العيي بتحقيق مسند الشافعي» (100).
أهل العلم، وعلى أنه إذا جامع امرأته في الفرج وجب عليهما الغسل وإن لم ينزل» اهـ.
فوائد (1):
1 -
إذا مس ذكره الرجل فرج المرأة دون إيلاج فيه، فليس عليهما غسل بالاتفاق (2) وعن إبراهيم النخعي أنه سئل عن الرجل يجامع امرأته في غير الفرج فينزل الماء؟
قال: «يغتسل هو ولا تغتسل هي، ولكن تغسل ما أصاب منها» (3).
2 -
إذا باشر الرجل زوجته، وأدخل ما دون الحشفة، فنزل منيُّه في فرجها، ولم تُمنِ هي، لم يلزمها الغسل.
قال النووي: «إذا استدخلت المرأة المني في فرجها أو دُبرها، ثم خرج منها لم يلزمها الغُسل، هذا هو الصواب الذي قطع به الجمهور» اهـ (4).
3 -
إذا جامع الرجل زوجته ثم اغتسلت، وبعد ذلك خرج من فرجها ماء الرجل، فلا يلزمها الغسل، أما هل يلزمها الوضوء؟ يلزمها الوضوء على قول الجمهور (5) لأنه خارج من أحد السبيلين -وإن كان طاهرًا- وقال ابن حزم (6):
الوضوء إنما يجب عليها من حدثها لا من حدث غيرها، وخروج ماء الرجل من فرجها ليس إنزالاً منها ولا حدثًا منها فلا غسل عليها ولا وضوء. اهـ.
قلت: أما قاعدة الوضوء من كل خارج من السبيلين فهي غير مسلَّمة كما تقدم، على أن مجرى المني من المرأة غير مجرى البول، فيظهر مذهب ابن حزم، إلا أنه يُحترز من أن يخالط هذا المني مذي المرأة، فالأحوط أن تتوضأ والله أعلم.
4 -
إذا جامع زوجته الصغيرة -التي لم تحض- أو كان الواطئ للمرأة صغيرًا
(1) من كتابي «فقه السنة للنساء» (ص 46).
(2)
«المغنى» لابن قدامة (1/ 204).
(3)
إسناده صحيح: أخرجه عبد الرزاق (971)، وانظر آثارًا نحوه عن بعض السلف في «جامع أحكام النساء» (1/ 95).
(4)
«المجموع (2/ 151)، وانظر «المحلى» (2/ 7).
(5)
«المجموع (2/ 151).
(6)
«المحلى (2/ 6).
لم يبلغ فإنه يلزمها أيضًا الغسل، كما قال الإمام أحمد:«تُرى عائشة حين كان يطؤها النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن تغتسل؟!!» اهـ (1).
5 -
إذا دعا الرجل زوجته إلى الجماع، فليس لها أن تمنعه من هذا بحجة عدم وجود الماء للاغتسال، قال شيخ الإسلام في «الفتاوى» (21/ 454):«وليس للمرأة أن تمنع زوجها الجماع، بل يجامعها، فإن قدرت على الاغتسال وإلا تيممت وصلت» اهـ.
[3]
، [4] الحيض والنفاس: وهما سببان موجبان للغُسل، لكن لما كان الاغتسال من السبب لا يتم إلا بعد انقطاعه والفراغ منه، وجب الغسل بعد انقطاع الحيض والنفاس.
فعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت أبي حبيش: «إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي وصلِّي» (2).
والنفاس كالحيض بالإجماع، ثم إنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم التعبير بالنفاس عن الحيض والعكس.
وستأتي أحكام الحيض والنفاس مفصلة، إن شاء الله.
[5]
إسلام الكافر:
للعلماء في حكم اغتسال الكافر إذا أسلم ثلاثة أقوال:
الأول: يجب الغُسل على الكافر مطلقًا: وهو مذهب مالك وأحمد وأبي ثور وابن حزم واختاره ابن المنذر والخطابي (3) واستدلوا بما يلي:
1 -
حديث قيس بن عاصم «أنه لما أسلم أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بماء وسدر» (4) والأصل في الأمر الوجوب.
2 -
ما في حديث أبي هريرة في إسلام ثمامة بن أثال من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «اذهبوا به إلى حائط بني فلان فمروه أن يغتسل» (5).
(1)«المغنى» (1/ 206).
(2)
صحيح: وسيأتي تخريجه في «الحيض» .
(3)
«مواهب الجليل» (1/ 311)، و «المغنى» (1/ 152)، و «المجموع» (2/ 175)، و «المحلى» (2/ 4).
(4)
صحيح: أخرجه أبو داود (355)، والترمذي (605)، والنسائي (1/ 109) وانظر «المشكاة» (543).
(5)
صحيح: أخرجه أحمد (2/ 304)، وابن خزيمة (252)، وأصله في الصحيحين بدون الأمر بالغسل وانظر «الإرواء» (128).
3 -
قصة إسلام أسيد بن حضير وفيها أنه سأل مصعب بن عمير وأسعد بن زرارة: كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين؟ فقالا: «تغتسل فتطهر وتطهر ثوبيك ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلي ....» الحديث (1).
الثاني: يستحب الغسل للكافر، إلا إذا كان على جنابة قبل إسلامه فيجب الغُسل: وهو مذهب الشافعي وقول عند الحنفية (2).
الثالث: لا يجب عليه الغُسل مطلقًا: وهو مذهب أبي حنيفة (3).
واستدل الفريقان بما يلي:
1 -
قوله تعالى: {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ} (4).
2 -
حديث عمرو بن العاص مرفوعًا: «الإسلام يهدم ما قبله» (5).
وفي الاستدلال بالآية والحديث نظر: فالمراد بهما غفران الذنوب، فقد أجمعوا على أن الذي أسلم لو كان عليه دين أو قصاص لا يسقط بإسلامه، ولأن إيجاب الغسل ليس مؤاخذة وتكليفًا بما وجب في الكفر، بل هو إلزام شرط من شروط الصلاة في الإسلام فإنه جنب، والصلاة لا تصح من الجنب، ولا يخرج بإسلامه عن كونه جنبًا (6).
3 -
قالوا: أسلم خلق كثير لهم الزوجات والأولاد، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالغسل وجوبًا، ولو وجب لأمرهم به.
وفيه نظر: «فالظاهر الوجوب لأن أمر البعض قد وقع به التبليغ، ودعوى عدم الأمر لمن عداهم لا يصلح متمسكًا لأن غاية ما فيها عدم العلم بذلك، وهو ليس علمًا بالعدم» (7). فالأرجح أنه يجب على الكافر -سواء كان أصليًّا أو مرتدًّا- إذا أسلم أن يغتسل مطلقًا، ومما يشعر بأن الاغتسال عند الدخول في الإسلام كان
(1) إسناده صحيح: أخرجه الطبري في «التاريخ» (1/ 560)، وابن هشام في «السيرة» (2/ 285).
(2)
«المجموع» (1/ 174)، و «الأم» (1/ 38) و «ابن عابدين» (1/ 167).
(3)
«المبسوط» و «شرح فتح القدير» (1/ 59).
(4)
سورة الأنفال، الآية:38.
(5)
صحيح: أخرجه مسلم (121) من حديث عمرو بن العاص.
(6)
«المجموع» (2/ 174).
(7)
«نيل الأوطار» (1/ 281).
مشهورًا عند الصحابة ما في قصة إسلام أمَّ أبي هريرة: «أنها اغتسلت ولبست درعها
…
» (1) وقصة إسلام أسيد بن حضير التي تقدمت. والله أعلم.
[6]
صلاة الجمعة: فإن غُسل الجمعة واجب يأثم تاركه في أصح قولي العلماء، وبه قال أبو هريرة وعمار بن ياسر وأبو سعيد الخدري، والحسن، وهو رواية عن مالك وأحمد وهو مذهب ابن حزم (2). لما يأتي:
1 -
حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم» (3).
2 -
حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من جاء منكم إلى الجمعة فليغتسل» (4).
3 -
حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يومًا، يغسل رأسه وجسده» (5).
4 -
حديث ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «حق على كل مسلم السواك، وغسل يوم الجمعة، وأن يمس من طيب أهله إن كان» (6).
5 -
حديث حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «على كل محتلم رواح الجمعة، وعلى من راح الجمعة أن يغتسل» (7).
6 -
وعن ابن عمر قال: «أُمرنا بالاغتسال يوم الجمعة، وأن لا نتوضأ من موطأ» (8).
قالوا: وجعل ما صرح النبي صلى الله عليه وسلم بأنه حق لله على كل مسلم وأنه واجب على كل محتلم، ليس واجبًا ولا هو حق بمثل هذه الأدلة الآتية، فهذا أمر تقشعر منه الجلود!! (9).
(1) صحيح: أخرجه مسلم (2491)، وأحمد (7911).
(2)
«المحلى» (2/ 12)، و «الأوسط» (4/ 43).
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (879)، ومسلم (846).
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (2/ 6)، ومسلم (844).
(5)
صحيح: أخرجه البخاري (2/ 318)، ومسلم (849).
(6)
صحيح: أخرجه أحمد (4/ 34)، وانظر «الصحيحة» (1796).
(7)
صحيح: أخرجه أبو داود (338)، والنسائي (3/ 89)، وأحمد (3/ 65).
(8)
إسناده حسن: أخرجه أبو بكر المروزي في «الجمعة وفضلها» .
(9)
نحوه في «المحلى» (2/ 12).
بينما ذهب جمهور العلماء ومعهم ابن مسعود وابن عباس من الصحابة إلى أن غسل الجمعة مستحب وليس بواجب، ومن أهم ما استدلوا به:
1 -
حديث سمرة بن جندب مرفوعًا: «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل» (1) وهذا أصرح ما استدلوا به لكنه ضعيف على الراجح.
2 -
حديث أبي هريرة مرفوعًا: «من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت، غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام
…
» (2) قالوا: لو كان الغسل للجمعة واجبًا لما اقتصر النبي صلى الله عليه وسلم على ذكر الوضوء.
وقد أجاب عنه الحافظ في «الفتح» (2/ 422) فقال: «ليس فيه نفي الغسل، وقد ورد من وجه آخر في الصحيح بلفظ: «من اغتسل» فيحتمل أن يكون ذكر الوضوء لمن تقدم غسله على الذهاب، فاحتاج إلى إعادة الوضوء» اهـ.
قلت: ولهم أدلة أخرى استقصيتها وناقشتها دليلاً دليلاً في كتابي «اللمعة في آداب وأحكام الجمعة» وخلاصة المسألة أن أدلة الموجبين أصح سندًا وأقوى دلالة وأحوط عملاً، والله أعلم.
[7]
الموت: وهو من أسباب وجوب الغُسل لكن ليس على الميت وإنما على من حضره من المسلمين، وسيأتي تفصيله في موضعه من «كتاب الجنائز» إن شاء الله.
الأغسال المُسْتَحَبَّة:
1 -
الاغتسال للعيدين: وقد ورد عن الفاكه بن سعد: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل يوم الفطر والأضحى» (3) لكنه ضعيف.
لكن ربما يستدل على استحباب ذلك بأنه ثابت عن علي بن أبي طالب وابن عمر: فعن زادذان أن رجلاً سأل عليًّا رضي الله عنه عن الغسل؟ فقال: «اغتسل كل يوم إن شئت، فقال: لا، الغسل الذي هو الغسل؟ قال: «يوم الجمعة، ويوم عرفة، ويوم النحر، ويوم الفطر» (4).
(1) ضعيف: أخرجه أبو داود 354)، والنسائي (3/ 94)، والترمذي (497)، وغيرهم وله طرق استقصيتها وتكلمت عليها في «اللمعة في آداب وأحكام الجمعة» وقد حسنَّه العلامة الألباني.
(2)
إسناده صحيح: أخرجه مسل (857)، والترمذي (498) وغيرهما.
(3)
ضعيف جدًّا: أخرجه ابن ماجه (1316).
(4)
إسناده صحيح: أخرجه الشافعي في «مسنده» (114)، ومن طريقه البيهقي (3/ 278).
وعن نافع: «أن عبد الله بن عمر كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى» (1).
2 -
الاغتسال بعد الإفاقة من الإغماء: لأن النبي صلى الله عليه وسلم «اغتسل من الإغماء» (2) وذلك كان في مرض موته صلى الله عليه وسلم وقد نُقل الإجماع على استحبابه، وقاس العلماء الإفاقة من الجنون على الإغماء.
3 -
الاغتسال للإحرام بالحج أو العمرة: لحديث زيد بن ثابت أنه: «رأى النبي صلى الله عليه وسلم تجرَّدَ لإهلاله واغتسل» (3).
وتغتسل المرأة ولو كانت حائضًا أو نفساء، لأمر النبي صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت عميس -حينما ولدت في الحج- بالغُسل (4)، وسيأتي في «الحج» .
4 -
الغسل لدخول مكة: لحديث ابن عمر: «أنه كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح ويغتسل ثم يدخل مكة نهارًا، ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله» (5).
5 -
الاغتسال عند كل جماع إذا تعدد: لحديث أبي رافع: أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف ذات ليلة على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه، قال: فقلت: يا رسول الله ألا تجعله واحدًا؟ قال: «هذا أزكى وأطيب وأطهر» (6).
6 -
الاغتسال بعد تغسيل الميت (إن صَحَّ الحديث):
فقد ورد من حديث أبي هريرة مرفوعًا: «من غسَّل ميتًا فليغتسل» (7).
7 -
اغتسال المستحاضة لكل صلاة: وقد ورد أمر المستحاضة بالغسل عند كل صلاة في جملة من الأحاديث الضعيفة (8).
(1) إسناده صحيح: أخرجه مالك (426)، وعنه الشافعي في «الأم» (1/ 231).
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (687)، ومسلم (418) في حديث طويل عن عائشة.
(3)
حسن: أخرجه الترمذي (831)، وانظر «الإرواء» (149).
(4)
صحيح: وسيأتي في «الحج» .
(5)
صحيح: أخرجه البخاري (1573)، ومسلم (1259).
(6)
حسن: أخرجه أبو داود (216)، وابن ماجه (560).
(7)
أخرجه أبو داود (3162)، والترمذي (993)، وابن ماجه (1461)، وقد حسنه الترمذي وابن حجر والألباني وانظر «الإرواء» (1/ 174) لكن يبدو أنه يحتاج إلى شيء من التتبع، فقد أُعل الحديث.
(8)
راجعه في «جامع أحكام النساء» (1/ 230 - 237).
لكن ثبت عن عائشة: أن أم حبيبة استُحيضت سبع سنين، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأمرها أن تغتسل فقال:«هذا عرق» فكانت تغتسل لكل صلاة (1).
قال الشافعي رحمه الله: إنما أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل وتصلي (2) وليس فيه أنه أمرها أن تغتسل لكل صلاة، ولا شك -إن شاء الله- أن غسلها كان تطوعًا غير ما أمرت به وذلك واسع لها. اهـ (3).
قلت: وهذا قول جمهور العلماء من السلف والخلف: أن المستحاضة لا يجب عليها الغسل لكل صلاة.
النية شرط لصحة الغُسل: لأن الغسل عبادة لا تعلم إلا بالشرع فكانت النية شرطًا فيها، وهي عزم القلب على فعل الغسل امتثالاً لأمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (4) والإخلاص: النية في التقرب إلى الله تعالى، والقصد له بأداء ما افترض على عباده المؤمنين، وقال صلى الله عليه وسلم:«إنما الأعمال بالنيات» (5) وهذا عمل (6).
ركن الغسل: تعميم جميع البدن بالماء:
فحقيقة الغسل: إفاضة الماء على جميع الجسد، ووصوله إلى كل الشعر والبشرة، وهذا ثابت في جميع الأحاديث الواصفة لغسل النبي صلى الله عليه وسلم -وسأذكرها قريبًا- ومن ذلك ما في حديث عائشة رضي الله عنها: «
…
ثم يفيض على جسده كله» (7) قال الحافظ في «الفتح» (1/ 361): هذا التأكيد يدل على أنه عمم جميع جسده بالغسل. اهـ.
وفي حديث جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أما أنا فآخذ ملء كفي ثلاثًا فأصبُّ على رأسي، ثم أفيض بعد ذلك على سائر جسدي» (8).
(1) صحيح: أخرجه البخاري (327)، ومسلم (334).
(2)
وهذا الأمر بالاغتسال مطلق فلا يدل على التكرار، فلعلها فهمت طلب ذلك منها بقرينة فلهذا كانت تغتسل لكل صلاة. (فتح الباري 1/ 509).
(3)
«سنن البيهقي» (1/ 349).
(4)
سورة البينة، الآية:5.
(5)
صحيح: وقد تقدم.
(6)
وانظر مبحث «النية شرط لصحة الوضوء» (ص 40).
(7)
صحيح: يأتي نصُّه وتخريجه قريبًا.
(8)
صحيح: أخرجه بهذا اللفظ أحمد (4/ 81) وهو في البخاري (254)، ومسلم (327) مختصرًا.
ويدلُّ على أن تعميم البدن بالماء هو فرض الغسل لا غيره، حديث أم سلمة قالت: قلت: يا رسول الله، إني امرأة أشد ضُفر رأسي، فأنقضه لغسل الجنابة؟ قال:«لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات، ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين» (1).
وأما دلك الأعضاء والمضمضة والاستنشاق في الغسل، فالراجح في كل هذا الاستحباب كما يأتي تحريره، وهو مذهب الجمهور.
المستحبَّات في الغسل (صفة الغسل الكامل):
العمدة في هذا الباب حديثان:
1 -
حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم: «كان إذا اغتسل من الجنابة: بدأ فغسل يديه، ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة، ثم يُدخل أصابعه في الماء، فيخلل بها أصول شعره، ثم يصب [وفي رواية: حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض] على رأسه ثلاث غُرَف بيديه، ثم يفيض الماء على جلده كله» (2).
2 -
حديث ميمونة رضي الله عنها قالت: «وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم ماءً للغسل [وسترته] فغسل يديه مرتين أو ثلاثًا، ثم أفرغ [بيمينه] على شماله، فغسل مذاكيره (وفي رواية: فرجه وما أصابه من الأذى) ثم دلك يده بالأرض أو بالحائط [ثم غسلها] ثم مضمض واستنشق، وغسل وجهه ويديه وغسل رأسه، ثم صب على جسده ثم تنحى فغسل قدميه، فناولته خرقة فقال بيده هكذا ولم يرُدْها» (3).
قلت: من هذين الحديثين وغيرهما نخلص إلى أن المستحب أن يكون غسل الجنابة على الصفة الآتية: (بعد أن ينوي رفع الحدث الأكبر):
1 -
يغسل يديه ثلاثًا قبل إدخالها في الإناء أو بدء الغسل: لما في حديث عائشة: «بدأ فغسل يديه
…
» وفي لفظ مسلم (317) لحديث ميمونة: «فغسل كفيه مرتين أو ثلاثًا ثم أدخل يده في الإناء
…
».
قال الحافظ في الفتح (1/ 429): يحتمل أن يكون غسلهما للتنظيف مما بهما من مستقذر، ويحتمل أن يكون هو الغسل المشروع عند القيام من النوم. اهـ.
(1) صحيح: أخرجه مسلم (330)، وأبو داود (251)، والنسائي (1/ 131)، والترمذي (105)، وابن ماجه (603).
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (248)، ومسلم (316).
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (266)، ومسلم (317).
2 -
يغسل فرجه وما أصابه من الأذى بشماله: لما في حديث ميمونة، وأما إمساك الفرج باليمين فمكروه، لقوله صلى الله عليه وسلم:«إذا بال أحدكم فلا يأخذن ذكره بيمينه، ولا يستنجي بيمينه، ولا يتنفس في الإناء» (1).
3 -
يغسل يده -بعد غسل فرجه- وينقيها بالصابون ونحوه كالتراب: ففي حديث ميمونة: «ثم قال بيده الأرض فمسحها بالتراب ثم غسلها
…
» وفي لفظ «ثم ضرب بشماله الأرض، فدلكها دلكًا شديدًا» (2).
قال النووي في «شرح مسلم» (3/ 231): «فيه أنه يستحب للمستنجي بالماء إذا فرغ أن يغسل يده بالتراب أو أشنان [نحو الصابون] أو يدلكها بالتراب أو بالحائط ليذهب الاستقذار منها» اهـ.
4 -
يتوضأ وضوءًا كاملاً كالوضوء للصلاة: وهو ثابت في حديثي عائشة وميمونة. قال الحافظ في «الفتح» (1/ 429): «يحتمل أن يكون الابتداء بالوضوء قبل الغُسل سنة مستقلة، بحيث يجب غسل أعضاء الوضوء مع بقية الجسد في الغسل، ويحتمل أن يكتفي بغسلهما في الوضوء عن إعادته، وعلى هذا فيحتاج إلى نية غسل الجنابة في أول عضو، وإنما قدَّم غسل أعضاء الوضوء تشريفًا لها، ولتحصل له صورة الطهارتين الصغرى والكبر» اهـ.
قلت: والوضوء قبل الاغتسال سنة عند جماهير العلماء خلافً لأبي ثور وداود الظاهري (3).
فائدتان:
الأولى: حكم المضمضة والاستنشاق في الغسل:
قد تقدم في «الوضوء» أن للعلماء في حكم المضمضة والاستنشاق في الوضوء والغسل أربعة أقوال، فأما الوضوء فقد رجحنا هناك أنه يجب فيه المضمضة والاستنشاق، وأما الغسل:
فذهب الثوري وأبو حنيفة وأصحابه، ومشهور مذهب أحمد وعطاء وابن المبارك إلى أن المضمضة والاستنشاق واجبان في الغسل (4)، ومما استدلوا به:
(1) صحيح: أخرجه البخاري (154)، ومسلم (267).
(2)
هذا لفظ مسلم (317).
(3)
«فتح الباري» (1/ 426)، و «المجموع» (2/ 186)، و «الاستذكار» (3/ 59).
(4)
انظر مراجع المسألة في «أركان الوضوء» .
1 -
ما رُوى مرفوعًا: «المضمضة والاستنشاق ثلاثًا للجنب فريضة» (1).
2 -
ما رُوى مرفوعًا: «من ترك موضع شعرة من جسده لم يغسلها فعل به كذا وكذا في النار» (2).
3 -
ما رُوى مرفوعًا: «أداء الأمانة غسل الجنابة، وتحت كل شعرة جنابة» (3).
وكل هذه أحاديث ضعيفة لا تصلح للاحتجاج بها.
4 -
فعل النبي صلى الله عليه وسلم الوارد في حديث ميمونة (بدلالة الظاهر9 وفي حديث عائشة (ضمن الوضوء) فهو بيان لقوله تعالى: {وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} (4).
5 -
أن غسل جميع البدن واجب والوجه منه، فوجب المضمضة والاستنشاق، لأنهما من الوجه كما قلنا في الوضوء.
بينما ذهب مالك والشافعي والليث والأوزاعي وهم الجمهور، إلى أنهما سنة في الغسل واستدلوا بما يأتي:
1 -
أن الوضوء في الغسل غير واجب [كما تقدم] والمضمضة والاستنشاق من توابع الوضوء، فإذا سقط الوضوء، سقطت توابعه (5).
2 -
أن فعله صلى الله عليه وسلم لهما في الغسل لا يدل بمجرده على الوجوب لكن على الندب والاستحباب، ولا يدل على الوجوب إلا إذا كان بيانًا لمجمل تعلَّق به الوجوب، وليس الأمر هنا كذلك (6).
3 -
قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر -لما سأله عن الجنابة تصيبه ولا يجد الماء-: «الصعيد الطيب وضوء المسلم، وإن لم يجد الماء عشر حجج، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته» (7).
(1) موضوع: أخرجه الدارقطني (1/ 115) وروى مرسلاً، وانظر «نصب الراية» (1/ 78).
(2)
ضعيف: أخرجه أبو داود (249)، وابن ماجه (599)، وأحمد (1/ 94)، وانظر «الضعيفة» (930).
(3)
ضعيف: أخرجه ابن ماجه (598) بسند ضعيف، وانظر التلخيص (1/ 142)، والظاهر أن الصواب وقفه على أبي أيوب والله أعلم.
(4)
سورة المائدة، الآية:6.
(5)
«فتح الباري» (1/ 443).
(6)
«فتح الباري» (1/ 432).
(7)
ضعيف: أخرجه الترمذي (124)، وأبو داود (233)، والنسائي (1/ 171) وغيرهم من طرق أرجحها: أبو قلابة عن عمرو بن بجدان عن أبي ذر مرفوعًا كما في «العلل» للدارقطني (1113)، وابن أبي حاتم (1/ 11) وعمرو لا يُعرف، وله شاهد عن أبي هريرة اختلف في تحسينه به وقد صححه الألباني في «الإرواء» (153).
قالوا: والبشرة ظاهر الجلد، فلا يدخله المضمضة والاستنشاق.
4 -
حديث جبير بن مطعم قال: تذاكرنا غسل الجنابة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أما أنا فآخذ ملء كفِّي ثلاثًا فأصب على رأسي، ثم أفيض بعد ذلك على سائر جسدي» (1).
وفي لفظ: «أما أنا فأحثي على رأسي ثلاث حثيات من ماء فإذا أنا قد طهرت» (2) ولا يصح هذا اللفظ.
5 -
قوله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة: «إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات من ماء ثم تفيضين عليك الماء، فإذا أنت قد طهرت» (3).
قلت: لولا حديث أم سلمة الأخير لكان لإيجاب المضمضة والاستنشاق وجه قوي، لكن حديث أم سلمة يدل دلالة أكيدة على أن القدر المجزئ في الغسل هو المذكور وليس فيه ذكر المضمضة والاستنشاق، ولا يقال: إنهما داخلان في قوله (ثم تفيضين عليك الماء) فإن معنى الإفاضة لا يتناولهما كما هو واضح، فيترجَّح لي مذهب الجمهور من استحباب المضمضة والاستنشاق في الغسل دون الوجوب، والله أعلم.
الثانية: متى يكون غسل الرجلين؟
الظاهر من حديث ميمونة أنه صلى الله عليه وسلم أخَّر قدميه حتى أتمَّ غسله، ففي لفظ البخاري (260): «
…
فلما فرغ من غسله غسل رجليه».
وأما حديث عائشة فليس فيه إلا أنه كان يتوضأ قبل الغسل (4)، فكان للعلماء في هذين الحديثين أربعة اتجاهات (5):
(1) صحيح: وتقدم قريبًا.
(2)
نقل الشوكاني عن الحافظ قوله: قوله (فإذا أنا قد طهرت) لا أصل له من حديث صحيح ولا ضعيف
…
اهـ.
(3)
صحيح: وتقدم قريبًا.
(4)
في رواية لمسلم (316) عن عائشة في آخر هذا الحديث: «
…
ثم أفاض على سائر جسده، ثم غسل رجليه» وهي زيادة غير محفوظة، وانظر «علل مسلم» للهروي (69)، و «التمهيد» (22/ 93)، و «فتح الباري» لابن رجب (1/ 234).
(5)
«فتح الباري» لابن حجر (1/ 362)، و «المغنى» (1/ 288)، و «شرح العمدة» (1/ 371)، و «الخلافيات» للبيهقي (2/ 425).
الأول: أنه يستحب تأخير غسل الرجلين في الغسل، لحديث ميمونة وهو مذهب الجمهور.
الثاني: أنه يتوضأ وضوءًا كاملاً قبل الغسل، لحديث عائشة لأنه إخبار بغالب فعله صلى الله عليه وسلم بخلاف حديث ميمونة فإنها أخبرت عن غسل واحد، وهو مذهب الشافعي ورواية عن مالك وأحمد.
الثالث: أنه مخيَّر بين تقديم غسل الرجلين مع الوضوء أو تأخيره، وهو رواية عن أحمد.
الرابع: إذا كان يغتسل في مكان غير نظيف أخر رجليه، وإلا قدَّمه مع الوضوء، وهو مذهب مالك.
قلت: وهذا الأخير أرجح، وعلى كلٍّ فالأمر فيه واسع والله أعلم.
5 -
يفيض الماء على رأسه ثلاثًا حتى يبلغ أصول الشعر.
6 -
ويبدأ بشق رأسه الأيمن ثم الأيسر.
7 -
مع تخليل الشعر.
ففي حديث عائشة: «ثم يخلل بيده شعره حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات ....» .
وعنها قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة دعا بشيء نحو الحلاب (1)، فأخذ بكفه، فبدأ بشق رأسه الأيمن، ثم الأيسر، فقال بهما على رأسه» (2).
وعنها قالت: «كنا إذا أصاب إحدانا جنابة، أخذت بيدها ثلاثًا فوق رأسها، ثم تأخذه بيدها على شقِّها الأيمن، وبيدها الأخرى على شقها الأيسر» (3).
فائدة: هل يخلل لحيته في الغسل؟
قال جمهور العلماء: مالك وأبو حنيفة والشافعي وابن حزم (4)، لا يلزمه تخليلها وإنما يستحب، قلت: هذا محلُّه إذا كان الماء يصل إلى البشرة وإلا فيجب
(1) الحلاب: إناء يسع قدر حلبة ناقة (معالم السنن للخطابي 1/ 69).
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (258)، ومسلم (318).
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (277).
(4)
«المحلى» (2/ 33)، و «الأوسط» (2/ 127)، و «التمهيد» (22/ 95).
تخليلها لإيصال الماء إليها، والأحوط على كل حال أن يخلل لحيته لعموم قول عائشة:«فيخلل بها أصول شعره» .
8، 9 - يفيض الماء على سائر جسده، بادئًا بشقه الأيمن ثم الأيسر.
وإفاضة الماء على الجسد ثابتة في جميع الأحاديث الواصفة لغسله صلى الله عليه وسلم.
وأما التيامن، فلحديث عائشة قالت:«كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمُّن في تنعُّله وترجُّله وطهوره وفي شأنه كله» (1).
فائدتان:
الأولى: الإفاضة على سائر الجسد تكون مرة واحدة: وهذا واضح من سياق حديثي عائشة وميمونة، ففيهما التثليث في غسل اليدين والرأس وأما سائر الجسد فقالت عائشة:«ثم يفيض على جسده كله» وقالت ميمونة: «ثم أفاض على جسده» قال ابن بطال (2): لأنه لم يقيد بعدد، فحمل على أقل ما يسمى، وهو المرة الواحدة لأن الأصل عدم الزيادة عليها» اهـ.
قلت: وهذا ظاهر مذهب أحمد وأصحاب مالك واختاره شيخ الإسلام، والجمهور على استحباب التثليث.
الثانية: حكم دلك أعضاء الغسل (3):
اختلف العلماء: هل يشترط في الغسل إمرار اليد على جميع الجسد، أم يكفي فيها إفاضة الماء على جميع الجسد وإن لم يمرر يديه على بدنه؟ وهي مسألة لغوية: هل يتحقق الغسل بإفاضة الماء أم لا يتحقق إلا بالدلك على الشيء؟
فذهب جمهور العلماء -خلافًا لمالك والمزني من الشافعية- إلى أن الدلك لا يجب، بل يستحب في الغسل، فلو صب الإنسان على نفسه الماء على جميع جسده فقد أدى ما أوجب الله عليه، وكذلك لو غطس في الماء فأصاب الماء جميع جسده.
وأدلة الفريقين في هذه المسألة هي عين الأدلة التي تقدمت في حكم المضمضة والاستنشاق.
(1) صحيح: أخرجه البخاري (168)، ومسلم (268).
(2)
«فتح الباري» (1/ 439).
(3)
«المحلى» (2/ 30)، و «الاستذكار» (3/ 63)، و «المغنى» (1/ 290)، و «بداية المجتهد» (1/ 55)، و «السيل الجرار» (1/ 113).
والظاهر أن الدلك مستحب وليس واجبًا.
ويقوي هذا المذهب -مع حديث أم سلمة- حديث عمران بن حصين في قصة المزادتين وفيه: (
…
وكان آخر ذاك أن أعطى الذي أصابته الجنابة إناءً من ماء، قال:«اذهب فأفرغه عليك» ) (1).
وعلى هذا فلو وقف الإنسان تحت «الدش» ووصل الماء إلى جميع البدن فقد صح غُسله مع النية.
غسل المرأة من الجنابة:
صفة غسل المرأة من الجنابة كغسل الرجل تمامًا.
ولا يلزم المرأة -إذا كان لها ضفيرة- أن تنقض شعرها (تحل ضفائرها) لكن عليها أن توصل الماء إلى أصول شعرها.
لحديث ميمونة قالت: يا رسول الله، إني امرأة أشد ضفر رأسي، فأنقضه لغسل الجنابة؟ قال:«لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء، فتطهرين» (2).
وعن عائشة قالت: «كنا نغتسل وعلينا الضماد (3) ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مُحلَاّت ومُحرمات» (4).
وقد أنكرت عائشة على عبد الله بن عمرو أَمْرَه للنساء بنقض رؤوسهن عند الغسل (5).
غُسل المرأة من الحيض والنفاس (6):
1 -
استعمال الصابون ونحوه من المنظفات مع الماء: لحديث عائشة أن أسماء سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل المحيض، فقال: «تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها
(1) صحيح: أخرجه البخاري (344).
(2)
صحيح: تقدم كثيرًا.
(3)
الضماد: ما يلطخ به الشعر مما يلبده ويسكنه كالصمغ فيكون كالضفيرة.
(4)
صحيح: أخرجه أبو داود (254)، والبيهقي (2/ 182).
(5)
صحيح: أخرجه مسلم (331)، والنسائي (1/ 203)، وابن ماجه (604).
(6)
من كتابي «فقه السنة للنساء» (ص 49)، و «جامع أحكام النساء» لشيخنا (1/ 116 وما بعدها) مع شيء من الزيادة.
فتطهر، فتحسن الطهور، ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكًا شديدًا حتى تبلغ شؤون رأسها، ثم تصب عليها الماء، ثم تأخذ فرصة ممسَّكة فتطهر بها» فقالت أسماء: وكيف تطهر بها؟ فقال: «سبحان الله تطهرين بها» فقالت عائشة -كأنها تخفي ذلك-: تتبعين بها أثر الدم (1).
2 -
أن تحلَّ ضفائرها حتى يصل الماء إلى أصول الشعر: لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق «ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكًا شديدًا حتى تبلغ شؤون رأسها
…
» وهو دليل على أنه لا يكتفي فيه بمجرد إفاضة الماء كغسل الجنابة، لا سيما وفي الحديث نفسه أنها سألته عن غسل الجنابة فقال:«ثم تصب على رأسها فتدلكه حتى تبلغ شؤون رأسها» ولم يذكر الدلك الشديد ففرَّق بين غسل الجنابة والحيض.
وقد اختلف العلماء في حكم نقض الضفائر في غسل المحيض: فذهب الشافعي ومالك وأبو حنيفة إلى أنه مستحب وليس بواجب (2) وحجتهم:
1 -
أن الحديث ليس صريحًا في إيجاب نقض الضفيرة.
2 -
أن حديث عائشة الذي في قصة حجة النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: «فأدركني يوم عرفة وأنا حائض فشكوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «دعي عُمرتك وانقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج
…
» (3) قالوا: هذا غسل للإحرام وليس غسلاً للحيض فلا يصلح دليلاً.
3 -
وأما حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها -وكانت حائضًا-: «انقضي شعرك واغتسلي» (4) قالوا: هذا الحديث يُرَدُّ إلى الحديث السابق فهو حديث واحد، ومن ثم أعلوا لفظة «واغتسلي» وحملوه على غسل الإحرام.
4 -
إنكار عائشة على عبد الله بن عمرو أمره للنساء بنقض رؤوسهن في الغسل.
بينما ذهب الإمام أحمد والحسن وطاووس إلى أن نقض المرأة ضفائرها في غسل المحيض واجب للأحاديث السابقة، وكأنه الأرجح في المسألة كما حققه العلامة ابن القيم رحمه الله (5) وردَّ على اعتراض الجمهور بما يأتي:
1 -
أما قولهم في حديث عائشة في حجِّها: إنه كان في الإحرام فصحيح، لكن غسل الحيض آكد الأغسال وقد أمر فيه النبي صلى الله عليه وسلم بما لم يأمر به في سواه من زيادة التطهر والمبالغة فيه فأمرها بنقضه -وهو غير رافع لحدث الحيض- تنبيهًا على وجوب نقضه إذا كان رافعًا للحدث بطريق الأولى.
2 -
وأما حديثها أنه قال لها وهي حائض: «انقضي شعرك واغتسلي» .
فكونه غير حديث الحج وارد جدًّا لا سيما ورجال السند من المكثرين.
3 -
وأما إنكار عائشة على عبد الله بن عمرو، إنما كان لأمره للنساء بنقض رؤوسهن في غسل الجنابة بلا شك، فقد قالت: «يا عجبًا لابن عمرو هذا يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقض رؤوسهن، أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن؟! لقد كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد
…
» (6).
وإنما كانت تغتسل معه صلى الله عليه وسلم من الجنابة التي يشتركان فيها لا من الحيض!! وعلى هذا فيجب على المرأة أن تحل ضفائرها في
(1) صحيح: أخرجه البخاري (314)، ومسلم (332) واللفظ له.
(2)
«المغنى» (1/ 227)، و «المحلى» (2/ 38)، و «نيل الأوطار» (1/ 311)، و «تهذيب السنن» (1/ 293) مع العون.
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (317)، ومسلم (1211).
(4)
إسناده صحيح: أخرجه ابن ماجه (641)، وانظر «الإرواء» (1/ 167).
(5)
«تهذيب السنن» (1/ 293 - وما بعدها) مع عون المعبود.
(6)
صحيح: أخرجه مسلم (331)، والنسائي (1/ 203)، وابن ماجه (604).
غسل المحيض والنفاس خاصة، وهو الأحوط والله أعلم.
3 -
أن تتبع أثر الدم بقطعة عليها مسك أو نحوه:
فيستحب أن تستعمل قطعة قماش أو قطن عليها شيء من المسك وتدخلها في فرجها بعد الاغتسال، وكذلك تطيب جميع المواضع التي أصابها الدم من بدنها، وذلك لتطييب المحل من الرائحة الكريهة، وهذا ثابت في حديث عائشة المتقدم.
ويرخص للمرأة أن تفعل هذا حتى وهي في فترة الإحداد على زوجها أو ميتها لحديث أم عطية فيما تمنع منه الحادَّة: «
…
ولا نتطيب ولا نلبس ثوبًا مصبوغًا إلا ثوب عصب، وقد رخصَّ لنا عند الطهر إذا اغتسلت إحدانا من محيضها في نبذة من كُسْثِ أظفار
…
» (1).
وسيأتي هذا في موضعه من هذا الكتاب، إن شاء الله تعالى.
(1) صحيح: أخرجه البخاري (313).