الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كنت أغسله من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخرج إلى الصلاة وأثر الغسل في ثوبه بقع الماء» (1). والغسل لا يكون إلا لشيء نجس.
القول الثاني: قال أصحابه بطهارة المني وممن قال بذلك الشافعي وداود وهو أصح الروايتين عن أحمد واستدلوا على ذلك بحديث عائشة في المني قال: «كنت أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم» (2).
وبحديثها أيضًا أن ضيفًا نزل بعائشة فأصبح يغسل ثوبه فقالت عائشة: إنما كان يجزئك إن رأيته أن تغسل مكانه، فإن لم تر نضحت حوله، ولقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركًا فيصلى فيه» (3). والاكتفاء بالفرك يدل على طهارته.
وقد أجاب القائلون بالنجاسة بأن الفرك لا يدل على الطهارة وإنما يدل على كيفية التطهير كما أن تطهير النعل يكون بمسحها في التراب.
ويجاب عن هذا (4) بأن فرك عائشة للمني تارة وغسله تارة أخرى لا يقتضي تنجيسه، فإن الثوب يغسل من المخاط والبصاق والوسخ، وهكذا قال غير واحد من الصحابة: كسعد بن أبي وقاص، وابن عباس وغيرهما:«إنما هو بمنزلة المخاط والبصاق، أمطه عنك ولو بإذخرة» .
فظهر بهذا أن فعل عائشة رضي الله عنها، إنما هو من باب اختيار النظافة (5).
ويتأيد الحكم بطهارة المني أن الصحابة كانوا يحتلمون على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأن المني يصيب بدن أحدهم وثيابه، وهذا مما تعم به البلوى، فلو كان نجسًا لوجب على النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بإزالته كما أمرهم بالاستنجاء
…
، ولم ينقل أحد هذا، فعلم يقينًا أن إزالته لم تكن واجبة، والله أعلم (6).
هل تُعَدُّ الخمر من النجاسات
؟
اختلف العلماء في حكم الخمر على قولين:
الأول: أنها نجسة: وهو مذهب جمهور العلماء، منهم الأئمة الأربعة واختاره شيخ الإسلام، وحجتهم:
(1) متفق عليه. البخاري (230)، ومسلم (289).
(2)
صحيح: مسلم (288).
(3)
صحيح: مسلم (288).
(4)
«مجموع الفتاوى» (21/ 605).
(5)
شرح مسلم.
(6)
«مجموع الفتاوى» (21/ 604).
قالوا: الرجس هو النجس، فحكموا بنجاسة عين الخمر نجاسة حسية.
القول الثاني: أنها طاهرة: وبه قال ربيعة والليث والمزني وغيرهم من السلف، ورجَّحه الشوكاني والصنعاني وأحمد شاكر والألباني رحمهم الله وهو الراجح، لما يأتي:
[1]
أنه ليس في الآية دلالة على نجاسة الخمر، وذلك من أوجه:
(أ) أن لفظة (رجس) من المشتركات اللفظية، فهي تحتمل معان كثيرة (2)، منها: القذر، المحرم، القبيح، العذاب، اللعنة، الكفر، الشر، الإثم، والنجس وغيرها.
(ب) أننا لم نقف على قول لأحد من السلف فسَّر الرجس في هذه الآية بالنجس بل قال ابن عباس: (الرجس: السخط) وقال ابن زيد: (الرجس: الشر).
(جـ) أن لفظة (رجس) قد وردت في كتاب الله -في غير هذه الآية- في ثلاثة مواضع وليس في واحد منها (الرجس) بمعنى النجس: فالرجس في قوله تعالى: {كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} (3). معناه: العذاب وفي قوله في شأن المنافقين: {إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَاوَاهُمْ جَهَنَّمُ} (4). المراد: علمهم رجس أي قبيح.
وفي قوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} (5). سمى الأوثان رجسًا لأنها سبب الرجز والعذاب، وليس المراد بها النجاسة الحسية، فإن عين الحجارة والأوثان ليست بنجسة، وفي قوله {قُل لَاّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ .... فَإِنَّهُ رِجْسٌ} محتمل
…
(د) لما وقع الخمر في الآية مقترنًا بالأنصاب والأزلام كان ذلك قرينة صارفة لمعنى الرجسية إلى غير النجاسة الشرعية، وهكذا قوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} (6). لما جاءت الأدلة الصحيحة المقتضية لعدم نجاسة ذوات المشركين.
(1) سورة المائدة، الآية:90.
(2)
انظر «النهاية» لابن الأثير، و «لسان العرب» ، و «مختار الصحاح» ، والتفاسير.
(3)
سورة الأنعام، الآية:125.
(4)
سورة التوبة، الآية:95.
(5)
سورة الحج، الآية:30.
(6)
سورة التوبة، الآية:28.