الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا في سنة رسوله، إنما عليه الوضوء .... وعن زيد بن أسلم في قوله تعالى:{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} (1): إذا قمتم من النوم، ولم يأمر بغيره، فدلَّ على أنه لا يجب، ولأن الوجوب من الشرع، ولم يرد بالاستنجاء هنا نص، ولا هو في معنى المنصوص عليه، لأن الاستنجاء إنما شرع لإزالة النجاسة، ولا نجاسة هاهنا. اهـ (2).
وليس الاستنجاء مما يجب أن يُوصل بالوضوء، ولا يسن ولا يستحب، كما يظنه كثير من الناس، بل هو عبادة مفردة، والمقصود منه إنقاء المحل من النجاسة. ولم ينقل أحد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان كلما توضأ استنجى أو أمر بذلك.
بعض الآداب في الاستنجاء
من الآداب التي ينبغي التأدب بها عند الاستنجاء:
1 -
ألا يستنجي بيمينه:
لحديث أبي قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول، ولا يتمسح من الخلاء بيمينه، ولا يتنفس في الإناء» (3).
وعن سلمان قال: قال لي رجل: إن صاحبكم ليعلمكم حتى الخراءة؟
قال: «أجل، نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول، أو نستنجي بأيماننا، أو نكتفي بأقل من ثلاثة أحجار» (4).
2 -
أن لا يمس الفرج بيمينه:
لحديث أبي قتادة السابق.
3 -
أن يدلك يده بالأرض - بعد الاستنجاء- أو يغسلها بالصابون ونحوه:
فعن أبي هريرة قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى الخلاء أتيته بماء في تور أو ركوة، فاستنجى ثم مسح يده على الأرض» (5).
(1) سورة المائدة، الآية:6.
(2)
المغنى لابن قدامة (1/ 206) ط هجر.
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (153)، ومسلم (267) وغيرهما.
(4)
صحيح: أخرجه مسلم (262)، وأبو داود (7)، والترمذي (16)، والنسائي (1/ 16).
(5)
حسن لغيره: أخرجه (45)، وابن ماجه (678)، والنسائي (1/ 45)، وانظر المشكاة (360).
ويؤيده ما في حديث ميمونة: «
…
ثم صب (أي النبي) على فرجه فغسل فرجه بشماله ثم ضرب بيده على الأرض فغسلها» (1).
4 -
أن ينضح فرجه وسراويله بالماء بعد البول لدفع الوسواس:
فعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «توضأ مرة فنضح فرجه» (2).
كيف يستنجي من به مرض سلس البول ونحوه؟
من ابتلي بسلس البول ونحوه:
فإنه يستنجي ويتوضأ لكل صلاة، ثم لا يضره ما نزل منه ما لم يدخل وقت الصلاة الأخرى، وهذا أصح قولي العلماء، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وغيرهم.
والمبتلى بسلس البول له حكم المستحاضة، وقد قال صلى الله عليه وسلم في شأنها:
«إنما ذلك عرق، وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، فإذا ذهب قدرها، فاغسلي عنك الدم وصلي» (3) وعند البخاري: قال: وقال أبي: «ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت» (4).
قلت: وإنما كان هذا هو حكم المعذور، رفعًا للحرج عنه، وقد جاءت الشريعة برفع الحرج عن الأمة، قال تعالى:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (5).
(1) صحيح: أخرجه البخاري (266)، ومسلم (317).
(2)
صحيح: أخرجه الدارمي (711)، والبيهقي (1/ 161)، وقال الألباني في «تمام المنة» (ص 66): وسنده صحيح على شرط الشيخين. اهـ.
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (228)، ومسلم (333) وغيرهما وقد رواه النسائي (1/ 185) بلفظ «فاغسلي عنك الدم وتوضئي وصلي» بزيادة «وتوضئي» وهي شاذة كما أعلها النسائي والبيهقي (1/ 327) وأشار مسلم إلى تعليلها ولم يخرجها البخاري وانظر «جامع أحكام النساء» لشيخنا مصطفى العدوي -رفع الله قدره- (1/ 223 - 226).
(4)
هذا يحتمل أن يكون مرفوعًا من قول النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون من قول عروة بن الزبير راوي الحديث عن عائشة، أفتى به النسوة اللاتي سألنه عن ذلك كما عند الدارمي (1/ 199)، وإلى الاحتمال الأول مال الحافظ في «الفتح» (1/ 332) وإلى الاحتمال الثاني ذهب البيهقي في «السنن» (1/ 344) ورجحه شيخنا -حفظه الله- في «جامع أحكام النساء» (1/ 227).
(5)
سورة البقرة، الآية:185.
وذهب مالك وغيره إلى أنه لا يلزمه الاستنجاء ولا الوضوء من ذلك إلا إذا أحدث حدثًا آخر.
قلت: أما عدم الإلزام بالوضوء لكل صلاة ما لم يحدث فلعله أن يكون له وجه عند من يُضعِّف زيادة «وتوضئي لكل صلاة» في الحديث المتقدم على أن الأرجح الوضوء لكل صلاة كما سيأتي في «الحيض» أما عدم الإلزام بالاستنجاء، فلا وجه له، فإنه قد خرج منه ما يوجب الاستنجاء، وكان بوسعه أن يفعله قبل الصلاة بلا مشقة فوجب عليه، وإنما يعفى له عما نزل أثناء صلاته رفعًا للمشقة، والله أعلم.
من آداب قضاء الحاجة:
من أراد أن يقضي حاجته من بول أو غائط، فينبغي له التأدب بما يأتي:
1 -
التستر والبعد عن الناس لا سيما في الخلاء:
فعن جابر رضي الله عنه قال: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأتي البراز [يعني الفضاء] حتى يغيب فلا يرى» (1).
2 -
عدم اصطحاب ما فيه ذكر الله تعالى (2):
كالخاتم المنقوش عليه اسم الله، ونحو ذلك، لأن تعظيم اسم الله تعالى مما يعلم من الدين بالضرورة، قال تعالى:{ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} (3).
على أنه قد ورد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان إذا دخل الخلاء وضع خاتمه» (4) لكنه حديث منكر أعله الحفاظ.
ومن المعلوم أن خاتم النبي صلى الله عليه وسلم كان نقشه فيه «محمد رسول الله» (5).
قلت: وإذا كان هذا الخاتم أو نحوه مستورًا بساتر - كأن يوضع في الجيب ونحوه - جاز الدخول به، قال أحمد بن حنبل:«إن شاء جعله في باطن كفه» .
وإن خاف ضياعه إن تركه خارجًا، جاز الدخول به للضرورة، والله أعلم.
(1) صحيح: أخرجه أبو داود (2)، وابن ماجه (335) واللفظ له.
(2)
انظر المجموع (2/ 87)، والمغنى (1/ 227)، والأوسط (1/ 342).
(3)
سورة الحج، الآية:32.
(4)
ضعيف: أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وضعفه الألباني.
(5)
صحيح: أخرجه البخاري (5872)، ومسلم (2092) وغيرهما.
3 -
التسمية والاستعاذة عند الدخول:
وهذا إذا كان سيدخل البنيان (دورة المياه) ويقولها عند تشمير الثياب إذا كان في الفضاء:
لقوله صلى الله عليه وسلم: «ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدهم الخلاء، أن يقول: بسم الله» (1).
وعن أنس رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: «اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث» (2).
4 -
تقديم الرجل اليسرى في الدخول، واليمنى في الخروج:
ولم أقف في هذا على نص خاص عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن قال الشوكاني في «السيل الجرار» (1/ 64):
وأما تقديم اليسرى دخولاً واليمنى خروجًا، فله وجه، لكون التيامن فيما هو شريف، والتياسر فيما هو غير شريف، وقد ورد ما يدل عليه في الجملة. اهـ.
5 -
عدم استقبال القبلة أو استدبارها عند القعود لقضاء الحاجة:
لحديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها، ولكن شرِّقوا أو غرِّبوا» .
قال أبو أيوب: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة، فننحرف عنها ونستغفر الله تعالى (3).
لكن، قد صح عن ابن عمر أنه قال:«لقد رقيت يومًا على ظهر بيت لنا، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على لبنتين مستقبلاً بيت المقدس لحاجته» (4).
وإذا كان مستقبلاً بيت المقدس -وهو بالمدينة- فهو مستدبر للكعبة!!
قلت: وفي فهم هذين الحديثين أربعة أقوال مشهورة لأهل العلم (5).
(1) صححه الألباني. أخرجه الترمذي وابن ماجه، وانظر «صحيح الجامع» (3611).
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (142)، ومسلم (375).
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (394)، ومسلم (264) وغيرهما.
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (145)، ومسلم (266) وغيرهما.
(5)
ذكرها النووي في المجموع (2/ 82) وزاد عليها الحافظ في «الفتح» (1/ 296) ثلاثة أخرى.
الأول: أن النهي عن استقبال القبلة واستدبارها مطلق سواء في البنيان أو الصحراء.
وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد وابن حزم، واختاره شيخ الإسلام، ونقله ابن حزم عن أبي هريرة وأبي أيوب وابن مسعود وسراقة بن مالك، وعن عطاء والنخعي والثوري والأوزاعي وأبي ثور (1)، واحتجوا بحديث أبي أيوب المتقدم.
وأجابوا عن حديث ابن عمر بأمور:
(أ) أن الحاظر مقدم على المبيح.
(ب) أنه ليس فيه أن ذلك كان بعد النهي عن الاستقبال والاستدبار.
(جـ) أن فعله صلى الله عليه وسلم لا يعارض القول الخاص بالأمة إلا ما يدل دليل على أنه أراد الاقتداء به في ذلك وإلا كان فعله خاصًّا به.
قلت: وربما تأيد هذا الأخير بأن رؤية ابن عمر للنبي صلى الله عليه وسلم اتفقت له من غير قصد، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد بهذا بيان حكم شرعي جديد.
الثاني: أن النهي خاص بالصحراء دون البنيان: وبه قال مالك والشافعي وأصح الروايتين عن أحمد وإسحاق، وقد سلكوا بهذا مسلك الجمع بين الدليلين، وقالوا: إن قاعدة (القول مقدم على الفعل) إنما يعمل بها في حالة ثبوت الخصوصية ولا دليل عليها.
الثالث: أنه يجوز الاستدبار فقط دون الاستدبار: وقد حكى عن أبي حنيفة وأحمد، عملاً بظاهر حديث ابن عمر مع حديث أبي أيوب.
الرابع: جواز الاستقبال والاستدبار مطلقًا: وهو قول عائشة وعروة وربيعة وداود، وحجتهم أن الأحاديث تعارضت فيرجع إلى أصل الإباحة.
قلت: ولعل القول الأول -وهو التحريم مطلقًا- هو الأقوى دليلاً والأحوط عملاً، والله أعلم.
6 -
اجتناب الكلام مطلقًا إلا للحاجة:
فعن ابن عمر رضي الله عنهما «أن رجلاً مر على النبي صلى الله عليه وسلم -وهو يبول- فسلَّم عليه فلم يرد عليه» (2).
(1) المحلى (1/ 194)، والفتح (1/ 296)، والأوسط (1/ 334) وما بعدها، والسيل الجرار (1/ 69)، والاختيارات الفقهية (8).
(2)
صحيح: أخرجه مسلم (370)، وأبو داود (16)، والترمذي، والنسائي (1/ 15)، وابن ماجه (353).