الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يرى بارقة السيف على رأسه ويشد للقتل وتعصب عيناه، ويقال له: تصلي وإلا قتلناك، فيقول اقتلوني ولا أصلي أبدًا، ثم يكون بعد ذلك مسلمًا (؟!!)(1).
تنبيه:
المقصود بتارك الصلاة المحكوم بكفره، من كان مُصرًّا على تركها لا يصلي قط مع ادعائه الإيمان بأنها واجبة، وأما أكثر الناس الذين يصلون تارة ويتركونها تارة، فهؤلاء غير محافظين عليها، وهم تحت الوعيد لكن لا يحكم بكفرهم (2).
فليس مناط التكفير في ترك الصلاة هو مطلق الترك، وإنما مناطه الترك المطلق، الذي هو بمعنى ترك الصلاة من حيث الجملة، الذي يتحقق بترك الصلاة بالكلية أو بالإصرار على عدم إقامتها، أو بتركها في الأعم الأغلب بحيث يصدق على من تركها أن يقال: إنه قد ضيَّع الصلاة وتولى عن إقامتها، وهذا المناط يفهم من قوله تعالى:{فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (31) وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى} (3). فجعل التوليِّ هو مناط الكفر، ومعلوم أنه ليس كل من ترك الصلاة أو بعض صلوات يكون متوليًا عن أداء الصلاة من حيث الجملة (4)، والله أعلم.
الأحكام الدنيوية لتارك الصلاة:
ما تقدم ذكره هو الأحكام الأخروية لتارك الصلاة، وأما ما يترتب على ترك الصلاة من الأحكام في الدنيا، فعلى ما يأتي:
[1]
عند القائلين بأنه فاسق وليس بكافر:
تارك الصلاة -عند هؤلاء- فاسق عاصٍ، فهو كغيره من عصاة المسلمين، له ما لهم وعليه ما عليهم، لكنهم اختلفوا فيما يفعله الإمام تجاهه على قولين:
(أ) أنه يقتل حدًّا: فعند المالكية والشافعية يطالب بأداء الصلاة إذا ضاق الوقت، ويتوعد بالقتل إن أخرها عن الوقت، فإن أخر حتى خرج الوقت استوجب القتل، ولا يقتل حتى يستتاب في الحال، فإن أصر حدًّا وقيل يمهل ثلاثة أيام. وعند بعض الحنابلة -الذين لا يكفرون منهم- يُدعى ويقال له: صلِّ وإلا قتلناك، فإن صلى وإلا وجب قتله، ولا يقتل حتى يحبس ثلاثًا، ويُدعى
(1) انظر «مجموع الفتاوى» (22/ 48، 49)، و «الصلاة» لابن القيم (ص: 41).
(2)
انظر «مجموع الفتاوى» (22/ 49).
(3)
سورة القيامة، الآيتان: 31، 32.
(4)
«ضوابط التكفير» للقرني (ص: 159 - 161) بتصرف.
في وقت كل صلاة، فإن صلى وإلا قتل حدًّ، واختلفوا في كيفية قتله، فقال جمهورهم: يضرب عنقه بالسيف.
وعند هؤلاء جميعًا، إذا قتل فإنه يُغسَّل ويُصلَّى عليه ويدفن في مقابر المسلمين، ويورث.
(ب) أنه لا يقتل وإنما يُعزَّر ويحبس حتى يموت أو يتوب: وهو مذهب الزهري وابن المسيب وعمر بن عبد العزيز وأبي حنيفة وداود الظاهري والمزني وابن حزم، واستدلوا بحديث «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث:
…
» الحديث وقد تقدم، وبما في معناه، كحديث «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها» (1).
[2]
عند القائلين بكفره: فتجرى عليه أحكام الكافر المرتد، ومن ذلك (2):
1 -
سقوط ولايته فلا يتولى ما يشترط فيه الولاية فلا يزوج أحدًا من بناته، ولا يولى على القاصرين من أولاده ونحو ذلك.
2 -
لا يرث ولا يورث لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم» (3).
3 -
يُحرم من دخول مكة.
4 -
تحرم ذبيحته، بخلاف المسلم والكتابي.
5 -
لا يُصلى عليه بعد موته ولا يُدعى له بعد موته.
6 -
تحريم زواجه بالمسلمات لأنه كافر، والكافرة كذلك يحرم على الرجل المسلم نكاحها، وإذا ارتد أحد الزوجين انفسخ العقد عند الأئمة الأربعة.
وأما الإمام: فيدعو تارك الصلاة ويقول له: صلِّ وإلا قتلناك، فإن تاب وصلَّى وإلا قتله ردَّةً، ليس ذلك لأحد من عامة الناس وإنما للحاكم فقط فلينتبه!!
على من تجب الصلاة؟ تجب الصلاة على كل عاقل، بالغ، ذكر أو أنثى حر أو عبد.
1 -
فأمل العقل: فهو شرط لوجوب الصلاة على المرء، فلا تجب على المجنون
(1) صحيح أخرجه البخاري (25)، ومسلم (22).
(2)
«رسالة ابن عثيمين» (ص: 20 - 24) مع رسالة الشيخ ممدوح.
(3)
صحيح أخرجه البخاري (4283)، ومسلم (1614).
إجماعًا، لقوله صلى الله عليه وسلم:«رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يكبر (وفي رواية: يحتلم) وعن المجنون حتى يعقل» (1).
واختلف العلماء فيمن تغطىَّ عقله بمرض أو إغماء أو دواء مباح، والصحيح أن المغمى عليه ونحوه ممن زال عقله لا يعقل ولا يفهم، فالخطاب عنه مرتفع، وإذا كان غير مخاطب في وقتها، فلا يجب عليه أداؤها في غير وقتها، فإن أفاق وعقل في وقت يدرك فيه -بعد الطهارة- الدخول في الصلاة لزمه أداؤها.
وأما من سكر أو نام عن الصلاة أو نسيها حتى خرج وقتها، فهؤلاء -خاصة- يجب أن يصلوُّا ما فاتهم، للنص:
قال الله تعالى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} (2). فلم يبح الله تعالى للسكران أن يصلي حتى يعلم ما يقول، فإن أفاق صلاها.
وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا نسي أحكم صلاة أو نام عنها فليصلِّها إذا ذكرها (3).
بهذا قال المالكية والشافعية [إلا أنهم فرقوا بين السكر المتعدِّي به والسكر بلا تعدٍّ!!] وبه قال ابن حزم (4) واختار العلامة ابن عثيمين رحمه الله أنه إن زال عقله بفعله واختياره بتناول البنج أو الدواء المخدر فعليه القضاء، وإن كان بغير اختياره فلا قضاء عليه.
2 -
وأما البلوغ: فهو شرط لوجوب الصلاة بلا خلاف، فلا تجب الصلاة على الصبي حتى يبلغ، للأدلة الدالة على رفع قلم التكليف عن الصبي، وقد تقدم الحديث فيه.
تعليم الصبي الصلاة وأمره بها:
الصبي وإن كان لا تجب عليه الصلاة، إلا أنه يجب على وليِّه أن يأمره بها إذا بلغ سبع سنين، ويضربه عليها -تأديبًا له- إذا بلغ عشرًا ليعتادها إذا بلغ لقوله صلى الله عليه وسلم:«مروا الصبي بالصلاة ابن سبع سنين، واضربوا عليها ابن عشر» (5) وهذا
(1) صحيح أخرجه أبو داود (4398)، والنسائي (6/ 156)، وابن ماجه (2041) وغيرهم.
(2)
سورة النساء، الآية:43.
(3)
صحيح: أخرجه مسلم (684).
(4)
«حاشية الدسوقي» (1/ 184)، و «مغنى المحتاج» (1/ 131)، و «المحلى» (2/ 233 - 234)، و «الممتع» (2/ 18).
(5)
صحيح لغيره: أخرجه أبو داود (494)، و «الترمذي» (407) عن سبرة بن معبد وله شاهد عن عبد الله عمرو.