الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي يسر وأعان على تمام الجزئين الأولين من شرح تيسير الوصول، وعلى جمع بيان ما في الأحاديث النبوية من كلام الأئمة من علماء المنقول، والصلاة والسلام على من باتباع سنته يكون إلى رضوان الله الوصول، وعلى آله الذين شرفهم بشرفه موصول، ورضي الله عن أصحابه الذين بهم كان الوصول إلى هذه النقول.
وبعد:
فقد من الله وله الحمد بالإيمان على النصف الأول من التيسير، وها نحن نشرع في شرح النصف الأخير، ونطلب من الله الإعانة على كل ما يرضيه، ونعوذ به من شرور معاصيه، قال المصنف رحمه الله:
كتاب الصوم
وفيه ثلاثة أبواب
الباب الأول: فى فضله وفضل شهر رمضان
1 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الحَسَنَةُ بِعَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ. قَالَ الله تعالى: إِلَاّ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ. وَلخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ الله مِنْ رِيحِ المِسْكِ". [صحيح]
وفي رواية: "الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ، وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ شَاتَمَهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ، إِنِّي صَائِمٌ".
أخرجه الستة (1). [صحيح]
وقوله: "الصَّوْمُ لِي": أي لم يشاركني (2) فيه أحد، ولا عبد به غيري، فإن سائر العبادات قد عبدت بها الكفار آلهتها، فأنا حينئذٍ أجزي به على قدر اختصاصه بي، وأنا أتولى الجزاء عليه بنفسي، ولا أكله إلى أحد غيري.
"وَالخُلُوفُ"(3) بضم الخاء: تغير ريح فم الصائم من ترك الأكل والشرب.
"والرَّفَثُ"(4): مخاطبة الرجل المرأة بما يريده منها، وقيل: هو التصريح بذكر الجماع، وهو الحرام في الحج على المحرم، وأما الرّفث في الكلام إذا لم يكن مع امرأة فلا يحرم لكن يستحب تركه.
"وَالصَّخَبُ"(5): الضجة والجلبة.
قال المصنف رحمه الله: (كتاب الصوم).
أقول: هو لغة (6): الإمساك ومثله الصيام.
(1) أخرجه البخاري رقم (1894، 1904)، ومسلم رقم (1151)، وأبو داود رقم (2363)، والترمذي رقم (764)، وابن ماجه رقم (1691)، والنسائي رقم (2216، 2217)، ومالك في "الموطأ"(1/ 310)، وهو حديث صحيح.
(2)
انظر: "فتح الباري"(4/ 107).
(3)
انظر: "غريب الحديث" للهروي (1/ 325).
"المجموع المغيث"(1/ 610).
(4)
"النهاية في غريب الحديث"(1/ 672)، "الفائق" للزمخشري (2/ 70).
(5)
"النهاية في غريب الحديث"(2/ 15).
(6)
قاله النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم"(7/ 186).
وانظر: "القاموس المحيط"(ص 1460).
وشرعاً (1): إمساك مخصوص في زمن مخصوص بشرائط مخصوصة، وفي المحكم: الصوم: ترك الطعام، والشراب، والنكاح، والكلام، يقال: صام صياماً وصوماً.
وقال الراغب (2): الصوم في الأصل: الإمساك عن الفعل (3)، ولذلك قيل: للفرس الممسكة عن السَّير (4) صائم، وفي الشرع: إمساك المكلف بالنية عن تناول المشرب، والمطعم، والاستمناء، والاستقاء من الفجر إلى المغرب.
وكان فرضه (5) في السنة الثانية من الهجرة في شعبان بالاتفاق، وفيها فرضت صدقة الفطر قبل العيد بيومين، وقيل: بيوم، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العيد، وهي أول صلاة صلاها، وفي الحجة منها صلى صلاة الأضحى، وضحى، وأمر بالأضحية وهي أول صلاة للأضحى صلَّاها، وأمَّا ما قيل: إنَّ آدم عليه السلام لما أكل من الشجرة ثم تاب تأخر قبول توبته لما بقي في جسده من تلك الأكلة ثلاثين يوماً، فلما صغى جسده منها تِيبَ عليه، ففرض على ذريته صيام ثلاثين يوماً، فإنّه ذكره الحافظ ابن حجر في "الفتح"(6) عن بعض الصوفية، ثم قال: وهذا يحتاج إلى ثبوت السند فيه إلى من يقبل قوله في ذلك، وهيهات، وجدان ذلك انتهى.
وذكر المصنف فيه ثلاثة أبواب فقال: (الباب الأول في فضله، وفضل رمضان) أي: في فضله [2 ب] مطلقاً، وفضل رمضان بخصوصه.
(1) انظر: "فتح الباري"(4/ 102).
(2)
في "مفردات ألفاظ القرآن"(ص 500).
(3)
ثم قال: مطعماً كان، أو كلاماً، أو مشياً.
(4)
قال الراغب: أو العلف.
(5)
انظر: "فتح الباري"(4/ 107).
(6)
(4/ 102 - 103).
الأول: حديث أبي هريرة.
أقول: ساق المصنف ببعض ألفاظ رواياته روايتين، وذكر ابن الأثير (1) لحديث أبي هريرة سبعة عشر رواية ما بين مطولة، ومختصرة، ومخرجة للستة، أو لبعض منهم.
قوله: "كل عمل ابن آدم" أي: من صالح أعماله فهو من العموم المراد به الخاص. (يضاعف) أي: جزاؤه، وبيّنه بقوله:"الحسنة عشر أمثالها" وهو النص القرآني: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} (2)، يراد أنه إذا أعطى درهماً صدقة كتب له أجر عشرة دراهم، وزاد (إلى سبعمائة ضعف) أي: تنتهي المضاعفة إلى ذلك فضلاً من الله، وورد به النص في الصدقة في قوله:{مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} (3) فالمضاعفة بالعشر مقطوع بها بالوعد الصادق، والتضعيف إلى ما ذكر يؤتيه الله من يشاء.
قوله: "قال الله: إلَاّ الصوم فإنَّه لي وأنا أجزي به".
أقول: اختلف العلماء في المراد بهذه الجملة مع أنَّ الأعمال كلها لله، وهو الذي يجزي بها على أقوالٍ (4).
الأول: إنَّ الصوم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره حكاه المازري (5)، ونقله عياض (6) عن أبي عبيد، ولفظ: أبي عبيد: قد علمنا أن أعمال البر كلها لله، وهو الذي يجزي بها فنرى،
(1) في "الجامع"(9/ 450 - 456).
(2)
سورة الأنعام الآية (160).
(3)
سورة البقرة الآية (261).
(4)
انظر: هذه الأقوال في "فتح الباري"(4/ 107 - 108).
(5)
في "المعلم بفوائد مسلم"(2/ 41).
(6)
في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(4/ 110 - 111).
والله أعلم أنَّه إنما خص الصيام؛ لأنَّه ليس يظهر من ابن آدم بفعله، وإنما هو شيء في القلب، ويؤيد هذا التأويل قوله صلى الله عليه وسلم:"ليس والصوم رياء" حدثنيه شبابه عن عقيل عن الزهري، فذكره مرسلاً، وقال ذلك؛ لأنَّ الأعمال لا تكون إلَاّ بالحركات، إلَاّ الصوم، فإنَّه بالنية التي تخفى على الناس، هذا وجه الحديث عندي. انتهى.
قال الحافظ ابن حجر (1): وقد روى البيهقي الحديث المذكور في "الشعب"(2) من طرق عن عُقيْل، وأورده (3) من وَجْهٍ آخر عن الزهري موصولاً عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وإسناده ضعيف، ولفظه:"الصيام لا رياء فيه" قال الله: "هو لي وأنا أجزي به".
قال (4): وهذا لو صح كان قاطعاً للنزاع، وقال بهذا الوجه جماعة.
والثاني: إنَّ المراد بقوله: "وأنا أجزي به" أي: انفرد بعلم مقدار ثوابه، وتضعيف حسناته، وأمَّا غيره من العبادات فقد اطلع عليها بعض الناس.
قال القرطبي (5) معناه: إنَّ الأعمال ينكشف [3 ب] مقادير ثوابها للناس، وأنَّها تضعف من عشرة إلى سبعمائة إلى ما شاء الله إلَاّ الصوم فإنَّ الله يثيب عليه بغير تقدير، ويشهد له سياق الرواية الأخرى (6):"كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله، قال الله: إلَاّ الصوم فإنه لي وأنا أجزي به" أي: أجازي به عليه جزاءً كثيراً من غير
(1) في "الفتح"(4/ 107).
(2)
رقم (3593)، وهو حديث مرسل.
(3)
رقم (3322)، وهو حديث ضعيف جداً.
(4)
رقم (3322)، وهو حديث ضعيف جداً.
(5)
في "المفهم"(3/ 213).
(6)
أخرجها مالك في "الموطأ"(1/ 310).
تعيين لمقداره، وهذا نحو قوله تعالى:{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)} (1)، والصابرون هم الصائمون في أكثر الأقوال، وذكر له شواهد.
قال القرطبي (2): [هذا القول ظاهر الحسن](3)، قال: غير أنّه تقدم، ويأتي في غير ما حديث أن صوم اليوم بعشرة أيام، وهو نص في إظهار التضعيف، فيبعد هذا الجواب بل يبطل.
قال الحافظ (4): لا يلزم من الذي ذكر بطلانه، بل المراد بما أورده أنَّ صيام اليوم الواحد يكتب بعشرة أيام، وأمَّا مقدار ثواب ذلك فلا يعلمه إلَاّ الله، وهذا حسن.
الثالث: إن معنى قوله: "الصوم لي" أي: أَنَّه أحب العبادات إليَّ، والمقدم عندي، ويؤيده حديث النسائي (5) عن أبي أمامة مرفوعاً:"عليك بالصوم لا مثل له". وردّ بأنّه يدفعه الحديث الصحيح: "واعلموا أنَّ خير أعمالكم الصلاة"(6).
الرابع (7): إنَّ الإضافة إضافة تشريف وتعظيم، كما يقال: بيت الله وإن كان البيوت كلها لله.
(1) سورة الزمر الآية (10).
(2)
في "المفهم"(3/ 213).
(3)
كذا في (أ. ب)، وفي "الفتح"(4/ 108)، والذي في "المفهم"، وهذا ظاهر قول الحسن.
(4)
في "الفتح"(4/ 108).
(5)
في "السنن" رقم (2221)، وهو حديث صحيح.
(6)
أخرجه ابن ماجه رقم (277)، والحاكم (1/ 130) من حديث ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن"، وهو حديث صحيح لغيره.
(7)
ذكره الحافظ في "الفتح"(4/ 108).
قلت: ويريد بالإضافة قوله: "لي" في الخبر عن الصوم، ولكنَّه يبقى الكلام في قوله:"وأنا أجزي به".
الخامس (1): أنَّ الاستغناء عن الطعام والشراب من صفات الله تعالى، فلما تقرب الصائم إليه بما يوافق صفاته أضافه إليه، وقال القرطبي (2): معناه: إنَّ أعمال العباد مناسبة لأحوالهم إلَاّ الصيام، فإنَّه مناسبٌ لصفة من صفات الحق، كأنّه يقول: إنَّ الصائم يتقرب إليَّ بأمر هو مُتعلق بصفة من صفاتي.
قلت: ولا يخفى أنَّ الملائكة لا تأكل طعاماً، ولا تشرب شراباً.
السادس (3): إنّه خالص لله وليس للعبد فيه حظ قاله الخطابي (4)، وأوضحه ابن الجوزي (5)، فقال: المعنى ليس لنفس الصائم فيه حظ بخلاف غيره من العبادات [4 ب] فإنَّ له فيها حظاً لثناء الناس عليه بعبادته.
قلت: إن أراد أنه قصد هذا الحظ فهو رياء يحبط العمل، وإن أراد أنَّه يتفق له ذلك بغير قصد منه فهو غير حظٍ أراده.
السابع: إنَّ الصيام عبادة لم يُعبد بها غيرُ الله بخلاف الصلاة، والصدقة والطواف ونحو ذلك.
واعترض عليه بما يقع من عباد النجوم، وأصحاب الهياكل والاستخدامات، فإنهم يتعبدون لها بالصيام.
(1) ذكره الحافظ في "الفتح"(4/ 108).
(2)
في "المفهم"(3/ 212).
(3)
ذكره الحافظ في "الفتح"(4/ 108).
(4)
في "أعلام الحديث"(2/ 946).
(5)
ذكره الحافظ في "الفتح"(4/ 108).
وذكر ابن الأثير في "غريب الجامع"(1) هذا الوجه، واستحسنه وقال: لم يسمع أنَّ طائفة من طوائف المشركين في الأزمان [المتقدمة](2) عبدت آلهتها بالصوم، ولا تقربت إليها به، ولا دانتها به، ولا عُرِفَ الصومُ في العبادات إلَاّ من جهة الشرائع، فلذلك قال الله:"الصوم لي" أي: لم يشاركني فيه أحدٌ، ولا عُبد به غيري، وأنا حينئذٍ أجزي به على قدر اختصاصه بي، وأنا أتولى الجزاء عليه بنفسي لا أكلِهُ إلى أحد من ملك مقرب، أو غيره، ثم أجاز هذا القول، وقال: إنَّه أخبره به الأمير مجاهد الدين أبو منصور قايماز بن عبد الله، وذكر أنَّه مما وقع له ابتكاراً، ولم يسمعه من أحدٍ، ولا وقف عليه في كتاب، ولم أسمعه أنا من غيره، ولقد أصاب فيما وقع له وأحسن وفقه الله لعرفانه.
ولم يتنبه لما أورده الحافظ من انتقض بصيام من ذكر لما ذكر.
قوله: "يدع شهوته وطعامه من أجلي".
أقول: المراد بشهوته: شهوة الجماع، والمراد: أنَّه جاهد نفسه طول نهاره مع ميل نفسه إلى ما جاهدها عليه، فأمَّا من لم يعرض له ذلك فغيره أفضل منه، وإنما حملناه على الجماع؛ لأنَّه عطف عليه الطعام، ويحتمل أن يكون من الخاص بعد العام، وفي رواية ابن خزيمة:"يدع الطعام والشراب من أجلي، ويدع لذته من أجلي، ويدع زوجته من أجلي".
قوله: "للصائم فرحتان" بيَّنهما بقوله: "فرحة عند فطره" قيل: لزوال الجوع، والعطش، وقيل: لإتمام الصوم، والمثوبة.
قلت: أولهما ويرشد له الدعاء عند الإفطار: "اللهم لك صمنا، وعلى رزقك أفطرنا"(3).
(1)(9/ 454).
(2)
كذا في (أ. ب)، والذي في "الجامع":"المتقادمة".
(3)
أخرجه أبو داود رقم (2357)، والنسائي في "السنن الكبرى" رقم (3315)، والدارقطني في "السنن"(2/ 185 رقم 25)، والحاكم (1/ 422) من حديث ابن عمر، وهو حديث حسن.
قوله: [5 ب]"وفرحة عند لقاء ربه"؛ لما يناله من الجزاء الذي أخبر عنه بقوله: "وأنا أجزي به" وغير ذلك مما ذكر في جزاء الصيام.
قوله: "ولخلوف"(1) بضم الخاء المعجمة واللام وسكون الواو بعدها فاء.
"فم الصائم" أي: تغير رائحته من خلو المعدة.
"أطيبُ عند الله من ريح المسك".
أقول: اُستُشكل (2) ذلك؛ لأنَّه تعالى منزه عن استطابة (3) الروائح، إذ ذلك من صفات الحيوان.
قال المازري (4): هو مجازي؛ لأنها جرت العادة بتقريب الرائحة الطيبة منا فاستعير ذلك للصوم لتقريبه من الله تعالى فالمعنى: أنَّه أطيب عند الله من ريح المسك عندكم أي: يقرب إليه أكثر من تقريب المسك إليكم، وإلى ذلك أشار ابن عبد البر (5).
وقيل: إنَّ المراد أنَّ ذلك في حق الملائكة، وأنهم يستطيبون ريح الخلوف أكثر مما تستطيبون ريح المسك.
(1) تقدم شرحها.
(2)
ذكره الحافظ في "الفتح"(4/ 105 - 106).
(3)
قال ابن القيم في "الكلم الطيب"(ص 67 - 68) بتحقيقي: كل هذا تأويل لا حاجة إليه، وإخراج للفظ عن حقيقته، والصواب: أنّ نسبة الاستطابة إليه سبحانه كنسبة سائر صفاته وأفعاله إليه، فإنّها استطابة لا تماثل استطابة المخلوقين، كما أنّ رضاه وغضبه، وفرحه، وكراهته، وحبّه، وبغضه لا تماثل ما للمخلوق من ذلك، كما أنّ ذاته سبحانه وتعالى لا تشبه ذوات المخلوقين، وصفاته لا تشبه صفاتهم، وأفعاله لا تشبه أفعالهم.
(4)
في "المعلم"(2/ 41).
(5)
في "الاستذكار"(10/ 248 - 249 رقم 14737).
وقيل: إنَّ المعنى: أن حكم الخلوف والمسك عند الله على ضدَّ ما هو عندكم، وهذا قريب من الأول.
وقيل: المراد: أنَّ الله يُطيب نكهته في الآخرة، فتكون أطيب من ريح المسك، لا سيما بالإضافة إلى الخلوف (1).
وقال الداودي (2): وجماعة المعنى: أنَّ الخلوف أكثر ثواباً من المسك المندوب إليه في الجمع، ومجالس الذكر، ورجحه النووي (3).
وحاصله: حمل معنى الطيب على القبول والرضى، قال البغوي (4): معناه: الرضى بفعله، وإليه ذهب جماعة من الأئمة، قال الخطابي (5): طيبه عند الله رضاؤه به، وثناؤه عليه.
ووقع بين الشيخين ابن عبد السلام، وابن الصلاح تنازع في المسألة فذهب ابن عبد السلام إلى ذلك في الآخرة، كما في دم الشهيد.
واستدل بالرواية التي فيها: "يوم القيامة".
قلت: وهي التي أخرجها مسلم (6) وأحمد (7) والنسائي (8) من حديث عطاء عن أبي صالح: "أطيب عند الله يوم القيامة".
(1) وانظر "فتح الباري"(4/ 105).
(2)
ذكره الحافظ في "الفتح"(4/ 106).
(3)
في "شرحه لصحيح مسلم"(8/ 30).
(4)
في "شرح السنة"(6/ 222).
(5)
في "أعلام الحديث"(2/ 94).
(6)
في "صحيحه" رقم (163/ 1151).
(7)
في "المسند"(2/ 273).
(8)
في "السنن" رقم (2216) وهو حديث صحيح.
وذهب ابن الصلاح إلى أنَّ ذلك في الدنيا، واستدل بما تقدم، وبأنَّ جمهور العلماء ذهبوا إلى ذلك، كما قدمناه قريباً.
قوله: "وفي رواية".
أقول: هي في "صحيح البخاري"(1)، و"الجُنَّة" بالضم وتشديد النون [6 ب] هي الستر، وقد تبين المستور عنه بما في الروايات الأُخر "جنة من النار".
أخرجه النسائي (2) من حديث عائشة، وله (3) من حديث عثمان بن أبي العاص جنة كجنة أحدكم من القتال" ولأحمد (4) من حديث أبي هريرة:"جنة وحصن حصين من النار"، وله (5) من حديث أبي عبيدة بن الجراح:"الصيام فيه جنة ما لم يخرقها"، زاد الدارمي (6):"بالغيبة" وبذلك ترجم له (7) هو وأبو داود (8).
قوله: "فلا يرفث"(9).
أقول: (يرفث) بالضم والكسر، ويجوز في فاءه الثلاث الحركات.
(1) في "صحيحه" رقم (1894).
(2)
في "السنن" رقم (2234).
(3)
أي: للنسائي في "السنن" رقم (2230).
(4)
في "المسند"(2/ 245، 306).
(5)
أي: للنسائي في "السنن" رقم (2233).
(6)
في "سننه" رقم (1773).
(7)
أي: الدارمي: في "السنن"(2/ 1081/ الباب رقم 27).
(8)
في "السنن"(3/ 767 الباب رقم 25).
(9)
تقدم شرحها مراراً.
قال السيوطي (1): فاؤه مثلثة في الماضي والمضارع، والأفصح الفتح في الماضي، والضم في المضارع، والمراد بالرفث هنا هو بفتح للراء والفاء: الكلام الفاحش، وهو يطلق على هذا، وعلى الجماع ومقدماته، وعلى ذكره مع النساء أو مطلقاً.
قوله: "ولا يصخب" بفتح حرف المضارعة، فصاد مهملة ساكنة، فخاء معجمة مفتوحة، وهو رفع الصوت، وفي رواية البخاري (2):"ولا يجهل" أي: لا يفعل شيئاً من أفعال الجهل كالصياح، والسفه، ونحو ذلك، ولسعيد بن منصور:"ولا يجادل".
قال القرطبي (3): لا يفهم من هذا أنَّ غير يوم الصوم يباح فيه ما ذكرنا إنما المراد أنَّ المتسع من ذلك يتأكد في الصوم.
قوله: "فإن شاتمه أحد أو قاتله". لفظ البخاري (4): "وإن امرؤ" وفيه ألفاظ متفقة المعاني مختلفة الألفاظ، وأثبتت الروايات كلها أنه يقول:"إني صائم، إني صائم" إلَاّ أنها وردت بالتكرار، وبالإفراد في بعض، واختلف في المراد بقوله:"إني صائم" هل يخاطب بها الذي يكلمه بذلك أو يقولها في نفسه؟.
وبالثاني: جزم (5) المتولي ونقله الرافعي عن الأئمة، ورجح النووي الأول في "الأذكار"(6).
(1) انظر: "الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج"(3/ 229).
(2)
في "صحيحه" رقم (1894).
(3)
في "المفهم"(3/ 214).
(4)
في "صحيحه" رقم (1894).
(5)
ذكره الحافظ في "الفتح"(4/ 105).
(6)
(1/ 492)
وقال في "شرح المهذب"(1): كل منهما حسن، والقول باللسان أقوى.
وقال الروياني (2): إن كان رمضان فليقله بلسانه، وإن كان غيره فليقله في نفسه، والمراد كف نفسه عن مقابلة الشتم بالشتم، وعن المماثلة.
وقيل: يقوله مرة في نفسه لزجرها عن إجابته، والثانية: يقولها بلسانه لدفع من أراد شتمه، وقتاله.
قوله: "أخرجه الستة".
قلت: بألفاظ عدة قدمنا كمية ما ساقه ابن الأثير (3) في ذلك، وتفسير "المصنف" لقوله:"الصوم لي" و"للخلوف" تقدم ما يفيده، وكذا (الرفث).
الثاني: حديث أبي [7 ب] هريرة (4) - أيضاً -:
2 -
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَامَ يَوْماً فِي سَبِيْلِ الله تعالَى جَعَلَ الله بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ خَنْدَقًا كما بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ"(5). أخرجه الترمذي (6). [إسناده حسن]
قوله: "في سبيل الله" هو إذا أطلق أريد به الجهاد، فالمراد: من صام وهو في الجهاد؛ لأنّه جمع بين جهاد نفسه، ترجم له الترمذي (7) باب: ما جاء في فضل الصوم في سبيل الله، وذكر
(1) في المجموع "شرح المهذب"(6/ 398).
(2)
في "بحر المذهب"(4/ 329 - 330).
(3)
في "جامع الأصول"(9/ 450 - 456).
(4)
كذا في "المخطوط" والذي في "الجامع"(6/ 457 رقم 7144) بهذا اللفظ عن أبي أمامة.
(5)
هذا اللفظ من حديث أبي أمامة.
(6)
في "السنن" رقم (1624) من حديث أبي أمامة رضي الله عنه بإسناد حسن.
(7)
في "السنن"(4/ 166 الباب رقم 3).
أحاديث في الباب منها: من حديث أبي سعيد (1) الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يصوم عبد يوماً في سبيل الله إلَاّ باعد ذلك اليوم من النار عن وجهه سبعين خريفاً" وقال (2): هذا حديث حسن صحيح.
قوله: "أخرجه الترمذي وقال (3): هذا حديث غريب، من حديث أبي أمامة" انتهى.
والمصنف نسبه لأبي هريرة كما ترى، وحديث أبي هريرة في الباب أخرجه الترمذي (4) - أيضاً - لكن بلفظ:"زحزحه الله عن النار سبعين خريفاً" ثم قال: أحداهما، أي: الراويين عن أبي هريرة يقول: "سبعين"، والآخر يقول:"أربعين".
وذكره ابن الأثير - أيضاً - في "الجامع"(5) إلَاّ أنَّه زاد فيه: أنَّ في رواية "أربعين خريفاً" ولم أجدها، إنما لفظه ما نقلناه، وقال (6) فيه الترمذي: إنه غريب من هذا الوجه.
والحاصل: إنَّ رواية "خندقاً" إنما هي (7) في رواية أبي أمامة، لا أبي هريرة.
والمصنف نسبها لأبي هريرة، وهي في "الجامع"(8) على الصواب منسوبة لأبي أمامة، والترمذي (9) أخرج الحديث في كتاب الجهاد.
(1) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (1623) وهو حديث صحيح.
(2)
في "السنن"(4/ 166).
(3)
في "السنن"(4/ 167).
(4)
في "السنن" رقم (1622) وهو حديث صحيح.
(5)
(9/ 456 - 457 رقم 7142).
(6)
في "السنن"(4/ 166).
(7)
وهو كما قال.
(8)
(9/ 457 رقم 7144).
(9)
في "السنن"(4/ 166 الباب رقم 3).
الثالث:
3 -
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: مُرْنِي بِأَمْر يَنْفَعْنِي الله تَعَالَى بِهِ، فَقَالَ: عَلَيْكَ بَالصَوْمِ، فَإِنَّهُ لَا عَدْلَ لَهُ. أخرجه النسائي (1). [صحيح]
حديث أبي أمامة ولفظه في "الجامع"(2): "مرني بعمل ينفعني الله به. قال: عليك بالصوم فإنَّه لا مثل له".
وفي رواية (3): "أنه سأل: أيُّ العمل أفضل؟ فقال: عليك بالصوم، فإنه لا عدل له".
وفي أخرى (4): "مرني بعمل. قال: عليك بالصوم، فإنَّه لا عدل له". انتهى.
العدل المثل كما فسرته الرواية الأخرى، فالمصنف أتى بلفظ مأخوذ من الروايات، لا أنَّه لفظ أحدها، وفيه دليل على فضيلة الصوم على كل عمل نافع.
قوله: "أخرجه النسائي" بألفاظ الروايات التي سقناها.
الرابع: حديث سهل بن سعد:
4 -
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ فِي الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ: الرَّيَّانُ، لَا يَدْخُلُه إِلَاّ الصَّائِمُونَ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ، فَلَا يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ". أخرجه الخمسة (5) إلا أبا داود. [صحيح]
(1) في "السنن" رقم (2221) وهو حديث صحيح.
(2)
(9/ 456 رقم 7141).
(3)
أخرجها النسائي في "السنن" رقم (2222) وهو حديث صحيح.
(4)
عند النسائي في "السنن" رقم (2220) وهو حديث صحيح.
(5)
أخرجه البخاري رقم (1896)، ومسلم رقم (1152)، والترمذي رقم (765)، والنسائي في "السنن" رقم (2236).
وزاد الترمذي (1): "وَمَنْ دَخَلَهُ لَا يَظْمَأُ أَبَداً".
قوله: "باباً يقال (2) له: الريان". مبالغة من الري، وهو خلاف العطش، سمي الباب به بشرى لداخليه أنّهم لا يظمئون.
"لا يدخله إلَاّ الصائمون، فإذا دخلوا أُغلق". المراد: الصائمون من كل ملة من أشياع الأنبياء عليهم السلام، والمراد: صوم الفرض.
قوله: "زاد الترمذي" في رواية.
"ومن دخله لا يظمأ أبداً" إن قلت: أهل الجنة لا يظمئون أبداً.
قلت: يمكن أنهم يحتاجون إلى شرب الماء، ما عدا الصُّوام فإنهم لا يشربونه إلَاّ تلذذاً، لا لحاجة (3).
قوله: "أخرجه الخمسة إلَاّ أبا داود".
قلت: قال الترمذي (4): هذا حديث حسن صحيح غريب.
الخامس: حديث أبي هريرة.
5 -
وعن أبي هريرة (5) رضي الله عنه قال: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا". أخرجه الترمذي (6). [صحيح]
(1) في "السنن" رقم (765).
(2)
انظر: "فتح الباري"(4/ 111).
(3)
انظر: "المفهم"(3/ 316)، "فتح الباري"(4/ 111).
(4)
في "السنن"(3/ 137).
(5)
بل هو من حديث زيد بن خالد الجهني.
(6)
في "السنن" رقم (807) وهو حديث زيد بن خالد الجهني، وهو حديث صحيح.
أقول: هكذا في "الجامع"(1)، والذي رأيته في الترمذي، وقد عقد (2) له باباً ما جاء في فضل من فطَّر صائماً، ثم ساق الحديث إلى زيد بن خالد (3) الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكره بلفظه، وقال (4): إنّه حسن صحيح. انتهى.
وذكره المنذري في "الترغيب والترهيب"(5) فقال: الترغيب في إطعام الصائم عن زيد ابن خالد الجهني، وساقه بلفظه الذي هنا، وقال رواه الترمذي (6) والنسائى (7) وابن ماجه (8) وابن خزيمة (9) وابن حبان (10) في صحيحيهما. انتهى.
فنسبه ابن الأثير له إلى أبي هريرة، وتبعه "المصنف" نسبة غير صحيحة (11)، وقد رواه الطبراني عن سلمان عنه صلى الله عليه وسلم بلفظ:"من فطر صائماً على طعام وشراب من حلال صلت عليه الملائكة في ليالي شهر رمضان، وصلى عليه جبريل ليلة القدر".
(1)(9/ 459 الحديث رقم 7148).
(2)
أي: الترمذي في "السنن"(3/ 171 الباب رقم 82).
(3)
الحديث رقم (807) وهو حديث صحيح.
(4)
الترمذي في "السنن"(3/ 171).
(5)
(2/ 85).
(6)
في "السنن" رقم (807).
(7)
في "السنن الكبرى" رقم (3330).
(8)
في "السنن" رقم (1746).
(9)
في "صحيحه" رقم (2064).
(10)
في "صحيحه" رقم (3420).
(11)
وهو كما قال الشارح.
رواه في "الكبير"(1).
ورواه البزار (2) وقال: "صلى عليه جبريل ليلة القدر، ورزق دموعاً، ورقةً، قال سلمان: إن كان لا يقدر على قوته، قال: على كسرة خبز أو مذقة لبن وشربة ماء كان له ذلك".
وأخرجه أبو الشيخ (3) ابن حيان في "كتاب الثواب" إلَاّ أنَّه قال: "وصافحه جبريل ليلة القدر". وزاد فيه: "ومن صافحه جبريل يرق قلبه، وتكثر دموعه. قال: قلت: يا رسول الله! أفرأيت إن لم يكن عنده؟ قال: قبضة من طعام. قال: أفرأيت إن لم يكن عنده لقمة خبز. قال: فمذقة من لبن. قلت: أفرأيت إن لم يكن عنده شيء. قال: فشربة من ماء".
وأخرج ابن خزيمة في "صحيحه"(4) من حديث سلمان وفيه: "من فطر صائماً" يعني: في رمضان، "كان مغفرةً لذنوبه، وعتقاً لرقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء. قالوا: ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يعطي الله هذا الثواب من فطر صائماً على تمرة أو شربة، أو مذقة لبن".
فهذا شرح حديث زيد بن خالد، وتبيين فضل الله.
(1) رقم (6162)، وأورده الهيثمي في "المجمع"(3/ 156) وقال رواه الطبراني في "الكبير، والبزار" وزاد فيه: وفيه الحسن بن أبي جعفر، قال ابن عدي: له أحاديث صالحة، وهو صدوق قلت: وفيه كلام. قلت: وعلي بن زيد أيضاً ضعيف.
وهو حديث ضعيف جداً.
(2)
كما في "مجمع الزوائد"(3/ 156).
(3)
ذكره المنذري في "الترغيب والترهيب"(2/ 24 رقم 1462/ 1)، وأخرجه البيهقي في "الشعب" رقم (3955).
وهو حديث ضعيف جداً.
(4)
في "صحيحه" رقم (2067).
السادس: حديث أبي هريرة:
6 -
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ". أخرجه الستة (1) إلا أبا داود. [صحيح]
قوله: "إذا دخل رمضان" لفظ الترمذي (2): "إذا كان أول ليلة من رمضان" ولفظ النسائي: "إذا دخل شهر رمضان".
قوله: [9 ب]"فتحت أبواب الجنة" وهي ثمانية، وكأن تفتيحها استبشار بفضل رمضان، وإعلام بأنهم يُدخلون الصائمون الجنة، وبأنَّه علامة للملائكة بدخول الشهر العظيم، وتعظيم حرمته، وبمنع الشياطين من أذى المؤمنين، ويحتمل أن يكون إشارة إلى كثرة الثواب، والعفو، وأنَّ الشياطين يقل إغواؤهم فيصيرون كالمصفدين (3).
قوله: "وغلقت أبواب النار" كأنه لا يدخلها أحد ممن كتب عليه العذاب.
وقيل (4): إنّه عبارة عن صرف الهمم عن المعاصي الآيلة بأصحابها إلى النار.
قوله: "وسلسلت الشياطين". وفي رواية: "صفدت"(5) بضم الصاد، وتشديد الفاء أي: شدت بالأغلال.
(1) أخرجه البخاري رقم (1898)، وطرفاه برقم (1899، 3277)، ومسلم رقم (1079)، والترمذي رقم (682)، وابن ماجه رقم (1642)، والنسائي (4/ 126 رقم 2098)، وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 303)، والحاكم (1/ 421)، وابن خزيمة رقم (1883).
وهو حديث صحيح.
(2)
في "السنن"(4/ 176).
(3)
ذكره الحافظ في "الفتح"(4/ 114).
(4)
ذكره الحافظ في "الفتح"(4/ 114).
(5)
أخرجها أحمد (2/ 357)، البخاري رقم (1898)، ومسلم رقم (1079).
قال الحُليمي (1): تصفيد الشياطين في شهر رمضان، يحتمل أن يكون المراد أيامه خاصة، وأراد الشياطين التي هي مسترقة السمع، ألا تراه قال: مردة الشياطين؛ لأنَّ شهر رمضان كان وقتاً لنزول القرآن إلى السماء الدنيا، وكانت الحراسة قد وقعت بالشهب، كما قال:{وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7)} (2)، فزيدوا التصفيد في شهر رمضان مبالغة في الحفظ، والله أعلم.
ويُحتمل أن تكون أيامه ولياليه، ومعناه: أنَّ الشياطين لا يخلصون فيه من إفساد الناس إلى ما يخلصون إليه في غيره؛ لاشتغال المسلمين بالصيام الذي فيه قمع الشهوات، وبقراءة القرآن، وسائر العبادات. انتهى.
وقال القرطبي (3) بعد حمله التصفيد على ظاهره: فإن قيل: فكيف ونحن نرى المعاصي والشرور واقعةً في رمضان كثيراً، فلو صفدت لم يقع ذلك.
فالجواب (4): إنّها إنما تغل عن الصائمين الصوم الذي حوفظ على شروطه، وروعيت آدابه، والمصفد بعض الشياطين، وهم المردة، لا كلهم كما في بعض الروايات.
والمقصود: تغليل الشرور فيه، وهذا أمر محسوس، فإنَّ وقوع ذلك فيه أقل من غيره، أو لأنَّه لا يلزم من تصفيد جميعهم أن لا يقع شرٌّ، ولا معصية؛ لأنَّ لذلك أسباباً غير الشياطين، كالنفوس الخبيثة، والعادات القبيحة، والشياطين الإنسية.
قوله: "أخرجه الستة إلَاّ أبا داود".
(1) في كتاب "المنهاج في شعب الإيمان" للحُليمي (ت: 403 هـ)(2/ 379).
(2)
سورة الصافات: الآية: (7).
(3)
في "المفهم"(3/ 136 - 137).
(4)
انظره مفصلاً في "المفهم"(3/ 136 - 137).
7 -
وفي أخرى للنسائي (1): وَيُنَادِي مُنادٍ كُلَّ لَيْلَةٍ: يَا بَاغِيَ الخَيْرَ هَلُمَّ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ. [صحيح لغيره]
قوله: "وفي أخرى للنسائي".
قلت: وقال (2): قال أبو عبد الرحمن [10 ب] يريد نفسه هذا الحديث خطأً. انتهى.
قلت: وهذه الزيادة في سنن الترمذي (3) بلفظ النسائي، وزاد:"ولله عتقاً كل ليلة".
قال الترمذي (4) بعد سياقه حديث أبي هريرة الذي رواه أبو بكر بن عياش - يريد هذا الحديث؛ لأنَّه ساقه من طريقه - حديث غريبٌ لا نعرفه، مثل رواية أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، إلَاّ من حديث أبي بكر، وسألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال: حدثنا الحسن بن الربيع، حدثنا أبو الأحوص عن الأعمش عن مجاهد قوله:"إذا كان أول ليلة من شهر رمضان". فذكر الحديث. قال محمد: وهذا أصح عندي من حديث أبي بكر بن عياش. انتهى. وللنسائي (5) فيه كلام كثير.
السابع: حديث أنس:
8 -
وعن أنس رضي الله عنه قال: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الصَّوْمِ أَفْضَلُ بَعْدَ رَمَضَانَ؟ قَالَ: "شَعْبَانُ لِيُعْلَم رَمَضَانَ"، وَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ:"فِي رَمَضَانَ". أخرجه الترمذي (6). [ضعيف]
(1) في "السنن" رقم (2107) وهو حديث صحيح لغيره.
(2)
في "السنن"(4/ 130).
(3)
في "السنن"(3/ 66 - 67 رقم 682).
(4)
في "السنن"(3/ 68).
(5)
في "السنن"(4/ 130).
(6)
في "السنن" رقم (663)، وقال الترمذي: هذا حديث غريب، وصدقة بن موسى ليس عندهم بذاك. =