المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الصبر حقيقة (1) الصبر حبس النفس عن الجزع، واللسان عن - التحبير لإيضاح معاني التيسير - جـ ٦

[الصنعاني]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الثالث: في صلاة الليل

- ‌(الفصل الرابع): في صلاة الضحى

- ‌(الفصل الخامس): في قيام رمضان

- ‌ صلاة التراويح

- ‌(الفصل السادس): في صلاة العيدين

- ‌(اجتماع العيد والجمعة)

- ‌(الباب الثاني): في النوافل المقرونة بالأسباب

- ‌(الفصل الأول): في الكسوف

- ‌(الفصل الثاني): في الاستسقاء

- ‌(الفصل الثالث): في صلاة الجنازة

- ‌(الفصل الرابع): في صلوات متفرقة

- ‌[صلاة الاستخارة]

- ‌(صلاة الحاجة)

- ‌صلاة التسبيح

- ‌كتاب الصوم

- ‌الباب الأول: فى فضله وفضل شهر رمضان

- ‌الباب الثاني: في واجبات الصوم وسننه وأحكامه

- ‌فصل في أركان الصوم

- ‌النية

- ‌في نية صوم التطوع

- ‌الإمساك عن المفطرات

- ‌القبلة والمباشرة

- ‌المفطر ناسياً

- ‌زمان الصوم

- ‌عاشوراء

- ‌رجب

- ‌شعبان

- ‌ست من شوال

- ‌عشر ذي الحجة

- ‌أيام الأسبوع

- ‌أيام البيض

- ‌الأيام التي يحرم صومها

- ‌سنن الصوم

- ‌وقت الإفطار

- ‌تعجيل الفطر

- ‌الباب الثالث: في إباحة الفطر وأحكامه

- ‌موجب الإفطار

- ‌في الكفارة

- ‌كتاب الصبر

- ‌كتاب الصدق

- ‌كتاب الصدقة والنفقة

- ‌الفصل الأول: في فضلهما

- ‌النفقة

- ‌الفصل الثاني: في الحث عليها

- ‌الفصل الثالث: في أحكام الصدقة

- ‌كتاب صلة الرحم

- ‌كتاب الصحبة

- ‌الفصل الأول: فِي حَقِّ الرَّجُل عَلى الزَوْجَةِ

- ‌الفصل الثاني: في حق المرأة على الزوج

- ‌الفصل الثالث: في آداب الصحبة

- ‌الفصل الرابع: في آداب المجلس

- ‌الفصل الخامس: في صفة الجليس

- ‌الفصل السادس: (في التحابِّ والتوادِّ)

- ‌الفصل السابع: في التعاضد والتناصر

- ‌الفصل الثامن: في الاستئذان

- ‌الفصل التاسع: (في السلام وجوابه)

- ‌الفصل العاشر: في المصافحة

- ‌الفصل الحادي عشر: في العطاس والتثاؤب

- ‌الفصل الثاني عشر: في عيادة المريض وفضلها

- ‌الفصل الثالث عشر: في الركوب والارتداف

- ‌الفصل الرابع عشر: في حفظ الجار

- ‌الفصل الخامس عشر: في الهجران والقطيعة

- ‌الفصل السادس عشر: في تتبع العورة وسترها

- ‌الفصل السابع عشر: في النظر إلى النساء

- ‌الفصل الثامن عشر: في أحاديث متفرقة

- ‌كتاب الصداق

- ‌الفصل الأول: في مقداره

- ‌الفصل الثاني: في أحكامه

الفصل: ‌ ‌كتاب الصبر حقيقة (1) الصبر حبس النفس عن الجزع، واللسان عن

‌كتاب الصبر

حقيقة (1) الصبر حبس النفس عن الجزع، واللسان عن التشكي، والسخط والجوارح عن لطم الخدود، وشق الجيوب ونحوها، وقيل: في حقيقته (2): خلق فاضل من أخلاق النفس، تمتنع به من فعل ما لا يحسن ولا يجمل، وهو قوة من قوى النفس التي بها صلاحها وقوام أمرها.

قال الجنيد (3): الصبرُ (4) تجرع المرارة من غير تعبُّس، وقيل (5): هو الوقوف مع البلاء بحسن الأدب، وقيل (6): هو التلقي للبلوى من دون ظهور الشكوى، وقيل (7): هو التأدب مع الله، وتلقي بلاءه بالرحب والدعة، وقد بسطنا الكلام فيه في كتابنا (السيف الباتر)(8).

الأول:

1 -

عن أنس رضي الله عنه قال: أَتَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم علَى امْرَأَةٍ تَبْكِي عَلَى صَبِيٍّ لَهَا، فَقَالَ لَهَا:"اتَّقِي الله، وَاصْبِرِي". فَقَالَتْ: وَمَا تُبَالِي بِمُصِيبَتِي؟ فَلمَّا ذَهَبَ قِيلَ لَهَا: إِنَّهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَأَخَذَهَا

(1) قاله ابن القيم في عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين (ص 15).

(2)

ذكره ابن القيم في "عدة الصابرين"(ص 19).

(3)

هو أبو القاسم الجنيد بن محمد النهاوندي البغدادي (ت 298 هـ)"تاريخ بغداد"(7/ 241).

(4)

انظر: "الرسالة القشيرية"(ص 255)، "مدارج السالكين"(2/ 157).

(5)

عزاه النووي في "شرح صحيح مسلم"(3/ 102)، وانظر:"عدة الصابرين"(ص 20).

(6)

قاله ابن القيم في "عدة الصابرين"(ص 20) شرحاً للعبارة التالية.

(7)

قاله عمرو بن عثمان المكي (ت بعد 300 هـ).

انظر: "سير أعلام النبلاء"(14/ 57 - 58).

(8)

وهي الرسالة رقم (164) من "عون القدير من فتاوى ورسائل ابن الأمير" بتحقيقي. ط ابن كثير دمشق.

ص: 366

مِثْلُ المَوْتِ، فَأَتَتْ بَابَهُ فَلَمْ تَجِدْ عَلَى بَابِهِ بَوَّابِينَ، فَأَتَتْهُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله! لَمْ أَعْرِفْكَ، فَقَالَ:"إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى". أخرجه الخمسة (1) إلا النسائي. [صحيح]

حديث أنس: "أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أتى على امرأة". عقد له البخاري ترجمة فقال: باب: زيارة القبور. "فأتى النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة".

قال الحافظ ابن حجر (2): لم أقف على اسمها، ولا على اسم صاحب القبر، ثم [76 ب] ذكروا رواية لمسلم (3) تشعر بأنَّه ولدها.

وفي قوله: "تبكي على صبي لها" إشعار بذلك.

فقال لها: "اتقي الله واصبري" قال القرطبي (4): الظاهر: أنَّه كان في بكائها قدر زائد من نوحٍ، أو غيره ولهذا أمرها بالتقوى.

قال الحافظ ابن حجر (5): يؤيده ما في مرسل عيسى بن أبي كثير: نسمع منها ما يكره، فوقف عليها.

"فقالت: وما تبالي بمصيبتي". لفظه في البخاري (6): "إليك عني، فإنَّك لم تصب بمصيبتي".

قوله: "ولم تعرفه" جملة حالية أي: خاطبته بذلك حال كونها غير عارفة به.

(1) أخرجه البخاري رقم (1252، 1283، 1302، 7154)، ومسلم رقم (926)، وأبو داود رقم (3124)، والترمذي رقم (987)، والنسائي رقم (1869). وهو حديث صحيح.

(2)

في "فتح الباري"(13/ 132).

(3)

في "صحيحه" رقم (11/ 923).

(4)

في "المفهم"(2/ 579).

(5)

في "الفتح"(3/ 149).

(6)

في "صحيحه" رقم (1283).

ص: 367

قوله: "فأخذها مثل الموت" أي: من شدة الكرب الذي أصابها لما عرفت أنَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم خجلاً منه ومهابة (1).

قوله: "فلم تجد على بابه بوابين" كما يفعله العظماء والملوك.

قوله: "إنَّما الصبر عند الصدمة الأولى" المراد: أنَّه إذا وقع الثبات أول شيء يهجم على القلب من مقتضيات الجزع، فذلك هو الصبر الكامل الذي يترتب عليه الأجر (2).

قال الخطابي (3): إنَّ المعنى: أنَّ الصبر الذي يحمد صاحبه ما كان عند مفاجأة المصيبة، بخلاف ما بعد ذلك، فإنَّه على الأيام يسلو، وحكي عن غيره: أنَّ المرء لا يؤجر على المصيبة؛ لأنَّها ليست من صنيعه، وإنما يؤجر على حسن نيته وجميل صبره (4).

قوله: "أخرجه الخمسة إلَاّ النسائي".

الثاني: حديث أم سلمة:

2 -

وعن أمّ سلمة رضي الله عنها قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَقَالَ مَا أَمَرَهُ الله: إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللهمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا. إِلَاّ أَخْلَفَ الله لَهُ خَيْرًا مِنْهَا". قَالَتْ: فَلمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ: أَيُّ المُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ؟ أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ إِنِّي قُلْتُهَا، فَأَخْلَفَ الله تَعَالَى لِي رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، قَالَتْ فَأَرْسَلَ إِليَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ يَخْطُبُنِي لَهُ، فَقُلْتُ: إِنَّ لِي بِنْتًا وأَنَا غَيُورٌ.

(1) ذكره الحافظ في "الفتح"(3/ 149).

(2)

قاله الحافظ في "الفتح"(3/ 149).

وانظر: "عدة الصابرين"(ص 137 - 138).

(3)

في "أعلام الحديث"(1/ 690).

(4)

ذكره الحافظ في "الفتح"(3/ 150).

ص: 368

فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "أَمَّا ابْنَتَهَا فَنَدْعُوا الله يُغْنِيَهَا عَنْهَا، وَأَدْعُو الله أَنْ يَذْهَبَ بِالغَيْرَة". أخرجه مسلم (1) ومالك (2)، وأبو داود (3) والترمذي (4). [صحيح]

"تصيبه مصيبة" هو مطلق في أي: مصيبة في الأديان والأبدان والأموال.

"فيقول: ما أمر الله" قال في "شرح مسلم"(5): فيه دليل للمذهب المختار في الأصول: أنَّ المندوب مأمور به، والآية تقضي ندبه، وإجماع المسلمين منعقد على ذلك.

قوله: "أجرني". قال القاضي عياض (6): أجرني بالقصر والمد، حكاهما صاحب الأفعال (7)، وقال الأصمعي (8): وأكثر أهل اللغة هو مقصور، ولا يمد، ومعنى أجره الله: أعطاه أجره، وجزاء صبره في مصيبته.

قوله: "واخلف لي" هو (9) بقطع الهمزة وكسر اللام، قال أهل اللغة (10): يقال لمن ذهب له مال، أو ولد، أو شيء يتوقع حصول مثله: أخلف الله عليك مثله، فإن ذهب ما لا يتوقع

(1) في "صحيحه" رقم (3/ 918).

(2)

في "الموطأ"(1/ 236).

(3)

في "السنن" رقم (3119).

(4)

في "السنن" رقم (3511) وهو حديث صحيح.

(5)

(6/ 220).

(6)

في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(3/ 358 - 359).

(7)

كتاب "الأفعال"(ص 9) وهو لأبي بكر محمد بن عمر بن عبد العزيز بن إبراهيم بن عيسى بن مزاحم، المعروف بابن القوطية (ت: 367 هـ).

(8)

ذكره القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(3/ 359).

(9)

ذكره النووي في "شرح صحيح مسلم"(6/ 220).

(10)

"القاموس المحيط"(ص 1043).

ص: 369

مثله بأن ذهب له والد، أو عم، أو أخ لمن لا جدّ له، ولا والد له خلف الله عليك بغير ألف.

أي: كان الله خليفة منه عليك.

قوله: "وأنا امرأة غيور"(1) يقال: امرأة غيور، وغيرى، ورجل [77 ب] غيور، وغيران، وقد جاء فعول في صفات المؤنث كثير نحو: امرأة عروس وعروب وضحوك لكثيرة الضحك، وعقبة كاؤد (2).

قوله: "أن يذهب بالغَيْرة" هي بفتح الغين المعجمة.

قوله: "إلَاّ أجره الله" هو بقصر الهمزة ومدها، والقصر أفصح، وأشهر كما سبق.

قوله: "ثم عزم الله لي". العزم صدق الإرادة واستجماعها.

قوله: "أخرجه مسلم ومالك وأبو داود والترمذي" وقال (3): حسن صحيح أخرجه مختصراً.

الثالث:

3 -

وعن أبي سنان قال: دَفَنْتُ ابْنِي سِنَانًا وَأَبُو طَلْحَةَ الخَوْلَانِيُّ جَالِسٌ عَلَى شَفِيرِ القَبْرِ، فَلمَّا فَرَغْتُ قَالَ: أَلَا أُبَشِّرُكَ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا مَاتَ وَلَدُ العَبْدِ، قَالَ الله لمِلَائِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيَقُولُ: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيَقُولُ: مَاذَا قَالَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ، فَيَقُولُ: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الحَمْدِ". أخرجه الترمذي (4). [حسن]

(1)"النهاية في غريب الحديث"(2/ 333).

(2)

ذكره النووي في "شرح صحيح مسلم"(6/ 221).

(3)

في "السنن"(5/ 533).

(4)

في "السنن" رقم (1021). =

ص: 370

حديث (أبي سنان) وهو أبو سنان عيسى (1) بن سليمان القَسْمَلي - بفتح القاف وسكون السين المهملة وفتح الميم وباللام -. "قال: دفنت ابني سناناً".

قوله: "حدثني أبو موسى الأشعري".

قلت: لفظه في الترمذي (2): قال - أي: أبو طلحة: حدثني الضحاك بن عبد الرحمن بن عَرْزَب عن أبي موسى، فحذف المصنف من حدث أبا طلحة فصار الحديث منقطعاً، ومثل المصنف صنع ابن الأثير، وليس بصواب.

قوله: "ثمرة فؤاده" في "النهاية"(3) قيل: للولد ثمرة؛ لأنَّ الثمرة ما ينتجه الشجر، والولد ينتجة الأب.

قوله: "أخرجه الترمذي".

قلت: وقال (4): هذا حديث حسن غريب.

الرابع: حديث أبي هريرة.

4 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يَقُولُ الله -عز وجل: مَنْ أَذْهَبْتُ حَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ وَاحْتَسَبَ لَمْ أَرْضَ لَهُ ثَوَابًا دُونَ الجَنَّةِ".

أخرجه الترمذي (5) وصححه. [صحيح]

= وأخرجه أحمد (4/ 415)، وابن حبان رقم (2948)، وهو حديث حسن.

(1)

ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول"(2/ 731 - 732).

(2)

في "السنن"(3/ 341 رقم 1021) وليس فيه ما ذكره الشارح وهو في مصادر تخريج الحديث الأخرى. كابن حبان في "صحيحه" رقم (2948).

(3)

"النهاية في غريب الحديث"(1/ 218).

(4)

في "السنن"(3/ 341).

(5)

في "السنن" رقم (2401) وهو حديث صحيح.

ص: 371

قلت: وأخرجه البخاري (1) أيضاً، ولفظه: عن أنس رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إن الله تعالى قال: "إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ، ثُمَّ صَبَرَ عَوَّضْتُهُ عَنْهُمَا الجَنَّةَ، يُرِيدُ عَيْنَيْهِ". والله أعلم.

قوله: "حبيبتيه" يأتي تفسيرهما بالعينين فهما أحب شيء إلى الإنسان بهما يستفيد الدنيا والدين، ولذا مدحهما الله تعالى في قوله:{أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8)} (2).

قوله: "صبر واحتسب" أي: صبر راجياً للأجر.

قوله: "أخرجه الترمذي وصححه".

قلت: قال (3): حسن صحيح.

قوله: "وأخرجه البخاري (4) عن أنس". بل وأخرجه الترمذي (5) - أيضاً - إلَاّ أنَّ الله - تعالى - يقول: "إذا أخذت كريمتي عبدي في الدنيا" وقال (6): حسن غريب.

قوله: "يريد عينيه".

قلت: قال الحافظ ابن حجر (7): لم يصرح بالذي فسرهما.

الخامس: حديث ابن عمرو بن العاص:

(1) في "صحيحه" رقم (5653).

(2)

سورة البلد الآية: 8.

(3)

في "السنن"(4/ 603).

(4)

في "صحيحه" رقم (5653).

(5)

في "السنن" رقم (2400).

(6)

في "السنن"(4/ 603).

(7)

في "فتح الباري"(10/ 116 - 117).

ص: 372

5 -

وعن ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قَالَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الله لَا يَرْضَى لِعَبْدِهِ المُؤْمِنِ إذا ذَهَبَ بِصَفِيِّهِ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ فَصَبَرَ وَاحْتَسَبَ بِثَوَابٍ دُونَ الجَنَّةِ". أخرجه النسائي (1). [حسن]

قوله: "بصَفَيِّه"(2) الصَّفي - بفتح الصاد المهملة، وكسر الفاء وتشديد المثناة التحتية - الحبيب.

قوله: "أخرجه النسائي".

قلت: وأخرجه البخاري (3) عن أبي هريرة بلفظ: "صفيِّه من أهل الدنيا ثم احتسب". الحديث.

السادس: حديث عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس:

6 -

وعن عطاء بن أبي رباح قال: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: هَذِهِ المَرْأَةُ السَّوْدَاءُ أَتَتِ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ الله لِي. قَالَ:"إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الجَنَّةُ، اِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ الله تَعَالَى أَنْ يُعَافِيَكِ؟ " قَالَتْ: أَصْبِرُ فَادْعُ الله لِي أن لَا أَتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا. أخرجه الشيخان (4). [صحيح]

قوله: "امرأة من أهل الجنة [78 ب] ". قال الكاشغري (5):

(1) في "السنن" رقم (1871) وهو حديث حسن.

(2)

قال ابن الأثير في "النهاية"(2/ 41) صفيُّ الرجل: الذي يُصافيه الودّ ويُخلصه له.

(3)

في "صحيحه" رقم (6424).

(4)

البخاري رقم (5652)، ومسلم رقم (54/ 2576).

(5)

انظر: "الاستيعاب"(ص 952 رقم 3518)، والذي فيه أنها أم زفر وقال ابن الأثير في "أسد الغابة"(7/ 368 رقم 7569) أم قرثع، غير منسوبة.

ص: 373

هي أمّ [قريع](1) غير منسوبة، وفي "فتح الباري (2) " هي: سُعَيرة، بمهملتين مصغر، وذكر [عبد الغني بن سعيد](3) في "المبهمات"(4) أنَّ هذه المرأة ماشطة خديجة التي كانت تعاهد النبي صلى الله عليه وسلم بالزيارة، قال: وقد يؤخذ من الطرق التي أوردتها أنَّ الذي كان بأم زفر كان من صرع الجن لا من الخلط، انتهى.

قوله: "أصرع" في "المصباح"(5): الصرع علة تعترض في الدماغ ومجاري الأعصاب من غلظ الرطوبة. انتهى.

قلت: هذا أحد نوعي الصرع، وقد قرر ابن القيم (6) أنَّه يكون من ذلك ومن الجن، وبين ذلك، وذكر قصصاً من ذلك.

قوله: "ولك الجنة". أي: سبب الصبر على تلك العلة ومنه شدة إيمانها ويقينها.

"وإن شئت دعوت الله أن يعافيك، قالت: أصبر، فادع الله أن لا أتكشف فدعا لها".

(1) كذا في "المخطوط" والذي في "أسد الغابة" أم قرثع، وفي "الاستيعاب" أم زفر، وكذلك في "الإصابة"(8/ 396 رقم 12031).

(2)

(10/ 115).

(3)

في (أ. ب) ابن سعد وعبد الغني وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه من "الإصابة" (8/ 396 رقم 12031) وانظر:"فح الباري"(10/ 115).

(4)

ذكره ابن حجر في "الإصابة"(8/ 396 رقم 12031).

(5)

ليس كذلك والذي في "المصباح المنير"(ص 129). والصرع داء يشبه الجنون وصرع بالبناء للمفعول فهو مصروع، والصريع من الأغصان ما تهدّل وسقط إلى الأرض

وقال صاحب "القاموس المحيط"(ص 952) الصرع: علة تمنع الأعضاء النفسية من أفعالها منعاً غير تام، وسببه شدة تعرض في بعض بطون الدماغ، وفي مجاري الأعصاب المحركة للأعضاء من خلط غليظ أو لزج كثير، فتمتنع الروح عن السلوك فيها سلوكاً طبيعياً فتتشنج الأعضاء.

(6)

انظر: "عدة الصابرين"(ص 138).

ص: 374

وفيه: أنَّ الصبر على البلاء سبب لدخول الجنة بمجرده (1).

قوله: "أخرجه الشيخان" من حديث عطاء بن أبي رباح، واسم أبي رباح أسلم (2) كان عطاء جعد الشعر أسود، أفطس، أشل، أعور، ثم عمي، وكان من أجلاء الفقهاء، ومن تابعي مكة. قال الأوزاعي (3): مات يوم مات وهو أرضى أهل الأرض عند الناس، سمع ابن عباس، وأبا هريرة وغيرهما، روى عنه عمرو بن دينار، والزهري، وفاته سنة خمس عشرة ومائة.

السابع:

7 -

وعن عطاء بن يسار رضي الله عنه قال: قَالَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا مَرِضَ العَبْدُ بَعَثَ الله تَعَالَى إِلَيْهِ مَلَكَيْنِ فَقَالَ: انْظُرا مَاذَا يَقُوُلُ لِعُوَّادِهِ؟ فَإِنْ هُوَ - إِذَا جَاؤُهْ - حَمِدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ رَفَعَا ذَلِكَ إِلَى الله عز وجل، - وَهُوَ أَعْلَمُ - فَيَقُولُ: لِعَبْدِي عَلَيَّ إِنْ تَوَفَّيْتُهُ أَنْ أُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، وَإِنْ أَنَا شَفَيْتُهُ أَنْ أُبْدِلَهُ لَحمًا خَيْرًا مِنْ لَحمِهِ، وَدَمًا خَيْرًا مِنْ دَمِهِ، وَأَنْ أُكَفِّرَ عَنْهُ سَيَّئَاتِهِ". أخرجه مالك (4). [صحيح لغيره]

حديث: "عطاء بن يسار"(5). هو أبو محمد عطاء بن يسار مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهو أخو سليمان بن يسار، من التابعين المشهورين بالمدينة، كان كثير الرواية عن ابن عباس، مات سنة ثلاث ومائة.

(1) قاله الحافظ في "الفتح"(10/ 115).

(2)

ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول"(2/ 702 - 703 - قسم التراجم).

وانظر: "التقريب"(2/ 22 رقم 190).

(3)

ذكره ابن حجر في "تهذيب التهذيب"(13/ 102). وانظر: "ميزان الاعتدال"(3/ 70 رقم 5640).

(4)

في "الموطأ"(2/ 940 - 941 رقم 5). وهو أثر صحيح لغيره.

(5)

قاله ابن حجر في "تهذيب التهذيب"(3/ 110). وانظر: "ميزان الاعتدال"(3/ 77 رقم 5654).

ص: 375

قوله: "قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مرض العبد بعث الله إليه ملكين، فقال: انظرا" أي: اسمعا. "ماذا يقول لعُوَّاده" جمع عائد من يعود المريض.

قوله: "أخرجه مالك".

قلت: وهو حديث مرسل.

الثامن:

8 -

وعن خباب بن الأرت رضي الله عنه الله عنه قال: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ، فَقُلْنَا لَهُ: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا؟ أَلَا تَدْعُو لَنَا؟ فَقَالَ: "قَدْ كانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرضِ، فَيُجْعَلُ فِيهَا، ثُمَّ يُؤْتَى بِالمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ، فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ، مَا دُونَ لَحمِهِ وَعَظْمِهِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَالله لَيُتِمَّنَّ الله تعالى هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، فَلَا يَخَافُ إِلَاّ الله، أوَ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ". أخرجه البخاري (1)، وأبو داود (2)، والنسائي (3). [صحيح]

حديث (خباب) بفتح المعجمة وموحدة ثقيلة آخره موحدة.

"ابن الأرت" بفتح الهمزة وسكون الراء، فمثناة فوقية - وخباب صحابي تقدم ذكره.

قوله: "قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه [79 ب] وآله وسلم وهو متوسد بردة في ظل الكعبة". ذكر هذا لتحقيق وقت الشكوى من تقرير حفظ الرواية.

قوله: "فقلنا: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ " وذلك أنَّهم كانوا في شدة من أذية الكفار لهم، وكان خباب ممن أسلم قديماً قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وهو ممن عُذب في الله على إسلامه فصبر، وهو مهاجري، شهد بدراً وما بعدها.

(1) في "صحيحه" رقم (3612)، (3852، 6943).

(2)

في "السنن" رقم (2649).

(3)

في "السنن" رقم (5319).

ص: 376

قوله: فقال صلى الله عليه وسلم: "قد كان من قبلكم". من أتباع الأنبياء عليهم السلام "يؤخذ الرجل" يأخذه أعداؤه.

قوله: "فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين" كما يصنع بالأخشاب في شقها بالمنشار.

قوله: "ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه". وهذا نوع آخر من تعذيب الكفار لأتباع رسل الله.

قوله: "ما يصده ذلك" من شقه بالمنشار، ومشط لحمه وعظمه.

"عن دينه" بل يصبر على ما ابتلي به، وهذا تسلية وتأسية لأتباعه صلى الله عليه وسلم الذين عذبوا في ذات الله، وتصبير لهم على ذلك، ثم بشَّرَ خباباً بقوله:"والله ليتمنَّ الله هذا الأمر" وهو ظهور دين الله على الدين كله، ويأمن المؤمنون.

"حتى يسير الراكب" أي: وحده.

"من صنعاء إلى حضرموت" يحتمل أن يراد بها (1) صنعاء اليمن وبينها وبين حضرموت مسافة بعيدة قريب عشرين يوماً، ويحتمل صنعاء الشام والمسافة بينهما أبعد بكثير.

قال ياقوت (2): إنَّ صنعاء دمشق قرية عند باب الفراديس، قال الحافظ ابن حجر (3): سميت باسم من نزلها من أهل صنعاء اليمن.

قوله: "لا يخاف إلَاّ الله أو الذئب على غنمه". ويأمن من الناس جميعاً لا يخاف منهم أحداً في هذه المسافة الطويلة المعروفة بالمخافة.

(1) انظر: "فتح الباري"(6/ 620).

(2)

في "معجم البلدان"(3/ 429).

(3)

في "فتح الباري"(6/ 620).

ص: 377

وهذا نظير ما ذكره صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم "أنَّها تسير الظعينة من الحيرة حتى تطوف بالبيت لا تخاف إلَاّ الله"(1).

وصدق صلى الله عليه وسلم، ثم هذا كله كما أخبر به فهو من إعلام "ولكنكم تستعجلون". وقد جعل الله لكل كائنة وقتاً لا تقدم ولا تأخر عنه.

أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي [80 ب].

التاسع: حديث أسامة بن زيد:

9 -

وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: أَرْسَلَتْ بِنَتُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِ أنَّ ابْنًا لِي احْتُضِرَ فَاشْهَدْه، فَأرْسَلَ يَقْرَأُ السَّلَامَ وَيَقُولُ:"إِنَّ لله مَا أَخَذَ وَلله مَا أَعْطَى، وَكُلُّ شَيءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ وَتَحْتَسِبْ". أخرجه الخمسة (2) إلا الترمذي. [صحيح]

قوله: "أرسلت بنت النبي صلى الله عليه وسلم". هي: زينب امرأة أبي العاص بن الربيع، وقيل: فاطمة، والابن محسن بن علي عليهما السلام.

قوله: "إليه أنَّ ابنًا لها قد احتضر". هو علي بن أبي العاص بن الربيع، قاله الدمياطي.

وقال الحافظ ابن حجر (3): بل بنتها أمامة، ولم تمت في مرضها.

قوله: "فاشهده". أي: حضر وفاته فقال: "فأرسل يُقرأ السلام، ويقول: إنَّ لله ما أخذ". أي: إنَّ هذا الذي أخذ منكم كان له لا لكم، فلم يأخذ إلَاّ ما هو له، فلا ينبغي أن تجزعوا، كما لا يجزع من استرد الوديع منه الوديعة، أو العارية.

(1) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (2953) وهو حديث حسن.

(2)

أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (1284، 5655، 6602، 7377، 7448)، ومسلم في "صحيحه" رقم (11/ 923)، وأبو داود رقم (3125)، والنسائي رقم (1868)، وابن ماجه رقم (1588)، وهو حديث صحيح.

(3)

وقال الحافظ في "الفتح"(3/ 157)، أو من الأنفس، أو ما هو أعم من ذلك.

ص: 378

قوله: "وله ما أعطى". معناه: أنَّ ما وهبه لكم ليس خارجاً عن ملكه، بل هو سبحانه يفعل ما يشاء من أخذ أو إعطاء.

قوله: "وكلَّ". من الأخذ والإعطاء (1).

"عنده بأجل مسمى" يريد من مات فقد انقضى أجله المسمى، فمحالٌ تقدمه وتأخره عنه، فإذا علمتم هذا فاصبروا، واحتسبوا ما نزل بكم، وكذلك الإعطاء له أجل مسمى أيضاً، فلا تستعجلوا، وهذا الحديث من قواعد الإسلام المشتمل على جملة من أصول الدين وفروعه، والآداب.

قوله: "فلتصبر ولتحتسب" تنوي بصبرها الثواب من ربها (2).

قوله: "أخرجه الخمسة إلَاّ الترمذي".

العاشر: حديث أنس:

10 -

وعن أنس رضي الله عنه قال: اشْتَكَى ابْنٌ لأَبِي طَلْحَةَ، فَمَاتَ وَأَبُو طَلْحَةَ خَارِجٌ، وَلَمْ يَعْلَمْهُ، فَلَمَّا رَأَتِ امْرَأَتُهُ أنَّهُ قَدْ مَاتَ هَيَّأَتْ شَيْئًا، وَنَحَّتْهُ فِي جَانِبِ البَيْتِ، فَلَّما جَاءَ أَبُو طَلْحَةَ قَالَ: كَيْفَ الغُلَامُ؟ قَالَتْ: قَدْ هَدَأَتْ نَفْسُهُ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدِ اسْتَرَاحَ، فَظَنَّ أَبُو طَلْحَةَ أَنَّهَا صَادِقَةٌ، ثُمَّ قَرَّبَتْ لَهُ العِشَاءَ وَوَطَّأتْ لَهُ الفِراشَ، فَلمَّا أَصْبَحَ اغْتَسَلَ، فَلمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ أَعْلَمَتْهُ بِمَوتِ الغُلَامِ، فَصَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ أَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْهَا، فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"لَعَلَّهُ أَنْ يُبَارِكَ الله لَكُمَا فِي لَيْلَتِكُمَا" فَجَاءهُمَا تِسْعَةَ أَوْلَادٍ كُلُّهُمْ قَدْ قَرَءوا القُرْآنَ. أخرجه البخاري (3). [صحيح]

قوله: "ابن لأبي طلحة" هو زوج أم أنس، والابن هو أبو عمير الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يمازحه يقول له لما مات نغره وحزن عليه "ما فعل النغير يا أبا عمير".

(1) وقال الحافظ في "الفتح"(3/ 157)، أو من الأنفس، أو ما هو أعم من ذلك.

(2)

ذكره الحافظ في "الفتح"(3/ 157).

(3)

في "صحيحه" رقم (1301)، وطرفه (5470).

ص: 379

"فمات وأبو طلحة خارج" أي: عن منزله.

قوله: "امرأته". هي: أمّ سليم، أم أنس.

قوله: "قد هدأت نفسه" أي: روحه بالموت من عارض المرض، وأوهمت أبا طلحة أنَّ مرادها سكنت بالنوم لوجود العافية، وهذه هي التورية (1) عند أهل البديع، ويقال لها: الإيهام.

قوله: "فظنّ أبو طلحة أنها صادقة". أي: بالنسبة إلى ما فهمه، وإلَاّ فهي صادقة يقيناً لا ظناً بالنسبة إلى ما أرادت (2).

قوله: "لعلَّ أن يبارك الله لكما في ليلتكما" بسبب صبر المرأة وحسن [81 ب] صنيعها، وأنَّها تهيأت له بأحسن هيئة، حتى نال منها كما ثبت ذلك في رواية (3).

قوله: "فجاءهما تسعة أولاد كلهم قرءوا القرآن".

وللبيهقي (4) وغيره: "فولدت غلاماً فلقد رأيت لذلك الغلام سبعة بنين كلهم ختم القرآن". والغلام المذكور اسمه عبد الله بن أبي طلحة، وله من الأولاد: إسحاق، وإسماعيل،

(1) التورية: وتسمى أيضاً بالإيهام والتوجيه والتخييل، والتورية أولى بالتسمية لقربها من مطابقة المسمى لأنها مصدر ورَّيت الخبر تورية إذا سترته وأظهرت غيره فكأن المتكلم يجعله وراءه بحيث لا يظهر.

وفي الاصطلاح: التورية: أن يذكر المتكلم لفظاً مفرداً له حقيقتان أو حقيقة ومجاز أحدهما قريب ودلالة اللفظ عليه ظاهرة، والآخر بعيد ودلالة اللفظ عليه خفية، ويريد المتكلم المعنى البعيد، ويوري عنه بالقريب فيوهم السامع أول وهلة أنه يريد المعنى القريب وليس كذلك، ولهذا سمي هذا النوع إيهاماً.

انظر: مزيد تفصيل: "الكليات"(ص 277 - 278). "معجم البلاغة العربية"(ص 724 - 725).

(2)

انظر: "فتح الباري"(3/ 170).

(3)

أخرج البخاري في "صحيحه" رقم (5470) وفيه: (فقربت إليه العشاء فتعشى، ثم أصاب منها

).

(4)

في "السنن الكبرى"(4/ 59 - 60).

ص: 380

وعبد الله، ويعقوب، وعمر، والقاسم، وعمارة، وإبراهيم، وعمير، وزيد، ومحمد، وأربع من البنات، ذكره في التوشيح.

قلت: فهؤلاء أحد عشر ذكروا، ولا ينافي الراوي: فلقد رأيت لذلك الغلام سبعة؛ لأنَّه أخبر عمن رآهم، ولا قوله: فجاءهما تسعة أولاد؛ لأنَّ أبناء البنين أبناء لجدهم، وقوله:"تسعة" إخبار عما علمه (1).

قوله: "أخرجه البخاري".

الحادي عشر:

11 -

وعن القاسم بن محمد قال: هَلَكَتِ امْرَأةٌ لِي فَأتَانِي مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ القُرَظِيُّ يُعَزِّينِي بِهَا، وَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ فَقِيهٌ عَالِمٌ عَابِدٌ مجْتَهِدٌ، وَكَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ، وَكَانَ بِهَا مُعْجَبًا فَمَاتَتْ، فَوَجَدَ عَلَيْهَا وَجْدًا شَدِيدًا، حَتَّى خَلَا فِي بَيْتٍ، وَأَغْلَقَ عَلَى نَفْسِهِ، وَاحْتَجَبَ، فَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَسَمِعَتْ بِهِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيْلَ، فَجَاءَتْهُ فَقَالَتْ: إِنَّ لِي إِلَيْهِ حَاجَةً أَسْتَفْتِيهِ فِيهَا لَيْسَ يُجْزِينِي إِلَاّ أنْ أُشَافِهَهُ بِهَا، وَلَزِمَتْ بَابَهُ، فَأُخْبِرَ بِهَا فَأَذِنَ لَهَا، فَقَالَتْ: أَسْتَفْتِيكَ فِي أَمْرٍ، قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قالَتْ: إِني اسْتَعَرْتُ مِنْ جَارَةٍ لِي حُلِيًا، فَكُنْتُ أَلبَسُهُ زَمَانًا، ثُمَّ إِنَّهَا أرْسَلَتْ تَطْلُبُهُ أَفَأرُدُّهُ إِلَيْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ وِالله. قَالَتْ: إِنَّهُ قَدْ مَكَثَ عِنْدِي زَمَانًا؟ فَقَالَ: ذَاكَ أَحَقُّ لِرَدِّكِ إِيَّاهُ، فَقَالَتْ لَهُ: يَرْحَمُكَ الله، أَفَتَأْسَفُ عَلَى مَا أَعَارَكَ الله، ثُمَّ أَخَذَهُ مِنْكَ وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْكَ، فَأَبْصَرَ مَا كَانَ فِيهِ وَنَفَعَهُ الله بِقَوْلِهَا. أخرجه مالك (2). [مقطوع صحيح]

حديث (القاسم بن محمد) هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، كان أحد فقهاء المدينة وعلمائها، وحديثه ليس فيه ما يقتضي البحث فيه.

(1) انظر: "فتح الباري"(3/ 171).

(2)

في "الموطأ"(1/ 237 رقم 43) وهو أثر مقطوع صحيح.

ص: 381

الثاني عشر: حديث أبي موسى:

12 -

وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قَالَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَا أَحَدَ أَصْبَرَ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ الله عز وجل، إِنَّهُ لَيُشْرَكُ بِهِ، وَيُجْعَلُ لَهُ الوَلَدُ، وُيُعَافِيْهِمْ، وَيَرْزُقْهُمْ". أخرجه الشيخان (1). [صحيح]

قوله: "لا أحد أصبر على أذىً سمعه من الله". المراد به: حبسه العقوبة عن مستحقها وهو الحلم، ثم أبا الأخرى بقوله:"إنَّه ليشرك به، ويجعل له الولد، ويرزقهم" مع ذلك.

"ويعافيهم" وبه يعرف أنَّ صبره تعالى عدم (2) المعاجلة بعقوبة من يستحقها، بل إحسانه إليه.

قوله: "أخرجه الشيخان".

الثالث عشر: حديث ابن مسعود:

13 -

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم يَحْكِى نَبِيًّا مِنَ الأَنبِيَاءِ عليهم السلام ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ، وَهْوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ، وَيَقُولُ:"اللهمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي، فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ".

(1) البخاري رقم (6099، 7378)، ومسلم رقم (49/ 2804).

(2)

قال الغنيمان في "شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري"(1/ 93).

تعليقاً على كلام المازري، وهو قوله:(حقيقة الصبر: منع النفس من الانتقام أو غيره ....).

قلت: "الغنيمان" قوله: فأطلق الصبر على الامتناع في حق الله تعالى، فيه نظر، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطلق على ربه الصبر، وأنه ما أحد أصبر منه، وهو صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق بالله تعالى، وأخشاهم له، وأقدرهم على البيان على الحق وأنصحهم للخلق، فلا استدراك عليه، فيجب أن يبقى ما أطلقه صلى الله عليه وسلم على الله تعالى بدون تأويل، إلا إذا كان يريد بذلك تفسير معنى الصبر، ولكن الأولى أن يبقى بدون تأويل؛ لأنه واضح ليس بحاجة إلى تفسير. انظر:"شأن الدعاء" للخطابي (ص 98). "الحجة" للأصبهاني (2/ 456).

ص: 382

أخرجه الشيخان (1). [صحيح]

قوله: "كأني أنظر إلى نبي من الأنبياء". قيل (2): هو نوح عليه السلام ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه وهو يقول: "اللهم اغفر لقومي".

أي: وفقهم للإيمان، وإلَاّ فإنَّ الله لا يغفر أن يشرك به، فهو وكما قال إبراهيم:{وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36)} (3)، فالمراد: وفقه للإيمان، وعدم غفران الشرك ثابت في كل شريعة من شرائع الأنبياء.

قوله: "فإنَّهم لا يعلمون" أي: بعقوبة من ضرب رسولك؛ لأنهم لم يصدقوا أنَّه نبي.

قوله: "أخرجه الشيخان".

الرابع عشر:

14 -

وعن عبد الرحمن بن القاسم قال: قَالَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ليُعَزِّ المُسْلِمينَ فِي مَصَائِبْهِمْ المُصِيْبَةُ بِي" أخرجه مالك (4). [صحيح لغيره]

وفي رواية للترمذي (5): "مَنْ أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ فليذْكُرْ مُصِيبَتَهُ بِي، فَإِنَّهَا أَعْظَمُ المَصَائِبِ".

حديث (عبد الرحمن بن القاسم) أي: ابن محمد بن أبي بكر.

(1) البخاري في "صحيحه" رقم (3477، 6929)، ومسلم رقم (105/ 1792).

(2)

انظر: "فتح الباري"(3/ 521).

(3)

سورة إبراهيم الآية: (36).

(4)

في "الموطأ"(1/ 236 رقم 41) وهو أثر صحيح لغيره.

(5)

لم يخرجه الترمذي: بل أخرجه ابن السني في "اليوم والليلة" رقم (576)، وابن عدي في "الكامل"(7/ 2625)، وأبو نعيم في "المعرفة"(1/ 435 - 436 رقم 1267) بسند ضعيف جداً لكن للحديث شواهد فيكون بها حسن لغيره.

ص: 383

قوله: "لتُعزِّ المسلمين في مصائبهم المصيبةُ". فاعل تعزى أي: ليُصَبَّر من أصيب من المسلمين بأني [82 ب] مصيبته.

"بي" رواية الترمذي التي ذكرها "المصنف" قد أوضحت ذلك: "فليذكر مصيبته بي، فإنَّها أعظم المصائب"؛ لأنَّه صلى الله عليه وسلم دليل كل خير، وهادي الأمة، وذائدهم عن كل شر، وضير؛ لأنَّه ببركة جنابه لا يعذب الله الأمة وهو فيهم، {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} (1).

قوله: "أخرجه مالك".

قلت: مرسل (2)؛ لأنَّ عبد الرحمن تابعي لم يدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم

قوله: "وفي رواية للترمذي" إلى آخره، هذه الرواية لم أجدها في "جامع (3) ابن الأثير".

الخامس عشر:

15 -

وعن يحيى بن وثاب عن شيخ من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: قَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "المُسْلِمُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ ويصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ خَيْرٌ مِنَ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُمْ، وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ" أخرجه الترمذي (4). [صحيح]

حديث (يحيى بن وثاب) بفتح الواو، وتشديد المثلثة آخره موحدة، ويحيى هو مولى بني أسد الكوفي، سمع ابن عمر، وابن عباس، روى عنه أبو إسحاق الهمداني، والأعمش (5).

قوله: "عن شيخ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم" هو شيخ مجهول، لكن جهالة عين الصحابي عند المحدثين لا تضر؛ لأنَّهم كلهم عدول.

(1) سورة الأنفال الآية: (33).

(2)

وقد روى مسنداً من حديث سهل بن سعد، وعائشة، والمسور بن مخرمة، قاله ابن عبد البر.

(3)

وهو كما قال الشارح.

(4)

في "السنن" رقم (2507)، وهو حديث صحيح.

(5)

ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول"(2/ 1008 - قسم التراجم).

ص: 384

قوله: "ويصبر على أذاهم"؛ لأنَّ غالب المخالطة تجلب الأذية على من خالطهم.

قوله: "خير من الذي لا يخالطهم" أي: أنَّه خير منه في زيادة الأجر بصبره على أذاهم، وهو دليل على أنَّ غير العزلة أفضل من العزلة، وفيها تفاصيل معروفة.

قوله: "أخرجه الترمذي".

قلت: زاد ابن الأثير (1) وقال: كان شعبة يرى أنَّه ابن عمر. انتهى.

أي: أنَّ شعبة كان يرى أنَّ الشيخ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هو ابن عمر.

(1) في "الجامع"(6/ 441).

وأخرجه ابن ماجه في "السنن" رقم (4032) من مسند عبد الله بن عمر.

وهو حديث صحيح.

ص: 385