المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل التاسع: (في السلام وجوابه) - التحبير لإيضاح معاني التيسير - جـ ٦

[الصنعاني]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الثالث: في صلاة الليل

- ‌(الفصل الرابع): في صلاة الضحى

- ‌(الفصل الخامس): في قيام رمضان

- ‌ صلاة التراويح

- ‌(الفصل السادس): في صلاة العيدين

- ‌(اجتماع العيد والجمعة)

- ‌(الباب الثاني): في النوافل المقرونة بالأسباب

- ‌(الفصل الأول): في الكسوف

- ‌(الفصل الثاني): في الاستسقاء

- ‌(الفصل الثالث): في صلاة الجنازة

- ‌(الفصل الرابع): في صلوات متفرقة

- ‌[صلاة الاستخارة]

- ‌(صلاة الحاجة)

- ‌صلاة التسبيح

- ‌كتاب الصوم

- ‌الباب الأول: فى فضله وفضل شهر رمضان

- ‌الباب الثاني: في واجبات الصوم وسننه وأحكامه

- ‌فصل في أركان الصوم

- ‌النية

- ‌في نية صوم التطوع

- ‌الإمساك عن المفطرات

- ‌القبلة والمباشرة

- ‌المفطر ناسياً

- ‌زمان الصوم

- ‌عاشوراء

- ‌رجب

- ‌شعبان

- ‌ست من شوال

- ‌عشر ذي الحجة

- ‌أيام الأسبوع

- ‌أيام البيض

- ‌الأيام التي يحرم صومها

- ‌سنن الصوم

- ‌وقت الإفطار

- ‌تعجيل الفطر

- ‌الباب الثالث: في إباحة الفطر وأحكامه

- ‌موجب الإفطار

- ‌في الكفارة

- ‌كتاب الصبر

- ‌كتاب الصدق

- ‌كتاب الصدقة والنفقة

- ‌الفصل الأول: في فضلهما

- ‌النفقة

- ‌الفصل الثاني: في الحث عليها

- ‌الفصل الثالث: في أحكام الصدقة

- ‌كتاب صلة الرحم

- ‌كتاب الصحبة

- ‌الفصل الأول: فِي حَقِّ الرَّجُل عَلى الزَوْجَةِ

- ‌الفصل الثاني: في حق المرأة على الزوج

- ‌الفصل الثالث: في آداب الصحبة

- ‌الفصل الرابع: في آداب المجلس

- ‌الفصل الخامس: في صفة الجليس

- ‌الفصل السادس: (في التحابِّ والتوادِّ)

- ‌الفصل السابع: في التعاضد والتناصر

- ‌الفصل الثامن: في الاستئذان

- ‌الفصل التاسع: (في السلام وجوابه)

- ‌الفصل العاشر: في المصافحة

- ‌الفصل الحادي عشر: في العطاس والتثاؤب

- ‌الفصل الثاني عشر: في عيادة المريض وفضلها

- ‌الفصل الثالث عشر: في الركوب والارتداف

- ‌الفصل الرابع عشر: في حفظ الجار

- ‌الفصل الخامس عشر: في الهجران والقطيعة

- ‌الفصل السادس عشر: في تتبع العورة وسترها

- ‌الفصل السابع عشر: في النظر إلى النساء

- ‌الفصل الثامن عشر: في أحاديث متفرقة

- ‌كتاب الصداق

- ‌الفصل الأول: في مقداره

- ‌الفصل الثاني: في أحكامه

الفصل: ‌الفصل التاسع: (في السلام وجوابه)

قوله: "وفي أخرى للنسائي" أي: عن أنس.

"أنّ أعرابياً أتى باب النبي صلى الله عليه وسلم فألقم عينه خصاصة" بفتح الخاء المعجمة فصاد [151 ب] مهملة فمهملة بعد الألف.

قال ابن الأثير (1): الخصاصة واحد، الخصاص وهي الثقب والشقوق التي تكون في الأبواب، وبه فسّره المصنف.

"الباب فبصر النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فتوخّاه" بالخاء المعجمة، من توخيّت الشيء إذا قصدته.

"بجريدة أو عود ليفقأ عينه" فقأت عينه إذا شقها.

"فانقمع" الانقماع: الانزواء (2).

"فقال له: أما إنّك لو ثبت لفقأت عينك".

‌الفصل التاسع: (في السلام وجوابه)

قول المصنف: (التاسع) أي: من فصول كتاب الصحبة.

ذكر فيه ستة عشر حديثاً.

الأول: حديث (أبي هريرة):

1 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا انْتَهَى أَحَدُكمْ إِلَى المَجْلِسِ فَلْيُسَلِّمْ. فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَقُومَ فَلْيُسَلِّمْ. فَلَيْسَتِ الأُولَى بِأَحَقَّ مِنَ الآخِرَةِ".

= قال ابن السِّكِّيت: أقمعت الرجل عني إقماعاً إذا اطلع عليك فرددته، وكأن أصل الانقماع من القمع الذي على رأس الثمرة، كأن المردود أو الراجع قد دخل في قمعه، كما تدخل الثمرة في قمعها.

(1)

في "غريب الجامع"(6/ 590).

(2)

تقدم شرحها.

ص: 581

أخرجه أبو داود (1) والترمذي (2). [صحيح]

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا انتهى أحدكم إلى المجلس" الذي فيه جلوس ولو واحداً (فليسلم) على من فيه والأمر للوجوب.

"فإن أراد أن يقوم" عن مجلسه (فليسلم) أيضاً.

"فليست الأولى" عند دخوله.

"بأحق من الآخرة" عند قيامه، بل هما سواء في المشروعية، ويلزم من في المجلس الجواب عليه.

قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي" وحسنه (3) وأخرجه النسائي (4).

الثاني:

2 -

وعن كَلَدَة بن الحنْبل قال: بَعَثَنِي صَفْوَانَ بْنُ أُمَيَّةَ إِلى رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم بِلَبَنٍ وَلِبَإٍ وَضَغَابِيسَ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِأَعْلَى مَكَّةَ قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَلَمْ اسْتَأْذِنْ وَلَمْ أُسَلِّمْ. فَقَالَ: "ارْجِعْ فَقُلِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ؟ " فَفَعَلْ. أخرجه أبو داود (5) والترمذي (6). [صحيح]

(1) في "السنن" رقم (5208).

(2)

في "السنن" رقم (2706).

وأخرجه أحمد (2/ 230، 287، 439)، والبخاري في "الأدب المفرد" رقم (1008)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (369)، وهو حديث صحيح.

(3)

في "السنن"(5/ 63).

(4)

في "عمل اليوم والليلة" رقم (369)، وهو حديث صحيح.

(5)

في "السنن" رقم (5176).

(6)

في "السنن" رقم (2710). =

ص: 582

وعند أبي داود (1)"جَدايةٍ" بدل اللبأ.

"الضَّغَابِيسُ" صِغَارُ القِثَّاءِ (2).

حديث (كَلَدة) بفتح الكاف واللام فدال مهملة (ابن الحنبل) بفتح الحاء المهملة وسكون النون وفتح الباء الموحدة الأسلمي الغساني (3).

"أنّ صفوان بن أمية بعثه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بلبن ولبأ وضغابيس" بالضاد والغين المعجمتين فموحدة بعد الألف فمثناة تحتية آخره سين مهملة، ويأتي أنها صغار القثاء.

"ورسول الله صلى الله عليه وسلم على الوادي" أي: وادي مكة كما دلت له الرواية الأخرى (4).

"قال" كلدة "فدخلت عليه ولم أسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ارجع فقل السلام عليكم آدخل؟ " فيه أنه لا يسقط شرعية الاستئذان بعد دخول منزل من يريد الدخول عليه.

= وأخرجه أحمد (3/ 413)، والبخاري في "الأدب المفرد" رقم (1081)، والطبراني في "الكبير"(ج 19 رقم 421)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(8/ 339)، وفي "الشعب" رقم (8809)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم (664).

والنسائي في "الكبرى" رقم (6735)، وفي "عمل اليوم والليلة" رقم (315) من طرق وهو حديث صحيح، والله أعلم.

(1)

في "السنن" رقم (5176).

(2)

وقيل: هي نبتٌ ينبت في أصول الثُّمام يُشْبه الهليون يُسلَق بالخلِّ والزيت ويؤكل.

ذكره ابن الأثير في "منال الطالب"(1/ 141)، وانظر:"النهاية في غريب الحديث"(2/ 83).

(3)

انظر: "التقريب"(2/ 136 رقم 63).

قال ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول"(2/ 814 - 815) كلدة بن الحنبل الأسلمي الغساني، وهو أخو صفوان بن أمية الجمحي لأمه.

(4)

أخرجها أبو داود في "السنن" رقم (5176).

ص: 583

قوله: "ففعل" هذه اللفظة لم أجدها في "الجامع"(1) في الروايتين، ولا في الترمذي (2).

قوله: "أخرجه الترمذي".

قلت: قال الترمذي (3): بعد إخراجه: قال عمرو: وأخبرني بهذا [152 ب] الحديث أمية بن صفوان، ولم يقل: سمعته من كلدة.

قال الترمذي (4): هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلاّ من حديث ابن جريج، ورواه أيضاً أبو عاصم عن ابن جريج مثل هذا.

قوله: "وعند أبي داود (5) وجُداية (6) " بضم الجيم فدال مهملة فمثناة تحتية، جمع جدا (7) المراد هنا بالجداية من أولاد الظباء ما بلغ ستة أشهر أو سبعة، وهي بمنزل الجدي من المعز، ويقع على الذكر والأنثى.

"بدل اللباء" الذي في رواية الترمذي.

"واللباء" بكسر اللام مهموز مقصور هو اللبن أول النتاج.

قوله: "صغار القثاء" وهو جمع ضغبوس ونبات يكون في أصل الثمام يسلق بالخل ويؤكل كما في "المصباح"(8).

(1)(6/ 594 رقم 4836).

(2)

وهو كما قال الشارح.

(3)

في "السنن"(5/ 65).

(4)

في "السنن"(5/ 65).

(5)

في "السنن" رقم (5176).

(6)

انظر: "النهاية"(1/ 244)، وانظر:"الفائق" للزمخشري (2/ 341).

(7)

جدا، جدايا جمع جداية.

(8)

انظر: "المصباح المنير"(ص 187).

ص: 584

الثالث: حديث (أنس رضي الله عنه):

3 -

وعن أنس رضي الله عنه قال: قَالَ لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "يَا بُنَيَّ إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ فَسَلِّمْ يَكُنْ سَلَامُكَ بَرَكةً عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ". أخرجه الترمذي (1) وصححه. [إسناده ضعيف]

قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بني إذا دخلت على أهلك فسلّم" أي: عليهم، وهو مبين للآية في قوله تعالى:{لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ} (2) بأن ذلك في بيت غير بيت الداخل الوجوب، وأمّا في بيته فإنه قد أخرجه الله من ذلك الوجوب، فأفاد الحديث أنه يندب.

وأيضاً في حق من دخل بيته، ولذا تقدم في حديث عطاء بن السائب (3) أمر الرجل السائل له صلى الله عليه وسلم أن يستأذن على أمه قال: نعم، فالاستئذان والسلام على الأهل مندوب، ولو كان واجباً لما علله بقوله:"يكن سلامك بركة عليك وعلى أهل بيتك".

"أخرجه الترمذي وصححه"(4).

الرابع: حديث (عمرو بن العاص):

4 -

وعن ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سُئِلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَيُّ الإِسْلَام خَيْرٌ؟ قَالَ: "تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ، وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ". أخرجه أبو داود (5). [صحيح]

(1) في "السنن" رقم (2698) بإسناد ضعيف.

(2)

سورة النور الآية (27).

(3)

تقدم، وهو حديث ضعيف.

(4)

في "السنن"(5/ 59 رقم 2698)، وقال: هذا حديث حسن غريب.

(5)

في "السنن" رقم (5194). =

ص: 585

قلت: وأخرجه البخاري في كتاب الإيمان من "صحيحه"(1) بهذا اللفظ، والله أعلم.

"قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الإِسلام خير؟ " أي: أفضل أعماله إذ كل خلة من خلال الإيمان تسمى إسلاماً وإيماناً.

"قال: تطعم الطعام" هو في تقدير المصدر، أي: أن تطعم من باب تسمع، بالمعيدي (2)، [ويدخل الضيافة ونحوها](3).

"وتقرأ" بلفظ مضارع القراءة بمعنى تقول.

قال أبو حاتم السجستاني: تقول: اقرأ عليه السلام ولا تقول: أقْرِئْهُ السلام (4).

"على من عرفت وعلى من لم تعرف" أي: لا تخص به أحداً تكبراً وتصنعاً، بل تفعله تعظيماً لشعائر [153 ب] الإِسلام ومراعاة لإخوة المسلم، فإنّ اللفظ عام، فيدخل الكافر والمنافق والفاسق، أجيب بأنه خصّ بأدلة أخرى أو أنّ النهي متأخر وكان عاماً لمصلحة التأليف، وأمّا من شك فيه فالأصل البقاء على العموم حتى يثبت الخصوص (5).

قوله: "أخرجه أبو داود" هكذا اقتصر ابن الأثير (6) على نسبته إلى أبي داود.

= وأخرجه البخاري رقم (12) وطرفاه (28، 6336)، ومسلم رقم (39)، وابن ماجه رقم (3253)، والنسائي رقم (5000). وهو حديث صحيح.

(1)

رقم (12) وطرفاه (28، 6336).

(2)

ذكره الحافظ في "الفتح"(1/ 56).

(3)

كذا العبارة في المخطوط (أ. ب) وصوابها: وذكر الإطعام ليدخل فيه الضيافة وغيرها، "فتح الباري"(1/ 56).

(4)

ثم قال: فإذا كان مكتوباً قلت: أقرئه السلام، أي: اجعله يقرأه.

(5)

ذكره الحافظ في "الفتح"(1/ 56).

(6)

في "الجامع"(6/ 596 رقم 4839).

ص: 586

وقول المصنف: "قلت: وأخرجه البخاري في كتاب الإيمان من "صحيحه" (1) بهذا اللفظ"، قولٌ صحيح فإنه كما قال المصنف.

الخامس: حديث (أنس رضي الله عنه):

5 -

وعن أنس رضي الله عنه: أَنَّهُ مَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُهُ. أخرجه الخمسة (2) إلا النسائي. [صحيح]

"أنه" أي: أنساً "مرّ على صبيان فسلَّم عليهم" وقال أنس مستدلاً لتسليمه عليهم: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله" أي: يسلم على الصبيان إذا مرّ عليهم، وتقدم في "كتم السر" (3):"أنه صلى الله عليه وسلم أتى أنساً وهو يلعب مع الصبيان فسلم عليهم" الحديث، عن أنس أيضاً.

قوله: "أخرجه الخمسة إلاّ النسائي".

السادس: حديث (أسماء بنت يزيد رضي الله عنها):

6 -

وعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت: مَرَّ عَلَيْنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم في نِسْوَةٍ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا. أخرجه أبو داود (4) والترمذي (5). [حسن]

وفي رواية للترمذي (6): فَالوَى يَدَهُ بِالتَّسْلِيمِ.

(1) رقم (12) وطرفاه رقم (28، 6336).

(2)

أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (6247)، ومسلم رقم (2168).

وابن ماجه رقم (3700)، والترمذي رقم (2696)، وهو حديث صحيح.

(3)

تقدم، وهو حديث صحيح.

(4)

في "السنن" رقم (5204).

(5)

في "السنن" رقم (2697).

وأخرجه ابن ماجه رقم (370) والبخاري في "الأدب المفرد" رقم (1047، 1048). وهو حديث حسن.

(6)

في "السنن" رقم (2697) صحيح إلا قوله: "فألوى يده بالتسليم".

ص: 587

"قالت: مرّ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة" أي: ونحن في جماعة نساء.

"فسلّم علينا".

وفي "صحيح البخاري"(1): "أنَّ الصحابة كانوا ينصرفون من الجمعة فيمرون على عجوز في طريقهم فيسلمون عليها .. " الحديث.

قال ابن القيم (2): الصواب في مسألة السلام على النساء يسلم على العجائز وذوات المحارم دون غيرهن. انتهى.

قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي".

"وفي رواية للترمذي (3): فألوى بيده بالتسليم" لفظها في "الجامع"(4): "قالت: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد يومًا ونحن عصبة من النساء فألوى يده بالتسليم" وقال: هذا حديث حسن، انتهى.

قال النووي (5): هذا محمول على أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين اللفظ والإشارة، يدل على هذا أنّ أبا داود روى هذا الحديث فقال في روايته:"فسلم علينا" انتهى.

السابع:

7 -

وعن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَفَعَهُ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، أَيْ: عَنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يُجْزِئُ عَنِ الَجَماعَةِ إِذَا مَرُّوا أَنْ يُسَلِّمَ أَحَدُهُمْ، وَيُجْزِئُ عَنِ الجُلُوسِ أَنْ يَرُدَّ أَحَدُهُمْ".

(1) في "صحيحه" رقم (6248).

(2)

في "زاد المعاد"(2/ 376). وانظر: "فتح الباري"(11/ 34 - 35).

(3)

في "السنن" رقم (2697).

(4)

(6/ 597).

(5)

في "الأذكار"(ص 410 - 411).

ص: 588

أخرجه أبو داود (1). [حسن]

حديث (عبيد الله بن [154 ب] أبي رافع) عبيد الله مصغر، هو ابن أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم المدني، كان كاتب علي عليه السلام وهو ثقة (2).

"عن علي بن أبي طالب عليه السلام، قال أبو داود في سننه"(3): رفعه الحسن بن علي، أي: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم".

قلت: تفسير من المصنف لقول أبي داود: "رفعه" وليس من لفظ أبي داود (4) لأنَّه لا حاجة له؛ لأنهم لا يطلقون المرفوع إلاّ على ما كان إليه صلى الله عليه وسلم.

"قال: يجزئ عن الجماعة" أي: يسقط عنهم ندبية الابتداء بالسلام.

"إذا مروا" بمن يسلمون عليه.

"أن يسلم أحدهم" ويؤجروا كلهم.

"ويجزي" في ردِّ من سلم عليهم وهم قوم جلوس.

"أن يرد أحدهم" فيسقط وجوب الرد على من عداه ممن لم يرد، ويؤجرون جميعاً، فلو ردوا جميعاً في الابتداء والانتهاء لكان حسناً وأعظم أجراً.

قوله: "أخرجه أبو داود":

قلت: قال الحافظ المنذري (5): في إسناده سعيد بن خالد الخزاعي (6).

(1) في "السنن" رقم (5210)، وهو حديث حسن.

(2)

قاله ابن الأثير في تتمة "جامع الأصول"(2/ 689 - قسم التراجم).

(3)

(5/ 387 رقم 5210).

(4)

بل هو في "سنن أبي داود"(5/ 387).

(5)

في مختصر "السنن"(8/ 79).

(6)

انظر: "تهذيب التهذيب"(2/ 14). "الميزان"(2/ 132 رقم 3161).

ص: 589

قال أبو زرعة: ضعيف، وكذا قال أبو حاتم، وقال البخاري: فيه نظر، وقال الدارقطني: ليس بالقوي.

الثامن: حديث (أبي أمامة رضي الله عنه):

8 -

وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِالله مَنْ بَدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ". أخرجه أبو داود (1) والترمذي (2). [صحيح]

"قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ أولي الناس بالله" أي: بإثابته وأجره "من بدأهم بالسلام" فهو أحب إلى الله من المجيب، وإن كان البادئ فاعلاً لمندوب، والمجيب لواجب، فللبادئ مزية ليست للمجيب.

قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي".

قلت: وكان الأحسن أن يقول: وهذا لفظ أبي داود؛ لأنّ لفظ الترمذي (3) عن أبي أمامة: "قيل: يا رسول الله! الرجلان يلتقيان أيهما يبدأ بالسلام؟ قال: أولاهما بالله".

قال الترمذي (4): هذا حديث حسن.

التاسع: حديث (أبي هريرة رضي الله عنه):

9 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى المَاشِي، وَالمَاشِي عَلَى القَاعِدِ، وَالقَلِيلُ عَلَى الكَثِيرِ". أخرجه الخمسة (5) إلا النسائي. [صحيح]

(1) في "السنن" رقم (5197).

(2)

في "السنن" رقم (2694). وهو حديث صحيح.

(3)

في "السنن" رقم (2694).

(4)

في "السنن"(5/ 56).

(5)

أخرجه البخاري رقم (6231، 6232، 6233، 6234 معلقاً)، ومسلم في "صحيحه" رقم (2160)، وأبو داود رقم (5198، 5199)، والترمذي (2704، 2705)، وهو حديث صحيح.

ص: 590

"قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الراكب" ابتداءً. "على الماشي" إذا التقيا.

"و" يسلم "الماشي على القاعد، والقليل على الكثير" فهذه السنة وقد تحمل الشراح (1) عللاً ووجوها [155 ب] لهذه السنن سردناها في شرحنا "سبل السلام (2) على بلوغ المرام".

قوله: "أخرجه الخمسة إلا النسائي" قال الترمذي (3): وزاد ابن المثنى: "والصغير على الكبير".

العاشر:

10 -

وعنه رضي الله عنه قال: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لمَا خَلَقَ الله آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، قَالَ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنَ المَلَائِكَةِ جُلُوسٌ، فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ، فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ. فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ. فَقَالُوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ ورَحْمَةُ الله. فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ، فَلَمْ يَزَلِ الخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّى الآنَ". أخرجه الشيخان (4). [صحيح]

حديث (أبي هريرة) وجعله ابن الأثير (5) فرعاً ثانياً (6) في كيفية السلام.

"قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لمّا خلق الله آدم على صورته" هذا اللفظ في بعض الروايات التي ساق ألفاظها ابن الأثير (7)، والضمير (8) لآدم، أي: على الصورة التي استمر عليها إلى أن

(1) انظر تفصيل ذلك في "الفتح"(11/ 16 - 17).

(2)

(8/ 148 - بتحقيقي).

(3)

في "السنن"(5/ 61).

(4)

أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (3326، 6227)، ومسلم رقم (28/ 2841).

(5)

في "الجامع"(6/ 600).

(6)

وفي النسخة التي بين أيدينا: الفرع الثالث.

(7)

في "الجامع"(6/ 601 - 602).

(8)

انظر: "فتح الباري"(11/ 5 - 6).

ص: 591

أهبط، وإلى أن مات دفعاً لمن يتوهم أنه كان في الجنة على صورة أخرى.

وقيل: والمراد من الصورة: الصفة (1) من العلم والحياة والسمع والبصر، وإن كانت صفاته لا يشبهها شيء.

وقيل (2): الضمير للعبد المحذوف من السياق، وأنّ سبب الحديث: أنّ رجلاً ضرب عبده فنهاه عن ذلك، وقال: إنّ الله خلق آدم على صورته.

(1) قال الحافظ في "الفتح"(11/ 5): والمراد بالصورة الصفة، والمعنى أن الله خلقه على صفته من العلم والحياة والسمع والبصر وغير ذلك، وإن كانت صفات الله تعالى لا يشبهها شيء.

(2)

ونضع بين يديك خلاصة الكلام على حديث: "إنّ الله خلق آدم على صورته" فعليه تأويلات كثيرة منها: أن الضمير في قوله: (صورته) راجع إلى آدم، وبناءً على هذا التأويل أرادوا به تحقيق أهدافٍ منها:

قيل: المرادُ الردُّ على الدهرية، أنه لم يكن إنسان إلا من نطفة، ولا تكون نطفة إنسان إلا من إنسان ولا أول لذلك. فبيّن أنه خلق من أول الأمر على هذه الصورة.

- وقيل: المراد الردُّ على الطبائعيين الزاعمين أن الإنسان قد يكون من فعل الطبع وتأثيره.

- وقيل: للرد على القدرية الزاعمين أن الإنسان يخلق نفسه.

- وقيل: إن لهذا الحديث سبباً حذف من هذه الرواية، وأن أوله قصة الذي ضرب عبده فنهاه صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقال له - الحديث أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (2559) - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا قاتل أحدُكم فليجتنب الوجه".

وقد ذكر الحافظ أن مسلم ذكره في "صحيحه" - رقم (115/ 2612) - وزاد: فإن الله خلق آدم على صورته".

وقال الحافظ في "الفتح"(5/ 183): واختلف في الضمير على من يعود؟

- فالأكثر على أنّه يعود على المضروب، لما تقدم من الأمر بإكرام وجهه ولولا أن المراد التعليل بذلك لم يكن لهذه الجملة ارتباط بما قبلها، وقد أنكر المازري ومن تبعه صحة هذه الزيادة، ثم قال: وعلى تقدير صحتها، فيحمل على ما يليق بالباري سبحانه وتعالى.

- قلت - الحافظ في "الفتح"(5/ 183): الزيادة أخرجها ابن أبي عاصم في "السنة" - رقم (517). - والطبراني - في "الكبير"(13/ 430) - من حديث ابن عمر بإسناد رجاله ثقات، وأخرجها ابن أبي عاصم - =

ص: 592

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= في "السنة" رقم (521) من طريق أبي يونس عن أبي هريرة بلفظ يرد التأويل الأول - أن الضمير في قوله: "على صورته" يعود على المضروب - قال: من قاتل فليجتنب الوجه فإنّ صورة وجه الإنسان على صورة وجه الرحمن".

- قال القرطبي: أعاد بعضهم الضمير على الله متمسكاً بما ورد في بعض طرقه: "إن الله خلق آدم على صورة الرحمن".

أخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" رقم (517) بإسناد ضعيف، ورجاله ثقات غير ابن لهيعة، فإنه سيئ الحفظ.

ولكن الحافظ ابن حجر والإمام أحمد وإسحاق بن راهويه صححوا هذه الرواية وضعفها ابن خزيمة والمازري والقرطبي والمحدث الألباني.

- أخرج ابن أبي عاصم في "السنة" رقم (518) عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقبِّحوا الوجوه، فإن الله عز وجل خلق آدم على صورته". وهو حديث صحيح.

- وأخرج ابن أبي عاصم في "السنة" رقم (519) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقولنّ أحدكم قبح الله وجهك، ولا وجه من أشبه وجهك، فإن الله خلق آدم على صورته". وإسناده حسن.

وعلى ما تقدم نقول: بيان أن إعادة الضمير في حديث: "خلق الله آدم على صورته" على غير الله هو قول الجهمية كما قال الإِمام أحمد، وفي ذلك ردٌ على جميع التأويلات التي ذكرها الحافظ من أقوال الذين جعلوا الضمير عائداً على آدم، أو على المضروب أو على المقول له فإن هذه الأقوال مخالفة لما ذهب إليه جمهور السلف من أنَّ الضمير فيه عائد على الله عز وجل.

- قال شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله "نقض التأسيس"(3/ 202) - وما بعدها": لم يكن بين السلف من القرون الثلاثة نزاع في أنّ الضمير في هذا الحديث عائد إلى الله تعالى، فإنه مستفيض من طرق متعددة، عن عدد من الصحابة وسياق الأحاديث كلها تدل على ذلك

إلى أن قال: "ولكن لما انتشرت الجهمية في المائة الثالثة، جعل طائفة الضمير فيه عائداً إلى غير الله تعالى حتى نقل ذلك عن طائفة من العلماء المعروفين بالعلم والسنة في عامة أمورهم، كأبي ثور، وابن خزيمة وأبي الشيخ الأصبهاني وغيرهم، ولذلك أنكر عليهم أئمة الدين وغيرهم من علماء السنة.

ص: 593

"طوله سبعون ذراعاً" زاد أحمد "في عرض سبعة أذرع".

قال ابن القيم (1): وفي هذا الطول والعرض من الحكمة ما لا يخفى، وأنه أبلغ وأكمل، ولا يخفى أنَّ التناسب الذي بين هذا الطول والعرض، وأنه لو زاد أحدهما على الآخر فات الاعتدال، وتناسب الخلقة ويصير طولاً مع دقة، وغلطاً مع قصر وكلاهما غير مناسب.

"قال: اذهب فسلّم على أولئك نفرٍ" بالكسر بدل من أولئك (2).

"من الملائكة" بيان للنفر.

"جلوس فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك فقال: السلام عليكم". كأنه قد كان علَّمه الله ذلك، وهو قبل تعليمه الأسماء كلها.

"فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه ورحمة الله" فحيّوه بأحسن من تحيته، وفيه: أنهم لم يأتوا بالواو في الجواب، وأنه يجوز حذفها في الجواب.

قال ابن القيم (3): إنه تكلم الناس في هذه المسألة: لو حذف الواو هل يكون إذاً صحيحاً؟

فقالت طائفة (4): لا يكون جواباً، ولا يسقط به فرض الرَدّ؛ لأنه مخالف لسنة الرد، فإنه لا يعلم هل ردَّ أو ابتدأ تحية، فإنّ صورته صالحة لهما.

قال (5): وذهبت طائفة إلى أنّ ذلك ردٌّ صحيح كما لو كان [156 ب] بالواو، ونصّ عليه الشافعي في كتابه الكبير.

(1) انظر: "زاد المعاد"(2/ 386).

(2)

انظر: "فتح الباري"(11/ 5).

(3)

في "زاد المعاد"(2/ 385).

(4)

منهم المتولي وغيره.

(5)

في "زاد المعاد"(2/ 386).

ص: 594

واحتج (1) بحديث أبي هريرة هذا، فإنه أخبر صلى الله عليه وسلم: أنّ الملائكة قالوا: "عليك" بدون واو.

قلت: هذا هو القوي، وكيف يذهب الوهم من سامع الإجابة إلى أنه ابتدأه من سلَّم عليه.

"فكل من يدخل الجنة من أولاده على صورة آدم" في طوله ستين ذراعاً، وقد اختلف هل ذراع نفسه أو يريد الذراع المتعارف في عصر المخاطبين؟ والأول أظهر؛ لأنّ ذراع كل واحد بقدر ربعه، فلو كان الذراع المعهود لكانت يده قصيرة في خبب طول جسده، قاله في "الفتح"(2).

"فلم يزل الخلق (3) ينقص حتى الآن".

"أخرجه الشيخان".

الحادي عشر:

11 -

وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال:

كُنَّا عِنْدَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فجَاءَ رَجُلٌ فَسَلَّمَ فقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ. فَرَدَّ عَلَيْهِ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم السَّلَامَ، ثُمَّ جَلَسَ، وَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"عَشْرٌ". ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الله.

(1) واحتج أيضاً بقوله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ} [الذاريات: 24، 25].

(2)

(6/ 366 - 367).

(3)

قال الحافظ في "الفتح"(6/ 367) أي: أن كل قرن يكون نشأته في الطول أقصر من القرن الذي قبله، فانتهى تناقص الطول إلى هذه الأمة واستقر الأمر على ذلك.

ص: 595

فَرَدَّ عَلَيْهِ فَجَلَسَ فَقَالَ: "عِشْرُون". ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ الله وَبرَكَاتُهُ. فَرَدَّ عَلَيْهِ فَجَلَسَ فَقَالَ: ثَلَاثُونَ". أخرجه أبو داود (1) والترمذي (2). [صحيح]

حديث (عمران بن حصين) قد قدّمناه في الشرح.

"قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل فقال: السلام عليكم فردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: عشر" أي: حسنات.

"ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله فردّ وقال: عشرون" أي: حسنة.

"ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فردّ وقال: ثلاثون" أي: حسنة.

قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي".

قلت: وقال (3): حسن غريب.

- ولأبي داود (4) عن معاذ بن أنس بمعناه، وزاد: ثُمَّ أَتَى آخَرُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الله وَبرَكَاتُهُ وَمَغْفِرَتُهُ. فَردَّ عَلَيْهِ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وَقالَ: "أَرْبَعُونَ". ثُمَّ قَالَ: "هَكَذَا تَكُونُ الفَضَائِلُ". [إسناده ضعيف]

"ولأبي داود عن معاذ بن أنس بمعناه وزاد ثم أتى آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته فردّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أربعون، ثم قال: هكذا تكون الفضائل". هذا رواه أبو داود كما قاله المصنف.

(1) في "السنن" رقم (5195).

(2)

في "السنن" رقم (2689).

وهو حديث صحيح.

(3)

في "السنن"(5/ 53).

(4)

في "السنن" رقم (5196) بإسناد ضعيف.

ص: 596

لكن قال المنذري (1): في إسناده أبو مرحوم عبد الرحمن بن ميمون، وسهل بن معاذ لا يحتج بهما.

الثاني عشر:

12 -

وعن أبي تميمة الهُجيمي عن أبي جُريًّ عن أبيه رضي الله عنه قال: أَتَيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: عَلَيْكَ السَلَامُ يَا رَسُولَ الله. فَقَالَ: "لَا تَقُلْ: عَلَيْكَ السَّلَامُ، فَإِنَّ عَلَيْكَ السَّلَامُ تَحِيَّةُ المَوْتَى. إِذَا سَلَمْتَ فَقُلْ: السَّلَامُ عَلَيْكَ. فَيَقُوْلُ الرَّادُّ: وَعَلَيْكَ السَّلامُ". أخرجه أبو داود (2) والترمذي (3). [صحيح]

حديث (أبي تميمة) بفتح المثناة الفوقية (ابن أبي جُري) بضم الجيم فراء فمثناة تحتية، وفي "التقريب" (4): طريف بن مجالد الهجيمي أبو تميمة بصري ثقة، يعرف بكنيته، انتهى. ابن أبي جري، كذا في نسخ التيسير.

"عن أبيه" والذي في نسخ "الجامع"(5) لابن الأثير: أبو تميمة عن أبي جري، وهو بالجيم مصغر، وهكذا في "سنن الترمذي" و"سنن [157 ب] أبي داود" فالغلط وقع من المصنف.

قال في "التقريب"(6): أبو جري بالتصغير الهجيمي بالتصغير أيضاً، اسمه جابر (7) صحابي معروف. انتهى.

(1) في "مختصر السنن"(8/ 69).

(2)

في "السنن" رقم (4084).

(3)

في "السنن" رقم (2722)، وهو حديث صحيح.

(4)

(1/ 378 رقم 20).

(5)

(6/ 604)

(6)

(2/ 405 رقم 11).

(7)

جابر بن سليم ين جابر.

ص: 597

"قال" أي: أبو جري.

"أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: عليك السلام يا رسول الله، قال: لا تقل عليك السلام، فإنّ عليك السلام تحية الموتى" أي: يحيى بها أهل الجاهلية الموتى.

"إذا سلمت فقل: السلام عليك فيقول الراد: عليك السلام"، قال ابن القيم في "زاد المعاد" (1): وقد أشكل هذا الحديث على طائفة، وظنوه معارضاً لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من السلام في تحية الموتى بلفظ:"السلام عليكم" بتقديم السلام، وظنوا أنّ قوله:"فإنّ عليك السلام تحية الموتى" إخبار عن المشروع، وغلطوا في ذلك غلطاً [ظنوا به التعارض](2) وليس كذلك.

فإنّ معنى قوله: "فإنّ عليك السلام تحية الموتى" إخبار عن الواقع لا عن المشروع، أي: أنّ الشعراء وغيرهم يحيون الموتى بهذا اللفظ كقول قائلهم:

عَليكَ سَلامُ الله قيسَ بنَ عَاصمٍ

ورحمتهُ ما شاء أن يترحَّما

فما كان قيسٌ هُلكُه هُلْكَ واحدٍ

ولكنَّهُ بُنيانُ قومٍ تهدَّما

فكره صلى الله عليه وسلم أن يُحيَّى بتحية الأموات، ومن كراهته لذلك لم يردَّ على المسلِّم بها، وهذا الحديث دليل على أنها لا تجب الواو في الرد، وأنه يكون الجواب بدونها صحيحاً؛ لأنه قال:"فيقول الراد: عليك السلام"(3).

(1)(2/ 384).

(2)

كذا في (أ. ب) والذي في "زاد المعاد": أوجب لهم ظنَّ التعارض.

(3)

وقال ابن القيم في تهذيبه على "مختصر سنن أبي داود" للمنذري (6/ 49 - مختصر السنن): الدعاء بالسلام دعاء بخير، والأحسن في دعاء الخير أن يقدم الدعاء على المدعو له، كقوله تعالى:{رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} [هود: 73].

وقوله: {وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ} [مريم: 15]. وقوله: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ} [الرعد: 24]. =

ص: 598

قوله: "أخرجه أبو داود".

قلت: أي: تحية الموتى فقط.

"والترمذي".

قلت: بكماله، وله عنده ألفاظ، وقال (1): حسن صحيح.

الثالث عشر: حديث (ابن عمر رضي الله عنه):

13 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمُ اليَهُودُ فَإِنَّما يَقُولُ أَحَدُهُمُ: السَّامُ عَلَيْكَ. فَقُلْ وَعَلَيْكَ". أخرجه الستة (2) إلا النسائي. [صحيح]

"قال: قال رسول الله رضي الله عنه: إذا سلم عليكم اليهود يقول أحدهم: السَّام" وهو الموت.

= وأما الدعاء بالشر فيقدم المدعو عليه على الدعاء غالباً، كقوله تعالى لإبليس:{وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78)} [ص: 78]، وقوله:{وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ} [الحجر: 35]، وقوله:{عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ} [التوبة: 98]، وقوله:{وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (16)} [الشورى: 16]، وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك إشارة إلى ما جرت منهم في تحية الأموات، إذ كانوا يقدمون اسم الميت على الدعاء، وهو مذكور في أشعارهم كقول الشماخ:

عليك سلامٌ من أديمٍ وباركت

يد الله في ذاك الأديم الممزق

وليس مراده أن السنة في تحية الميت أن يقال له: عليك السلام، كيف وقد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه دخل المقبرة فقال:"السلام عليكم أهلَ دار قومٍ مؤمنين"، فقدم الدعاء على اسم المدعو كهو في تحية الأحياء، فالسنة لا تختلف في تحية الأحياء والأموات.

(1)

في "السنن"(5/ 72).

(2)

أخرجه البخاري رقم (6257) و (7928)، ومسلم في "صحيحه" رقم (8/ 2164)، وأبو داود رقم (5206)، والترمذي رقم (1603)، ومالك في "الموطأ"(2/ 960)، وهو حديث ضعيف.

ص: 599

"عليك فقل: وعليك" في "التوشيح": أكثر الأحاديث بإثبات الواو، وفي بعض الأحاديث بحذفها، ورجّحه جماعة؛ لأنّ الواو (1) تقتضي تقريراً وتشريكاً.

وقال العدوي: إثبات [158 ب] الواو لا تشريك فيه؛ لأنها للاستئناف لا للعطف أوله، والمعنى: علينا وعليكم، أي: نحن وأنتم فيه سواء كلنا نموت، انتهى.

وقال ابن القيم في "زاد المعاد"(2): اختلف في لفظ الواو على ثلاثة أوجه: أحدها بالواو.

قال أبو داود (3): وكذلك رواه مالك عن عبد الله بن دينار، ورواه الثوري عن عبد الله ابن دينار بإسقاط الواو، وفي لفظ مسلم (4) والنسائي (5):"فقل: عليك" بغير واو.

وقال الخطابي (6): عامة المحدثين يروونه: "وعليكم" بالواو، وكان سفيان بن عيينة يرويه بحذف الواو وهو الصواب، وذلك أنه إذا حذف الواو صار قولهم الذي قالوه مردوداً عليهم بعينه، وبإدخال الواو يقع الاشتراك معهم والدخول فيما قالوه؛ لأنّ الواو حرف عطف للعطف والاجتماع بين الشيئين، انتهى.

قال ابن القيم (7): وما ذكره من أمر الواو ليس بمشكل، فإنّ السام الأكثر على أنه الموت، والمسَلَّم والمسَلَّم عليه مشتركون فيه، فيكون بالإتيان بالواو بيان لعدم الاختصاص

(1) انظر: "فتح الباري"(11/ 45 - 46).

(2)

(2/ 386 - 387).

(3)

في "السنن"(5/ 385).

(4)

في "صحيحه" رقم (2164).

(5)

في "السنن الكبرى" رقم (10138، 10139).

(6)

في "معالم السنن"(5/ 384 - مع السنن).

(7)

(2/ 387).

ص: 600

وإثبات المشاركة، وفي حذفها إشعار بأنّ المسلِّم أحق به وأولى من المسلَّم عليه، فعلى هذا يكون الإتيان بالواو وهو الصواب، وهو أحسن من حذفها كما رواه مالك (1) وغيره. انتهى.

قوله: "أخرجه الستة إلاّ النسائي".

قلت: لهم ألفاظ كثيرة ساقها ابن الأثير (2).

الرابع عشر: حديث (أنس رضي الله عنه يرفعه":

14 -

وعن أنس رضي الله عنه يرفعه: "إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الكِتَابِ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمُ". أخرجه الشيخان (3)[صحيح]

"إذا سلّم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم".

قوله: "أخرجه الشيخان".

الخامس عشر: حديث (أبي هريرة رضي الله عنه):

15 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَا تَبْدَءُوا اليَهُودَ وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلَامِ، وَإذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي الطَّرِيقِ فَاضْطَرُّوهُمْ إِلَى أَضْيَقِهِ". أخرجه مسلم (4) وأبو داود (5) والترمذي (6)[صحيح]

(1) في "الموطأ"(2/ 960).

(2)

في "الجامع"(6/ 609 - 611).

(3)

البخاري في "صحيحه" رقم (6258)، ومسلم رقم (2162).

(4)

في "صحيحه" رقم (2167).

(5)

في "السنن" رقم (5205).

(6)

في "السنن" رقم (2701).

وأخرجه أحمد (1/ 263، 266)، والبخاري في "الأدب المفرد" رقم (103)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 341)، والبيهقي (9/ 204)، وهو حديث صحيح.

ص: 601

"قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تبدءوا (1) اليهود ولا النصارى بالسلام"؛ لأنَّه إكرام وهم أحق بعدمه.

"وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه" قال القرطبي (2): معناه: لا تتنحوا لهم عن الطريق الضيق إكراماً لهم واحتراماً، وليس المعنى: إذا لقيتموهم في طريق واسع فألجئوهم إلى حرفه حتى يضيق عليهم؛ لأنّ ذلك أذىً لهم، وقد نهينا عن أذاهم بغير [159 ب] سبب.

قوله: "أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي".

قلت: وقال (3): حسن صحيح.

السادس عشر: حديث (ابن عمر رضي الله عنه):

16 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أَنَّ رَجُلاً مَرَّ عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ. أخرجه الخمسة إلا البخاري (4). [صحيح]

وزاد أبو داود (5): ثُمَّ اعْتَذَرَ إِلَيهِ وَقَالَ: "إِنِّي كرِهْتُ أَنْ أَذْكرَ الله إِلَاّ عَلَى طُهْرٍ".

(1) حكى النووي في شرح "صحيح مسلم"(14/ 145) تحريم ابتداء اليهود والنصارى بالسلام، عن عامة السلف وأكثر العلماء.

(2)

في "المفهم"(5/ 490).

(3)

في "السنن"(5/ 60).

(4)

أخرجه مسلم رقم (370)، وأبو داود رقم (16)، والترمذي رقم (90)، وابن ماجه رقم (353)، والنسائي رقم (37). وهو حديث صحيح.

(5)

في "السنن" رقم (17).

وأخرجه ابن ماجه رقم (350)، والنسائي رقم (38)، والدارمي (2/ 287)، وابن خزيمة في "صحيحه" رقم (206)، وعنه ابن حبان رقم (189 - موارد)، والحاكم (1/ 167)، وعنه البيهقي (1/ 90)، وأحمد (5/ 80) عن قتادة، عن الحسن، عن حُضَيْن بن المنذر أبي ساسان، عن المهاجر بن قنفذ، به. =

ص: 602

"أنّ رجلاً مرّ على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلّم فلم يرد عليه" إمّا لكراهة الكلام حال البول، أو لأنه على غير طهارة.

قوله: "أخرجه الخمسة إلاّ البخاري".

قوله: "وفي رواية" أي: لابن عمر.

"زاد أبو داود: ثم اعتذر إليه وقال: إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر".

لفظه عند أبي داود (1): "قال نافع: انطلقت مع ابن عمر في حاجة إلى ابن عباس فقضى ابن عمر حاجته، وكان من حديثه يومئذٍ أن قال: مرّ رجل في سكة من السكك فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد خرج من غائط أو بول، فسلَّم عليه الرجل، فلم يردَّ عليه، حتى إذا كاد الرجل أن يتوارى في السكة ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديه على الحائط ومسح بهما وجهه، ثم ضرب

= وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.

كذا قال، مع أنه قال في "الميزان" (1/ 527 ت 1968):

"كان الحسن البصري كثير التدليس، فإذا قال في حديث: "عن فلان" ضعف احتجاجه ولا سيما عمن قيل: إنه لم يسمع منهم كأبي هريرة ونحوه فعدوا ما كان له عن أبي هريرة في جملة المنقطع" اهـ.

قال المحدث الألباني في "الصحيحة"(2/ 488): "لكن الظاهر أن المراد من تدليسه إنما هو ما كان من روايته عن الصحابة دون غيرهم؛ لأن الحافظ في "التهذيب" أكثر من ذكر النقول عن العلماء في روايته عمن لم يلقهم، وكلهم من الصحابة، فلم يذكروا ولا رجلاً واحداً من التابعين روى عنه الحسن ولم يلقه، ويشهد لذلك إطباق العلماء جميعاً برواية الحسن عن غيره من التابعين، بحيث إني لا أذكر أن أحداً أعلَّ حديثاً ما من روايته عن تابعي لم يصرح بسماعه منه، ولعلّ هذا هو وجه من صحح الحديث ممن ذكرنا، وأقرهم الحافظ في "الفتح" (11/ 13)، ولا سيما ابن حبان منهم، فإنه صرح في "الثقات" (4/ 123) بأنه كان يدلس.

هذا ما ظهر لي في هذا القام. والله سبحانه وتعالى أعلم" اهـ

وخلاصة القول: أن حديث المهاجر بن قنفذ صحيح، والله أعلم.

(1)

في "السنن" رقم (330) بإسناد ضعيف.

ص: 603