الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس عشر: في الهجران والقطيعة
" الخامس عشر" أي: من فصول كتاب الصحبة.
"في الهجران" مصدر هجر يهجر هجراً وهجراناً.
"والقطيعة" عطف تفسير، أتى فيه بخمسة أحاديث.
الأول: حديث أبي أيوب رضي الله عنه.
1 -
عن أبي أيوب رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَا يَحِلُّ لمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ". أخرجه الستة (1) إلا النسائي. [صحيح]
"قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه" المسلم.
"فوق ثلاث ليال" قال في "الفتح"(2)[الهجر](3): ترك الرجل مكالمة الآخر إذا تلاقيا.
قال النووي (4): قال العلماء: تحرم الهجرة بين المسلمين أكثر من ثلاث ليال بالنص وتباح في الثلاث بالمفهوم، وإنما عفى عنه في ذلك؛ لأن الآدمي مجبول على الغضب فسومح في ذلك القدر؛ ليرجع ويزول ذلك العارض، والمعنى: أن المرخص فيه ثلاثة أيام بلياليها (5).
(1) أخرجه البخاري رقم (6077)، وطرفه في (6237)، ومسلم رقم (2560)، وأبو داود رقم (4911)، والترمذي رقم (1932)، ومالك في "الموطأ"(2/ 906، 907). وهو حديث صحيح.
(2)
(10/ 492).
(3)
كذا في "المخطوط" والذي في "الفتح"(10/ 492)، الهجرة، بكسر الهاء وسكون الجيم، أي: ترك الشخص مكالمة الآخر إما تلاقيا، وهي في الأصل الترك فعلاً كان أو قولاً، وليس المراد بها مفارقة الوطن، فإن تلك تقدم حكمها.
(4)
في "شرحه لصحيح مسلم"(16/ 117).
(5)
الشارح. اختصر فأخل بالمعنى، وإليك نص كلام النووي: قال العلماء في هذا الحديث تحريم الهجر بين المسلمين أكثر من ثلاث ليالٍ، وإباحتها في الثلاث: الأول: بنص الحديث، والثاني: بمفهومه. قالوا: وإنما =
"يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا" أي: يعرض كل واحد منهما عن الآخر فلا يسالمه ولا يكالمه.
"وخيرهما" عند الله. "الذي يبدأ بالسلام" قال أكثر العلماء (1): تزول الهجرة بمجرد السلام وردّه، وقال أحمد (2): لا يبرأ من الهجرة إلا بعوده إلى الحال التي كان عليها أولاً.
وقال المصنف: ترك الكلام إن كان يؤذيه، فلا تزول الهجرة بالسلام. وكذا قال ابن القيم (3)، وقال عياض (4): إذا اعتزل كلامه لا تقبل شهادته عليه عندنا ولو سلَّم عليه، واستدل بالحديث على أنّ من أعرض عن أخيه المسلم وامتنع من مكالمته، والسلام عليه آثم بذلك؛ لأن نفي الحل يفيد التحريم ومن ارتكب المحرم أثم.
قال [ابن المنذر (5)]: (6) أجمعوا على أنه لا يجوز الهجران فوق ثلاث إلا لمن خاف من مكالمته أن يفسد عليه دينه، أو يدخل عليه في نفسه أو دنيا مضرة، فإن كان كذلك جاز، وربّ هجر جميل خير من مخالطة مؤذية، كما قيل (7):
= عفى عنها في الثلاث؛ لأن الآدمي مجبول على الغضب وسوء الخلق ونحو ذلك، فعفي عن الهجرة في الثلاثة ليذهب ذلك العارض، وقيل: إن الحديث لا يقتضي إباحة الهجرة في الثلاثة، وهذا على مذهب من يقول لا يحتج بالمفهوم ودليل الخطاب.
(1)
ذكره النووي في "شرح صحيح مسلم"(16/ 117). "فتح الباري"(10/ 496).
(2)
انظر: "شرح منتهى الإرادات"(9/ 301).
(3)
ذكره الحافظ في "الفتح"(10/ 496).
(4)
في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(8/ 26 - 27).
(5)
انظر: "الإشراف على مذاهب العلماء"(4/ 280 - 281). وانظر: "فتح الباري"(10/ 496).
(6)
كذا في "المخطوط". وصوابه ابن عبد البر، كما في "فتح الباري"(10/ 496).
وانظره: نصاً في "التمهيد"(15/ 79).
(7)
كذا في "المخطوط"، والذي استشهد به ابن عبد البر في "التمهيد"(15/ 79)، قول الشاعر: =
رُبَّ هجر يكون من خوف هجر
…
وفراق يكون خوف فراق
قوله: "أخرجه الستة إلا النسائي".
الثاني: حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
2 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَا يَحِلُّ لمُؤْمِنٍ أَنْ يَهْجُرَ مُؤْمِنًا فَوْقَ ثَلَاثٍ، فَإِنْ مَرَّتْ بِهِ ثَلَاثٌ فَلْيَلْقَهُ وَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَإِنْ رَدَّ عَلَيْهِ فَهُمَا شَرِيكانِ فِي الأَجْرِ، وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ فَقَدْ بَاءَ بِالإِثْمِ"(1)[صحيح]
وفي أخرى (2): "مَنْ هَجَرَ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَماتَ دَخَلَ النَّارَ". أخرجه أبو داود. [صحيح]
"قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمؤمن أن يهجر مؤمناً فوق ثلاث" كما سلف، وقد بوّب البخاري (3) في صحيحه لجواز الهجران بقوله: باب ما يجوز من الهجران لمن عصى. أراد (4) بهذه الترجمة بيان [179 ب] الهجران الجائز؛ لأن عموم النهي مخصوص بمن لم يكن لهجرانه سبب مشروع (5).
= إذا ما تقضى الود إلا تكاشراً
…
فهجر جميل للفريقين صالح
وانظر: "الاستذكار"(26/ 145 - 148).
(1)
أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (4912)، وهو حديث حسن.
(2)
أخرجها أبو داود في "السنن" رقم (4914)، وهو حديث صحيح.
(3)
في "صحيحه"(10/ 497 باب رقم 63 - مع الفتح).
(4)
قاله الحافظ في "الفتح"(10/ 497).
(5)
وتمام العبارة: فتبين هنا السبب المسوغ للهجر، وهو لمن صدرت منه معصية، فيسوغ لمن اطلع عليها منه هجره عليها ليكفّ عنها.
كما في (1) قصة كعب بن مالك وصاحبيه والنهي عن كلامهم.
قال الطبري (2): قصة كعب بن مالك أصل في هجران أهل المعاصي.
قلت: ويأتي هجره صلى الله عليه وسلم لزينب شهراً.
قال في "الفتح"(3): قد استشكل كون هجران الفاسق والمبتدع مشروعاً، ولا يشرع هجران الكافر، وهو أشد جرماً منهما لكونهما من أهل التوحيد في الجملة.
وأجاب ابن بطال (4): بأن لله أحكاماً فيها مصالح للعباد، وهو أعلم بشأنها، وعليهم التسليم لأمره فيها، فجنح إلى أنه تعبد لا يعقل معناه.
وأجاب غيره (5): بأن الهجران على مرتبتين: الهجران بالقلب، والهجران باللسان، فهجران الكافر بالقلب وبترك التودد والتناصر والتعاون، لا سيما إذا كان حربياً، وإنما لم يشرع هجرانه بالكلام لعدم ارتداعه بذلك عن كفره، بخلاف العاصي المسلم فإنه ينزجر بذلك غالباً، ويشترك كل من العاصي والكافر في مشروعية مكالمته بالدعاء إلى الطاعة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. انتهى.
"فإن مرت به" أي: بالهاجر لأخيه.
(1) قال المهلب: غرض البخاري في هذا الباب أن يبين صفة الهجران الجائز، وأنه يتنوع بقدر الجرم، فمن كان من أهل العصيان يستحق الهجران بترك المكالمة، كما في قصة كعب وصاحبيه، وما كان من المغاضبة بين الأهل والإخوان، فيجوز الهجر فيه بترك التسمية مثلاً أو بترك بسط الوجه مع عدم هجر السلام والكلام.
"فتح الباري"(10/ 497).
(2)
ذكره الحافظ في "الفتح"(10/ 497)، وابن بطال في "شرحه لصحيح البخاري"(9/ 272).
(3)
(10/ 497).
(4)
في "شرحه لصحيح البخاري"(9/ 272 - 273).
(5)
ذكره الحافظ في "الفتح"(10/ 497).
"ثلاث فليلقه وليسلم عليه" ظاهره وجوباً ليزول ما ارتكبه من محرم الهجر، وهذا إذا كان قد هجره ظاهراً، وأما الأخوان اللذان لا تهاجر بينهما، لكن بمضي الأيام ذوات العدد لا يتفقان ولا يجتمعان؛ فهذا لا يعد تهاجراً.
"فإن ردّ عليه" المهجور السلام.
"فهما شريكان في الأجر" إذ كل منهما قد تاب عن محرم كان عليه، فأُجِرا أجر التوبة.
"وإن لم يرد" أحدهما وهو المهجور وكل واحد منهما هاجر ومهجور.
"فقد باء" رجع "بالإثم".
قوله: "أخرجه أبو داود، وله" لأبي داود.
"في" رواية "أخرى" أي: عن أبي هريرة، لفظها في "الجامع" (1):"لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار"(2) والمصنف اقتصر على بعضه، وفي رواية لأبي داود (3) عن عائشة مرفوعاً:"لا يكون لمسلم أن يهجر مسلماً فوق ثلاثة، فإذا لقيه سلَّم عليه ثلاث [مرات] (4) كل ذلك لا يردُّ عليه، فقد باء بإثمه" مقيدة بثلاث تسليمات، يتقيد به المطلق.
الثالث:
3 -
وعن أبي خراشٍ السُّلَميِّ رضي الله عنه قال: قال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ هَجَرَ أَخَاهُ سنَةً فَهُوَ كَسَفْكِ دَمِهِ". أخرجه أبو داود (5). [صحيح]
(1)(6/ 647 رقم 4934).
(2)
أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (4914)، وهو حديث صحيح.
(3)
في "السنن" رقم (4913) بإسناد حسن.
(4)
كذا في "المخطوط"، وفي "الجامع"(6/ 647)، والذي في "سنن أبي داود": مرارٍ.
(5)
في "السنن" رقم (4915). =
حديث [180 ب] أبي خراش: بكسر الخاء المعجمة فراء بعد الألف شين معجمة، اسمه حدرد بن أبي حَدْرَدْ، كما في "التقريب" (1) وقال: صحابي ليس له إلا حديث واحد.
"قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه" لفظ أبي داود (2): "كسفكه" وهذا تغليظ شديد في الهجر هذه المدة، والمراد أنهما سواء في أصل التحريم وإن كان البادئ بالفعل أغلظ.
قوله: "أخرجه أبو داود" سكت عليه المنذري (3)، وجاء في نسخة من "جامع الأصول"، وسنده صحيح على شرط مسلم لم يتكلم على أحد من رجاله.
الرابع: حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
4 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "تُعْرَضُ الأَعْمَالُ في كُلَّ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ فَيَغْفِرُ الله عز وجل في ذلِكَ لِكُلِّ امْرِئ لَا يُشْرِكُ بِالله شَيْئاً إلَاّ مَنْ كانَتْ بَيْنَهُ وَبيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ. فَيَقُولُ: اتُرْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا". أخرجه مسلم (4) ومالك (5) وأبو داود (6) والترمذي (7). [صحيح]
= وأخرجه البخاري في "الأدب"(404، 405)، وأحمد في "المسند"(4/ 220)، والطبراني في "الكبير"(ج 22 رقم 779)، والحاكم في "المستدرك"(4/ 163)، والبيهقي في "الشعب" رقم (6631)، وفي "الآداب" رقم (302). وهو حديث صحيح.
(1)
(1/ 156 رقم 178).
(2)
في "السنن" رقم (4915) والذي فيه كسفك.
(3)
في "مختصر السنن"(7/ 232 - 233).
(4)
في "صحيحه" رقم (2565).
(5)
في "الموطأ"(2/ 908 - 909 رقم 17).
(6)
في "السنن" رقم (4916).
(7)
في "السنن" رقم (2023)، وهو حديث صحيح.
"الشَّحْنَاءُ" العداوة.
"قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعرض الأعمال" أي: أعمال العباد على الله، كأنها تعرضها الكرام الكاتبون أو من يعلمه الله.
"في كل خميس واثنين، فيغفر الله في ذلك اليوم لكل امرئ لا يشرك بالله شيئاً"{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1).
"إلا من كانت بينه وبن أخيه شحناء" عداوة، فإنه لا يغفر لهما، أو لا تعرض أعمالهما.
"فيقول: اتركوا هذين حتى يصطلحا" لعظم شأن التعادي.
قوله: "أخرجه مسلم ومالك وأبو داود".
قلت: قال أبو داود (2) بعد إخراجه: إذا كانت الهجرة لله فليس من هذا في شيء، وإنَّ عمر بن عبد العزيز غطَّى وجهه من رجل.
"والترمذي" قلت: وقال (3): حسن صحيح.
الخامس: حديث عائشة رضي الله عنها.
5 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: اعْتَلَّ بَعِيرٌ لِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ، وَعِنْدَ زَيْنَبَ فَضْلُ ظَهْرٍ. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لِزَيْنَبَ:"أَعْطِيهَا بَعِيرًا". فَقَالَتْ: أَنَا أُعْطِي تِلْكَ اليَهُودِيَّةَ؟ فَغَضِبَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَهَجَرَهَا ذَا الحِجَّةَ وَالمُحَرَّمَ وَبَعْضَ صَفَرٍ. أخرجه أبو داود (4). [ضعيف]
"قالت: اعتل بعير لصفية بنت حيي" زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أي: أصاب بعيرها علة.
"وعند زينب" بنت جحش، زوج النبي صلى الله عليه وسلم.
(1) سورة النساء الآية: 48.
(2)
في "السنن"(5/ 216).
(3)
في "السنن"(4/ 373).
(4)
في "السنن" رقم (4602)، وهو حديث ضعيف.