الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الصداق
وفيه فصلان
قوله: "كتاب الصِدَاق" هو بكسر الصاد المهملة وفتحها كما في "القاموس"(1) أنه ككتاب وسحاب، مهر المرأة ومنه قوله تعالى:{وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ} (2).
الفصل الأول: في مقداره
قوله: "الأول في مقداره" ذكر فيه ثمانية أحاديث.
الأول: حديث سهل بن سعد رضي الله عنه.
1 -
عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: جَاءَتْ امْرَأَةً إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله! جِئْتُ أَهَبُ نَفْسِي لَكَ. فَنَظَرَ إِلَيْهَا فَصَعَّدَ النَّظَرَ فِيهَا وَصَوَّبَهُ وَطأْطأَ رَأْسَهُ. فَلمَّا رَأَتْ المَرْأَةُ أنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا جَلَسَتْ. فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فزَوِّجْنِيهَا، فَقَالَ:"هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ؟ " فَقَالَ: لَا وَالله يَا رَسُولَ الله. فَقَالَ: "اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ فَانْظُرْ هَلْ تَجِدْ شَيْئًا؟ فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا وَالله يَا رَسُولَ الله، مَا وَجَدْتُ شَيْئًا. فَقَالَ: "انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ" فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا وَالله يَا رَسُولَ الله وَلَا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ. وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي. قَالَ سَهْلٌ: مَا لَهُ رِدَاءٌ، فَلَهَا نِصْفُهُ. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ إِنْ لَبِسْتهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيءٌ، وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ. فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى طَالَ مَجْلِسُهُ قَامَ فَرَآهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مُوَلِّيًا فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ، فَقَالَ:"مَاذَا مَعَكَ مِنْ القُرْآنِ؟ " قَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا وَكَذَا، عَدَّدَهَا. فَقَالَ:"تَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ؟ " قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا".
(1)"القاموس المحيط"(ص 1162).
(2)
سورة النساء الآية: 4.
وفي رواية: "أَنْكَحْتُكَهَا بِمَا مَعَك مِنْ القُرْآنِ". أخرجه الستة (1). [صحيح]
"قال: جاءت امرأة" قال في "الفتح"(2): لم أقف على اسمها.
"إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! جئت أهب نفسي لك" أي: أمر نفسي؛ لأن الحر لا تملك رقبته.
"فنظر إليها فصعّد النظر إليها وصوّبه" في "النهاية"(3) صعد في النظر وصوّبه أي: نظر إليّ أعلاي وأسفلي، وتأملني. وهو دليل على جواز النظر إلى من يراد نكاحها.
وقال الحافظ ابن حجر (4) ما لفظه: تحرر عندي أنه كان لا يحرم عليه صلى الله عليه وسلم النظر إلى المؤمنات الأجنبيات بخلاف غيره.
"فطأطأ رأسه، فلما رأت" المرأة "أنه" صلى الله عليه وسلم.
"لم يقض فيها شيئاً جلست، فقام رجل" قال في "الفتح"(5): أيضاً لم أقف على اسمه.
"فقال: يا رسول الله! إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها، فقال: هل عندك من شيء؟ " تجعله صداقاً.
(1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (2310)، (5135)، ومسلم رقم (77/ 1425)، وأبو داود رقم (2111)، والترمذي رقم (1114)، والنسائي (6/ 113)، ومالك في "الموطأ"(2/ 526).
(2)
(9/ 206).
(3)
"النهاية في غريب الحديث"(2/ 31).
وانظر: "المجموع المغيث"(2/ 270).
(4)
في "فتح الباري"(9/ 210).
(5)
(9/ 207) ووقع في رواية للطبراني في "المعجم الكبير"(ج 6 رقم 5561)، فقام رجل أحسبُه من الأنصار.
"قال: لا يا رسول الله! قال: اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئاً، فذهب ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله! ما وجدت شيئاً. قال: انظر ولو خاتماً (1) من حديد" أي: ولو نظرت خاتماً.
"فذهب ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله! ولا نظرت خاتماً مَن حديد، ولكن هذا إزاري. قال سهل: ما له رداء فلها [193 ب] نصفه" ليس عليه غير إزاره.
"فقال صلى الله عليه وسلم: ما تصنع" أي: المرأة. "بإزارك إن لَبِسْتَه" أي: أنت. "لم يكن عليها منه شيء، كان لَبِسَتْه" أي: المرأة "لم يكن عليك منه شيء" ولا يمكن قسمته بينهما.
"فجلس الرجل، حتى إذا طال مجلسه قام" من مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم.
"فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مولياً فأمر به فدعي فقال: ماذا معك من القرآن؟ فقال: معي سورة كذا وكذا عدّدها" في رواية أبي داود (2): "سورة البقرة والتي تليها"، وللدارقطني (3):"سورة من البقرة وسورة من المفصل"، ولأبي الشيخ (4):"إنا أعطيناك الكوثر".
(1) في رواية: ولو خاتم، بالرفع على تقدير ما حصل.
أخرجها الطبراني في "الكبير"(ج 6 رقم 5951)، والدارقطني (3/ 250 رقم 24)، ولو في قوله:"ولو خاتماً" تقليلية.
وانظر: "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(4/ 580)، "فتح الباري"(9/ 207).
(2)
في "السنن" رقم (2112).
وأخرجها النسائي في "السنن الكبرى" رقم (5506 - العلمية).
قال المنذري: وفي إسناده عسل بن سفيان، وهو ضعيف.
وهو حديث ضعيف، والله أعلم.
(3)
في "السنن"(3/ 249 - 250 رقم 23)، من حديث ابن مسعود.
(4)
ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 209) من حديث جابر.
"فقال: تقرؤها عن ظهر قلبك. قال: نعم. قال: اذهب فقد ملكتكها". وفي رواية (1): "أنكحتكها بما معك من القرآن" أخرجه الستة.
وفي رواية أبي داود (2) عن أبي هريرة رضي الله عنه: "قُمْ فَعَلِّمْهَا عِشْرِينَ آيَةً وَهِيَ امْرَأَتُكَ".
"وفي رواية لأبي داود (3): عن أبي هريرة" بلفظ: "قم فعلمها عشرين آية وهي امرأتك".
- وفي أخرى له (4) عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَعْطَى في صَدَاقِ امْرَأَةٍ مِلْءَ كَفِّهِ سَوِيقًا أَوْ تَمْرًا فَقَدْ اسْتَحَلَّ". [ضعيف]
"وفي رواية له" أي: أبي داود.
"عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أعطى في صداق امرأته ملء كفه سويقاً أو تمراً فقد استحل".
الحديث جليل فيه عدة فوائد شرعية تتبعها ابن التين (5)، وقال: هذه إحدى وعشرون فائدة، بوّب البخاري (6) على أكثرها.
قلت: قد أتينا بالكثير منها في شرحنا "سبل السلام (7) على بلوغ المرام"، ولنأت هنا بشيء من ذلك.
(1) أخرجها البخاري في "صحيحه" رقم (5149).
(2)
أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (2112)، والنسائي في "الكبرى" رقم (5506) وقد تقدم.
(3)
في "السنن" رقم (2111)، وهو حديث ضعيف. وقد تقدم.
(4)
أي: لأبي داود في "السنن" رقم (2110)، وهو حديث ضعيف.
(5)
ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 216).
(6)
قال الحافظ في "الفتح"(9/ 216)، وقد فصلت ما ترجم به البخاري من غيره، ومن تأمل ما جمعته هنا علم أنه يزيد على ما ذكره مقدار ما ذكر أو أكثر.
(7)
(6/ 103 - وما بعدها).
منها: جواز عرض المرأة نفسها على أهل الصلاح.
ومنها: جواز النظر من الرجل إلى الأجنبية يريد التزوج بها وإن لم يكن خاطباً.
ومنها: ولاية الإمام على إنكاح المرأة التي لا ولي لها إذا أتت، إلا أن في بعض ألفاظ الحديث:"أنها فوضت أمرها إليه" وذلك توكيل (1).
ومنها: أنه يعقد للمرأة من غير سؤال عن وليها هل موجود أو لا؟ حاضر أو لا؟ ولا سؤالها: هل هي في عصمة زوج أو لا؟ وإلى هذا ذهب جماعهَ حملاً على ظاهر الرواية، وذهبت الهادوية (2) إلى تحليف الغريبة احتياطاً. [194 ب].
ومنها: أن الهبة لا تثبت إلا بالقبول.
ومنها: أنه لا بد من الصداق (3) في النكاح، وأنه يصح أن يكون شيئاً يسيراً، فإن قوله:"ولو خاتماً من حديد" مبالغة في تقليله فيصح بكل ما تراضى عليه الزوجان، أو من إليه ولاية العقد فيما فيه منفعة، وضابطه: أن كل ما يصح أن يكون قيمة وثمناً لشيء صح أن يكون مهراً.
ونقل القاضي عياض (4) الإجماع على أنه لا يصح أن يكون من ما لا قيمة له.
وقال ابن حزم (5): يصح بكل ما يسمى شيئاً ولو حبة شعير، لقوله صلى الله عليه وسلم:"هل تجد شيئاً".
(1) انظر: "الفتح"(9/ 212).
(2)
انظر: "البحر الزخار"(3/ 120 - 121).
(3)
انظر: "بدائع الصنائع"(2/ 276، 277).
"مدونة الفقه المالكي وأدلته"(2/ 590 - 591)، "البيان" للعمراني (9/ 374).
(4)
في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(4/ 580، 584).
(5)
في "المحلى"(9/ 494 - 495).
ورُدَّ (1) بأن قوله صلى الله عليه وسلم: "ولو خاتماً من حديد" ورد مبالغة في التقليل وله قيمة، ولأن قوله صلى الله عليه وسلم: "من استطاع منكم الباءة، ومن لم يستطع
…
" الحديث (2)، دليل على أنه لا يستطيعه كل أحد، وحبة الشعير مستطاعة لكل أحد، وكذلك قوله تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا} (3) وقوله: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} (4) دال على اعتبار المالية في الصداق.
والحق أنه يصح بكل ما له قيمة وإن تحقرت، والأحاديث والآية يحتمل أنها خرجت مخرج الغالب، وأنه لا يقع الرضا من الزوجة إلا بما له قيمة وصورة.
ومنها: أنه ينبغي ذكر الصداق في العقد؛ لأنه أقطع للنزاع وأنفع للمرأة ولو لم يذكر صح العقد، ولزم بالدخول للمرأة صداق مثلها.
ومنها: أنه يجوز الحلف وإن لم يكن عليه يمين.
ومنها: أنها لا تجب الخطبة في العقد، والظاهرية (5) تقول بوجوبها.
ومنها: أنه يصح أن يكون المهر منفعة؛ كالتعليم، فإنه منفعة ويقاس عليه غيره.
(1) انظر: "فتح الباري"(9/ 209).
(2)
وهو حديث صحيح.
أخرجه أحمد (1/ 425، 424، 432)، والبخاري رقم (5066)، ومسلم رقم (1/ 1400)، وأبو داود رقم (2046)، والترمذي رقم (1081)، والنسائي رقم (3209)، وابن ماجه رقم (1845) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(3)
سورة النساء الآية: 25.
(4)
سورة النساء الآية: 24.
(5)
في "المحلى"(9/ 500 - 501).
ومنها: قوله: "بما معك من القرآن" يحتمل وجهين كما قاله القاضي عياض (1)، أظهرهما أن يعلمها القرآن أو قدراً معيناً منه، كما في رواية (2):"عشرين آية" وأن الفاء للتعليل، أي: لأجل ما معك من القرآن إكراماً له، وهذا بعيد.
ومنها: أن النكاح ينعقد بلفظ [195 ب] التمليك، وهو مذهب الهادوية (3) والحنفية (4) إلا أنها قد اختلفت الألفاظ، في رواية بالتمكين، وفي أخرى بالتزويج.
قال ابن دقيق العيد (5): هذه لفظة واحدة في قصة واحدة، اختلفت مع اتحاد مخرج الحديث، والظاهر أن الواقع منه صلى الله عليه وسلم لفظ واحد، فالمرجع في هذا إلى الترجيح، وقد روى (6) عن الدارقطني: أن الصواب رواية من روى: "قد زوجتكها" فإنهم أكثر وأحفظ.
قيل: ويؤيده أنه على وفق قول الخاطب: "زوجنيها" وقد أطلنا الكلام على الحديث في "سبل السلام"(7).
وقوله: "وفي رواية له" أي: لأبي داود (8).
"عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أعطى في صداق امرأتهُ ملء كف سويقاً أو تمر فقد استحل" أي: صار فرجها له حلالاً، وهو من أدلة جواز حقارة الصداق.
(1) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(4/ 584).
(2)
تقدم وهو حديث ضعيف.
(3)
انظر: "البحر الزخار"(3/ 109 - 110).
(4)
"البناية في شرح الهداية"(3/ 682)، و"بدائع الصنائع"(2/ 277).
(5)
في "إحكام الأحكام"(ص 787).
(6)
قاله القاضي عياض في "إكمال المعلم"(4/ 583)، والقرطبي في "المفهم"(4/ 132).
(7)
(6/ 103 - 117).
(8)
في "السنن" رقم (2110)، وهو حديث ضعيف.
الثاني: حديث عبد الله بن عامر عن أبيه.
2 -
وعن عبد الله بن عامر عن أبيه: أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي فزَارَةَ تَزَوَّجَتْ عَلَى نَعْلَيْنِ. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَرَضِيتِ مِنْ نَفْسِكِ وَمَالِكِ بِنَعْلَيْنِ؟ " قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَجَازَهُ النَّبي صلى الله عليه وسلم. أخرجه الترمذي (1) وصححه. [ضعيف]
"أن امرأة من فزارة تزوجت على نعلين" صداقاً لنكاحها، وكأنه بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
"فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لها: أرضيت من نفسك ومالك بنعلين؟ قالت: نعم. فأجازه" أي: نكاحها "النبي صلى الله عليه وسلم ".
ذكر المال دليل على أن المرأة لا تنفق من مالها إلا بإذن زوجها (2)، كما ورد في حديث آخر، لا أنه يملك الزوج مالها بزواجها.
قوله: "أخرجه الترمذي وصححه".
قلت: قال (3): حسن صحيح، قال: واختلف أهل العلم في المهر، فقال بعضهم: المهر على ما تراضوا عليه، وهو قول سفيان الثوري وأحمد (4) والشافعي (5) وإسحاق. انتهى.
(1) في "السنن" رقم (1113) وقال: حديث حسن صحيح.
وأخرجه أحمد (3/ 445)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(4/ 186 - 187)، وأبو يعلى رقم (7197)، وابن عدي في "الكامل"(5/ 1868)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 238 - 239)، وقال ابن أبي حاتم في "العلل" (1/ 424): سألت أبي عن عاصم بن عبيد الله، فقال: منكر الحديث. يقال: إنه ليس له حديث يعتمد عليه قلت: ما أنكروا عليه؟ قال: روى عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه أن رجلاً تزوج امرأة على نعلين، فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو منكر. وهو حديث ضعيف. والله أعلم.
(2)
تقدم تفصيله.
(3)
في "السنن"(3/ 421).
(4)
انظر: "المغني"(10/ 99 - 101).
(5)
"البيان" للعمراني (9/ 369).
الثالث: حديث أنس رضي الله عنه.
3 -
وعن أنس رضي الله عنه قال: "تَزَوَّجَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ رضي الله عنها كَانَ صِدَاقُ مَا بَيْنَهُمَا الإِسْلَامَ. أَسْلَمَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ قَبْلَ أَبِي طَلْحَةَ فَخَطَبَهَا، فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، فَإِنْ أَسْلَمْتَ نَكَحْتُكَ. فَأَسْلَمَ، فكَانَ صِدَاقَ مَا بَيْنَهُمَا الإِسْلَامَ". أخرجه النسائي (1). [صحيح]
"قال: تزوج أبو طلحة" اسمه زيد بن سهل صحابي جليل.
"أم سليم" بالمهملة مصغر، واسمها سهلة أو مليكة، وقيل غيرهما، وتسمى (2) الغميصاء والرميصاء [196 ب] اشتهرت بكنيتها، وكانت من الصحابيات الفاضلات وهي أم أنس بن مالك فكان صداق ما بينهما الإسلام، بيّن ذلك بقوله:"أسلمت أم سليم قبل أبي طلحة فخطبها فقالت: إني قد أسلمت، فإن أسلمت نكحتك، فأسلم فكان صداق ما بينهما الإسلام" فيه دليل على صحة الصداق بما تراضى عليه الزوجان، وتقدم فيه الكلام.
قوله: "أخرجه النسائي".
الرابع:
4 -
وعن أبي العَجْفَاءِ السُّلميِّ قال: خَطَبَ عُمَرُ رضي الله عنه يَوْمَاً فَقَالَ: ألَا لَا تُغَالُوا في صَدُقَاتِ النِّسَاءِ، فَإِنَّ ذلِكَ لَوْ كَانَ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا وَتَقْوًى عِنْدَ الله في الآخِرَةِ كَانَ أَوْلَاكُمْ به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، مَا أَصْدَقَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ وَلَا أُصْدِقَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً. أخرجه أصحاب السنن (3). [صحيح]
(1) في "السنن" رقم (3340)، (3341)، وهو حديث صحيح.
(2)
قاله ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول"(1/ 489 - 490 - قسم التراجم).
(3)
أخرجه أبو داود رقم (2106)، والترمذي رقم (1114)، والنسائي رقم (3349)، وابن ماجه رقم (1887). =
حديث "أبي العَجْفاء"(1) هو بفتح المهملة فجيم ساكنة ففاء، السلمي البصري، قيل: اسمه هرم بن نسيب بفتح النون، وكسر المهملة تم مثناة تحتية، وقيل: هو اسمه [واسم أبي هرم](2)
"قال: خطب عمر رضي الله عنه يوماً فقال: ألا لا تغالوا في صدقات النساء، فإن ذلك لو كان مكرمة في الدنيا وتقوى عند الله في الآخرة كان أولاكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم" ثم بين لهم القدر الذي لا يعد مغالاة:
"ما أصدق امرأة من نسائه ولا أُصدقت امرأة من بناته أكثر من اثني عشر أوقية".
قلت: ولكن الأوقية (3) كانت أربعين درهماً، كما صرّح به حديث الصدقة، وأنها تلزم من ملك خمس أواقي، وفي لفظ:"من ملك مائتي درهم" ويأتي في الحديث التالي زيادة: النَّش.
= وأخرجه أحمد (1/ 40، 41)، وابن حبان رقم (1259 - موارد)، والدارمي (2/ 141)، والحاكم (2/ 175) والبيهقي (7/ 234)، والحميدي رقم (23)، من طرق.
وهو حديث صحيح، والله أعلم.
(1)
وثقه ابن معين وابن حبان، وقال البخاري: في حديثه نظر: وقال أبو أحمد الكرابيسي: حديث ليس بالقائم.
انظر: "الثقات" لابن حبان (5/ 514) و"الميزان"(4/ 550).
"تهذيب الكمال" للمزي (34/ 78 رقم الترجمة 7510).
(2)
كذا في "المخطوط" هذه العبارة لم أجدها في "تتمة جامع الأصول"(2/ 744 - قسم التراجم).
(3)
انظر: "المغني"(10/ 100)، "البيان" للعمراني (9/ 371).
الأوقية = 40 درهماً بالإجماع. مع العلم أن الدرهم = 48 حبة.
والحبة = 486. و. غرام.
إذاً الدرهم = 3328. 2 غراماً
فالوقية = 93.312 غراماً. =
قوله: "أخرجه أصحاب السنن".
الخامس: حديث عائشة رضي الله عنها.
5 -
وعن عائشة رضي الله عنها وسئلت: كم كان صداقُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لِأزْوَاجِهِ؟ قالَتْ: ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّة وَنَشًّا، أَتَدْرِي مَا النَّشُّ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَتْ: نِصْفُ أُوقِيَّةٍ، فَذلِكَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ. أخرجه مسلم (1) وأبو داود (2) والنسائي (3). [صحيح]
قوله: "وسئلت" لم يذكر السائل لها (4).
"كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه؟ قالت: ثنتي عشرة أوقية ونشاً" بفتح النون فشين معجمة مشددة.
"قالت: أتدري ما النش" كأنه لغة قليلة ما كل أحد يعرفها.
"قالت: نصف أوقية فذلك" أي: مجموع الصداق.
"خمسمائة درهم" لما عرفت من أنَّ كل أوقية أربعين درهماً.
قوله: "أخرجه مسلم وأبو داود [197 ب] والنسائي".
السادس: حديث أنس رضي الله عنه.
6 -
وعن أنس رضي الله عنه: "أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أَعْتَقَ صَفِيَّةَ رضي الله عنها وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا".
= انظر: "الإيضاحات العصرية"(ص 155).
(1)
في "صحيحه" رقم (78/ 1426).
(2)
في "السنن" رقم (2105).
(3)
في "السنن" رقم (3348).
وأخرجه أحمد (6/ 94)، ابن ماجه رقم (1886)، وهو حديث صحيح.
(4)
هو أبو سلمة.
أخرجه الخمسة (1). [صحيح]
قوله: "أعتق صفية" هي بنت حيي بن أخطب اصطفاها صلى الله عليه وسلم من سبي خيبر، فكانت مملوكة له فأعتقها.
"وجعل عتقها صداقها" اختلف العلماء (2) في ذلك، فقيل: أنه صلى الله عليه وسلم أعتقها تبرعاً بلا عوض ولا شرط، ثم تزوجها برضاها بلا صداق، ونُسب هذا إلى المحققين من الجمهور (3).
قالوا (4): وهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه يجوز له النكاح بلا صداق حالاً ومالاً بخلاف غيره، وقيل: معناه شرط عليها أن يعتقها ويتزوجها فقبلت فلزمها الوفاء به، وقيل: أعتقها وتزوجها على قيمتها وكانت مملوكة له.
قالوا: ولا يجوز هذا ولا الذي قبله لغيره صلى الله عليه وسلم.
قلت: ظاهر قول أنس أنه جعل صلى الله عليه وسلم العتق نفس الصداق، وأي مانع عنه، فإنها مملوكة فهي مال له ولذا يبيعها، فجعل هذا المال لها إلى مقابل نكاحها، وبسطنا القول فيه في حواشي "ضوء النهار"(5).
(1) أخرجه البخاري رقم (5169، 5086)، ومسلم رقم (84/ 1365)، وأبو داود رقم (2054)، والنسائي رقم (3343)، وابن ماجه رقم (1957). وهو حديث صحيح.
(2)
قال النووي في "شرح صحيح مسلم"(9/ 221 - 222): (
…
وأصحها وبه قال جمهور أصحابنا - أي الشافعية - ولا يصح الصداق بل يصح النكاح، ويجب لها مهر المثل.
وقال سعيد بن المسيب، والحسن، والنخغي، والزهري، والثوري، والأوزاعي، وأبو يونس، وأحمد، وإسحاق: يجوز أن يعتقها على أن تتزوج به ويكون عتقها صداقها، ويلزمها ذلك ويصح الصداق على ظاهر لفظ هذا الحديث). اهـ.
(3)
انظر "فتح الباري"(9/ 229)، "عيون المجالس"(3/ 1054 رقم 748)، "بدائع الصنائع"(2/ 242).
(4)
انظر: "فتح الباري"(9/ 129).
(5)
(4/ 169 - 170 - مع الضوء) بتحقيقي.
قوله: "أخرجه الخمسة".
السابع: حديث أنس أيضاً.
7 -
وعنه رضي الله عنه قال: لمَّا قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رضي الله عنه آخَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيِّ، وَعِنْدَ الأَنْصَارِيِّ امْرَأَتَانِ فَعَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يُنَاصِفَهُ أَهْلَهُ وَمَالَهُ. فَقَالَ لَهُ: بَارَكَ الله لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ. فَأَتَى السُّوقَ فَرَبِحَ شَيْئًا مِنْ أَقِطٍ وَسَمْنٍ. فَرَآهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ أَيَّامٍ وَعَلَيْهِ وَضرٌ مِنْ صُفْرةٍ، فَقَالَ:"مَهْيَمْ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ؟ " فَقَالَ: تَزَوَّجْتُ أَنْصَارِيَّةً. قَالَ: "فَمَا سُقْتَ إِلَيْهَا؟ " قَالَ: وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ". أخرجه الستة (1).
وزاد في رواية: بعد قوله: "منْ ذَهَبٍ قَالَ: فَبَارَكَ الله لَكَ".
"الوَضَرُ"(2) هنا أثر من خُلوف أو طِيب.
"وَمَهْيَمْ"(3) كلمة يمانية بمعنى ما أمرك وما شأنك.
"وَالنَّوَاةُ"(4) اسم لما وزنُهُ خمسةُ دَرَاهِمَ كَمَا سموا الأربعين أوقية والعشرين نشاً.
(1) أخرجه البخاري رقم (5153)، ومسلم رقم (79/ 1437)، وأبو داود رقم (2109)، والترمذي رقم (1094)، والنسائي رقم (3351)، وابن ماجه رقم (1907).
وهو حديث صحيح.
(2)
قال ابن الأثير في "النهاية"(2/ 857) أي: لطخاً من خلوق، أو طيب له لون، وذلك من فعل العروس إذا دخل على زوجته.
والوضَر: الأثر من غير الطيب.
انظر: "الفائق" للزمخشري (4/ 65).
(3)
انظر: "النهاية"(2/ 693).
"غريب الحديث" للخطابي (1/ 206).
(4)
انظر: "الإيضاحات العصرية"(ص 184). "مقاييس اللغة"(ص 966)، "تهذيب اللغة"(15/ 557).
قوله: "لما قدم عبد الرحمن بن عوف" أحد العشرة، والمراد: قدم من مكة. "المدينة" مهاجراً.
"آخى" من المؤاخاة، وهو جعل كل واحد أخاً للآخر.
"النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري" فإنه صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين والأنصار، وآخى أيضاً بين المهاجرين بعضهم مع بعض.
"وعند الأنصاري امرأتان" زوجتان.
"فعرض الأنصاري عليه" على عبد الرحمن.
"أن يناصفه أهله وماله" أي: يجعل له نصف ما لديه من كل شيء.
"فقال" عبد الرحمن. "له: بارك الله لك في أهلك ومالك" ولم يقبل منه ذلك.
ثم قال ابن عوف. [198 ب]. "دلوني على السوق" يريد التجارة فيه.
"فأتى السوق فربح فيه شيئاً من أقط" في "القاموس"(1): الأقط مثلثة وتحرك وككتف ورجلٍ وإبلٍ: شيء يتخذ من المخيض.
"فرآه النبي صلى الله عليه وسلم بعد أيام وعليه وضرٌ" في "القاموس"(2): الوضر محركة وذكر له معانياً، منها: من زعفران (3)، وهو المراد هنا كما دل له "من صفرة" وكأنه ذلك علق به من المرأة ولم يكن في جسده.
والكراهة لمن تزعفر في بدنه أشد من الكراهة لمن تزعفر بدنه.
"فقال مهيم"(4) بفتح الميم وسكون الهاء وفتح المثناة، كلمة استفهام، أي: ما حالك وما
(1)"القاموس المحيط"(ص 850).
(2)
"القاموس المحيط"(ص 634).
(3)
قال الفيروز أبادي: واللطخ من الزعفران ونحوه.
(4)
انظر: "النهاية في غريب الحديث"(2/ 693). "غريب الحديث" للخطابي (1/ 206).
شأنك، أو ما وراءك؟ أو: أحدث لك شيء.
"يا عبد الرحمن! قال: تزوجت امرأة أنصارية، قال: فما سقت إليها" أي: من صداق.
"قال: وزن نواة من ذهب" قيل: المراد نواة التمر (1)، وقيل: النواة من الذهب عبارة عن ما قيمته خمسة (2) دراهم من الورق. وجزم به الخطابي (3)، واختاره الأزهري (4)، ونقله القاضي (5) عياض وأكثر العلماء (6).
"قال: أولم" الوليمة (7): طعام العرس أو كل طعام صنع لدعوة وغيرها، وأولم صنعها.
"ولو بشاة" دليل على أنها تستحب الوليمة ولا تنقص من شاة، ولا حد لقدرها المجزي، بل على أي شيء أولم به من الطعام حصلت الوليمة، وأما وقتها؛ فقال القاضي عياض (8) عند مالك (9) وغيره استحبابها عند الدخول، واستحبها جماعة من المالكية عند
(1) ورد بأن نوى التمر يختلف في الوزن فكيف يجعل معياراً لما يوزن به، "فتح الباري"(9/ 234).
(2)
قال الشافعي: النواة: ربع النشَّ، والنشّ: نصف أوقية، والأوقية، أربعون درهماً، فتكون النواة: خمسة دراهم.
(3)
في "معالم السنن"(2/ 584 - مع السنن).
(4)
في "تهذيب اللغة"(15/ 557).
(5)
في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(4/ 587).
(6)
انظر: "فتح الباري"(9/ 234).
(7)
قال الأزهري في "تهذيب اللغة"(15/ 406) الوليمة مشتقة من الولم وهو الجمع؛ لأنه الزوجين يجتمعان. وقال ابن الأعرابي: أصلها: تمام الشيء واجتماعه، وتقع على كل طعام يتخذ لسرور، وتستعمل في وليمة الأعراس بلا تقييد، وفي غيرها مع التقييد فيقال مثلاً: وليمة مأدبة.
"لسان العرب"(12/ 643)، "فتح الباري"(9/ 241).
(8)
في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(4/ 588).
(9)
انظر: "التمهيد"(11/ 140 - 142) الفاروق.
العقد، وبعضهم عنده وعند الدخول، واختلف (1) السلف في تكريرها أكثر من يومين فكرهه طائفة دون طائفة.
قوله: "أخرجه الستة".
"وزاد في رواية بعد قوله: "من ذهب" قال: فبارك الله لك" وذكر المصنف (2) من تفسير ألفاظٍ فيه ما ذكرناه.
الثامن:
8 -
وعن أم حبيبة رضي الله عنها: أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ عُبَيْدِ الله بْنِ جَحْشٍ، فَمَاتَ بِأَرْضِ الحَبَشَةِ، فزَوَّجَهَا النَّجَاشِيُّ رحمه الله النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَمْهَرَهَا عَنْهُ أَرْبَعَةَ آلَافٍ دِرْهَمٍ، وَبَعَثَ بِهَا إِلَيْهِ مَعَ شُرَحْبِيلَ ابْنِ حَسَنَةَ، وكَتَبَ بِذلِكَ إلى رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَبِلَ. أخرجه أبو داود (3) والنسائي (4). [صحيح]
حديث "أم حبيبة رضي الله عنها: أنها كانت تحت عبيد الله بن جحش" أي: زوجة له.
"فمات بأرض الحبشة" لأنه هاجر مع المهاجرين إليها ولكنه تنصر هنالك.
"فزوّجها النجاشي النَّبي صلى الله عليه وسلم " معناه: ساق النجاشي إليها المهر فأضيف التزويج إليه لوجود سببه منه، والذي عقد لها عقد النكاح خالد بن سعيد بن العاص، وهو ابن عم أبي
(1) انظر: "فتح الباري"(9/ 230 - 231)، "المغني"(10/ 194 - 196)، "روضة الطالبين"(7/ 333).
(2)
انظر: "جامع الأصول"(7/ 13 - 14).
(3)
في "السنن" رقم (2107).
(4)
في "السنن" رقم (3350)، وفي "السنن الكبرى" رقم (5551 - العلمية).
وأخرجه أحمد (7/ 427)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (5061)، والطبراني في "الكبير"(ج 23 رقم 402)، والدارقطني (3/ 246)، والحاكم (2/ 181)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 139، 232)، وفي "الدلائل"(3/ 460).
وهو حديث صحيح.