المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثالث: في آداب الصحبة - التحبير لإيضاح معاني التيسير - جـ ٦

[الصنعاني]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الثالث: في صلاة الليل

- ‌(الفصل الرابع): في صلاة الضحى

- ‌(الفصل الخامس): في قيام رمضان

- ‌ صلاة التراويح

- ‌(الفصل السادس): في صلاة العيدين

- ‌(اجتماع العيد والجمعة)

- ‌(الباب الثاني): في النوافل المقرونة بالأسباب

- ‌(الفصل الأول): في الكسوف

- ‌(الفصل الثاني): في الاستسقاء

- ‌(الفصل الثالث): في صلاة الجنازة

- ‌(الفصل الرابع): في صلوات متفرقة

- ‌[صلاة الاستخارة]

- ‌(صلاة الحاجة)

- ‌صلاة التسبيح

- ‌كتاب الصوم

- ‌الباب الأول: فى فضله وفضل شهر رمضان

- ‌الباب الثاني: في واجبات الصوم وسننه وأحكامه

- ‌فصل في أركان الصوم

- ‌النية

- ‌في نية صوم التطوع

- ‌الإمساك عن المفطرات

- ‌القبلة والمباشرة

- ‌المفطر ناسياً

- ‌زمان الصوم

- ‌عاشوراء

- ‌رجب

- ‌شعبان

- ‌ست من شوال

- ‌عشر ذي الحجة

- ‌أيام الأسبوع

- ‌أيام البيض

- ‌الأيام التي يحرم صومها

- ‌سنن الصوم

- ‌وقت الإفطار

- ‌تعجيل الفطر

- ‌الباب الثالث: في إباحة الفطر وأحكامه

- ‌موجب الإفطار

- ‌في الكفارة

- ‌كتاب الصبر

- ‌كتاب الصدق

- ‌كتاب الصدقة والنفقة

- ‌الفصل الأول: في فضلهما

- ‌النفقة

- ‌الفصل الثاني: في الحث عليها

- ‌الفصل الثالث: في أحكام الصدقة

- ‌كتاب صلة الرحم

- ‌كتاب الصحبة

- ‌الفصل الأول: فِي حَقِّ الرَّجُل عَلى الزَوْجَةِ

- ‌الفصل الثاني: في حق المرأة على الزوج

- ‌الفصل الثالث: في آداب الصحبة

- ‌الفصل الرابع: في آداب المجلس

- ‌الفصل الخامس: في صفة الجليس

- ‌الفصل السادس: (في التحابِّ والتوادِّ)

- ‌الفصل السابع: في التعاضد والتناصر

- ‌الفصل الثامن: في الاستئذان

- ‌الفصل التاسع: (في السلام وجوابه)

- ‌الفصل العاشر: في المصافحة

- ‌الفصل الحادي عشر: في العطاس والتثاؤب

- ‌الفصل الثاني عشر: في عيادة المريض وفضلها

- ‌الفصل الثالث عشر: في الركوب والارتداف

- ‌الفصل الرابع عشر: في حفظ الجار

- ‌الفصل الخامس عشر: في الهجران والقطيعة

- ‌الفصل السادس عشر: في تتبع العورة وسترها

- ‌الفصل السابع عشر: في النظر إلى النساء

- ‌الفصل الثامن عشر: في أحاديث متفرقة

- ‌كتاب الصداق

- ‌الفصل الأول: في مقداره

- ‌الفصل الثاني: في أحكامه

الفصل: ‌الفصل الثالث: في آداب الصحبة

‌الفصل الثالث: في آداب الصحبة

أي الفصل الثالث من فصول الصحبة.

(آداب الصحبة)، الصحبة والصحابة مصدران، بمعنى وهو المصاحبة أيضاً.

الأول: حديث أبي هريرة:

1 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكذَبُ الحَدِيثِ، وَلَا تَجسَّسُوا، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَنَافَسُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ الله إِخْوَانًا كَما أمَرَكمُ الله تعالى: المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ. بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ المُسْلِمَ، كُلُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ حَرَامٌ: مَالُهُ وَدَمُهُ وَعِرْضُهُ. إِنَّ الله لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَجْسَادِكُم، وَلكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ. التَّقْوَى هَا هُنَا، التَّقْوَى هَا هُنَا التَّقْوَى هَا هُنَا، وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ. أَلَا لَا يَبعْ بَعْضُكُم عَلى بَيع بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ الله إِخْوَاناً. وَلَا يَحِلُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرُ أَخَاهُ فَوْقُ ثَلاثٍ". أخرجه الستة (1) إلا النسائي، وهذا لفظ مسلم. [صحيح]

= إني لأمنحك الصدود وإنني

قسماً إليك مع الصدود لأميلُ

وقال الحافظ في "الفتح"(9/ 326)، وفي اختيار عائشة ذكر إبراهيم عليه الصلاة والسلام، دون غيره من الأنبياء دلالة عن مزيد فطنتها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أولى الناس به كما نص عليه القرآن، فلما لم يكن لها بد من هجر الاسم الشريف أبدلته بمن هو منه بسبيل حتى لا تخرج عن دائرة التعلق بالجملة.

(1)

أخرجه البخاري رقم (5143، 6064)، (6066، 6724)، ومسلم رقم (28/ 2563)، وأبو داود رقم (4917)، ومالك في "الموطأ"(2/ 907، 908)، والترمذي رقم (1928).

قلت: وأخرجه أحمد (2/ 465، 517)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 85)، (8/ 333)، (10/ 231)، والبغوى في "شرح السنة" رقم (3533).

وهو حديث صحيح.

ص: 488

"التجسس"(1) بالجيم: البحث عن عورات النساء، وبالحاء: استماع الحديث.

و"التدابر"(2) التقاطع والتهاجر.

قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياكم والظن" تحذير من العمل، بدلاً منه نفسه؛ لأنه ينجم على النفس بغير اختيار كما في حديث أبي هريرة عند ابن عدي (3): "إذا حسدتم فلا تبغوا، وإذا ظننتم فلا تحققوا

" الحديث، فالنهي متوجه إلى العمل بالظن.

قال سفيان الثوري (4): الظن ظنان: ظن هو إثم وهو أن يظن فيتكلم به، وظن ليس كذلك وهو أن يظن فلا يتكلم به.

وقال النووي في "شرح مسلم"(5): المراد: النهي عن سوء الظن.

وقال الخطابي (6): هو تحقيق الظن وتصديقه دون ما يهجس في النفس، فإنّ ذلك لا يملك.

(1) قال الحافظ في "الفتح"(10/ 481) قوله: (ولا تجسسوا) وذلك أن الشخص لا يقع له خاطر التهمة فيريد أن يتحقق فيتجسس ويبحث ويستمع، فنهي عن ذلك. وهذا الحديث يوافق قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [الحجرات: 12].

(2)

انظر: "القاموس المحيط"(ص 499).

(3)

في "الكامل"(4/ 313) في ترجمة عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ط: دار الفكر. وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(10/ 403 رقم 19504) عن معمر عن إسماعيل بن أمية، عن النبي:"ثلاث لا يسلم منهم أحدٌ: الطيرة، والظن، والحسد، قيل: فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: إذا تطيرت فلا ترجع، وإذا ظننت فلا تحقق، وإذا حسدت فلا تبغ".

قال ابن حجر في "الفتح"(10/ 213): وهذا مرسل أو معضل، ثم ذكر له شواهد، أظنها لا ترفع من قوته.

(4)

ذكره القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(8/ 29).

(5)

(16/ 119).

(6)

في "غريب الحديث" له (1/ 19). وانظر: "النهاية"(2/ 145).

ص: 489

ومراد الخطابي: أنّ المحرم من الظن ما يصر صاحبه عليه ويستمر في قلبه دون ما يعرضَّ في القلب ولا يستقر، فهذا لا تكليف به، انتهى.

قلت: لا ريب أنّ الله تعالى قد تعبد بالظن والعمل به والمراد به ما ثبت له إمارة يصير بها أحد الطرفين راجحاً، وقد يطلق الظن على الشك، ولعله المراد في الحديث، فإنّ ظنون المجتهدين معلوم تعبد العباد بها.

قوله: "ولا تجسسوا" بالجيم، الفحص عن أخبار غيرك، والتحسس بالمهملة أن تستمع الأخبار بنفسك، ذكره السهيلي.

وفي "النهاية"(1): "التجسس" بالجيم: البحث عن العورات، وبالحاء: الاستماع، وبه فسره المصنف كما يأتي.

وفي "النهاية"(2): أنه بالجيم: التفتيش عن بواطن الأمور، وأكثر ما يقال في الشر، والجاسوس [116 ب] صاحب سر الشر، والناموس صاحب سر الخير.

والنهي عنه (3)؛ لأنّ الشخص يتبع به خاطر التهمة، فيريد أن يتحقق فيتجسس ويبحث ويتسمع فنهى عن ذلك، وقد قال تعالى:{وَلَا تَجَسَّسُوا} (4).

قوله: "ولا تنافسوا" المنافسة على الشيء المغالبة عليه.

(1)(1/ 266) حيث قال: التجسس بالجيم: التفتيش عن بواطن الأمور، وأكثر ما يقال في الشر.

(2)

(1/ 266).

(3)

قاله الحافظ في "الفتح"(10/ 481).

(4)

سورة الحجرات الآية: (12).

ص: 490

"ولا تحاسدوا" ولا يحسد (1) بعضكم بعضاً، وهو تمني زوال النعمة عن أخيه وانقلابها إليه.

"ولا تباغضوا" أي: لا يبغض بعضكم بعضاً، والمراد: لا تعاطوا (2) أسباب البغض؛ لأنّ البغض لا يكتسب ابتداءً، وهو نهي عن الحسد وعن البغضاء سواء كانت من جانب، أو من الجانبين.

وقوله: "ولا تدابروا" قال المازري (3): التدابر المعاداة، وقيل: أنه كناية عن الاختلاف والافتراق.

وقال مالك في "الموطأ"(4): التدابر: الإعراض عن أخيك المسلم فتدبر عنه بوجهك.

قوله: "وكونوا عباد الله" منادى.

"إخواناً كما أمركم الله" أعواناً، فإنه قال:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (5)، وهذا وإن كان خبراً فإنه يتضمن الأمر به.

(1) الحسد تمني الشخص زوال النعمة عن مستحق لها أعم من أن يسعى في ذلك أولا، فإن سعى كان باغياً، وإن لم يسع في ذلك ولا أظهره ولا تسبب في تأكيد أسباب الكراهة التي نهى المسلم عنها في حق نظر، فإن كان المانع له من ذلك العجز بحيث لو تمكن لفعل فهذا مأزور. وإن كان المانع له من ذلك التقوى فقد يعذر؛ لأنه لا يستطيع دفع الخواطر النفسانية، فيكفيه في مجاهدتها أن لا يعمل بها ولا يعزم على العمل بها.

(2)

ذكره الحافظ في "الفتح"(10/ 483).

(3)

في "المعلم بفوائد مسلم"(3/ 163) حيث قال: والتدابر: المعادة.

يقال: دابرت الرجل عاديته، وقيل معناه: لا تقاطعوا ولا تهاجروا؛ لأن المتهاجرين إذا ولى أحدهما عن صاحبه فقد ولاّه دبره.

(4)

(2/ 907 - 908).

(5)

سورة الحجرات الآية: 10.

ص: 491

وقيل: كما أمركم الله هذه الأوامر المقدم ذكرها، فإنها جامعة (1) لمعاني الإخوة، ونسبتها إلى الله سبحانه؛ لأنّ الرسول بلّغنا عنه تعالى.

وقوله: "إخوانًا" قال القرطبي (2): أي: كونوا كإخوان النسب في الشفقة والمحبة والرحمة والمعاونة والصحبة.

قوله: "المسلم أخو المسلم" جمع بينهم الدين فصاروا إخوة به.

"لا يظلمه ولا يخذله" بل ينصره ظالماً أو مظلوماً لحديث: "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً"(3).

"ولا يحقره" من الاحتقار يقال: حقره كضرب وكرم، وهو الإذلال كما في "القاموس"(4).

قوله: "بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم" أي: يكفيه من الشر إذلاله أخاه، والمراد من الشر في دينه، ثم أتى بأعمَّ من كل ذلك فقال: "كل المسلم على المسلم حرام: ماله،

(1) ذكره الحافظ في "الفتح"(10/ 483).

قال ابن عبد البر: تضمن الحديث تحريم بعض المسلم والإعراض عنه، وقطيعته بعد صحبته بغير ذنب شرعي، والحسد له على ما أنعم به عليه، وأن يعامله معاملة الأخ النسيب، وأن لا ينقب عن معايبه، ولا فرق في ذلك بين الحاضر والغائب، وقد يشترك الميت مع الحي في كثير من ذلك.

(2)

في "المفهم"(6/ 536).

(3)

أخرجه البخاري رقم (2443)، (2444)، وأحمد (3/ 201)، والترمذي رقم (2255)، وأبو يعلى رقم (3838)، والطبراني في "الصغير" رقم (576)، والقضاعي في "الشهاب" رقم (646)، والبيهقي (6/ 94)، و (10/ 90)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (3516)، وأبو نعيم في "الحلية"(10/ 405).

وهو حديث صحيح.

(4)

"القاموس المحيط"(ص 484).

ص: 492

ودمه، وعرضه"، وهذه الثلاثة هي التي خطب بها النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وتحريمها من ضرورة الدين.

قوله: "إنّ الله لا ينظر إلى صوركم وأجسادكم" للإثابة والعقاب.

"ولكن ينظر إلى قلوبكم" فإنّ جميع ما تقدم النهي عنه من أفعال القلوب الظن وما ذكر معه.

"التقوى هاهُنا، التقوى هاهُنا، التقوى هاهُنا"[117 ب] كرّرها ثلاثاً.

"ويشير إلى صدره" وهو محل القلب، أي: التقوى حقيقة إنما هي في القلب، فهو الذي يرجو الله فيأتي بالطاعات، وهو الذي يخشاه، فيتجنب المقبحات، وهيئة التقوى الإتيان بالطاعات واجتناب المقبحات (1).

قوله: "ألا لا يبع بعضكم على بيع بعض" قالوا: مثاله أن يقول الرجل لمن يشتري شيئاً في مدة الخيار: أفسخ هذا البيع، وأنا أبيعك مثله بأرخص من ثمنه، أو أجود منه بثمنه، أو نحو ذلك، فإنّ هذا حرام، ويحرم أيضاً الشراء على شراء أخيه، وهو أن يقول للبائع في مدة الخيار: افسخ البيع وأنا اشتريه منك بأكثر من هذا الثمن، ونحو ذلك.

قال ابن عبد البر (2): تضمن الحديث تحريم بغض المسلم والإعراض عنه وقطيعته بعد صحبته بغير ذنب شرعي والحسد له بما أنعم الله عليه به، وأن يعامل معاملة الأخ من النسب، وأن لا ينقب عن معائبه، ولا فرق في ذلك بين الحاضر والغائب، وقد يشترك الميت مع الحي في كثير من ذلك. انتهى.

(1) انظر: "المفهم"(6/ 537)، "فتح الباري"(10/ 483 - 484).

(2)

في "التمهيد"(15/ 78 - 79).

ص: 493

قوله: "ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث" عقد البخاري (1) لهذا باباً فقال: باب الهجرة وهي بكسر الهاء وسكون الجيم، ترك مكالمة الآخر إذا التقيا.

قال النووي (2): قال العلماء: تحرم الهجرة بين المسلمين أكثر من ثلاث ليال بالنص، وتباح في الثلاث بالمفهوم، وإنما عفى عنه في ذلك؛ لأنّ الآدمي مجبول على الغضب فسُومح بذلك القدر ليرجع ويزول ذلك العارض، وزاد في رواية البخاري:"يلتقيان فيعرض هذا وبعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام".

وفي رواية أحمد (3) وهي للبخاري في "الأدب"(4): "فإنهما ناكبان عن الحق، وأولهما فياءً يكون سبقه كفارة".

وفي أخرى (5): "فإن ماتا على صرامهما لم يدخلا الجنة جميعاً".

قال أكثر العلماء (6): تزول الهجرة بمجرد السلام وردّه.

وقال أحمد (7): لا تبرأ إلاّ بعوده إلى الحال الذي كان عليها أولاً، وقال أيضاً: ترك الكلام إن كان يؤذيه لم تنقطع الهجرة بالسلام.

(1) في "صحيحه"(10/ 491 الباب رقم 62 - مع الفتح).

(2)

في "شرحه لصحيح مسلم"(16/ 117).

(3)

في "المسند"(4/ 20).

(4)

رقم (402). وهو حديث صحيح لغيره.

(5)

أخرجها أحمد (4/ 20) وهو حديث صحيح لغيره.

(6)

انظر: "التمهيد"(15/ 79).

(7)

ذكره ابن عبد البر في "التمهيد"(15/ 79 - 80).

وانظر: "الاستذكار"(26/ 154).

ص: 494

وقال عياض (1): إذا اعتزل كلامه لا تقبل شهادته عليه عندنا، ولو سلّم عليه واستدل بالحديث على أنّ من أعرض عن أخيه المسلم، وامتنع عن مكالمته، والسلام عليه، أنه آثم بذلك؛ لأنّ [118 ب] نفي الحل يثبت التحريم، ومرتكب الحرام آثم.

قال ابن عبد البر (2): أجمعوا على أنه لا يجوز الهجران فوق ثلاثٍ إلاّ لمن خاف من مكالمته أن يفسد عليه دينه، أو يدخل على نفسه أو ماله مضرة، فإن كان ذلك جاز، وربَّ هجر جميل خير من مخالطة مؤذية، وأمّا زيارة الأخ أخاه فقد ورد:"زرغبًّا تزدد حبًّا"(3).

(1) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(8/ 26 - 27).

(2)

انظر: "التمهيد"(15/ 69 - 70)، (26/ 145 - 146).

(3)

أخرجه البيهقي في "الشعب" رقم (8015، 8016)، والبزار في "مسنده" رقم (1922، 1923 - كشف) وقال: لا يعلم في (زرغباً تزدد حباً) حديث صحيح، وأبو الشيخ في "الأمثال" رقم (15)، وابن أبي الدنيا في "الإخوان" رقم (104)، وأبو نعيم في "الحلية"(3/ 322)، وفي "أخبار أصفهان"(2/ 185)، والخطابي في "العزلة" رقم (110)، والعقيلي في "الضعفاء"(2/ 255)(4/ 192)، وابن عدي في "الكامل"(4/ 108)، والقضاعي في "مسند الشهاب"(1/ 367)، والطبراني في "الأوسط" رقم (1754)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية"(2/ 740) بإسناد ضعيف جداً علته طلحة بن عمرو الحضرمي متروك، إلا أنه لم ينفرد في رواية الحديث عن عطاء، عن أبي هريرة إذ تابعه عشرة، نذكر منهم:

1) يحيى بن أبي سليمان عن عطاء به.

أخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد"(14/ 108) وفي "الموضح لأوهام الجمع والتفريق"(1/ 520)، والبيهقي في "الشعب" رقم (8016).

يحيى بن أبي سليمان المديني أبو صالح البغدادي، لين الحديث من السادسة وقال أبو حاتم، ليس بالقوي، مضطرب الحديث، يكتب حديثه، وقال البخاري: منكر الحديث. انظر: "الجرح والتعديل"(9/ 154)، "الميزان"(4/ 383).

2) ابن جريج، عن عطاء به. =

ص: 495

قال الحافظ ابن حجر (1): أنه قد ورد من طرق أكثرها غرائب لا يخلو واحد منها عن مقال، قال: وقد جمع طرقه أبو نعيم (2) وغيره، وذكر من روى عنه من الصحابة، وقال: أنه قد جمع طرقه في جزء، ثم قال: وجزم أبو عبيد (3) بأنه من كلام العرب.

= أخرجه العقيلي في "الضعفاء"(4/ 192)، وابن حبان في "الثقات"(9/ 172)، ومدار أسانيدهما على ابن جريج، وقد عنعن وهو مدلس.

3) يزيد بن عبد الله القرشي، عن عطاء.

أخرجه ابن عدي في "الكامل"(2/ 15) وفي سنده بشر بن عبيد الدارسي، قال الذهبي في "الميزان" (1/ 320): كذبه الأزدي. وقال ابن عدي: منكر الحديث عن الأئمة، بين الضعف جداً.

4) محمد بن عبد الملك، عن عطاء، به.

أخرجه ابن عدي في "الكامل"(6/ 159)، ومحمد بن عبد الملك، قال أحمد: كان أعمى يضع الحديث ويكذب كما في "الميزان"(3/ 691).

انظر: تخريجه: مفصلاً، شواهده وطرق، في "التنوير شرح الجامع الصغير" بتحقيقي، ط: ابن الجوزي الدمام. قاله ابن حبان في "روضة العقلاء"(ص 116) وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبار كثيرة تصرح بنفي الإكثار من الزيارة حيث يقول: (زر غباً تزدد حباً) إلا أنه لا يصح منها خبر من جهة النقل، فتنكبنا عن ذكرها وإخراجها في "الكتاب".

وقال السخاوي في "المقاصد الحسنة"(ص 243): أفرد أبو نعيم طرقه ثم شيخنا - ابن حجر - في "الإنارة" بطرق غب الزيارة، وبمجموعها يتقوى الحديث، وإن قال البزار: إنه ليس فيه حديث صحيح، فهو لا ينافيه ما قلناه.

وقال ابن الجوزي في "العلل المتناهية"(2/ 729): هذه الأحاديث ليس فيها ما يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(1)

في "الفتح"(10/ 498).

(2)

ذكره السخاوي "المقاصد الحسنة"(ص 243).

(3)

في "الأمثال" كما ذكره الحافظ في "الفتح"(10/ 499).

ص: 496

قال (1): وكان هذا الكلام شائعاً في المتقدمين، فروينا في فوائد أبي محمد بن السقا قال: انشدوا لهلال بن العلاء:

الله يعلم أنني

لك أخلص الثقلين [وداً](2)

لكن لقول نبينا

زوروا على الأيام غبًّا

وبقوله من زار غبًّا

منكم يزداد حبًّا

قلت (3): وكان يمكنه أن يوجز فيقول:

لكن لقول نبينا

من زار غباً زاد حبًّا

قال (4): وقد أنشدونا لأبي محمد بن هارون:

أقل زيارة الإخوا

ن تزدد عندهم حبًّا

فإن المصطفى قد قا

ل زر غباً تزد حبًّا

قلت: والبخاري عقد باباً في "صحيحه"(5) بلفظ: هل يزور صاحبه بكرة أو عشياً؟

وقال ابن حجر (6): وكأن البخاري رمز بالترجمة إلى توهين الحديث المشهور: "زر غباً تزدد حباً"، انتهى.

وأنشد الحريري في "مقاماته":

(1) أي: ابن حجر في "الفتح"(10/ 499).

(2)

كذا في "المخطوط" والذي في "الفتح"(قلباً).

(3)

أي: الحافظ في "الفتح"(10/ 499).

(4)

أي: الحافظ في "الفتح"(499).

(5)

(10/ 498 الباب رقم 64 - مع الفتح).

(6)

في "فتح الباري"(10/ 498).

ص: 497

لا تزر من تحب في كل شهر

غير يوم ولا تزده عليه

فاجتلاء الهلال في الشهر يوم

ثم لا تنظر العيون إليه

ونقيضه من قال:

إذا حققت من خل وداداً

فزره ولا تخف منه ملالاً

وكن كالشمس تطلع كل يوم

ولا تك في زيارته هلالاً

قوله: "أخرجه الستة وهذا لفظ مسلم".

قلت: وهو مقطع في البخاري في أبواب.

الثاني: حديث (أبي هريرة).

2 -

وعنه رضي الله عنه قال: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "حَقُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلَامِ، وَعِيَادَةُ المَرِيضِ، وَاتَّبَاعُ الجَنَازَة، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ العَاطِس". أخرجه الخمسة (1). [صحيح]

وزاد مسلم (2) في رواية: "وإذا دَعَاكَ فأَجِبْهُ، وَإذَا استنْصَحَك فانْصَحْ لَهُ".

قوله: "حق المسلم على المسلم [119 ب] خمس" أي: الذي يجب للمسلم على أخيه المسلم خمس، بيّنها بقوله:

"رد السلام" يحتمل رده عليه إن سلم، فهو واجب أو تسليمه عليه ابتداء، ويقولون (3): هو سنة.

(1) أخرجه البخاري رقم (1240)، ومسلم رقم (4/ 2162)، وأبو داود رقم (5030)، والترمذي رقم (2737)، والنسائي رقم (1938)، وأخرجه أحمد (2/ 540).

وهو حديث صحيح.

(2)

في "صحيحه" رقم (5/ 2162).

(3)

نقل ابن عبد البر الإجماع على أن ابتداء السلام سنة، وأن رده فرض. =

ص: 498

"وعيادة المريض"(1) أي: عيادته إياه إذا كان مريضاً.

"واتباع الجنازة" تشييعها، أي: جنازته، وهذا حق له بعد موته.

"وإجابة الدعوة" إن دعاه لطعام.

"وتشميت العاطس" يروي بالسين المهملة، وبالمعجمة أي: الدعاء له إذا عطس وحمد الله كما قيدته الأحاديث بذلك، وقد أطلنا في شرح الحديث في الجزء الثاني من "سبل السلام"(2).

قوله: "أخرجه الخمسة" وفي كتاب "العزلة"(3) للإمام محمد بن إبراهيم الوزير، وهذه الخمس اتفق على روايتها أمير المؤمنين علي عليه السلام، وأبو هريرة، والبراء بن عازب.

قوله: "وزاد مسلم (4) في رواية" أي: عن أبي هريرة.

"وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له" قال ابن الأثير (5): ولمسلم "حق المسلم على المسلم ست، قيل: ما هنَّ يا رسول الله؟! قال: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه".

= "التمهيد" لما في "الموطأ" من المعاني والأسانيد (16/ 94). وانظر: "المجموع شرح المهذب"(4/ 468).

(1)

وقد جزم البخاري بوجوبها فقال: في "صحيحه"(10/ 112 رقم الباب 4 - مع الفتح) باب وجوب عيادة المريض.

وقال الجمهور بالندب، وقد تصل إلى الوجوب في حق بعض دون بعض "المغني" لابن قدامة (3/ 361).

ونقل النووي في "المجموع شرح المهذب"(5/ 103) الإجماع على عدم الوجوب، وانظر:"شرح صحيح مسلم" للنووي (16/ 124).

(2)

(8/ 134 - 136) بتحقيقي ط ابن الجوزي الدمام.

(3)

وقد أعاننا الله على تحقيقه، ط: الجيل: ناشرون - صنعاء.

(4)

في "صحيحه" رقم (5/ 2162).

(5)

(6/ 527).

ص: 499

وفي حديث البراء عند الشيخين (1) والترمذي (2) والنسائي (3): "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع - ثم عدّها -: أمرنا بعيادة المرضى، واتباع الجنازة، وتشميت العاطس، وإبرار المقسم أو القسم، ونصر المظلوم، وإجابة الدَّاعي، وإفشاء السلام".

وزاد الترمذي (4) في حديث علي عليه السلام: "ويحب له ما يحب لنفسه".

الثالث: حديث (أبي موسى):

3 -

وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَطْعِمُوا الجَائِعَ، وَعُودُوا المَرِيضَ، وَفُكُّوا العَانِيَ". أخرجه البخاري (5) وأبو داود (6). [صحيح]

"العانِي": الأسِيرُ.

قوله: "أطعموا الجائع" فإنه يجب سدُّ رمقه، والزيادة عليه فضيلة، لا فريضة.

قوله: "وعودوا المريض" عام لكل مريض معروف، من أي مرض.

"وفكوا العاني" فسّره المصنف بالأسير، وهذه فروض كفاية (7).

قوله: "أخرجه البخاري وأبو داود".

الرابع: حديث (أبي ذر).

(1) البخاري في "صحيحه" رقم (1239)، ومسلم في "صحيحه" رقم (3/ 2066).

(2)

في "السنن" رقم (2809).

(3)

في "السنن" رقم (1939). وهو حديث صحيح.

(4)

في "السنن"(2736) وهو حديث ضعيف.

وأخرجه أحمد (1/ 89)، والدارمي (2/ 275 - 276)، وابن ماجه رقم (1433).

(5)

في "صحيحه" رقم (3046).

(6)

في "السنن" رقم (3105).

(7)

انظر: "المغني" لابن قدامة (13/ 354).

ص: 500

4 -

وعن أبي ذرّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يَا أَبَا ذَرٍّ! لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَو أنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ. وإذَا اشْتريتَ لحَمًا أوْ طَبخْتَ قِدْرًا فَأَكْثِرْ مَرَقَتَهُ وَاغْرِفْ لجِارِكَ مِنْهُ". أخرجه الترمذي (1). [صحيح]

قوله: "يا أبا ذر" لفظ ابن الأثير (2): قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحقرن أحدكم شيئاً من المعروف"، وليس نداء [120 ب] إلى أبي ذر.

قوله: "ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق". لفظه في "الجامع"(3) بعد قوله: "شيئاً، فإن لم تجد فلتلق أخاك بوجه طلق"، وقد اختلف فيه لفظ المصنف ولفظ ابن الأثير كما ترى.

قوله: "وإذا طبخت [مرقاً فأكثر ماءها] (4) واغرف لجارك منه" هذا إحسان إلى الجار ولكنه قد طمسه عرف الناس.

قوله: "أخرجه الترمذي".

قلت: لفظه فيه: "عن أبي ذر [قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم] (5): لا يحقرن أحدكم شيئاً من المعروف وإن لم يجد فليلقَ أخاه بوجه طليقٍ، وإذا اشتريت لحمًا أو طبخت قدراً فأكثر مرقته واغرف لجارك منه". قال (6): هذا حديث حسن صحيح. انتهى.

(1) في "السنن" رقم (1833).

وأخرجه مسلم في "صحيحه" رقسم (2625، 2626).

(2)

في "الجامع"(6/ 531).

(3)

(6/ 531).

(4)

هكذا في (ب)، وهذه اللفظة لم يأت بها صاحب التيسير كما ذكر الشارح، وإنما أورد صاحب التيسير اللفظة كما هي في سنن الترمذي.

(5)

سقطت من (أ. ب).

(6)

في "السنن"(4/ 275).

ص: 501