المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الأيام التي يحرم صومها - التحبير لإيضاح معاني التيسير - جـ ٦

[الصنعاني]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الثالث: في صلاة الليل

- ‌(الفصل الرابع): في صلاة الضحى

- ‌(الفصل الخامس): في قيام رمضان

- ‌ صلاة التراويح

- ‌(الفصل السادس): في صلاة العيدين

- ‌(اجتماع العيد والجمعة)

- ‌(الباب الثاني): في النوافل المقرونة بالأسباب

- ‌(الفصل الأول): في الكسوف

- ‌(الفصل الثاني): في الاستسقاء

- ‌(الفصل الثالث): في صلاة الجنازة

- ‌(الفصل الرابع): في صلوات متفرقة

- ‌[صلاة الاستخارة]

- ‌(صلاة الحاجة)

- ‌صلاة التسبيح

- ‌كتاب الصوم

- ‌الباب الأول: فى فضله وفضل شهر رمضان

- ‌الباب الثاني: في واجبات الصوم وسننه وأحكامه

- ‌فصل في أركان الصوم

- ‌النية

- ‌في نية صوم التطوع

- ‌الإمساك عن المفطرات

- ‌القبلة والمباشرة

- ‌المفطر ناسياً

- ‌زمان الصوم

- ‌عاشوراء

- ‌رجب

- ‌شعبان

- ‌ست من شوال

- ‌عشر ذي الحجة

- ‌أيام الأسبوع

- ‌أيام البيض

- ‌الأيام التي يحرم صومها

- ‌سنن الصوم

- ‌وقت الإفطار

- ‌تعجيل الفطر

- ‌الباب الثالث: في إباحة الفطر وأحكامه

- ‌موجب الإفطار

- ‌في الكفارة

- ‌كتاب الصبر

- ‌كتاب الصدق

- ‌كتاب الصدقة والنفقة

- ‌الفصل الأول: في فضلهما

- ‌النفقة

- ‌الفصل الثاني: في الحث عليها

- ‌الفصل الثالث: في أحكام الصدقة

- ‌كتاب صلة الرحم

- ‌كتاب الصحبة

- ‌الفصل الأول: فِي حَقِّ الرَّجُل عَلى الزَوْجَةِ

- ‌الفصل الثاني: في حق المرأة على الزوج

- ‌الفصل الثالث: في آداب الصحبة

- ‌الفصل الرابع: في آداب المجلس

- ‌الفصل الخامس: في صفة الجليس

- ‌الفصل السادس: (في التحابِّ والتوادِّ)

- ‌الفصل السابع: في التعاضد والتناصر

- ‌الفصل الثامن: في الاستئذان

- ‌الفصل التاسع: (في السلام وجوابه)

- ‌الفصل العاشر: في المصافحة

- ‌الفصل الحادي عشر: في العطاس والتثاؤب

- ‌الفصل الثاني عشر: في عيادة المريض وفضلها

- ‌الفصل الثالث عشر: في الركوب والارتداف

- ‌الفصل الرابع عشر: في حفظ الجار

- ‌الفصل الخامس عشر: في الهجران والقطيعة

- ‌الفصل السادس عشر: في تتبع العورة وسترها

- ‌الفصل السابع عشر: في النظر إلى النساء

- ‌الفصل الثامن عشر: في أحاديث متفرقة

- ‌كتاب الصداق

- ‌الفصل الأول: في مقداره

- ‌الفصل الثاني: في أحكامه

الفصل: ‌الأيام التي يحرم صومها

‌الأيام التي يحرم صومها

عبارة ابن الأثير (1): [الأيام التي يكره صومها، وعدها العيدين، وأيام التشريق ويوم الشك](2).

الحديث الأول: عن أبي سعيد:

1 -

عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَا يَصْلُحُ الصِّيَامُ فِي يَوْمَيْنِ: يَوْمِ الفِطْرِ وَيَومِ النَّحْرِ". أخرجه الخمسة (3) إلا النسائي، وهذا لفظ مسلم. [صحيح]

قوله: "لا يصلح الصيام في يومين". وإذا لم يصلح فلا يحل؛ لأنَّ الصالح شرعاً هو المأذون [39 ب] فيه لا المنهي عنه، وعدم الصلاحية تستلزم النهي وبيَّنهما بقوله:"يوم الفطر" قد صار كالعلم لأول يوم من شوال، كما أنَّ يوم النحر للعاشر من ذي الحجة، ويأتي بيان وجه عدم الصلاحية.

قوله: "أخرجه الخمسة إلَاّ النسائي وهذا لفظ مسلم".

الثاني: حديث عقبة بن عامر:

2 -

وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الإِسْلَامِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ".

(1) في "الجامع"(6/ 343).

(2)

كذا في "المخطوط"(أ. ب) والذي في "الجامع" في الأيام التي يحرم صومها: وهي نوعان.

النوع الأول: في أيام العيد والتشريق، وقال في "الجامع"(6/ 350).

النوع الثاني: في يوم الشك.

(3)

أخرجه البخاري رقم (1991، 1995)، ومسلم رقم (141/ 827)، وأبو داود رقم (2417)، والترمذي رقم (772)، وهو حديث صحيح.

ص: 269

أخرجه أصحاب السنن (1)، وصححه الترمذي. [صحيح]

قوله: "يوم عرفة". يُحمل على المراد أنَّ في عرفة (2) لما علم من مشروعية صومه في غيرها.

"ويوم النحر وأيام التشريق" وهي: ثلاثة أيام بعد النحر، ويأتي في كلام "المصنف" وجه تسميتها تشريقاً.

"عيدنا أهل الإسلام" أي: يا أهل، وهي أيام أكل وشرب، زاد في "المجتبى" (3) و"التجريد": وبعال، ومثله في الدارقطني (4) - وهو بكسر الموحدة فعين مهملة - في "النهاية" (5): البعال النكاح وملاعبة الرجل أهله والمباعلة: المباشرة. انتهى.

فلا تصام: لأنَّه ينافي كونها عيداً.

قوله: "أخرجه أصحاب السنن وصححه الترمذي".

(1) أخرجه أبو داود رقم (2419)، والترمذي رقم (773)، وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي في "المجتبى" رقم (3004)، وفي الكبرى رقم (2832).

وأخرجه ابن حبان رقم (3603)، والحاكم (1/ 434)، وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. وابن أبي شيبة في "المصنف"(3/ 104)، والطبري في "تهذيب الآثار" وفي "مسند عمر" رقم (562)، وابن خزيمة رقم (2100)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (1796). وغيرهم.

وهو حديث صحيح. والله أعلم.

(2)

تقدم توضيحه.

(3)

لم أقف عليه.

(4)

في "السنن"(2/ 212 رقم 32)، من حديث عبد الله بن حذافة السهمي، وقال الواقدي: ضعيف.

(5)

"النهاية في غريب الحديث"(1/ 146).

ص: 270

الثالث:

3 -

وعن نبيشة الهذلي رضي الله عنه قال: قَالَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ الله تَعَالى". أخرجه مسلم (1). [صحيح]

"أَيَّامُ التَّشْرِيقِ": ثلاثة أيام بعد يوم النحر، سميت بذلك لأنهم كانوا يشرّقون فيها لحوم الأضاحي في الشمس.

حديث "نبيشة" بالنون فموحدة فمثناة فشين معجمة مصغر يعرف بنبيشة الخير، وهو ابن عمرو (2) بن عوف من هذيل، وقيل: نبيشة (3) بن عبد الله بن شيبان قاله الكاشغري.

قوله: "أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله". وهي أي: الثلاثة الأيام المعدودات التي أمر الله بذكره فيها فقال: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} (4).

قال في "النهاية"(5): الأيام المعدودات هي: أيام التشريق ثلاثة أيام بعد النحر.

قوله: "أخرجه مسلم".

الرابع:

4 -

وعن صلة بن زفر قال: كُنَّا عِنْدَ عَمَّارٍ رضي الله عنه فِي اليَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ مِنْ شَعْبَانَ أَوْ رَمَضَانَ، فَأُتِيْنَا بِشَاةٍ مَصْلِيَّة، فَتَنَحَّى بَعْضُ القَوْمِ، فَقَالَ: إِنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ عَمّارٌ: مَنْ صَامَ هَذَا اليَومَ فَقَدْ عَصَى أَبَا القَاسِمِ صلى الله عليه وسلم.

(1) في "صحيحه" رقم (144/ 1141).

(2)

انظر: "التقريب"(2/ 297 رقم 39).

(3)

ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول"(2/ 942 - قسم التراجم).

(4)

سورة البقرة الآية: (203).

(5)

"النهاية في غريب الحديث"(2/ 167).

ص: 271

أخرجه أصحاب السنن (1)، وصححه الترمذي. [صحيح]

حديث "صِلَة"(2) بكسر الصاد المهملة مخفف اللام ابن زُفَر - بضم الزاي وفتح الفاء فراء - هو العنسي الكوفي أبو العلاء، أو أبو بكر تابعي ثقة جليل مات في حدود السبعين.

قوله: "في اليوم الذي يشك فيه من شعبان أو من رمضان".

وهو يوم الإغمام الذي أفادته "فإن غمّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً"(3).

قوله: "من صام هذا اليوم فقد عصى أبا القاسم". جزم الحافظ ابن حجر (4) وغيره بأنَّ مثل هذا مرفوع فهو دليل [40 ب] على تحريم صوم الإغمام وعليه عقد المصنف، وقبله ابن الأثير، ترجحة الأحاديث هذه، وأحاديث النهي عن ذلك كثيرة إلَاّ أَنَّه ذهب ابن القيم في كتابه "الهدي (5) النبوي": أنَّه لا يحرم صومه، وزعم أنَّ قول عمار فيمن صام آخر يوم من شعبان تطوعاً، ولفظه:"وهذا الذي قال فيه عمار: من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم".

(1) أخرجه أبو داود رقم (2334)، والترمذي رقم (686)، والنسائي رقم (2188)، وابن ماجه رقم (1645).

وأخرجه البخاري في صحيحه (4/ 19 الباب رقم 11 - مع الفتح). وابن حبان رقم (3585)، وابن خزيمة رقم 1914)، والدارقطني في "السنن"(2/ 157)، والحاكم (1/ 423 - 424)، والبيهقي (4/ 208) وابن أبي شيبة (3/ 72)، وعبد الرزاق رقم (7318)، وأبو يعلى رقم (43/ 1644)، من طرق. وهو حديث صحيح.

(2)

ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول"(1/ 527 - قسم التراجم).

وانظر: "التقريب"(1/ 370 رقم 122).

(3)

تقدم وهو حديث صحيح.

(4)

في "فتح الباري"(4/ 120).

(5)

في "زاد المعاد"(2/ 44).

ص: 272

فيقال عليه: هذا غير محل النزاع، فإنّه هو فسَّر يوم الشك بقوله: فأمَّا صوم يوم الغيم احتياطاً على أنَّه إن كان من رمضان فهو فرضه، وإلا فهو تطوع فالمنقول عن الصحابة يقتضي جوازه، فهذا لفظه.

فكيف يفسر حديث عمار بأنَّ المراد به آخر يوم يصام من شعبان تطوعاً فإنَّ آخر يوم من شعبان إنْ كان من غير إغمام فليس هو اليوم الذي يشك فيه، ولا هو محل النزاع، وإنْ كان مع الإغمام فلا قائل أنَّه يصام تطوعاً، بل الناس فريقان فيه: فريق يحرم صومه، وفريق يقول: بجواز صومه بنيةٍ مشروطة، وفريق ثالث على ما رواه ابن القيم (1) يقول: يجب صومه واليوم الذي فسر به حديث عمار هو يوم يقين أنه من شعبان، فما لنا ولإدخاله في يوم الشك وعمار يقول: اليوم الذي يشك فيه، فإنَّ حديث عمار صريح في يوم الشك، فكيف يفسَّر بيوم اليقين، وقد نبهنا على ما في كلامه في هامش "الهدي"، ولكنَّه جنح إلى ترجيح إمامه؛ لأنَّه يرى صوم الشك.

وأعجب منه أنَّ بعض الناس قال: مراد عمار بأبي القاسم نفسه.

والمعنى: فقد عصاني، وهو باطل من وجهين:

الأول: أنَّ كنية عمار أبو اليقظان، لا أبو القاسم، والثاني: أنَّ عصيان عمار ليس بمعصية.

قوله: "أخرجه أصحاب السنن وصححه الترمذي".

وقال فيه الحافظ ابن حجر (2): وهذا وإن كان موقوفاً فهو في حكم المرفوع، أفاده في نخبة الفكر (3) وغيرها، وقد أشرنا إليه.

(1) في "زاد المعاد"(2/ 43 - 45).

(2)

في "فتح الباري"(4/ 120).

(3)

(ص 106 - 107).

ص: 273

الخامس:

5 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما يرفعه قال: مَنْ صَامَ الأَبَدَ فَلَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ. أخرجه النسائي (1). [صحيح]

حديث (ابن عمر) من هنا ترجم ابن الأثير (2) لها بالأيام التي [41 ب] يكره صومها وعدها صوم الدهر، وصوم أواخر شعبان، وصوم يوم عرفة بعرفة، وصوم الجمعة، والسبت والمصنف ترجم للجميع بالتحريم كما عرفت.

قوله: "من صام الأبد فلا صام ولا أفطر". ذكره صلى الله عليه وسلم جواباً لمن قال: أرأيت من صام الدهر؟ والحديث مفهومه: أنَّه سواء فطره وصومه لا يثاب عليه، ولا يعاقب، وهو غير مراد؛ لأنَّه جواب السؤال عن صوم الدهر، فإنَّ هذا غير صحيح؛ لأنَّ العبادة لا تكون متساوية الطرفين (3) لا استحباب فيه، ولا كراهة، بل إمَّا أن تكون راجحة أو مرجوحةً، فالمراد من الحديث النهي عن صوم الدهر، وقيل: معناه: الدعاء على من صام الدهر بأنَّه لا صام، ولا أفطر، وهو في قوة الدعاء عليه بعدم الحياة، ولا يدعو صلى الله عليه وسلم بذلك إلَاّ على فاعل المحرم.

قوله: "أخرجه النسائي".

قلت: وأخرجه الترمذي (4) من حديث أبي قتادة: قيل: يا رسول الله! كيف بمن صام الدهر؟ قال: "لا صام ولا أفطر، أو لم يصم، ولم يفطر".

(1) في "السنن" رقم (2376)، وهو حديث صحيح.

(2)

في "الجامع"(6/ 352).

(3)

انظر: "فتح الباري"(4/ 223). و"إحكام الأحكام"(2/ 239).

(4)

في "السنن" رقم (767). =

ص: 274

قال أبو عيسى (1): حديث أبي قتادة حديث حسن.

السادس: حديث أبي هريرة:

6 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُوْمُوا". أخرجه أبو داود (2)، وهذا لفظه والترمذي (3). [صحيح]

قوله: "صلى الله عليه وسلم: إذا انتصف شعبان فلا تصوموا".

يفيد تحريم (4) الصيام في النصف الآخر من شعبان إنْ صح الحديث (5).

قال ابن رجب: إنّه اختلف العلماء في صحة هذا الحديث، ثم في العمل به.

= وأخرجه أحمد (5/ 296 - 297، 299)، ومسلم رقم (196/ 1162)، وأبو داود رقم (2425)، والنسائي رقم (2387)، والحاكم (1/ 435)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وابن خزيمة رقم (2150)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(3/ 78)، وعبد الرزاق في "المصنف" رقم (7865).

وهو حديث صحيح.

(1)

في "السنن"(3/ 139).

(2)

في "السنن"(2337).

(3)

في "السنن" رقم (738)، وقال: هذا حديث حسن صحيح.

وأخرجه النسائي في "الكبرى" رقم (2923)، وابن ماجه رقم (1651)، وابن حبان في صحيحه رقم (3589).

وهو حديث صحيح.

(4)

قال جمهور العلماء يجوز الصوم تطوعاً بعد النصف من شعبان، وضعفوا الحديث الوارد في النهي عنه.

انظر: "المغني"(4/ 327)، "فتح الباري"(4/ 231).

(5)

وهو حديث صحيح.

ص: 275

فأمَّا تصحيحه فصححه غير واحد منهم الترمذي (1)، وابن حبان (2)، والحاكم (3)، والطحاوي (4)، وابن عبد البر (5)، وتكلم فيه من هو أكبر من هؤلاء وأعلم، وقالوا: هو حديث منكر منهم عبد الرحمن بن مهدي، وأبو زرعة الرازي، والإمام أحمد، والأثرم، وقال: أحمد لم يرو العلاء حديثاً أنكر منه، ورده لحديث:"لا تقدموا رمضان بصوم يومٍ أو يومين".

ومفهومه: جواز التقدم بأكثر من يومين.

قلت: هذا مفهوم لا يقاوم النهي المنطوق، ولا يرد به، ثم قال ابن رجب: وقال الأثرم: الأحاديث كلها تخالفه، يشير إلى أحاديث صيام النبي صلى الله عليه وسلم شعبان كله ووصله [42 ب] برمضان ونهيه عن التقدم لرمضان بيوم أو يومين، فصار الحديث حينئذٍ شاذاً مخالفاً للأحاديث الصحيحة.

قلت: هذا من تعارض الفعل والقول، والقول أرجح، إِذْ الفعل يحتمل الخصوصية، وقال: قال الطحاوي: هو منسوخ.

وحكى الإجماع على ترك العمل به وأخذ به آخرون منهم الشافعي (6) وأصحابه، ونهوا عن ابتداء التطوع بالصوم بعد نصف لمن ليس له عادة. انتهى.

(1) في "السنن"(3/ 115).

(2)

في "صحيحه" رقم (3589).

(3)

لم أجده.

(4)

في "شرح معاني الآثار"(2/ 83).

(5)

في "الاستذكار"(10/ 238 - 239).

(6)

انظر: "المجموع شرح المهذب"(6/ 453 - 454).

ص: 276

قلت: وقال الترمذي (1): إِنَّه حسن صحيح، لا نعرفه إلَاّ من هذا الوجه على هذا اللفظ. ومعنى هذا الحديث عند بعض أهل العلم: أن يكون الرجل مفطراً، فإذا بقي شيء من شعبان أخذ في الصوم بحيال شهر رمضان، انتهى.

قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي".

قلت: كان عليه أن يقول: وصححه كما تقدم له مراراً.

السابع: حديث أبي هريرة:

7 -

وعنه رضي الله عنه قال: قَالَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، إِلَاّ أَنْ يَكُونَ رَجُلاً كَانَ يَصُومُ صَوْمَاً فَلْيَصُمْهُ". أخرجه الخمسة (2). [صحيح]

قوله: "لا يتقدّمنَّ أحدكم رمضان بصوم يومٍ أو يومين". فيه دليل على أنَّه لا يصام يوم الشك؛ لأنَّه ليس من رمضان.

"إلَاّ أن يكون" أي: الصائم. "رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه". كأن تكون عادته صيام الإثنين فاتفق أنَّه كان قبل رمضان بيومٍ أو يومين، فلا بأس بصيامه.

[قوله](3): "أخرجه الخمسة".

الثامن: حديث أبي هريرة:

8 -

وعنه أيضاً رضي الله عنه قال: "نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ". أخرجه أبو داود (4). [ضعيف]

(1) في "السنن"(3/ 115).

(2)

أخرجه البخاري رقم (1914)، ومسلم رقم (21/ 1082)، وأبو داود رقم (2327)، والترمذي رقم (684)، والنسائي رقم (2173)، وابن ماجه رقم (1650). وهو حديث صحيح.

(3)

سقطت من (أ. ب).

(4)

في "السنن"(2440). =

ص: 277

قوله: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة بعرفة".

قال الحافظ المنذري (1): اختلف (2) في صوم يوم عرفة بعرفة، قال ابن عمر: لم يصم النبي صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر، ولا عمر، ولا عثمان، وأَنا لا أصومه، وكان مالك، والثوري يختاران الفطر، وكان ابن الزبير، وعائشة يصومان يوم عرفة، وري ذلك عن عثمان بن أبي العاص، وكان إسحاق يميل إلى الصوم، وكان عطاء يقول: أصوم في الشتاء ولا أصوم في الصيف.

وقال قتادة: لا بأس به إذا لم يضعف من الدعاء، وقال أحمد بن حنبل (3): إن قدر على أن يصوم صام، وإن أفطر فذلك يوم يحتاج فيه إلى القوة. انتهى.

قلت: وكأنَّهم حملوا النهي على [43 ب] الكراهة.

قوله: "أخرجه أبو داود".

قلت: قال المنذري (4): وأخرجه النسائي (5) وابن ماجه (6)، وفيه مهدي الهجري، قال ابن معين (7): لا أعرفه، قال الخطابي (8): هذا نهي استحباب، لا نهي إيجاب. انتهى. وهو الذي أشرنا إليه.

= وأخرجه أحمد (2/ 446)، وابن ماجه رقم (1732)، والنسائي في "الكبرى" رقم (2843)، وابن خزيمة رقم (2101)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 434)، والبيهقي (4/ 284). وهو حديث ضعيف وقد تقدم.

(1)

في "مختصر السنن"(3/ 321 - 322).

(2)

انظر: "المجموع شرح المهذب"(6/ 432).

(3)

انظر: "المغني"(4/ 444 - 445).

(4)

في "مختصر السنن"(3/ 321).

(5)

في "السنن الكبرى" رقم (2843).

(6)

في "السنن" رقم (1732).

(7)

انظر: "الميزان"(4/ 195).

(8)

في "معالم السنن"(2/ 816 - مع السنن).

ص: 278

التاسع: حديث أبي هريرة:

9 -

وعنه رضي الله عنه قال: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الجُمُعَةِ إِلَاّ أَنْ يَصُومَ يَوْمًا قَبْلَهُ، أَوْ يَوْماً بَعْدَهُ". أخرجه الخمسة (1) إلا النسائي، وهذا لفظ البخاري. [صحيح]

قوله: "صلى الله عليه وسلم: "لا يصومنَّ أحدكم يوم الجمعة إلَاّ أنْ يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده". فالنهي عن إفراده بالصوم (2)، ولعلَّ العلّة أنَّه عيد الأسبوع، فكما يشرع الإفطار في أعياد السنة، وإن كان واجباً فيها، فيشرع في الجمعة - أيضاً - إفراده، ولا يبعد إيجابه كالعيدين، وأنَّ النَّهي للتحريم بخلاف إذا دخل في صوم ما قبله أو ما بعده فلا يحرم.

قوله: "أخرجه الخمسة إلَاّ النسائي وهذا لفظ البخاري".

- وفي رواية لمسلم (3): "لَا تَخُصُّوا لَيْلَةَ الجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي، وَلَا تَخُصُّوا يَوْمَ الجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الأَيَّامِ إِلَاّ أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ". [صحيح]

قوله: "وفي رواية لمسلم" أي: عن أبي هريرة مرفوعة.

"لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم (4) الجمعة بصيام من بين الأيام إلَاّ أنْ يكون" الصيام. "في صومٍ يصومه أحدكم". لا أنَّه خص به يوم الجمعة، ويقال: في قيام الليل فيها كذلك، وكان النهي عن القيام فيها بخصوصها أنَّه يضعف القائم عن عبادة الجمعة والإتيان إليها بالتبكير، وزيارة الأرحام، وزيارة الموتى، فإنَّه يومٌ شُرع فيه ذلك.

(1) أخرجه البخاري رقم (1985)، ومسلم رقم (147/ 1144)، وأبو داود رقم (2420)، الترمذي رقم (743)، وابن ماجه رقم (1723).

وهو حديث صحيح.

(2)

انظر: "فتح الباري"(4/ 234)، "المحلى"(7/ 21)، "المجموع شرح المهذب"(6/ 481).

(3)

في "صحيحه" رقم (148/ 1144).

(4)

انظر: "فتح الباري"(4/ 235)، "زاد المعاد"(2/ 81 - 82).

ص: 279

العاشر:

10 -

وعن عبد الله بن بسر السلمي عن أخته الصماء رضي الله عنها قالت:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلَاّ فِيمَا افْتُرِضَ عَلَيْكُمْ، فَإنَّ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلَاّ لِحَاءَ عِنَبَةٍ، أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضُغْهُ". أخرجه أبو داود (1)، وقال: إنه حديث منسوخ، والترمذي (2) وحسنه. [صحيح]

"لِحَاءُ العِنَبَةِ". قشرها.

حديث "عبد الله بن بُسر"(3) بضم الموحدة، وسكون السين المهملة، وهو ابن أبي بسر المازني السلمي صحابي ابن صحابي، وعبد الله بن بسر هذا وأبوه بسر وأخوه عطية بن بسر، وأخته الصماء بنت بسر كلّهم صحبوا النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم.

"عن أخته الصماء" بفتح الصاد المهملة وتشديد الميم والمد.

قوله: "لا تصوموا يوم السبت إلَاّ فيما افترض الله عليكم".

قال الترمذي (4): معنى الكراهة في هذا أن يَخُصَّ الرجلُ يوم السبت بصيام؛ لأنَّ اليهود يعظمون يوم السبت. انتهى.

(1) في "السنن" رقم (2421).

(2)

في "السنن" رقم (744)، وقال: هذا حديث حسن.

وأخرجه أحمد (6/ 368)، وابن ماجه رقم (1726)، والدارمي (2/ 19)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(2/ 80)، وابن خزيمة رقم (2162)، والحاكم (1/ 435)، البيهقي (4/ 302)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (1806) من طرق.

وهو حديث صحيح. والله أعلم.

(3)

انظر: "التقريب"(1/ 404 رقم 204).

(4)

في "السنن"(3/ 120).

ص: 280

"فإنْ لم يجد أحدكم إلَاّ لحاء عنبة" اللحاءُ - بكسر اللام وبالحاء المهملة ممدود - هو القشر.

"أو عود شجرة فليمضغه".

اعلم أنه قد عارضه ما أخرجه أحمد في "المسند"(1) والنسائي (2) عن كريب مولى ابن عباس قال: "أرسلني ابن عباس وناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أمّ سلمة أسألها: أيّ الأيام كان رسول الله أكثر لها صياماً؟ قالت: يوم السبت والأحد، ويقول إنهما [44 ب] عيد المشركين، فأنا أحب أن أخالفهم".

قال ابن القيم (3): في صحة هذا الحديث نظر؛ لأنَّه من رواية محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، وقد استُنْكَر بعض حديثه، وقد قال عبد الحق في "أحكامه" عن ابن جريج عن عباس بن عبد الله بن عباس عن عمه الفضل، "زار النبي صلى الله عليه وسلم عباساً في بادية له" قال: إسناده ضعيف.

قال ابن القطان: هو كما ذكر ضعيف، ولا يعرف حال محمد بن عمر، وذكر حديثه هذا عن أم سلمة في صوم السبت والأحد، وسكت عنه عبد الحق مصححاً له، ومحمد بن عمر لا يعرف حاله، وبراويه عبد الله بن محمد بن عمر، ولا يعرف حاله - أيضاً - والحديث أراه حسناً، والله أعلم.

(1) في "المسند"(6/ 323 - 324).

(2)

في "السنن الكبرى"(3/ 209 - 213) رقم (2772 - 2785).

وأخرجه البيهقي (2/ 303)، وابن حبان رقم (3616، 3646)، والحاكم (1/ 436)، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وابن خزيمة رقم (2167)، والطبراني في "الكبير"(ج 23 رقم (616)، و (964) بإسناد حسن.

(3)

في "زاد المعاد"(2/ 75).

ص: 281

وقد روى الإمام أحمد (1) وأبو داود (2) عن عبد الله بن بسر، وذكر حديث الكتاب، ثم قال ابن القيم (3): فاختلف الناس في هذين الحديثين، فقال مالك (4): هذا كذب يريد حديث عبد الله بن بسر ذكره عنه أبو داود.

وقال الترمذي (5): هو حديث حسن، وقال أبو داود (6): هذا حديث منسوخ، وقال النسائي: هو حديث مضطرب. وقال جماعة من أهل العلم: لا تعارض بينه وبين حديث أم سلمة، فإنَّ النهي عن صومه إنما هو عن إفراده، وعلى ذلك ترجم أبو داود (7) فقال: باب النهي أن يخص يوم السبت بصوم، وحديث صيامه إنما هو مع الأحد قالوا: ونظير هذا أنه نهى عن إفراد يوم الجمعة بالصوم إلَاّ أنْ يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده.

وبهذا يزول الإشكال الذي ظنَّه من قال: أنَّ صومه نوع تعظيم له فهو موافقة لأهل الكتاب وتعظيمه وإن تضمن مخالفتهم في صومه، فإنَّ التعظيم إنما يكون إذا أُفرد بالصوم، ولا ريب أنَّ الحديث لم يجيء بإفراده، وأمَّا إذا صامه مع غيره لم يكن معه تعظيم. انتهى كلام ابن القيم (8).

(1) في "المسند"(6/ 368).

(2)

في "السنن" رقم (2421).

(3)

في "تهذيب السنن"(3/ 120).

(4)

ذكره أبو داود في "السنن"(2/ 807).

(5)

(3/ 120).

(6)

في "السنن"(2/ 807).

(7)

في "السنن"(2/ 805 الباب رقم 15).

(8)

في "زاد المعاد"(2/ 75 - 77).

ص: 282