الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موجب الإفطار
الأول:
1 -
عن نافع أنَّ ابنَ عُمَرَ رضي الله عنهما كانَ يَقُولُ: "يَصُومُ رَمَضَانَ مُتَتَابِعاً مَنْ أَفْطَرَه مِنْ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ"(1). [موقوف صحيح]
حديث "نافع عن ابن عمر كان يقول: "يصوم رمضان متتابعاً": لا يفرق بين أيام قضاءه كما لا يفرق بين أيام أدائه "من أفطره من مرض أو سفر".
هذه فتوى منه قالها اجتهاداً، وقد خالفه جماعة من الصحابة وقالوا: لا بأس بقضائه مفرقاً، منهم: ابن عباس (2)، وأبو هريرة (3)، وأنس (4)، ومعاذ بن جبل (5) قال ابن أبي شيبة في "المصنف" (6) بسنده عن محمد بن المنكدر بلاغاً عنه صلى الله عليه وسلم:"أنه سئل عن تقطيع قضاء [63 ب] رمضان فقال: "ذلك إليك، أرأيت لو كان على أحدكم دين فقضى الدرهم والدرهمين ألم يكن
(1) أخرجه مالك في "الموطأ"(1/ 304 رقم 45) وهو أثر موقوف صحيح.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (4/ 188 - 189 الباب رقم 40 - مع الفتح) معلقاً، قال ابن عباس: لا بأس أن يفرِّق لقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184].
(3)
أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 258).
(4)
أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 258) بسند صحيح.
(5)
أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 258).
(6)
في "مصنفه"(3/ 32).
وأخرجه الدارقطني في "السنن"(2/ 194 رقم 77) وقال الدارقطني: إسناد حسن إلا أنه مرسل، وقد وصله غير أبي بكر عن يحيى بن سليم إلَاّ أنه جعله عن موسى بن عقبة عن أبي الزبير عن جابر، ولا يثبت متصلاً.
قضاء؟ والله أحق أن يغفر ويعفو". وقاله من التابعين مجاهد وعطاء وطاوس وعكرمة وعوالم، أفاده في المصنف لابن أبي شيبة (1).
الثاني:
2 -
وعن ابن شهاب: أَنَّ أَبا هُرَيْرَةَ وَابْنَ عبَّاسٍ رضي الله عنهما اخْتَلَفَا فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يُفَرِّقُ بَيْنَهُ، وَقَالَ الآخَرُ: لَا يُفَرِّقُ. لَا أَدْرِي أَيَّهُمَا قَالَ: يُفَرِّقُ، وَلَا أَيُّهُمَا قَالَ: لَا يُفَرَّقُ" (2). أخرجهما مالك. [موقوف ضعيف]
حديث (ابن شهاب) محمد بن شهاب الزهري، ذكر فيه خلاف أبي هريرة وابن عباس، وأنَّه جهل تعيين مقالة كل واحد، وتقدم عن ابن أبي شيبة (3) أنَّهما قالا: لا بأس بالتفريق.
قوله: "أخرجهما مالك" قال في "الفتح"(4): هكذا أخرجه منقطعاً.
قال: وصله عبد الرزاق (5) معيناً عن معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس فيمن عليه قضاء رمضان قال: يقضيه مفرقاً قال الله: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (6).
وقال عبد الرزاق (7) عن ابن جريج عن عطاء: أنَّ ابن عباس، وأبا هريرة قالا: فرقه إذا أحصيته.
(1) في "مصنفه"(3/ 33 - 34).
(2)
أخرجه مالك في "الموطأ"(1/ 304 رقم 46) وهو أثر موقوف ضعيف.
(3)
في "المصنف"(3/ 31 - 32).
(4)
(4/ 189).
(5)
في "مصنفه" رقم (7665)، وأخرجه الدارقطني (2/ 192 رقم 65) والبيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 258)، وصححه الحافظ في "فتح الباري"(4/ 189).
(6)
سورة البقرة: الآية 184.
(7)
في "مصنفه" رقم (7664). وأخرجه البيهقي في "السنن"(4/ 258).
قلت: وأَمَّا البخاري فترجم (1) الباب بقوله: باب: متى يقضي رمضان؟ أي: هل يقضي متتابعاً أو مفرقاً؟ وهل يجب على الفور أو لا؟
قال زين الدين (2) بن منير: جعل الترجمة استفهاماً لتعارض الأدلة؛ لأنَّ ظاهر قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (3) يقتضي التفريق لصدق أيام أخر، سواء كانت متتابعة، أو مفرقة.
قلت: في قوله: إنَّها تقتضي التفريق نظر، بل تحتمل الأمرين كما أرشد إليه قوله: سواء كانت متتابعة أو مفرقة، قال (4): والقياس يقتضي التتابع إلحاقاً لصفة القضاء بصفة الأداء. انتهى.
الثالث: حديث عائشة:
3 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلَاّ فِي شَعْبَانَ، وَذَلِكَ لِمَكَانِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه الستة (5). [صحيح]
قوله: "فما أستطيع أن أقضي إلَاّ في شعبان". في "الفتح"(6) استدل به على أنَّ عائشة كانت لا تتطوع بشيء من الصيام لا في عشر ذي الحجة، ولا في عاشوراء، ولا غير ذلك، وهو
(1) في "صحيحه"(4/ 188 الباب رقم 40 - مع الفتح).
(2)
ذكره الحافظ في "الفتح"(4/ 189).
(3)
سورة البقرة: الآية 184.
(4)
قاله ابن المنير كما في "فتح الباري"(4/ 189).
(5)
أخرجه البخاري رقم (1950)، ومسلم رقم (151/ 1146)، وأبو داود رقم (2399)، والترمذي رقم (783)، والنسائي رقم (2319)، وابن ماجه رقم (1669)، ومالك في "الموطأ"(1/ 308).
وهو حديث صحيح.
(6)
(4/ 191).
مبني على أنها كانت لا ترى جواز صيام التطوع لمن عليه دين من رمضان (1).
قوله: "وذلك لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم". أو "الشغل برسول الله صلى الله عليه وسلم"، ليست من كلام عائشة بل هي مدرجة، وذكر رواية من روى (2)[64 ب] الحديث بدونها.
قال (3): ومما يدل على ضعف الزيادة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم "كان يقسم لنسائه فيعدل، وكان يدنو من المرأة في غير يومها فيقبل، ويلمس من غير جماع". فليس في شغلها بشيء من ذلك ما يمنع الصوم، اللهم إلَاّ أن يقال: كانت لا تصوم إلَاّ بإذنه ولم يكن يأذن؛ لاحتمال احتياجه إليها، فإذا ضاق الوقت أذن لها، وكان صلى الله عليه وسلم يكثر الصوم في شعبان، فلذلك كان لا يتهيأ لها القضاء إلَاّ في ذلك.
قوله: "أخرجه الستة".
الرابع: حديث عائشة - أيضاً -:
4 -
وعنها رضي الله عنها قالت: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ". أخرجه الشيخان (4) وأبو داود (5). [صحيح]
قيل: "صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ" على ظاهره، وهو قول الشافعي (6) القديم، وقيل: المراد به الكفارة، فعبر عنها بالصوم، إذ كانت تلازمه، وعليه أكثر الفقهاء.
قوله: صلى الله عليه وسلم: "من مات وعليه صوم" أي: واجب.
(1) ثم قال الحافظ في "الفتح" ومن أين لقائله ذلك؟.
(2)
أخرجها مسلم في "صحيحه" رقم (151/ 1146).
(3)
أي: الحافظ في "الفتح"(4/ 191).
(4)
البخاري في "صحيحه" رقم (1952)، ومسلم رقم (153/ 1147).
(5)
في "السنن" رقم (2400). وهو حديث صحيح.
(6)
انظر: "المجموع شرح المهذب"(6/ 415).
"صام عنه وليه". اختلف السلف في هذه المسألة، فأجاز الصيام عن الميت أصحاب الحديث، وعلق الشافعي (1) في القديم القول به على صحة الحديث، كما نقله البيهقي في "المعرفة" (2) وقال البيهقي في "الخلافيات" (3): هذه السنة تالله لا أعلم خلافاً بين أهل الحديث في صحتها، فوجب العمل بها، ثم ساق بسنده إلى الشافعي قال: كلما قلت وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه، فخذوا بالحديث، ولا تقلدوني.
قلت: والعجب أن يفردوا هذا القول عن الشافعي، والواجب أنْ يقوله كل مسلم، فإنَّ من عقد الإسلام اتباعه صلى الله عليه وسلم في أقواله، وأن لا يقدم عليه قول قائل: إذ لو قدم عليه قول غيره بخلاف ما صح عنه فإسلامه لم يتم.
ثم قال الحافظ ابن حجر (4): وقال الشافعي في "الجديد"(5)، وأبو حنيفة (6): لا يصوم عنه وليه. وقال الليث وأحمد (7) وإسحاق وأبو عبيد (8): لا يصام عنه إلَاّ النذر حملاً للعموم الذي في حديث عائشة على المقيد في حديث ابن عباس، والمراد:"صام عنه وليه" النذر (9).
قلت: ولا وجه له، بل الذي في حديث ابن عباس فرد من أفراد من مات وعليه صوم.
(1) نقله البيهقي في "المعرفة"(6/ 309) عن الشافعي.
(2)
نقله البيهقي في "المعرفة"(6/ 309) عن الشافعي.
(3)
في "مختصر الخلافيات"(3/ 70).
(4)
في "فتح الباري"(4/ 194).
(5)
انظر: "المجموع شرح المهذب"(6/ 415) و"الأم"(3/ 262).
(6)
"شرح فتح القدير"(2/ 364)، و"البناية في شرح الهداية"(3/ 698).
(7)
انظر: "بداية المجتهد ونهاية المقتصد"(2/ 174 - 175) بتحقيقي.
(8)
ذكره ابن قدامة في "المغني"(4/ 398)، وانظر:"فتح الباري"(4/ 194).
(9)
انظر: "المغني"(4/ 398)، "المجموع شرح المهذب"(6/ 414).
قال الحافظ ابن حجر (1): ليس بينهما تعارض حتى يجمع بينهما، وقد نقل المصنف أنَّه يصوم عنه حقيقة عند الشافعي، وهو ظاهر الحديث.
وقوله: "صام عنه وليه" خبر معناه الأمر أي: فليصم عنه، وليس هذا الأمر للوجوب عند الجمهور (2)، وأوجبه أهل الظاهر (3)، واعتل الحنفية (4) بعدم العمل [65 ب] بالحديث بأنَّ عائشة وابن عباس أفتيا بخلاف ما رويا، فعن عائشة أنَّها قالت:(لا تصوموا عن موتاكم، وأطعموا عنهم) أخرجه البيهقي (5)[و](6) عن ابن عباس أنه قال في رجل مات وعليه صوم: (يطعم عنه). أخرجه عبد الرزاق (7).
وأجيب (8): بأنهما أثران فيهما مقال، وبأنَّ العبرة بما رويا، لا بما رأيا كما عرف في الأصول، فالأظهر هو القول بالصوم عنه، وأمَّا الولي فقيل: كل قريب (9)، وقيل: الوارث خاصة، وقيل: عصبته.
قال الحافظ ابن حجر (10): الأول أرجح، والثاني قريب.
(1) في "فتح الباري"(4/ 194).
(2)
انظر: "المغني"(4/ 398 - 400).
(3)
"المحلى"(7/ 2 - 4).
(4)
"البناية في شرح الهداية"(3/ 698).
(5)
أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 254)، وفي "المعرفة"(6/ 311)، وعبد الرزاق في "مصنفه"(9/ 61 رقم 16346).
(6)
زيادة من مستلزمات العبارة.
(7)
في "مصنفه"(9/ 61).
(8)
انظر: "فتح الباري"(4/ 194).
(9)
ذكره الحافظ في "الفتح"(4/ 194).
(10)
الحافظ في "الفتح"(4/ 194).
قال: واختلفوا: هل يختص ذلك بالولي؛ لأنَّ الأصل عدم النيابة في العبادة البدنية، ولأنها عبادة لا تدخلها النيابة في الحياة، فكذلك في الموت إلَاّ ما ورد فيه الدليل، فيقتصر على ما ورد، ويبقى على الأصل، وهذا هو الراجح، وقيل: لا يختص بالولي، فلو أمر أجنبياً بأنْ يصوم عنه أجزى كما في الحج، وقيل: يصح استقلال الأجنبي بذلك، وذكر الولي لكونه الغالب.
قال: وظاهر صنيع البخاري اختيار هذا الأخير، وبه جزم أبو الطيب الطبري، وقواه بتشبيهه صلى الله عليه وسلم له بالدين.
قوله: "قيل: صام عنه وليه على ظاهره" وهو قول الشافعي (1) القديم. تقدم الكلام فيه.
قوله: "وعليه أكثر الفقهاء" نقل هذا القول ابن حجر (2) عن الماوردي (3) قال: أي: فعل عنه ما يقوم مقام الصوم، قال: وهو نظير قوله: "التراب وضوء المسلم إذا لم يجد الماء" قال: فسمى البدل باسم المبدل عنه، فكذلك يسمى الإطعام صوماً، انتهى.
قلت: ولا ملجأ لإخراج الحديث عن ظاهره ولفظه، وقال: إنَّ المجيزين لم يوجبوا الصوم بل قالوا (4): إنَّه يخير الولي بين الإطعام والصوم. انتهى.
الخامس: حديث ابن عباس:
5 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ، أَفأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ:"أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ أَكَانَ يُؤَدِّى ذَلِكِ عَنْهَا؟ ". قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: "فَصُومِي عَنْ أُمِّكِ".
(1) انظر: "المجموع شرح المهذب"(6/ 415).
(2)
في "فتح الباري"(4/ 194).
(3)
في "الحاوي الكبير"(3/ 452 - 453).
(4)
ذكره الحافظ في "الفتح"(4/ 194).
أخرجه الخمسة (1). [صحيح]
قوله: "وعليها صوم نذر". هذه إحدى الروايات وفي روايات "خمسة (2) عشر يوماً"[وفي رواية](3)"شهرين متتابعين"(4)، ورواية الكتاب صريحة أنه صوم نذر، وغايته أنَّ فيه اضطراباً في السائلة، وفي قدر الصوم وغير ذلك، إلَاّ أنَّه قال الحافظ (5)[66 ب] ابن حجر بعد ذكر رواياته وما فيها من الاضطراب أنَّه لا يقدح في موضع الاستدلال من الحديث؛ لأنَّ الغرض منه مشروعية الصوم أو الحج عن الميت، ولا اضطراب في ذلك.
قوله: "أفأصوم عنها؟ قال: أرأيت لو كان على أمك دين فقضيتيه أكان ذلك يؤدي عنها؟ " أي: يخلص ذمتها عنه.
[قوله](6)"قالت: نعم". فيه دليل أنها كانت عالمة أنَّ قضاء الدين عن الميت يؤدي عنه. "قال: فصومي عن أمك". وتقدم مثل هذا في الحج، وتقدم الكلام عليه، وفيه:"فدين الله أحق بالوفاء أو القضاء".
قوله: "أخرجه الخمسة". وأخرجه أحمد (7) وغيره (8) بألفاظ متقاربة.
(1) أخرجه البخاري رقم (1953)، ومسلم رقم (56/ 1148)، وأبو داود رقم (3307، 3308)، والترمذي رقم (716)، وابن ماجه رقم (1758). وهو حديث صحيح.
(2)
وهو من رواية أبي حريز، أخرجها البخاري في "صحيحه" رقم (1953).
(3)
سقطت من (أ. ب) وأثبتناها من "فتح الباري"(4/ 195).
(4)
وهي من رواية أبي خالد، قال الحافظ في "الفتح"(4/ 195) وروايته تقتضي أن لا يكون الذي عليها صوم شهر رمضان بخلاف رواية غيره.
(5)
في "الفتح"(4/ 195).
(6)
سقطت من (أ. ب).
(7)
في "المسند"(1/ 216، 338).
(8)
البخاري في "صحيحه" رقم (1953)، ومسلم رقم (1148).
السادس: حديث ابن عمر:
6 -
وعن مالك (1): أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُنْكِرُ أنْ يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، أَوْ يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ. [موقوف صحيح]
قوله: "كان ينكر أن يصوم أحد عن أحد" أي: كان ينكر شرعية ذلك، وكأنَّه ما بلغه الحديث، ويحتمل أنَّه كان ينكر أن يصوم أحد عن أحد في حياة المصوم عنه لا بعد موته.
قوله: "أو يصلي أحد عن أحد" أمَّا هذا فلم يأتِ ما يدل عليه في الحديث، والأصل عدم نيابة أحد عن أحد في الصلاة، فتبقى عليه، وهذا أخرجه مالك (2) بلاغاً عن ابن عمر.
السابع:
7 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت:
كُنْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ صَائِمَتَيْنِ، فَأُهْدِيَ لَنَا طَعَامٌ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ حَفْصَةُ: وَبَدَرَتْنِي بِالكَلَامِ، وَكَانَتْ بِنْتَ أَبِيهَا يَا رَسُولَ الله: إِنِّي أَصْبَحْتُ أَنَا وَعَائِشَةُ صَائِمَتَيْنِ مُتَطَوِّعَتَيْنِ، فَأُهْدِيَ لَنَا طَعَامٌ، فَأَفْطَرْنَا عَلَيْهِ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"اقْضِيَا مَكَانَهُ يَوْماً آخَرَ" أخرجه مالك (3) وأبو داود (4) والترمذي (5). [ضعيف]
حديث (عائشة) وجعله ابن الأثير (6) نوعاً رابعاً.
(1) في "الموطأ"(1/ 303 رقم 43) وهو أثر موقوف صحيح، وأخرجه النسائي في "السنن الكبرى"(3/ 257 رقم 2930) موقوفاً وهو أثر صحيح.
(2)
في "الموطأ"(1/ 303 رقم 43) وهو أثر موقوف صحيح.
(3)
في "الموطأ"(1/ 306 رقم 50).
(4)
في "السنن" رقم (2457).
(5)
في "السنن" رقم (735)، وهو حديث ضعيف.
(6)
في "الجامع"(6/ 419).
فقال: الرابع في قضاء التطوع ثم ذكره.
قوله: "وكانت بنت أبيها" تصفها بالفضيلة.
قوله صلى الله عليه وسلم: "اقضيا مكانه" عوضه (يوماً آخر).
ظاهر الأمر الوجوب، ولكنَّه لم يقل به العلماء (1)، بل قالوا: إنَّه للندب، وكأنَّهم يقولون: قد كان الأصل مندوباً، فلا يزيد فرعه عليه.
قوله: "أخرجه ["الموطأ"] (2) والترمذي وأبو داود".
قلت: قال أبو سعيد يعني ابن الأعرابي: رواية "سنن أبي داود"، وهذا الحديث لا يثبت، وإنما أدخل أبو داود زميل؛ لأنَّه عنده أمثل، وسمعت عبد الرحمن بن الفضل يقول:
(1) قال النووي في "المجموع شرح المهذب"(6/ 447)، فرع في مذاهب العلماء في الشروع في صوم التطوع ..
قد ذكرنا أن مذهبنا أي الشافعية، أنه يستحب البقاء فيهما، وأن الخروج منهما بلا عذر ليس بحرام، ولا يجب قضاؤهما.
وبهذا قال عمر، وعلي، وابن مسعود وابن عمر، وابن عباس، وجابر بن عبد الله، وسفيان الثوري، وأحمد وإسحاق.
وقال أبو حنيفة: يلزمه الإتمام، فإن خرج منهما لعذر لزمه القضاء ولا إثم، وإن خرج بغير عذر لزمه القضاء وعليه الإثم.
وقال مالك وأبو ثور: يلزمه الإتمام، فإن خرج بلا عذر لزمه القضاء، وإن خرج بعذر فلا قضاء
…
اهـ
وقال القاضي عبد الوهاب البغدادي المالكي في "عيون المجالس"(2/ 667).
مسألة: إذا شرع إنسان في صوم تطوع لزمه إتمامه، وإن خرج منه لغير عذر فعليه القضاء، وإن خرج منه لعذر فلا قضاء عليه.
(2)
كذا في "الشرح"، والذي بإثر الحديث (مالك).
قال البخاري (1): زميل لا يعرف له سماع عن عروة. انتهى. من "سنن أبي داود"، وقال المنذري في مختصره (2): زميل ليس بالمشهور، قال البخاري: لا يعرف لزميل سماع عن عروة، ولا أروي عن زميل، ولا تقوم به الحجة.
قال الخطابي (3): إسناده ضعيف، وزميل مجهول، انتهى.
وفي "التقريب"(4) في حرف الزاي: زميل - بالتصغير - ابن عباس الأسدي مولاهم المدني مجهول. انتهى.
قلت [67 ب]: وأخرجه (5) من غير طريق زميل عن جعفر بن برقان عن الزهري عن عروة عن عائشة الحديث، ثم قال (6) الترمذي: وروى صالح بن أبي الأخضر ومحمد بن أبي حفصة هذا الحديث عن الزهري عن عروة عن عائشة، ثم ذكر من رواه عن الزهري، عن عائشة ولم يذكروا فيه عن عروة، قال (7): وهذا أصح؛ لأنَّه رَوِيَ عن ابن جريج أنَّه قال: سألت الزهري: أَحدثك عروة عن عائشة؟ فقال: لم أسمع عن عروة في هذا شيئاً، ثم قال (8):
(1) انظر: "العلل الكبير" للترمذي (1/ 352).
(2)
(3/ 335).
(3)
في "معالم السنن"(2/ 826).
(4)
(1/ 263 رقم 66)، وانظر:"الميزان"(2/ 81 رقم 2905).
(5)
الترمذي في "السنن" رقم (735).
(6)
في "السنن"(3/ 112).
(7)
أي: الترمذي في "السنن"(3/ 112).
(8)
أي: الترمذي في "السنن"(3/ 113).
وقد ذهب قوم من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم إلى هذا الحديث، فرأوا عليه القضاء إذا أفطر وهو قول مالك (1) بن أنس.
الثامن:
8 -
وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: أَفْطَرْنَا عَلَى عَهْدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ غَيْمٍ، ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ: قِيلَ لهِشَامٍ: فَأُمِرُوا بِالقَضَاءِ؟ قَالَ: بُدٌّ مِنْ قَضَاءٍ. أخرجه البخاري (2)، وأبو داود (3). [صحيح]
حديث (أسماء بنت أبي بكر) ترجم له البخاري (4): باب من أفطر في رمضان (5). أي: ظانًّا غروب الشمس ثم طلعت.
قوله: "يَوم غيمٍ". في رواية أبي داود (6): "في يوم غيم".
قوله: "قيل لهشام" ابن عروة؛ لأنَّه أحد رواته عن فاطمة عن أسماء.
قوله: "لا بد من قضاء" قال في "الفتح"(7): هو استفهام إنكار محذوف الأداة والمعنى: لا بد من قضاء، ووقع في رواية (8) أبي ذر:"لا بد من قضاء" إلَاّ أنَّه من كلام هشام.
(1) انظر: "عيون المجالس"(2/ 667).
(2)
في "صحيحه" رقم (1959).
(3)
في "السنن" رقم (2359). وهو حديث صحيح.
(4)
في "صحيحه"(4/ 199 الباب رقم 46 - مع الفتح).
(5)
باب إذا أفطر في رمضان، ثم طلعت الشمس.
(6)
في "السنن" رقم (2359) والذي فيه: "يوماً في رمضان في غيم .... "
(7)
(4/ 200).
(8)
ذكرها الحافظ في "الفتح"(4/ 200).
وقد اختلف في هذه المسألة، فذهب الجمهور إلى إيجاب القضاء، واختلف على عمر، فروى ابن أبي شيبة (1) وغيره أنه ترك القضاء، وروى مالك (2) عن عمر أنه قال لما أفطر ثم طلعت الشمس:"الخطب يسير وقد اجتهدنا"، وزاد عبد الرزاق (3):"ونقضي يوماً".
وجاء ترك القضاء عن مجاهد، والحسن، وبه قال إسحاق، وأحمد (4) في رواية، واختاره ابن خزيمة (5)، وقال: قول هشام: لا بد من قضاء لم يسنده، ولا تبين عندي أنَّ عليهم قضاء.
قال الحافظ ابن حجر (6): ورجح الأول أنَّه لو غمّ هلال رمضان، فأصبحوا مفطرين، فتبين أنَّ ذلك اليوم من رمضان فالقضاء واجب بالاتفاق، انتهى.
قوله: "أخرجه البخاري وأبو داود".
التاسع:
9 -
وعن أسلم قال: فَعَلَ ذَلِكَ عُمَرُ، يَعْنِي: القَضَاءَ، وَقَالَ الخَطْبُ يَسِيرٌ: وَقَدِ اجْتَهَدْنَا. أخرجه مالك (7). [موقوف صحيح]
"الخَطْبُ" الأمر والشأن.
حديث (أسلم) وهو أسلم العدوي مولى عمر ثقة مخضرم (8).
(1) في "مصنفه"(3/ 24 - 25).
(2)
في "الموطأ"(1/ 303 رقم 44) وهو أثر موقوف صحيح.
(3)
في "مصنفه" رقم (7392).
(4)
انظر: "المغني"(4/ 391).
(5)
ذكره الحافظ في "الفتح"(4/ 200).
(6)
في "فتح الباري"(4/ 200).
(7)
في "الموطأ"(1/ 303 رقم 44) وهو أثر موقوف صحيح.
(8)
قاله ابن حجر في "التقريب"(1/ 64 رقم 465).
قوله: "فعل ذلك عمر" الحديث.
قلت: لفظ ابن الأثير في "الجامع"(1): أنَّ عمر أفطر ذات يوم في رمضان في يوم ذي غيم [68 ب] ورأى أنَّه قد أمسى، وغابت الشمس فجاء رجل، فقال: يا أمير المؤمنين! طلعت الشمس، فقال عمر:"الخطب يسير" وقد اجتهدنا.
قال مالك (2): يريد بقوله: "الخطب يسير" القضاء فيما يرى والله أعلم. لخفة مؤنته، ويسارته يقول: يصوم يوماً مكانه، انتهى.
قلت: فلا أدري كيف جزم المصنف بأنه قال: أسلم أنه فعل عمر ذلك أي: القضاء، وهذه رواية "الجامع" (3) عن "الموطأ" (4) منادية بأنَّه استنبط مالك القضاء من قول عمر: الخطب يسير. وأنَّه رآه يريد عمر بقوله: الخطب يسير القضاء كما سمعته فيما نقلنا، فالقضاء لم ينقله أسلم عن عمر، ولا قال: إنَّ عمر قضى، بل هو كلام مالك برأيه أنه أراد عمر ذلك، بل الذي يظهر من قول عمر: وقد اجتهدنا، أنَّه لا قضاء؛ لأنَّ المجتهد إذا ظهر خطؤه فهو معفو عنه، وإذا كان معفو عنه فلا يجب عليه القضاء، ولذا لم يأخذ الحافظ ابن حجر (5) أنَّ لعمر قولاً بالقضاء إلَاّ من زيادة عبد الرزاق (6)، ويقضي يوماً لا من قوله: الخطب يسير وقد اجتهدنا.
(1)(6/ 421 رقم 4614).
(2)
في "الموطأ"(1/ 303).
(3)
(6/ 421).
(4)
(1/ 303).
(5)
في "فتح الباري"(4/ 200).
(6)
في "مصنفه" رقم (7392).
قوله: "أخرجه مالك" قد سمعت اللفظ (1) الذي أخرجه مالك.
العاشر:
10 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ وَلَا رُخْصَةٍ لَم يَقْضِهِ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّهِ، وَإِنْ صَامَهُ". أخرجه البخاري (2) تعليقاً، وأبو داود (3) والترمذي (4). [ضعيف]
حديث (أبي هريرة) جعله ابن الأثير (5) نوعاً سادساً في تشديد الإفطار.
قوله: "صلى الله عليه وسلم: "من أفطر يوماً من رمضان من [غير رخصة ولا مرض](6) "عطف خاص على عام.
قوله: "لم يقضه (7) صوم الدهر كلّه، وإن صامه".
(1) وهو برقم (91).
(2)
في "صحيحه"(4/ 160 الباب رقم 160 - مع الفتح).
(3)
في "السنن" رقم (2396).
(4)
في "السنن" رقم (723).
وأخرجه أحمد (2/ 386)، وابن ماجه رقم (1672) والدارمي رقم (1715)، والنسائي في "الكبرى" رقم (3281، 3282)، والبيهقي في "السنن"(4/ 228)، وفي الشعب رقم (3653) و (3654)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (1521، 1522)، وابن خزيمة رقم (1987).
وهو حديث ضعيف.
(5)
في "الجامع"(6/ 421).
(6)
كذا في "الشرح"، والذي في نص الحديث: من غير مرض ولا رخصة.
(7)
قال ابن المنير في حاشيته على البخاري: إن معنى قوله في الحديث: "لم يقض عنه صيام الدهر" أي: لا سبيل إلى استدراك كما له فضيلة الأداء بالقضاء، أي: في وصفه الخاص، وإن كان يقضى عنه في وصفه العام، فلا يلزم من ذلك إهدار القضاء بالكلية). وتعقبه الحافظ في "الفتح"(4/ 161) ولا يخفى تكلفه.
قوله: "أخرجه البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي".
قلت: لفظ ابن الأثير في "الجامع"(1) أخرجه الترمذي (2) وأخرجه أبو داود (3)، ولم يذكر المرض، وَلَا كلمة "وإن صامه". انتهى، ثم قال: أخرجه البخاري (4) قال: ويذكر عن أبي هريرة وقال: من غير عذر ولا مرض، انتهى. وهذه العبارة وهي قول البخاري، ويذكر لا تسمى تعليقاً بل هو مقطوع، ولذا قال الحافظ (5): إنَّه وصله أصحاب السنن (6) الأربعة، وصححه ابن خزيمة (7). انتهى.
قال الترمذي (8): سألت محمداً يعني: البخاري عن هذا الحديث، فقال ابن المطوس: اسمه يزيد (9) بن المطوس لا أعرف له غير هذا الحديث.
وقال البخاري في "التاريخ" - أيضاً - تفرد ابن المطوس بهذا الحديث، ولا أدري سمع أبوه من أبي هريرة أم لا. انتهى. [69 ب] كلام الحافظ (10)، إلَاّ أنَّه ليس (11) في الترمذي عن
(1)(6/ 421 - 422).
(2)
في "السنن" رقم (723).
(3)
في "السنن" رقم (2396).
(4)
في "صحيحه"(4/ 160 الباب رقم 160 - مع الفتح).
(5)
في "فتح الباري"(4/ 161).
(6)
أخرجه أبو داود رقم (2396) ، والترمذي رقم (723) ، وابن ماجه رقم (1672) ، والنسائي في "الكبرى" رقم (3281)، و (3282).
(7)
في "صحيحه" رقم (1987).
(8)
في "السنن"(3/ 101).
(9)
انظر: "التقريب"(2/ 473 رقم 84).
(10)
في "فتح الباري"(4/ 161).
(11)
وهو كما قال الشارح.