الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ طَبْعُهُ وَاحْتُرِزَ بِالْقَيْدِ الثَّانِي عَنْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الْفَلْتَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ قَتْلَهُ بَلْ الْقَتْلُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَأْيُوسِ مِنْ صَلَاحِهِ وَاسْتِصْلَاحِهِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَالْبَهَائِمِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا آذَتْ الْهِرَّةُ وَقُصِدَ قَتْلُهَا فَلَا تُعَذَّبُ وَلَا تُخْنَقُ بَلْ تُذْبَحُ بِمُوسَى حَادَّةٍ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ» اهـ شَبْرَاخِيتِيٌّ.
[رَجُل ذِمِّيّ تَعَدَّى عَلَى جَامُوسَةِ مُسْلِمٍ وَضَرَبَهَا فِي جَوْفِهَا بِنَبُّوتٍ فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا]
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ ذِمِّيٍّ تَعَدَّى عَلَى جَامُوسَةِ مُسْلِمٍ وَضَرَبَهَا فِي جَوْفِهَا بِنَبُّوتٍ فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا وَمَرِضَتْ حَتَّى أَشْرَفَتْ عَلَى الْهَلَاكِ فَبَاعَهَا رَبُّهَا لِلْقَصَّابِ بِعُشْرِ ثَمَنِهَا فَمَاذَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الذِّمِّيِّ وَمَا الْحُكْمُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ تَرَتَّبَ عَلَى الذِّمِّيِّ بِجِنَايَتِهِ الْمَذْكُورَةِ قِيمَةُ الْجَنِينِ إنْ نَزَلَ حَيًّا وَمَاتَ وَمَا نَقَصَتْهُ قِيمَةُ الْأُمِّ مَرِيضَةً عَنْ قِيمَتِهَا صَحِيحَةً وَإِنْ نَزَلَ مَيِّتًا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الثَّانِي فَقَطْ وَقَدْ تَقَدَّمَ النَّصُّ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ شَيْخُنَا أَبُو يَحْيَى) عَنْ جَمَاعَةٍ وَضَعُوا غِلَالَهُمْ فِي سَفِينَةٍ صَبَّةٍ وَاحِدَةٍ تَوَجَّهُوا بِهَا إلَى مِصْرَ فَتَعَدَّى عَلَيْهِمْ ظَالِمٌ فِي الطَّرِيقِ فَأَخَذَ مِنْهَا عِشْرِينَ إرْدَبًّا بِاسْمِ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ فَهَلْ تُوَزَّعُ عَلَى الْجَمِيعِ وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الظَّالِمِ فُلَانٌ وَفُلَانٌ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
(فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا أَخَذَهُ الظَّالِمُ مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ يَضِيعُ عَلَى الْجَمِيعِ وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الظَّالِمِ إنَّمَا آخُذُ مَالَ فُلَانٍ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ أَيْضًا) عَنْ رَجُلٍ يَرْعَى غَنَمًا فِي فَلَاةٍ فَمَرَّ عَلَيْهِ أَعْرَابِيٌّ وَأَكْرَهَهُ عَلَى مُنَاوَلَةِ نَعْجَةٍ مِنْ مَالِ الْغَيْرِ فَنَاوَلَهُ إيَّاهَا ثُمَّ حَضَرَ رَبُّ النَّعْجَةِ وَطَلَبَ الرَّاعِي بِقِيمَتِهَا فَهَلْ يُجَابُ لِذَلِكَ وَيُجْبَرُ الرَّاعِي عَلَى دَفْعِهَا لَهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
(فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) يَضْمَنُ الرَّجُلُ قِيمَةَ النَّعْجَةِ بِإِعْطَائِهَا لِغَيْرِ مَالِكِهَا وَلَا يَنْفَعُهُ الْإِكْرَاهُ؛ لِأَنَّ الطَّوْعَ وَالْإِكْرَاهَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ سَوَاءٌ، كَذَا فِي الْحَطَّابِ وَقَوَانِينِ ابْنِ جُزَيٍّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ أَيْضًا) عَنْ رَجُلٍ خَيَّاطٍ عِنْدَهُ أَقْمِشَةٌ لِيَخِيطَهَا لِأَرْبَابِهَا بِأُجْرَةٍ ادَّعَى أَنَّ اللُّصُوصَ تَعَدَّتْ عَلَى مَنْزِلِهِ لَيْلًا وَأَخَذَتْ الْأَقْمِشَةَ فَأَرَادَ أَرْبَابُهَا تَضْمِينَهُ فَمَا الْحُكْمُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
(فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ) الْحَمْدُ لِلَّهِ يَضْمَنُ الْخَيَّاطُ جَمِيعَ أَقْمِشَةِ النَّاسِ قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ الصُّنَّاعُ ضَامِنُونَ لِمَا اُسْتُصْنِعُوا فِيهِ إذَا نَصَبُوا أَنْفُسَهُمْ لِذَلِكَ سَوَاءٌ عَمِلُوا ذَلِكَ بِأَجْرٍ، أَوْ بِغَيْرِ أَجْرٍ إذَا عَمِلُوهُ فِي حَوَانِيتِهِمْ، أَوْ دُورِهِمْ فِي غَيْبَةِ رَبِّ الْمَتَاعِ ثُمَّ قَالَ وَلَا يَنْفَعُ الصَّانِعَ إذَا احْتَرَقَ حَانُوتُهُ، أَوْ سُوقُهُ، أَوْ سُرِقَ مَنْزِلُهُ دَعْوَاهُ أَنَّ الشَّيْءَ الْمَصْنُوعَ كَانَ فِيهِ إلَّا أَنْ تَقُومَ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى ذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ اهـ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[تَأْدِيبِ بَعْضِ نُقَبَاءِ الْأَوْرَادِ بَعْضَ الْمَرِيدِينَ بِصُنْعِ طَعَامٍ لِإِخْوَانِهِ]
(وَسُئِلَ أَيْضًا) عَنْ تَأْدِيبِ بَعْضِ نُقَبَاءِ الْأَوْرَادِ بَعْضَ الْمَرِيدِينَ بِصُنْعِ طَعَامٍ لِإِخْوَانِهِ هَلْ يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ وَيَسُوغُ لَهُ تَأْدِيبُهُ بِذَلِكَ أَمْ لَا؟ .
(فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ) تَأْدِيبُ النَّقِيبِ لِلْمُرِيدِ بِصُنْعِ الطَّعَامِ لِإِخْوَانِهِ قَهْرًا عَلَيْهِ، أَوْ اسْتِحْيَاءً لَا يَجُوزُ وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ عَلِمَ ذَلِكَ الْأَكْلَ وَلَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ وَهَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى نَصٍّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْوَاضِحَاتِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ زَنَى بِحَلِيلَةِ آخَرَ ثُمَّ تَابَ مِنْ ذَلِكَ فَهَلْ تَتَوَقَّفُ تَوْبَتُهُ عَلَى اسْتِسْمَاحِ حَلِيلِهَا وَهَلْ يَكْفِي الِاسْتِسْمَاحُ الْإِجْمَالِيُّ؟ (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ إذَا زَنَى رَجُلٌ بِطَائِعَةٍ لَهَا حَلِيلٌ تَعَلَّقَ بِهِ حَقَّانِ حَقٌّ لِلَّهِ وَحَقٌّ لِلْحَلِيلِ كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَلَامُ الشُّرَّاحِ فِي أَوَّلِ فَصْلِ الطَّلَاقِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ حَقَّ اللَّهِ يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ، وَهَلْ الْأَفْضَلُ أَنْ يَذْهَبَ لِلْحَاكِمِ وَيُقِرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ لِيُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدَّ، أَوْ الْأَفْضَلُ أَنْ يَسْتَتِرَ بِسِتْرِ اللَّهِ خِلَافٌ اخْتَارَ فِي حَاشِيَةِ الْمَجْمُوعِ الثَّانِيَ وَأَمَّا حَقُّ الْمَخْلُوقِ
فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْمُسَامَحَةِ مَعَ الْإِمْكَانِ وَلَا تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ التَّوْبَةِ بِالنِّسْبَةِ لِحَقِّ اللَّهِ عَلَى مُسَامَحَةِ الْمَخْلُوقِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ الَّذِي تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ التَّوْبَةِ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَالِ الْمَوْجُودِ بِعَيْنِهِ وَأَمَّا مِثْلُ هَذَا فَلَا كَمَا أَفَادَ ذَلِكَ الشَّيْخُ الْعَدَوِيُّ فِي بَابِ الِاسْتِسْقَاءِ، وَغَيْرُهُ نَعَمْ ذَلِكَ وَاجِبٌ مُسْتَقِلٌّ وَيَكْفِي الِاسْتِسْمَاحُ الْإِجْمَالِيُّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْإِبْرَاءِ وَهُوَ يَصِحُّ مَعَ الْجَهَالَةِ كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ وَبَابِ الْإِقْرَارِ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ الْعَدَوِيُّ أَنَّ ذَلِكَ يُسْقِطُ الْحَقَّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَحِينَئِذٍ إنْ سَامَحَ الْخَصْمُ مَعَ الْإِجْمَالِ كَفَى وَإِنْ امْتَنَعَ حَتَّى يُعَيَّنَ لَهُ نُظِرَ فَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَى التَّعَيُّنِ أَمْرٌ أَعْظَمُ لَمْ يَجِبْ لِقَاعِدَةِ ارْتِكَابِ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَتَرَتَّبْ وَجَبَ التَّعْيِينُ لِقَاعِدَةِ مَا تَوَقَّفَ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ فَهُوَ وَاجِبٌ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ اسْتِسْمَاحَ الْحَلِيلِ وَاجِبٌ مُسْتَقِلٌّ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّةُ التَّوْبَةِ وَيَكْفِي فِيهِ الْإِجْمَالُ عَلَى مَا ذُكِرَ سَابِقًا، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ لَهُ دَيْنٌ عَلَى غَائِبٍ فَأَخَذَ غَنَمَهُ فِي غَيْبَتِهِ وَبَاعَهَا وَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينُ نَازَعَهُ فِي ذَلِكَ فَادَّعَى أَنَّ وَلَدَ الْمَدِينِ بَاعَهَا لَهُ وَقَاصَصَهُ بِثَمَنِهَا فَأَنْكَرَ الْوَلَدُ الْبَيْعَ وَالْمُقَاصَّةَ وَلَا بَيِّنَةَ فَهَلْ لَا يَلْزَمُ الْبَيْعُ وَيَلْزَمُ آخِذَ الْغَنَمِ قِيمَتُهَا يَوْمَهُ، أَوْ يَوْمَ الْحُكْمِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إذَا لَمْ يَثْبُتْ وَكَالَةُ وَلَدِ الْمَدِينِ عَنْهُ وَبَيْعُهُ لِرَبِّ الدَّيْنِ بِإِقْرَارٍ وَلَا بَيِّنَةٍ فَرَبُّ الدَّيْنِ مُتَعَدٍّ عَلَى غَنَمِ الْمَدِينِ وَفُضُولِيٌّ فِي بَيْعِهَا فَإِنْ لَمْ تَفُتْ فِي يَدِ مَنْ اشْتَرَاهَا فَلِلْمَدِينِ إمْضَاءُ الْبَيْعِ وَأَخْذُ الثَّمَنِ وَلَهُ فَسْخُهُ وَأَخْذُ الْغَنَمِ وَإِنْ فَاتَتْ فَلِلْمَدِينِ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ الْأَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنِ وَالْقِيمَةِ كَمَا فِي كَبِيرِ الْخَرَشِيِّ وَعِبَارَةُ الْعَدَوِيِّ وَالْمُطَالَبُ بِالثَّمَنِ الْفُضُولِيُّ؛ لِأَنَّهُ بِإِجَازَتِهِ صَارَ وَكِيلًا عَنْهُ وَسَيَأْتِي وَطُولِبَ بِثَمَنٍ وَمُثَمَّنٍ فَإِذَا فَاتَ بَيْعُ الْفُضُولِيِّ غَيْرِ الْغَاصِبِ فَإِنَّ عَلَى الْفُضُولِيِّ فِيمَا بَاعَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنِ وَالْقِيمَةِ وَأَمَّا إنْ كَانَ غَاصِبًا فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَذَلِكَ وَهُوَ الظَّاهِرُ اهـ.
وَأَصْلُهَا لِكَبِيرِ الْخَرَشِيِّ كَمَا قَالَ أَحْمَدُ النَّفْرَاوِيُّ وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ التَّعَدِّي بِالْبَيْعِ وَفِي الْمَجْمُوعِ إنْ اخْتَلَفَا فِي الْعَقْدِ فَلِمُنْكِرِهِ بِيَمِينٍ اهـ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلَيْنِ مُشْتَرِكَيْنِ فِي دَابَّةٍ فَاغْتَلَّهَا أَحَدُهُمَا مُدَّةً وَأَرَادَ الْآخَرُ أَنْ يَغْتَلَّهَا كَذَلِكَ فَمَنَعَهُ الْأَوَّلُ فَهَلْ يُعَدُّ غَاصِبًا فَيَضْمَنُ إنْ تَلِفَتْ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يُعَدُّ غَاصِبًا إنَّمَا هُوَ مُتَعَدٍّ فَلَا يَضْمَنُ إنْ تَلِفَتْ بِلَا سَبَبِهِ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ مَنْ قَصَدَ تَمَلُّكَ الذَّاتِ قَهْرًا تَعَدِّيًا مَعَ إمْكَانِ التَّخْلِيصِ وَالْمُتَعَدِّي مَنْ قَصَدَ الِانْتِفَاعَ فَقَطْ دُونَ تَمَلُّكِ الذَّاتِ قَهْرًا وَعُدْوَانًا مَعَ إمْكَانِ التَّخْلِيصِ وَالْأَوَّلُ يَضْمَنُ الذَّاتَ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ وَلَوْ تَلِفَتْ بِسَمَاوِيٍّ وَالثَّانِي لَا يَضْمَنُهَا إنْ تَلِفَتْ لَا بِسَبَبِهِ.
وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ وَمَنْ تَعَدَّى عَلَى مَنْفَعَةٍ فَتَلِفَتْ الذَّاتُ بِلَا سَبَبِهِ لَمْ يَضْمَنْهَا اهـ.
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ أَرَادَ ظَالِمٌ أَنْ يُسَفِّرَهُ إلَى جِهَةٍ لَا يُرْجَى عَوْدُهُ مِنْهَا فَدَفَعَ عَنْهُ شَخْصٌ مَالًا بِغَيْرِ إذْنِهِ لِخَلَاصِهِ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِمَا دَفَعَ أَوْ لَا؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِمَا دَفَعَ عَنْهُ إنْ تَوَقَّفَ خَلَاصُهُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا قَالَ الْحَطَّابُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَالَ سَحْنُونٌ فِي الرِّفَاقِ فِي أَرْضِ الْمَغْرِبِ تَعَرَّضَ لَهُمْ اللُّصُوصُ فَيُرِيدُونَ أَكْلَهُمْ فَيَقُومُ بَعْضُ أَهْلِ الرُّفْقَةِ فَيُضَامِنُهُمْ عَلَى
مَالٍ عَلَيْهِ وَعَلَى جَمِيعِ مَنْ مَعَهُ وَعَلَى مَنْ غَابَ مِنْ أَصْحَابِ الْأَمْتِعَةِ فَيُرِيدُ مَنْ غَابَ أَنْ لَا يَدْفَعَ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ قَالَ إذَا كَانَ ذَلِكَ مِمَّا عُرِفَ مِنْ سُنَّةِ تِلْكَ الْبِلَادِ أَنَّ إعْطَاءَ الْمَاءِ يُخَلِّصُهُمْ وَيُنْجِيهِمْ فَإِنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لِمَنْ حَضَرَ وَلِمَنْ غَابَ مِمَّنْ لَهُ أَمْتِعَةٌ فِي تِلْكَ الرِّفَاقِ وَعَلَى أَصْحَابِ الظَّهْرِ مَا يَنُوبُهُمْ وَإِنْ كَانَ يَخَافُ أَنْ لَا يُنْجِيَهُمْ ذَلِكَ وَإِنْ أَعْطَوْا وَكَانَ فِيهِمْ مَوْضِعٌ لِدَفْعِ ذَلِكَ فَمَا أُحِبُّ لَهُمْ أَنْ يَدْفَعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا وَأَعْطَوْا عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا لَمْ يَرْجِعْ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ غَابَ مِنْ أَصْحَابِ الْأَمْتِعَةِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
وَفِي شَرْحِ الْعَمَلِيَّاتِ الْفَاسِيَّةِ لِلسَّلْجِمَاسِيِّ وَيُوَافِقُ التَّقْيِيدَ بِعَدَمِ رَجَاءِ الْخَلَاصِ مَجَّانًا مَا نَقَلَهُ فِي الدُّرَرِ الْمَكْنُونَةِ عَنْ الْعُقْبَانِيِّ فِيمَنْ صَالَحَ الْأَعْرَابَ عَلَى أَمْوَالِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ عَلَيْهِمْ بِمَا صَالَحَ بِهِ مِنْ الْمَالِ عَلَى حِفْظِ أَمْوَالِهِمْ وَأَمْتِعَتِهِمْ مِنْ أَخْذِ الْغُصَّابِ قَالَ وَلَكِنْ مَنْ عَلِمَ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ أَنَّهُ كَانَ يُخَلِّصُ مَالَهُ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَوْ بِأَقَلَّ مِمَّا يَنُوبُهُ فِي هَذِهِ الْمُحَاصَّةِ كَانَ لَهُ مَقَالٌ وَنَقَلَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ الْمِعْيَارِ مِنْ نَوَازِلِ الْجِهَادِ وَنَوَازِلِ الصُّلْحِ انْتَهَى الْمُرَادُ مِنْهُ.
وَفِي الْمِعْيَارِ: وَسُئِلَ أَبُو صَالِحٍ عَنْ الَّذِينَ جَعَلُوا أَوْلَادَهُمْ رَهَائِنَ مِنْ أَهْلِ الْحِصْنِ وَطَلَبَ مِنْهُمْ ذَلِكَ وَخَافُوا الْغَلَبَةَ عَلَى أَهْلِ الْحِصْنِ فَجَعَلُوهُمْ رَهَائِنَ بِمِائَتَيْ دِينَارٍ فَأَجَابَ بِأَنَّ جَمِيعَ أَهْلِ الْحِصْنِ كُلُّ مَنْ اُحْتُصِرَ فِيهِ يَغْرَمُونَ الْفِدْيَةَ عَلَى قَدْرِ انْتِفَاعِهِمْ بِذَلِكَ قِيلَ فَالْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ وَالْقَوِيُّ وَالضَّعِيفُ وَالْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ وَالْكَثِيرُ الْعِيَالِ سَوَاءٌ قَالَ يُعْطِي كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى قَدْرِ الِانْتِفَاعِ انْتَهَى.
وَفِي نَوَازِلِ الْأُجْهُورِيِّ مَا نَصُّهُ: وَسُئِلَ عَمَّنْ عَلَيْهِ مَغْرَمٌ مُقَرَّرٌ هُوَ وَآبَاؤُهُ يَغْرَمُونَهُ كُلَّ سَنَةٍ لِوُلَاةِ الْأُمُورِ ظُلْمًا فَيَغِيبُ بَعْضُهُمْ فَتَأْتِي الظُّلْمَةُ لِأَحَدٍ مِنْ أَقَارِبِهِ فَتُمْسِكُهُ عَنْهُ وَتُغَرِّمُهُ ذَلِكَ الْمَغْرَمَ فَهَلْ إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ يُطَالِبُهُ قَرِيبُهُ وَيَأْخُذُ مِنْهُ مَا غَرِمَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى فِي زَمَانِنَا هَذَا، أَوْ هِيَ مُصِيبَةٌ نَزَلَتْ بِالْمَمْسُوكِ لِكَوْنِهِ أَدَّى عَنْهُ مَالًا يَلْزَمُهُ.
فَأَجَابَ الْحَمْدُ لِلَّهِ اعْلَمْ أَنَّ الْغَارِمَ يَرْجِعُ بِمَا غَرِمَهُ عَلَى مَنْ غَرِمَ عَنْهُ حَيْثُ كَانَ ذَلِكَ الْمَغْرَمُ مُعْتَادًا عَلَى مَا قَالَهُ سَحْنُونٌ وَمَالَ إلَيْهِ الشَّبِيبِيُّ.
وَفِي فَتَاوَى الْبُرْزُلِيِّ مَا يُفِيدُ اخْتِيَارَهُ لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الْبَزَمُونِيُّ أَنَّ الْمَشْهُورَ عَدَمُ الرُّجُوعِ فَإِنَّهُ قَالَ مَنْ أَدَّى عَنْ إنْسَانٍ مَالًا يَلْزَمُهُ لِظَالِمٍ حَبَسَهُ فِيهِ فَالْمَشْهُورُ عَدَمُ الرُّجُوعِ وَقَالَ فِي مَحَلٍّ إنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ كِتَابِ كِرَاءِ الْأَرْضِ وَالْمِدْيَانِ وَالْحَوَالَةِ أَنَّ مَنْ أَدَّى عَنْ إنْسَانٍ مَالًا يَلْزَمُهُ مِنْ ظُلْمٍ، أَوْ غَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَذَكَرَ عَنْ سَحْنُونَ أَنَّهُ قَالَ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَوَاضِعَ مَعْلُومَةً بِالظُّلْمِ كَالْعِشَارِ وَبَابِ الْمَدِينَةِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى مَنْ غَرِمَ عَنْهُ بِذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرَ التَّتَّائِيُّ كَلَامَ سَحْنُونَ عَلَى وَجْهٍ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ مُقَابِلٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: قَالَ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ شَيْخُنَا: وَالرُّجُوعُ هُوَ الَّذِي يَنْشَرِحُ لَهُ الْقَلْبُ وَإِلَّا لَمْ يُخَلِّصْ أَحَدٌ أَحَدًا فَيَعْظُمُ الضَّرَرُ انْتَهَى وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يُؤْخَذَ لِلنِّظَامِ هَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَطْعُ أُصْبُعِهِ وَفَقْءُ عَيْنِهِ أَمْ يَجُوزُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَطْعُ أُصْبُعِهِ وَفَقْءُ عَيْنِهِ وَقَلْعُ سِنِّهِ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْعَدَوِيُّ فِي آخِرِ مَقُولِهِ لَا قَتْلُ الْمُسْلِمِ وَأَمَّا الْإِكْرَاهُ عَلَى قَطْعِ شَيْءٍ مِنْ الْمُكْرَهِ فَيُبَاحُ لَهُ لِخَوْفِ قَتْلِهِ ارْتِكَابُ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ انْتَهَى.
مَا قَوْلُكُمْ) فِي خَادِمِ سَفِينَةِ الْبَاشَا يَجْلِبُ لَهُ فِيهَا قَمْحًا وَنَحْوَهُ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْرِقَ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ، أَوْ مَغْصُوبًا وَسَوَاءٌ كَانَ السَّارِقُ مَظْلُومًا لَهُ، أَوْ لِخَدَمَتِهِ كَالْكَاتِبِ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، لَا تَجُوزُ لَهُ الْخِيَانَةُ فِيمَا أُمِنَ عَلَيْهِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْأَخْذُ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ مَظْلُومًا لَهُ، أَوْ لِخَدَمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَظْلِمْ فَظَاهِرٌ وَإِنْ ظَلَمَ فَلَا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الضَّرْبِ وَالْحَبْسِ وَالرَّذِيلَةِ، وَحِفْظُ النَّفْسِ وَالْعِرْضِ وَاجِبٌ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ) عَنْ رَجُلٍ حَبَسَهُ الْمُلْتَزِمُ وَادَّعَى عَلَيْهِ بِدَرَاهِمَ لَمْ تَثْبُتْ عَلَيْهِ شَرْعًا فَهَرَب وَدَفَعَ أَخُوهُ مَعَهُ جَانِبًا وَبَقِيَ جَانِبٌ أَخَذَ عَلَيْهِ وَثِيقَةً لِلْمُلْتَزِمِ الْمَذْكُورِ فَالْتَزَمَ رَجُلٌ غَيْرُهُ فَأَخَذَ أَخَا الرَّجُلِ الْمَذْكُورِ وَوَضَعَهُ فِي السِّجْنِ حَتَّى أَخَذَ مَا فِي الْوَثِيقَةِ الْمَذْكُورَةِ الْمَكْتُوبَةِ عَلَى أَخِيهِ فَأَرَادَ الرُّجُوعَ عَلَى أَخِيهِ فَهَلْ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ وَإِذَا أَرَادَ الْمُلْتَزِمُ أَخْذَ مَا عَلَى الْفَلَّاحِينَ مِنْ شَيْخِ الْبَلَدِ لَا يَلْزَمُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
(فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا أُخِذَ مِنْ الْأَخِ بِغَيْرِ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ لَا رُجُوعَ لَهُ بِهِ عَلَى أَخِيهِ وَإِنَّمَا رُجُوعُهُ عَلَى ظَالِمِهِ وَلَا يَلْزَمُ شَيْخَ الْبَلَدِ مَا عَلَى الْفَلَّاحِينَ إلَّا إذَا كَانَ ضَمِنَهُمْ لِلْمُلْتَزِمِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ أَيْضًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَنْ رَجُلٍ زَرَعَ أَرْضًا خَرَاجِيَّةً لِرَجُلٍ بِإِذْنِهِ ثُمَّ غَابَ الزَّارِعُ مُدَّةَ دَفْعِ الْخَرَاجِ فَتَمَّمَ الْحَاكِمُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْخَرَاجِ بِدَرَاهِمَ وَأَخَذَهَا مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ فَهَلْ لِرَبِّ الْأَرْضِ الرُّجُوعُ عَلَى الزَّارِعِ بِمَا دَفَعَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ، أَوْ لَا يَلْزَمُ الزَّارِعَ إلَّا مَا اُعْتِيدَ مِنْ الْغَلَّةِ عَلَى الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ وَإِذَا أَمْسَكَ الظَّالِمُ رَجُلًا وَسَجَنَهُ وَجَعَلَ عَلَيْهِ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةَ الْقَدْرِ وَأَخَذَ الظَّالِمُ بَعْضَهَا مِنْ الْمَسْجُونِ ثُمَّ تَعَدَّى الظَّالِمُ عَلَى مَوَاشٍ لِابْنِ أَخِي الْمَسْجُونِ وَأَخَذَهَا وَقَالَ أَخَذْتهَا فِي بَاقِي الدَّرَاهِمِ الْمَذْكُورَةِ فَهَلْ لِابْنِ الْأَخِ الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ الْمَوَاشِي عَلَى الْعَمِّ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
(فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) لَا يَلْزَمُ الزَّارِعَ الْإِخْرَاجُ مِثْلُ الْأَرْضِ الَّتِي زَرَعَهَا بِحَسَبِ عَادَةِ أَمْثَالِهَا وَلَيْسَ لِابْنِ الْأَخِ رُجُوعٌ عَلَى عَمِّهِ بِقِيمَةِ الْمَوَاشِي؛ لِأَنَّهَا أُخِذَتْ مِنْهُ ظُلْمًا مِنْ غَيْرِ جِنَايَةٍ مِنْ الْعَمِّ فَإِنَّمَا حَقُّهُ عِنْدَ مَنْ ظَلَمَهُ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي أَخَوَيْنِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَرْضٌ خَرَاجِيَّةٌ ظُلِمَ فِي مِسَاحَتِهَا فَادَّعَى وَلَدُ أَحَدِهِمَا أَنَّ عَمَّهُ حَوَّلَ شَيْئًا مِنْ ظُلَامَةِ أَرْضِهِ إلَى ظُلَامَةِ أَرْضِ أَبِيهِ مِنْ غَيْرِ ثُبُوتٍ فَهَلْ لَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ وَلَوْ كَانَ مَا فِي الدَّفْتَرِ يُصَدِّقُهُ وَكَاتِبُهُ مُسْلِمٌ أَفِيدُوا الْجَوَابَ: فَأَجَابَ الشَّيْخُ حَسَنٌ الْجِدَّاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ الْأُصُولُ فَيَجِبُ جَرْيُ الْفُرُوعِ عَلَيْهِ وَيَسُوغُ لِأَحَدِهِمَا الرُّجُوعُ عَلَى الْآخَرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَوَافَقَهُ الشَّيْخُ الدَّرْدِيرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
(وَسُئِلَا أَيْضًا رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى) عَنْ أَخَوَيْنِ لَهُمَا أَرْضٌ خَرَاجِيَّةٌ اقْتَسَمَاهَا مُرَاضَاةً ثُمَّ قِيسَ نَصِيبُ كُلٍّ وَظُلِمَ أَحَدُهُمَا فِي الْقِيَاسِ زِيَادَةً عَنْ الْآخَرِ فَهَلْ إذَا أَرَادَ وَرَثَةُ وَلَدَيْ الْأَكْثَرِ ظُلَامَةً تَحْوِيلَ شَيْءٍ مِنْ ظُلَامَةِ نَصِيبِ جَدِّهِمْ عَلَى عَمِّ أَبَوَيْهِمْ لَا يُجَابُونَ لِذَلِكَ وَلَا عِبْرَةَ بِهَا فِي الدَّفْتَرِ وَلَوْ كَانَ كَاتِبُهُ مُسْلِمًا، أَوْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ (وَنَصُّ الْجَوَابِ لِلْأَوَّلِ) الْحَمْدُ لِلَّهِ حَيْثُ اقْتَسَمَا الْأَرْضَ مُرَاضَاةً مِنْ غَيْرِ إدْخَالِ مُقَوِّمٍ صَحَّتْ الْقِسْمَةُ وَلَا رُجُوعَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَلَا لِذُرِّيَّةِ بَعْضِهِمَا عَلَى بَعْضٍ وَلَوْ كَانَتْ الْأَنْصِبَاءُ مُخْتَلِفَةً؛ لِأَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ وَقَعَ التَّرَاضِي فَلَا يَجُوزُ نَقْضُهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَوَافَقَهُ
الدَّرْدِيرُ رَحِمَ اللَّهُ تَعَالَى الْجَمِيعَ.
(وَسُئِلَ شَيْخُ مَشَايِخِي حَسَنٌ الْهَوَّارِيُّ الْمَالِكِيِّ) عَنْ رَجُلٍ حَبَسَهُ الْمُلْتَزِمُ مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى شَهْرَيْنِ وَجَعَلَ عَلَيْهِ دَرَاهِمَ ظُلْمًا وَلِلرَّجُلِ الْمَحْبُوسِ أَخٌ أَخَذَ مِنْ آخَرَ طَوْقًا فِضَّةً دَفَعَهُ فِي الْمَظْلِمَةِ مَعَ عِلْمِ صَاحِبِ الطَّوْقِ بِذَلِكَ وَرَهَنَ عِنْدَهُ طِينًا مَحْبِسًا وَزَرَعَهُ مُدَّةً فَهَلْ يَضِيعُ الطَّوْقُ عَلَى صَاحِبِهِ وَتُرْفَعُ يَدُهُ عَنْ الطِّينِ وَيُطَالَبُ بِرِبْحِهِ وَيُمَكَّنُ مِنْهُ صَاحِبُهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ حَيْثُ كَانَ الطَّوْقُ أَخَذَهُ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ وَدَفَعَهُ فِي الْمَظْلِمَةِ مَعَ عِلْمِ صَاحِبِهِ فَإِنَّهُ يَضِيعُ عَلَى صَاحِبِهِ وَرَهْنُ الطِّينِ الْمُحْبَسِ بَاطِلٌ وَلَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا وَتُرْفَعُ يَدُهُ عَنْ الطِّينِ الْمَرْهُونِ وَيُطَالَبُ بِرِبْحِهِ مُدَّةَ وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ وَاسْتِغْلَالِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَتَقَدَّمَ أَنَّ الَّذِي يَنْشَرِحُ لَهُ الصَّدْرُ الرُّجُوعُ فَيَغْرَمُ آخِذُ الطَّوْقِ قِيمَتَهُ لِصَاحِبِهِ وَفِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ مَسْأَلَةٌ وَلَوْ تَسَلَّفَ الْمَضْغُوطُ فِي فِكَاكِ نَفْسِهِ لَزِمَهُ مَا تَسَلَّفَ انْتَهَى وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي أَمِيرٍ طَلَبَ مِنْ مَشَايِخِ بَلَدِهِ دَرَاهِمَ مِنْ الْخَرَاجِ فَأَخَذُوا الْمَطْلُوبَ مِنْ شَخْصٍ ثَمَنَ غَلَّةٍ وَفَرَدُوهَا عَلَى أَنْفَارٍ مُتَعَدِّدَةٍ بِحَسَبِ أَطْيَانِهِمْ فَغَابَ رَجُلَانِ مِنْ الْمَفْرُودِ عَلَيْهِمْ فَأَقَامَ الْمَشَايِخُ وَكِيلًا عَلَى غِلَالِهَا لِيُوَفِّيَ مَا عَلَيْهِمْ وَأَمَّنُوا رَجُلًا يَسْتَلِمُ الْغِلَالَ لِرَبِّهَا فَاسْتَلَمَ الْأَمِينُ الْبَعْضَ مِنْ الْغِلَالِ وَدَفَعَهَا لِرَبِّهَا ثُمَّ حَضَرَ الرَّجُلَانِ وَنَازَعَا الْأَمِينَ وَأَرَادَا إلْزَامَهُ بِغِلَالِهِمْ وَشَهِدَ الْوَكِيلُ أَنَّهُ دَفَعَهَا لَهُ فَأَنْكَرَ فَهَلْ لَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْوَكِيلِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَعَلَى فَرْضِ لَوْ ثَبَتَ عَلَى الْأَمِينِ مَا ذُكِرَ لَا يُطَالَبُ بِمَا دَفَعَهُ لِرَبِّهِ بِأَمْرِ الْمَشَايِخِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَابَ شَيْخُنَا حَسَنٌ الْأَبْطَحِيُّ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ التَّاوَدِيُّ فِي شَرْحِ الْعَاصِمِيَّةِ أَنَّ الْحَمَالَةَ إذَا كَانَتْ بِإِذْنِ الْمَظْلُومِ وَغَرِمَ الْحَمِيلُ رَجَعَ عَلَيْهِ وَإِنْ تَحَمَّلَ عَنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا رُجُوعَ وَهَذَا الَّذِي لَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ إذْنَ الْغَرِيمِ فِي الْحَمَالَةِ وَطَلَبَهُ لَهَا الْتِزَامٌ بِمَا يُؤَدِّيهِ الْحَمِيلُ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ ضَمِنَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِفَكِّهِ وَبِمَا أَصَابَهُ مِنْ أَصْلِهِ انْتَهَى فَإِذَا كَانَ أَخْذُ الْمَشَايِخِ الْمَطْلُوبَ مِنْ شَخْصٍ ثَمَنَ غَلَّةٍ وَتَوْزِيعُهَا عَلَى الْجَمَاعَةِ بِإِذْنِهِمْ كَانَ ذَلِكَ لَازِمًا لَهُمْ وَلَا رُجُوعَ حِينَئِذٍ لِلرَّجُلَيْنِ إلَّا الْهَارِبِينَ بِمَا أُخِذَ مِنْ غِلَالِهِمَا لَا عَلَى الْوَكِيلِ وَلَا عَلَى الْأَمِينِ وَلَا عَلَى الْمَشَايِخِ وَإِنْ لَمْ تَأْذَنْ الْجَمَاعَةُ لِلْمَشَايِخِ فِي الْأَخْذِ وَالتَّوْزِيعِ الْمَذْكُورَيْنِ كَانَ لَهُمَا الرُّجُوعُ عَلَى الْمَشَايِخِ لَا عَلَى الْأَمِينِ الَّذِي خُزِّنَتْ عِنْدَهُ الْغِلَالُ وَسَلَّمَهَا لِرَبِّهَا وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى الْوَكِيلُ فِيمَا أَنْكَرَهُ الْأَمِينُ حَتَّى تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ بِمَا ادَّعَاهُ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَإِلَّا كَانَ الْقَوْلُ لِلْأَمِينِ بِيَمِينِهِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ وَإِنْ لَمْ تَأْذَنْ إلَخْ وَفِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ مَسْأَلَةٌ لَوْ هَرَبَ الْمَضْغُوطُ فَأَخَذَ الْحَمِيلُ بِمَا تَحَمَّلَ حَتَّى بَاعَ مَتَاعَهُ فَحُكْمُهُ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْمَضْغُوطِ؛ لِأَنَّهُ مَظْلُومٌ مَأْخُوذٌ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا رُجُوعَ لِلْحَمِيلِ عَلَى الْمَضْغُوطِ مِنْ مُعِينِ الْحُكَّامِ.
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي مَشَايِخِ بَلَدٍ جَعَلَ عَلَيْهِمْ الْحَاكِمُ دَرَاهِمَ غَرَامَةً فَأَخَذُوهَا مِنْ بَعْضِ النَّاسِ وَقَالُوا لَهُمْ وَقْتَ الدَّفْعِ نَدْفَعُ لَكُمْ بَدَلهَا قَمْحًا ثُمَّ دَفَعَ الْمَشَايِخُ لِلْمَأْخُوذِ مِنْهُمْ دَرَاهِمَ إلَّا وَاحِدًا قَالَ لَا آخُذُ إلَّا قَمْحًا فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ قَبُولُ مِثْلِ دَرَاهِمِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ أَخْذِ الدَّرَاهِمِ إلَّا رَدُّ بَدَلِهَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَابَ يُوسُفُ الْمُعَيْصِرِيُّ الْمَالِكِيُّ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الدَّرَاهِمِ قَبُولُ دَرَاهِمِهِ وَلَا يَلْزَمُ مَنْ أَخَذَهَا دَفْعُ قَمْحٍ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ لَمْ يُوجَدْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ صَحِيحًا لِفَقْدِ شُرُوطِهِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا