الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَبْلَ التَّحْبِيسِ وَحَبَسَ الْبَاقِيَ فَلَيْسَ لِلْوَاقِفِ تَصَرُّفٌ فِي الْمَحَلَّاتِ إلَّا بِقَبْضِ الْأُجْرَةِ الْمَعْلُومَةِ كُلَّ شَهْرٍ، وَكَأَنَّ دَافِعَ الدَّرَاهِمِ شَرِيكٌ لِلْوَاقِفِ بِتِلْكَ الْحِصَّةِ، ثُمَّ قَالَ الْغَرْقَاوِيُّ وَفَتْوَى النَّاصِرِ مُخَرَّجَةٌ عَلَى النُّصُوصِ، وَقَدْ أُجْمِعَ عَلَى الْعَمَلِ بِهَا وَاشْتُهِرَتْ فِي الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ، وَانْحَطَّ الْأَمْرُ عَلَيْهَا، وَهُوَ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَنِدْ فِيهَا إلَى نَصٍّ صَرِيحٍ فَقَدْ وَافَقَهُ عَلَيْهَا مَنْ هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ، وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ اسْتِنَادِ الْمُفْتِي لِلنَّصِّ فِيمَا أَفْتَى بِهِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ إذَا لَمْ يَجِدْ نَصًّا فِي الْحَادِثَةِ تَخْرِيجُهَا عَلَى النُّصُوصِ بِالشُّرُوطِ الْآتِيَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشِّهَابُ الْقَرَافِيُّ.
وَقَدْ سُئِلَ نُورُ الدِّينِ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْأُجْهُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ جَوَابِ الْمُفْتِي إذَا لَمْ يَجِدْ نَصًّا فِي الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مُسْتَنَدٌ، وَلَا مَرْجِعٌ فِيمَا أَفْتَى بِهِ كَفَتْوَى النَّاصِرِ اللَّقَانِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الْخَلَوَاتِ وَجَوَازِهَا هَلْ يَكُونُ مِنْ أَحَدِ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ حَتَّى أَنَّهُ لِلْمُفْتِي الْمَالِكِيِّ أَنْ يُفْتِيَ بِقَوْلِهِ وَيَتَّخِذَهُ حُجَّةً وَمُسْتَنَدًا وَدَلِيلًا عَلَى صِحَّةِ جَوَازِ الْخَلَوَاتِ مَعَ عَدَمِ نَصٍّ فِي ذَلِكَ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي الْمَذْهَبِ أَوْ لَا؟
فَأَجَابَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَجُوزُ لِلْمُفْتِي إذَا لَمْ يَجِدْ نَصًّا فِي الْحَادِثَةِ أَنْ يُخَرِّجَهَا عَلَى النُّصُوصِ إذَا كَانَ شَدِيدَ الِاسْتِحْضَارِ لِقَوَاعِدِ مَذْهَبِهِ وَقَوَاعِدِ الْإِجْمَاعِ وَنَصَّ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ حَفِظَ رِوَايَاتِ الْمَذْهَبِ وَعَلِمَ مُطْلَقَهَا وَمُقَيَّدَهَا وَعَامَّهَا وَخَاصَّهَا وَعَلِمَ أُصُولَ الْفِقْهِ وَكِتَابَ الْقِيَاسِ وَأَحْكَامَهُ وَتَرْجِيحَاتِهِ وَمَوَانِعَهُ وَشَرَائِطَهُ أَنْ يُفْتِيَ بِمَا يُخَرِّجَهُ عَلَى مَا هُوَ مَحْفُوظٌ لَهُ وَشَيْخُ عَصْرِهِ الشَّيْخُ نَاصِرُ الدِّينِ اللَّقَانِيُّ مِمَّنْ اتَّصَفَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الَّتِي يَسُوغُ لِمَنْ اتَّصَفَ بِهَا جَوَازُ الْإِفْتَاءِ فِيمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَصٌّ وَقَدْ أَطْبَقَ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى مُتَابَعَتِهِ فِيمَا يُفْتِي بِهِ مِمَّا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ نَصٌّ فِي الْمَذْهَبِ ثِقَةً بِهِ وَاعْتِقَادًا لِاطِّلَاعِهِ عَلَى مَا لَمْ يَطَّلِعُوا عَلَيْهِ وَأَنَّهُ لَا يَقْدُمُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ مَنْ هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ فِي الْفِقْهِ، وَهُوَ أَخُوهُ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ اللَّقَانِيُّ وَقَدْ وَقَعَ لِعُلَمَاء مَذْهَبِنَا الْمُعْتَمَدِ عَلَيْهِمْ كَابْنِ عَرَفَةَ وَالْبَرْزَلِيِّ وَابْنِ نَاجِي الْعَمَلُ بِمَا جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُ شُيُوخِهِمْ مِمَّا لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَيْهِ فَهَذَا وَنَحْوُهُ يُفِيدُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ بِمَا خَرَّجَهُ غَيْرُهُ عَلَى النُّصُوصِ مِمَّنْ فِيهِ أَهْلِيَّةٌ لِلتَّخْرِيجِ مِمَّا يُسْتَأْنَسُ بِهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «مَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ حَسَنٌ» يَعْنِي أَنَّهُ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ وَمُقْتَضَى الْحَالِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْوَاقِعَةِ هِيَ أَنَّ حَوَانِيتَ الْأَوْقَافِ بِمِصْرَ جَرَتْ عَادَةُ سُكَّانِهَا أَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ الْخُرُوجَ مِنْ الدُّكَّانِ أَخَذَ مِنْ الْآخَرِ مَالًا عَلَى أَنْ يَنْتَفِعَ بِالسُّكْنَى فِيهِ وَيُسَمُّونَهُ خُلُوًّا وَجَدَكًا وَيُتَدَاوَلُونَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ وَلَيْسَ يَعُودُ عَلَى تِلْكَ الْأَوْقَافِ نَفْعٌ أَصْلًا غَيْرَ أُجْرَةِ الْحَانُوتِ بَلْ الْغَالِبُ أَنَّ أُجْرَةَ الْحَانُوتِ أَقَلُّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ بِسَبَبِ مَا يَدْفَعُهُ الْآخِذُ مِنْ الْمَالِ وَاَلَّذِي يَدُورُ عَلَيْهِ الْجَوَابُ فِي ذَلِكَ إنْ كَانَ السَّاكِنُ الَّذِي أَخَذَ الْخُلُوَّ يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ الْحَانُوتِ مُدَّةً فَأَسْكَنَهَا غَيْرَهُ وَأَخَذَ عَلَى ذَلِكَ مَالًا فَإِنْ كَانَ الْآخِذُ بِيَدِهِ إجَارَةٌ صَحِيحَةٌ مِنْ النَّاظِرِ أَوْ الْوَكِيلِ بِشُرُوطِهَا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فَهُوَ سَائِغٌ لَهُ الْأَخْذُ عَلَى تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي يَمْلِكُهَا، وَلَا ضَرَرَ عَلَى الْوَقْفِ لِصُدُورِ الْأُجْرَةِ مُوَافِقَةً لِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لِلْمَنْفَعَةِ بِإِجَارَةٍ صَحِيحَةٍ فَلَا عِبْرَةَ بِخُلُوِّهِ وَيُؤَجِّرُهُ النَّاظِرُ لِمَنْ شَاءَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَيَرْجِعُ دَافِعُ الدَّرَاهِمِ بِهَا عَلَى مَنْ دَفَعَهَا لَهُ.
[فَصْلٌ فِي شُرُوطِ صِحَّةِ الْخُلُوِّ]
(فَصْلٌ فِي شُرُوطِ صِحَّةِ الْخُلُوِّ) مِنْهَا أَنْ تَكُونَ الدَّرَاهِمُ الْمَدْفُوعَةُ عَائِدَةً عَلَى جِهَةِ الْوَقْفِ يَصْرِفُهَا فِي مَصَالِحِهِ فَمَا يُفْعَلُ الْآنَ مِنْ صَرْفِ النَّاظِرِ الدَّرَاهِمَ فِي مَصَالِحِ نَفْسِهِ بِحَيْثُ لَا يَعُودُ عَلَى الْوَقْفِ مِنْهَا شَيْءٌ فَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَيَرْجِعُ دَافِعُ الدَّرَاهِمِ بِهَا عَلَى النَّاظِرِ وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ لِلْوَقْفِ رِيعٌ يُعَمَّرُ
مِنْهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ رِيعٌ يَفِي بِعِمَارَتِهِ مِثْلُ أَوْقَافِ الْمُلُوكِ فَلَا يَصِحُّ فِيهِ خُلُوٌّ وَيَرْجِعُ دَافِعُ الدَّرَاهِمِ بِهَا عَلَى النَّاظِرِ وَمِنْهَا ثُبُوتُ الصَّرْفِ فِي مَنَافِعِ الْوَقْفِ بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ فَلَوْ صَدَقَهُ النَّاظِرُ مِنْ غَيْرِ ثُبُوتٍ لَمْ يُعْتَبَرْ؛ لِأَنَّ النَّاظِرَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي مَصْرِفِ الْوَقْفِ حَيْثُ كَانَ لَهُ شَاهِدٌ وَفَائِدَةُ الْخُلُوِّ أَنَّهُ يَصِيرُ كَالْمِلْكِ وَيَجْرِي عَلَيْهِ الْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ وَالْهِبَةُ وَالرَّهْنُ وَوَفَاءُ الدَّيْنِ وَالْإِرْثُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ فَتْوَى النَّاصِرِ اللَّقَانِيِّ وَسُئِلَ عَنْ هَذَا كُلِّهِ شِهَابُ الدِّينِ أَحْمَدُ السَّنْهُورِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -؟
فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: الْخَلَوَاتُ الشَّرْعِيَّةُ يَصِحُّ وَقْفُهَا وَيَكُونُ لَازِمًا مُنْبَرِمًا مَعَ شَرْطِ اللُّزُومِ كَالْحَوْزِ وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ كَالدَّيْنِ كَوَقْفِ صَحِيحِ الْإِمْلَاكِ وَيَجِبُ الْعَمَلُ بِذَلِكَ وَرَهْنُهُ وَإِجَارَتُهُ وَهِبَتُهُ وَعَارِيَّتُهُ كُلُّ ذَلِكَ صَحِيحُ وَلِوَاقِفِهِ أَنْ يَجْعَلَهُ مُؤَبَّدًا أَوْ مُؤَقَّتًا عَلَى غَيْرِهِ فَقَطْ أَوْ عَلَيْهِ وَعَلَى ذُرِّيَّتِهِ أَوْ عَلَى جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ الْخَيْرِ كَوَقُودِ مِصْبَاحٍ وَتَفْرِقَةِ خُبْزٍ وَتَسْبِيلِ مَاءٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَنُصُّ عَلَيْهِ الْوَاقِفُ وَيَرَاهُ وَيَشْتَرِطُ فِيهِ مَا يَجُوزُ لَهُ اشْتِرَاطُهُ مِنْ الْأُمُورِ الْجَائِزَةِ عَمَلًا بِمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا الشَّيْخُ نَاصِرُ الدِّينِ اللَّقَانِيُّ فِي فَتْوَاهُ انْتَهَى.
وَقَدْ بَحَثَ فِي ذَلِكَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُخْتَصَرِ بِكَلَامٍ طَوِيلٍ حَاصِلُهُ أَنَّ الْخُلُوَّ هُوَ مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَمَحَلُّ صِحَّةِ وَقْفِ الْمَنْفَعَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ مَنْفَعَةَ حَبْسٍ لِتَعَلُّقِ الْحَبْسِ بِهَا، وَمَا تَعَلَّقَ الْحَبْسُ بِهِ لَا يُحْبَسُ وَلَوْ صَحَّ وَقْفُ مَنْفَعَةِ الْوَقْفِ لَصَحَّ وَقْفُ الْوَقْفِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ شَرْعًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُوقَفُ مَا فُتِحَ مِنْ الْأَرْضِ عَنْوَةً وَلَوْ لِمَنْ أَقْطَعَهُ لَهُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهَا بِمُجَرَّدِ الْفَتْحِ صَارَتْ وَقْفًا فَلَا يَصِحُّ وَقْفُهَا شَرْعًا، وَلَا عَقْلًا وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ كُلَّ ذَاتٍ وُقِفَتْ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ الْوَقْفُ بِمَنْفَعَتِهَا، وَأَنَّ ذَاتَهَا مَمْلُوكَةٌ لِلْوَاقِفِ وَبِهَذَا تَعْلَمُ بُطْلَانَ تَحْبِيسِ الْخُلُوِّ، وَأَمَّا أُجْرَتُهُ فَيَصِحُّ تَحْبِيسُهَا لَكِنَّهُ يَبْطُلُ تَحْبِيسُهَا بِمَوْتِ الْمُحْبِسِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ تَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ فَتَكُونُ أُجْرَتُهَا لَهُ إلَّا أَنْ يُجِيزَ فِعْلَ مَوْرُوثِهِ انْتَهَى.
وَقَدْ بَالَغَ فِي عَدَمِ صِحَّةِ وَقْفِ الْخُلُوِّ، وَلَكِنْ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ مَا أَفْتَى بِهِ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ السَّنْهُورِيُّ مِنْ صِحَّةِ وَقْفِ الْخُلُوِّ وَجَرَى بِهِ الْعَمَلُ كَثِيرًا فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَيَلْزَمُ عَلَى بُطْلَانِهِ ضَيَاعُ أَمْوَالِ النَّاسِ وَكَثْرَةُ الْخِصَامِ الْمُؤَدِّي لِلتَّفَاقُمِ انْتَهَى كَلَامُ الْغَرْقَاوِيِّ مُلَخَّصًا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ صَحَّ وَقْفُ مَمْلُوكٍ، وَإِنْ مَنْفَعَةً وَلَوْ خُلُوَّ وَقْفٍ آخَرَ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ قَالَ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ الْمَذْكُورَةِ اعْلَمْ أَنَّ الْخُلُوَّ يُصَوَّرُ بِصُوَرٍ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْوَقْفُ آيِلًا لِلْخَرَابِ فَيُكْرِيهِ نَاظِرُ الْوَقْفِ لِمَنْ يُعَمِّرُهُ بِحَيْثُ يَصِيرُ الْحَانُوتُ مَثَلًا يُكْرَى بِثَلَاثِينَ نِصْفَ فِضَّةٍ وَيَجْعَلُ عَلَيْهِ لِجِهَةِ الْوَقْفِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَصَارَتْ الْمَنْفَعَةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا فَمَا قَابَلَ الدَّرَاهِمَ الْمَصْرُوفَةَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ هُوَ الْخُلُوُّ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ الْبَيْعُ وَالْوَقْفُ وَالْإِرْثُ وَالْهِبَةُ وَيُقْضَى مِنْهُ الدَّيْنُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَلَا يَسُوغُ لِلنَّاظِرِ إخْرَاجُهُ مِنْ الْحَانُوتِ وَلَوْ وَقَعَ عَقْدُ الْإِيجَارِ عَلَى سِنِينَ مُعَيَّنَةٍ كَتِسْعِينَ سَنَةٍ، وَلَكِنْ شَرْطُ ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ رِيعٌ يُعَمَّرُ بِهِ
الثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَسْجِدِ مَثَلًا حَوَانِيتُ مَوْقُوفَةٌ عَلَيْهِ وَاحْتَاجَ الْمَسْجِدُ لِتَكْمِيلٍ أَوْ عِمَارَةٍ وَيَكُونُ الدُّكَّانُ يُكْرَى الشَّهْرُ بِثَلَاثِينَ نِصْفًا مَثَلًا، وَلَا يَكُونُ هُنَاكَ رِيعٌ يُكَمَّلُ بِهِ الْمَسْجِدُ أَوْ يُعَمَّرُ بِهِ فَيَعْمِدُ النَّاظِرُ إلَى السَّاكِنِ فِي الْحَوَانِيتِ فَيَأْخُذُ مِنْهُ قَدْرًا مِنْ الْمَالِ يُعَمَّرُ بِهِ الْمَسْجِدُ وَيَجْعَلُ عَلَيْهِ خَمْسَةَ عَشَرَ مَثَلًا فِي كُلِّ شَهْرٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْفَعَةَ الْحَانُوتِ الْمَذْكُورَةِ شَرِكَةٌ بَيْنَ صَاحِبِ الْخُلُوِّ وَالنَّاظِرِ عَلَى وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا أَفْتَى بِهِ النَّاصِرُ كَمَا أَفَادَهُ الْأُجْهُورِيُّ.
الثَّالِثَةُ أَنْ تَكُونَ أَرْضٌ مُحْبَسَةً فَيَسْتَأْجِرَهَا مِنْ النَّاظِرِ وَيَبْنِيَ فِيهَا دَارًا مَثَلًا عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ كُلَّ شَهْرٍ لِجِهَةِ الْوَقْفِ ثَلَاثِينَ نِصْفًا
فِضَّةً، وَلَكِنَّ الدَّارَ تُكْرَى بِسِتِّينَ نِصْفَ فِضَّةٍ مَثَلًا فَالْمَنْفَعَةُ الَّتِي تُقَابِلُ الثَّلَاثِينَ الْأُخْرَى يُقَالُ لَهَا خُلُوٌّ، وَإِذَا اشْتَرَكَ فِي الْبِنَاءِ الْمَذْكُورِ جَمَاعَةٌ وَأَرَادَ بَعْضُهُمْ بَيْعَ حِصَّتِهِ فِي الْبِنَاءِ فَلِشُرَكَائِهِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ، وَإِذَا حَصَلَ خَلَلٌ فِي الْبِنَاءِ فَفِي الصُّورَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ الْإِصْلَاحُ عَلَى النَّاظِرِ وَصَاحِبِ الْخُلُوِّ عَلَى قَدْرِ مَا لِكُلٍّ وَفِي الْأَخِيرَةِ عَلَى صَاحِبِ الْخُلُوِّ وَحْدَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْخُلُوَّ مِنْ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ لَا مِنْ مِلْكِ الِانْتِفَاعِ إذْ مَالِكُ الِانْتِفَاعِ يَنْتَفِعُ بِنَفْسِهِ فَقَطْ، وَلَا يُؤَجِّرُ، وَلَا يَهَبُ، وَلَا يُعِيرُ وَمَالِكُ الْمَنْفَعَةِ لَهُ تِلْكَ الثَّلَاثَةُ مَعَ انْتِفَاعِهِ بِنَفْسِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَالِكَ الِانْتِفَاعِ يَقْصِدُ ذَاتَه مَعَ وَصْفِهِ كَإِمَامٍ وَخَطِيبٍ وَمُدَرِّسٍ وُقِفَ عَلَيْهِ بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ بِخِلَافِ مَالِك الْمَنْفَعَةِ فَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ الِانْتِفَاعُ بِالذَّاتِ بِأَيِّ مُنْتَفَعٍ كَمُسْتَعِيرٍ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ إعَارَتِهِ، ثُمَّ إنَّ مَنْ مَلَكَ الِانْتِفَاعَ وَأَرَادَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّهُ مِنْهُ وَيَأْخُذُهُ الْغَيْرُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَهْلِهِ حَيْثُ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ وَالْخُلُوُّ مِنْ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ فَلِذَلِكَ يُورَثُ وَلَيْسَ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُخْرِجَهَا عَنْهُ، وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ مُشَاهَرَةً وَالْإِجَارَةُ لِغَيْرِهِ فَلِذَلِكَ قَالَ الْأُجْهُورِيُّ وَاعْلَمْ أَنَّ الْعُرْفَ عِنْدَنَا بِمِصْرَ أَنَّ الْأَحْكَامَ مُسْتَمِرَّةٌ لِلْأَبَدِ، وَإِنْ عُيِّنَ فِيهَا وَقْتُ الْإِجَارَةِ مُدَّةً فَهُمْ لَا يَقْصِدُونَ خُصُوصَ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَالْعُرْفُ عِنْدَنَا كَالشَّرْطِ فَمَنْ احْتَكَرَ أَرْضًا مُدَّةً وَمَضَتْ فَلَهُ أَنْ يَبْقَى وَلَيْسَ لِلْمُتَوَلِّي أَمْرُ الْأَرْضِ إخْرَاجُهُ نَعَمْ إنْ حَصَلَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْقَصْرِ عَلَى زَمَنِ الْإِجَارَةِ لَا عَلَى الْأَبَدِ فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِذَلِكَ نَحْوُ: إنَّ مُدَّةَ الِاحْتِكَارِ كَذَا وَكَذَا.
(تَنْبِيهٌ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْخُلُوَّ اسْمٌ لِلْمَنْفَعَةِ الَّتِي جَعَلَ فِي مُقَابَلَتِهَا الدَّرَاهِمَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ وَقْفَ الْأُجْرَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْأُجْهُورِيِّ وَغَيْرِهِ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا وَمُخَالَفَةُ الْأُجْهُورِيِّ لِغَيْرِهِ إنَّمَا هِيَ فِي وَقْفِ الْمَنْفَعَةِ وَالْحَقُّ مَعَ غَيْرِهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ تِلْكَ الْمَنْفَعَةَ بَعْضُهَا مَوْقُوفٌ وَبَعْضُهَا غَيْرُ مَوْقُوفٍ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْخُلُوِّ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ أَمَّا إنْ كَانَ لِذِمِّيٍّ خُلُوٌّ فِي وَقْفِ الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ وَقْفِهِ عَلَى كَنِيسَةٍ مَثَلًا قَطْعًا بِالْعَقْلِ وَالنَّقْلِ هَذِهِ عِبَارَةُ الْحَاشِيَةِ وَقَوْلُهُ بِالْعَقْلِ أَيْ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ الْأَصْلِيَّ حَامِلٌ لِمَنْفَعَةِ الْخُلُوِّ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَحْمِلَ الْمَسْجِدَ لِلْكَنِيسَةِ وَالنَّقْلُ النُّصُوصُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ إذْلَالُ الْكُفْرِ وَهَذَا يُنَافِيهِ وَمَا نَقَلَهُ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ مِنْ أَنَّ وَقْفَ الْأُجْرَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي وَقْفِ الْمَنْفَعَةِ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْأُجْرَةَ نَاشِئَةٌ عَنْ الْمَنْفَعَةِ وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْأُجْهُورِيِّ مِنْ تَأْبِيدِ الْحِكْرِ وَلَوْ ذُكِرَ أَجَلٌ كَسِتِّينَ سَنَةً يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ ضَرْبَ الْأَجَلِ عَلَى هَذَا يَصِيرُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ ضَرَبَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْمَقْبُوضِ وَمَعَهُ تَأْبِيدُ الْحِكْرِ فَتَكُونُ الدَّرَاهِمُ عُجِّلَتْ فِي نَظِيرِ شَيْئَيْنِ: الْأَجَلُ الْمَضْرُوبُ وَالتَّأْبِيدُ بِالْحِكْرِ يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ إنَّ الْخُلُوَّ رُبَّمَا يُقَاسُ عَلَيْهِ الْجَدَكُ الْمُتَعَارَفُ فِي حَوَانِيتِ مِصْرَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ الْخُلُوُّ إنَّمَا هُوَ فِي الْوَقْفِ لِمَصْلَحَةٍ وَهَذَا يَكُونُ فِي الْمِلْكِ قِيلَ لَهُ إذَا صَحَّ فِي وَقْفٍ فَالْمِلْكُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ يَفْعَلُ فِي مِلْكِهِ مَا يَشَاءُ نَعَمْ بَعْضُ الْجَدَكَاتِ بِنَاءٌ أَوْ إصْلَاحُ أَخْشَابٍ فِي الْحَانُوتِ مَثَلًا بِإِذْنٍ وَهَذَا قِيَاسُهُ عَلَى الْخُلُوِّ ظَاهِرٌ خُصُوصًا وَقَدْ اسْتَنَدُوا فِي تَأْبِيدِ الْحِكْرِ لِلْعُرْفِ وَالْعُرْفُ حَاصِلٌ فِي الْجَدَكِ وَبَعْضُ الْجَدَكَاتِ وَضْعُ أُمُورٍ مُسْتَقِلَّةٍ فِي الْمَكَانِ غَيْرُ مُسْتَمِرَّةٍ فِيهِ كَمَا يَقَعُ فِي الْحَمَّامَاتِ وَحَوَانِيتِ الْقَهْوَةِ بِمِصْرَ فَهَذِهِ بَعِيدَةٌ عَنْ الْخَلَوَاتِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ لِلْمَالِكِ إخْرَاجُهَا وَكَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ مَا نَصُّهُ: قَدْ أَفْتَى شَيْخُنَا عَبْدُ الْبَاقِي بِإِبْطَالِ وَقْفِ الْخُلُوِّ فَرَاجَعَهُ