الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَمْتَعْتَهَا بِهِ وَقَالَ الِابْنُ هُوَ مِلْكُ أُمِّي أَرِثُ فِيهِ فَمَا الْحُكْمُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ الزَّوْجُ هُوَ الْمُدَّعِي فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ فَإِنْ أَقَامَهَا عَلَى التَّحْلِيَةِ وَالْإِمْتَاعِ أَوْ عَلَى مُجَرَّدِ التَّحْلِيَةِ وَسَلَّمَهَا الِابْنُ أَوْ عَجَزَ بَعْدَ الْإِعْذَارِ اخْتَصَّ الزَّوْجُ بِهِ وَحُمِلَ فِي الثَّانِي عَلَى الْإِمْتَاعِ وَإِلَّا فَهُوَ تَرِكَةٌ لِلزَّوْجِ رُبْعُهُ وَلِلِابْنِ مَا بَقِيَ فَفِي الْخَرَشِيِّ، وَأَمَّا تَحْلِيَةُ الزَّوْجَةِ فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْإِمْتَاعِ اهـ.
قَالَ الْعَدَوِيُّ وَمِثْلُ الزَّوْجَةِ أُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُرَادُ بِالْإِمْتَاعِ الِانْتِفَاعُ لَا التَّمْلِيكُ اهـ. وَتَبِعَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[رَجُل مَالُهُ حَرَامٌ وَيُرِيدُ أَنَّ يُعْطِيَ إنْسَانًا شَيْئًا مِنْهُ فَهَلْ يَجُوزُ لِلْمُعْطَى لَهُ أَخْذُهُ]
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ مَالُهُ حَرَامٌ وَيُرِيدُ أَنْ يُعْطِيَ إنْسَانًا شَيْئًا مِنْهُ فَهَلْ يَجُوزُ لِلْمُعْطَى لَهُ أَخْذُهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَجُوزُ لِلْمُعْطَى لَهُ أَخْذُهُ إذَا عَلِمَهُ حَرَامًا وَكَانَ بَاقِيًا بِعَيْنِهِ لَمْ يَفُتَّهُ الْغَاصِبُ بِنَحْوِ طَبْخٍ إجْمَاعًا إلَّا عَلَى وَجْهِ رَدِّهِ لِمَالِكِهِ إنْ عَلِمَهُ وَالتَّصْدِيقُ بِهِ عَنْهُ إنْ لَمْ يَعْلَمْهُ وَإِلَّا لَمْ يَحْرُمْ وَالْأَسْلَمُ عَدَمُ قَبُولِهِ إلَّا بِنِيَّةِ التَّصْدِيقِ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ بَيْنَ عَطَايَا الْخُلَفَاءِ وَغَيْرِهِمْ، وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي فَهُوَ فِي غَيْرِ الْخُلَفَاءِ وَالْعُمَّالِ الْمُفَوَّضِ لَهُمْ فِي صَرْفِ الْأَمْوَالِ بِاجْتِهَادِهِمْ أَمَّا الْخُلَفَاءُ وَمَنْ أُلْحِقَ بِهِمْ فَعَطَايَاهُمْ يَجُوزُ قَبُولُهَا عِنْدَ جَمِيعِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ قَالَ فِي النَّصِيحَةِ وَيَجِبُ الْبَحْثُ عَمَّا عُلِمَ غَالِبًا كَوْنُهُ حَرَامًا وَإِلَّا فَوَرَعٌ إنْ اسْتَنَدَ إلَى دَلِيلٍ وَحَرَامٌ إذَا لَمْ يَسْتَنِدْ؛ لِأَنَّهُ إذَايَةٌ وَسُوءُ ظَنٍّ بِصَاحِبِهِ قَالَ شَارِحُهَا ابْنُ زِكْرِيٍّ قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَنْ قَدَّمَ إلَيْك طَعَامًا أَوْ هَدِيَّةً أَوْ أَرَدْت أَنْ تَشْتَرِيَ مِنْهُ أَوْ تَتَّهِبَ فَلَيْسَ عَلَيْك أَنْ تُفَتِّشَ عَنْهُ وَتَسْأَلَ وَتَقُولَ هَذَا مِمَّا لَا أَتَحَقَّقُ حِلَّهُ فَلَا آخُذُهُ بَلْ أُفَتِّشُ عَنْهُ وَلَيْسَ لَك أَنْ تَتْرُكَ الْبَحْثَ فَتَأْخُذُ كُلَّ مَا يُتَيَقَّنُ تَحْرِيمُهُ بَلْ السُّؤَالُ وَاجِبٌ مَرَّةً وَحَرَامٌ مَرَّةً وَمَنْدُوبٌ مَرَّةً وَمَكْرُوهٌ مَرَّةً فَلَا بُدَّ مِنْ تَفْصِيلِهِ وَالْقَوْلُ الشَّافِي فِيهِ هُوَ أَنَّ مَظِنَّةَ السُّؤَالِ فِي مَوَاقِعِ الرِّيبَةِ وَمَثَارِهَا إمَّا أَمْرٌ يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ أَوْ يَتَعَلَّقُ بِصَاحِبِ الْمَالِ، ثُمَّ أَطَالَ الْقَوْلَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ وَتَفْصِيلِهِ عَلَى عَادَتِهِ وَلَخَصَّ ذَلِكَ فِي الْأَرْبَعِينَ فَقَالَ النَّاسُ فِي حَقِّك سِتَّةُ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ مَجْهُولًا فِي كُلِّ مَنْ أُخِذَ مَالُهُ وَالْحَذَرُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ بَلْ هُوَ مَحَطُّ الْوَرَعِ.
الثَّانِي: أَنْ تَعْرِفَهُ بِالصَّلَاحِ فَكُلْ مِنْهُ، وَلَا تَتَوَرَّعْ فَالْوَرَعُ مِنْهُ وَسْوَسَةٌ فَإِنْ أَدَّى إلَى الْإِيذَاءِ وَالْإِيحَاشِ فَهُوَ مَعْصِيَةٌ وَحَرَامٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِيذَاءِ وَسُوءِ الظَّنِّ بِالرَّجُلِ الصَّالِحِ.
الثَّالِثُ: أَنْ تَعْرِفَهُ بِالظُّلْمِ وَالرِّبَا حَتَّى عَلِمْت أَنَّ كُلَّ مَالِهِ أَوْ أَكَثْرَهُ حَرَامٌ كَالسَّلَاطِينِ الظَّلَمَةِ وَغَيْرِهِمْ فَمَالُهُمْ حَرَامٌ.
الرَّابِعُ: أَنْ تَعْرِفَ أَنَّ أَكْثَرَ أَمْوَالِهِ حَلَالٌ، وَلَكِنْ لَا يَخْلُو عَنْ حَرَامٍ كَرَجُلٍ لَهُ تِجَارَةٌ وَمِيرَاثٌ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ فِي عَمَلِ السُّلْطَانِ فَلَكَ الْأَخْذُ بِالْأَغْلَبِ لَكِنْ تَرْكُهُ مِنْ الْوَرَعِ الْمُهِمِّ.
الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ مَجْهُولًا عِنْدَك لَكِنْ تَرَى عَلَيْهِ عَلَامَةَ الظُّلْمِ كَالْقَبَاءِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَهَيْئَاتِ الْأَتْرَاكِ وَالظَّلَمَةِ فَهَذِهِ عَلَامَةٌ ظَاهِرَةٌ تُوجِبُ الْحَذَرَ فَلَا تَأْكُلْ مِنْ مَالِهِ إلَّا بَعْدَ التَّفْتِيشِ.
السَّادِسُ: أَنْ تَرَى عَلَيْهِ عَلَامَةَ الْفِسْقِ لَا عَلَامَةَ الظُّلْمِ كَطُولِ الشَّارِبِ وَانْقِسَامِ شَعْرِ الرَّأْسِ فَزَعًا وَرُؤْيَتِهِ يَشْتُمُ غَيْرَهُ أَوْ يَنْظُرُ إلَى امْرَأَةٍ فَإِنْ عَلِمْت لَهُ مَالًا مَوْرُوثًا أَوْ تِجَارَةً لَمْ يَحْرُمْ مَالُهُ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ أَمْرُهُ مَجْهُولًا عِنْدَك فَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ عَلَامَةَ الْفِسْقِ أَضْعَفُ دَلَالَةً مِنْ عَلَامَةِ الظُّلْمِ، وَلَكِنْ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْإِسْلَامِ يَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ دَلَالَةً أَظْهَرَ مِنْ دَلَالَةِ هَذِهِ الْعَلَامَةِ
عَلَى التَّحْرِيمِ، ثُمَّ رَوَاهُ هَذَا كُلُّهُ يَجِبُ أَنْ يَسْتَفْتِيَ الْمَرْءُ قَلْبَهُ فَإِذَا وَجَدَ فِيهِ حَزَازَةً فَلْيَجْتَنِبْ فَالْإِثْمُ حَزَازَةُ الْقُلُوبِ وَحِكَاكُ الصُّدُورِ، وَلَكِنْ هَاهُنَا دَقِيقَةٌ يَغْفُلُ عَنْهَا أَهْلُ الْوَرَعِ، وَهِيَ أَنَّهُ حَيْثُ التَّرْكُ مِنْ الْوَرَعِ أَوْ مِنْ حَزَازَةٍ فِي النَّفْسِ وَالسُّؤَالُ يُؤْذِي فَالْمَجْهُولُ إذَا قَدَّمَ لَك طَعَامًا فَإِذَا سَأَلْته مِنْ أَيْنَ اسْتَوْحَشَ وَتَأَذَّى وَالْإِيذَاءُ حَرَامٌ وَسُوءُ الظَّنِّ حَرَامٌ، وَإِنْ سَأَلْت غَيْرَهُ بِحَيْثُ يَدْرِي زَادَ الْإِيذَاءُ، وَإِنْ سَأَلْت بِحَيْثُ لَا يَدْرِي فَقَدْ تَجَسَّسَتْ وَأَسَأْت الظَّنَّ وَبَعْضُ الظَّنِّ إثْمٌ وَشُبْهَةٌ بِالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ وَتَرْكُ الْوَرَعِ لَيْسَ بِحَرَامٍ فَلَيْسَ لَك إلَّا التَّلَطُّفُ بِالتَّرْكِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا بِالْإِيذَاءِ فَعَلَيْك أَنْ تَأْكُلَ فَإِنَّ تَطْيِيبَ قَلْبِ الْمُسْلِمِ وَصِيَانَتَهُ عَنْ الْإِيذَاءِ أَهَمُّ مِنْ الْوَرَعِ فَإِنْ قُلْت لَوْ وَقَعَ طَعَامٌ حَرَامٌ فِي سُوقٍ فَهَلْ يُشْتَرَى مِنْ ذَلِكَ السُّوقِ؟ فَأَقُولُ إنْ تَحَقَّقَتْ أَنَّ الْحَرَامَ هُوَ الْأَكْثَرُ فَلَا تَشْتَرِ إلَّا بَعْدَ التَّفْتِيشِ، وَإِنْ عَلِمْت أَنَّ الْحَرَامَ كَثِيرٌ وَلَيْسَ بِالْأَكْثَرِ فَلَكَ الشِّرَاءُ وَالتَّفْتِيشُ الْوَرَعُ انْتَهَى.
، ثُمَّ قَالَ فِي النُّصْحِيَّةِ وَفِي الْأَخْذِ مِنْ الْوُلَاةِ لِلشُّيُوخِ طُرُقٌ قَالَ شَارِحُهَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَامِدٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي مِنْهَاجِ الْعَابِدِينَ فَمَا تَقُولُ فِي جَوَائِزِ السَّلَاطِينِ فِي هَذَا الزَّمَانِ فَاعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالَ قَوْمٌ كُلِّ مَا لَا يُتَيَقَّنُ أَنَّهُ حَرَامٌ فَلَهُ أَخْذُهُ وَقَالَ آخَرُونَ لَا يَحِلُّ أَنْ يَأْخُذَ مَا لَا يُتَيَقَّنُ أَنَّهُ حَلَالٌ؛ لِأَنَّ الْأَغْلَبَ فِي هَذَا الْعَصْرِ الْحَرَامُ وَالْحَلَالُ فِي أَيْدِيهِمْ مَعْدُومٌ عَزِيزٌ قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ فِي هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَكِلَاهُمَا إسْرَافٌ، ثُمَّ قَالَ فِي الْمِنْهَاجِ.
وَقَالَ قَوْمٌ صِلَاتُ السَّلَاطِينِ تَحِلُّ لِلْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ إذَا لَمْ يُتَحَقَّقْ أَنَّهَا حَرَامٌ وَإِنَّمَا التَّبَعَةُ عَلَى الْمُعْطِي وَقَالَ آخَرُونَ لَا يَحِلُّ مِنْ أَمْوَالِهِمْ شَيْءٌ لَا لِفَقِيرٍ، وَلَا لِغَنِيٍّ إذْ هُمْ مَوْسُومُونَ بِالظُّلْمِ وَالْغَالِبُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ السُّحْتُ وَالْحَرَامُ وَالْحُكْمُ لِلْغَالِبِ وَقَالَ آخَرُونَ مَا لَا يُتَيَقَّنُ أَنَّهُ حَرَامٌ فَهُوَ حَلَالٌ لِلْفَقِيرِ دُونَ الْغَنِيِّ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ الْفَقِيرُ أَنَّ ذَلِكَ عَيْنُ الْمَغْصُوبِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ إلَّا لِيَرُدَّهُ عَلَى مَالِكِهِ انْتَهَى. وَاخْتَارَ فِي الْإِحْيَاءِ أَنَّ الْحُكْمَ لِلْأَغْلَبِ فَإِنْ غَلَبَ الْحَرَامُ حَرُمَ، وَإِنْ غَلَبَ الْحَلَالُ وَفِيهِ حَرَامٌ مُتَيَقَّنٌ فَمَوْضِعُ تَوَقُّفٍ (وَفِي الْعُتْبِيَّةِ) سُئِلَ سَحْنُونٌ فَقِيلَ لَهُ قَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ يَقْبَلُ صِلَاتِ السُّلْطَانِ وَيَأْكُلُ طَعَامَهُ وَسَلَاطِينُ هَذَا الزَّمَانِ مَنْ قَدْ عَلِمْت هَلْ تَسْقُطُ شَهَادَتُهُ بِذَلِكَ؟ فَإِنْ قُلْت أَنَّهُ يُجَرَّحُ بِذَلِكَ فَقَدْ قَبِلَ جَوَائِزَ السُّلْطَانِ مَنْ قَدْ عَلِمْت مِنْ أَئِمَّةِ الْهُدَى وَالْعِلْمِ قَدْ أَخَذَ ابْنُ عُمَرَ جَوَائِزَ الْحَجَّاجِ وَأَخَذَ ابْنُ شِهَابٍ جَوَائِزَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْخُلَفَاءِ وَأَخَذَ مَالِكٌ جَوَائِزَ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ. فَإِنْ قُلْت إنَّهُمْ كَانُوا يَأْخُذُونَ عَلَى وَجْهِ الْخَوْفِ فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ بَايَنَ السُّلْطَانَ وَتَرَكَ الْأَخْذَ مِنْهُ فَلَمْ يَرَ إلَّا خَيْرًا وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ أَمَرَ لِمَالِكٍ بِثَلَاثِ صُرَرٍ دَنَانِيرَ فَاتَّبَعَهُ الرَّسُولُ بِهَا فَسَقَطَتْ صُرَّةٌ فِي الزِّحَامِ فَلَمَّا أَتَاهُ الرَّسُولُ بِالصُّرَّتَيْنِ سَأَلَهُ عَنْ الثَّالِثَةِ فَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ أَخَذَ غَيْرَهُمَا فَأَلْزَمَهُ مَالِكٌ بِالثَّالِثَةِ وَأَلَحَّ عَلَيْهِ فِيهَا حَتَّى أَتَى بِهَا بَعْضُ مَنْ وَجَدَهَا فَدَفَعَهَا إلَيْهِ فَمَالِكٌ لَمْ يَفْعَلْ هَذَا إلَّا مُتَطَوِّعًا فَإِنْ رَأَيْت طَرْحَ شَهَادَةِ مَنْ أَخَذَ مِنْ السُّلْطَانِ فَجَمِيعُ الْقُضَاةِ مِنْهُ يُرْزَقُونَ وَإِيَّاهُ يَأْكُلُونَ فَقَالَ سَحْنُونٌ أَمَّا قَوْلُك هَلْ يَكُونُ مِنْ قَبِلَ جَوَائِزَ السُّلْطَانِ سَاقِطُ الشَّهَادَةِ فَمَنْ قَبِلَ ذَلِكَ مِنْ الْعُمَّالِ الْمَضْرُوبِ عَلَى أَيْدِيهِمْ فَهُوَ سَاقِطُ الشَّهَادَةِ عِنْدَنَا، وَأَمَّا الْأَكْلُ عِنْدَهُمْ فَمَنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ الزَّلَّةُ وَالْفَلْتَةُ فَغَيْرُ مَرْدُودِ الشَّهَادَةِ، وَأَمَّا مَرْدُودُ الْأَكْلِ عِنْدَهُمْ فَسَاقِطُ الشَّهَادَةِ، وَأَمَّا مَا احْتَجَجْت بِهِ مِنْ قَبُولِ ابْنِ شِهَابٍ وَمَالِكٍ لِجَوَائِز السُّلْطَانِ فَقَدْ قِسْت بِغَيْرِ قِيَاسٍ وَاحْتَجَجْت بِمَا لَا يُحْتَجُّ بِهِ؛ لِأَنَّ قَبُولَ مَالِكٍ وَابْنِ شِهَابٍ إنَّمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَجَوَائِزُ الْخُلَفَاءِ جَائِزَةٌ
لَا شَكَّ فِيهَا عَلَى مَا شَرَطَ مَالِكٌ لِإِجْمَاعِ الْخَلْقِ عَلَى قَبُولِ الْعَطَاءِ مِنْ الْخُلَفَاءِ مَنْ يُرْضَى مِنْهُمْ وَمَنْ لَا يُرْضَى وَجُلِّ مَا يَدْخُلُ بُيُوتَ الْأَمْوَالِ بِالْأَمْرِ الْمُسْتَقِيمِ وَاَلَّذِي يَظْلِمُونَ مِنْهُ قَلِيلٌ فِي كَثِيرٍ وَلَمْ يُعْلَمْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْكَرَ أَخْذَ الْعَطَاءِ مِنْ زَمَنِ مُعَاوِيَةَ إلَى الْيَوْمِ، وَأَمَّا قَوْلُك فِي الْقُضَاةِ فَإِنَّهُمْ أُجَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا مَا ذُكِرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَقَدْ سَمِعْت عَلِيَّ بْنِ زِيَادٍ يُنْكِرُ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَيَدْفَعُهُ انْتَهَى كَلَامُ الْعُتْبِيَّةِ.
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُ سَحْنُونَ قَبُولُ الْجَوَائِزِ مِنْ الْعُمَّالِ الْمَضْرُوبِ عَلَى أَيْدِيهِمْ جُرْحَةٌ تُسْقِطُ الْعَدَالَةَ صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُ بَيِّنٌ إذْ قَبَضُوا ذَلِكَ مِنْ الْعُمَّالِ عَلَى الْجِبَايَةِ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا جُعِلَ لَهُمْ قَبْضُ الْأَمْوَالِ وَتَحْصِيلُهَا دُونَ وَضْعِهَا فِي وُجُوهِهَا وَمَوَاضِعِهَا بِالِاجْتِهَادِ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا الْأُمَرَاءُ الَّذِينَ فَوَّضَ لَهُمْ الْخَلِيفَةُ أَوْ خَلِيفَةُ الْخَلِيفَةِ قَبْضَ الْأَمْوَالِ وَجِبَايَتِهَا وَتَصْرِيفَهَا بِاجْتِهَادِهِمْ فِي وُجُوهِهَا وَمَوَاضِعِهَا كَالْحَجَّاجِ وَشَبَهِهِ مِنْ الْأُمَرَاءِ الْمُفَوَّضِ إلَيْهِمْ فِي الْأُمُورِ فَقَبْضُ الْجَوَائِزِ مِنْهُمْ كَقَبْضِهَا مِنْ الْخُلَفَاءِ فَإِنْ صَحَّ أَخْذُ ابْنُ عُمَرَ جَوَائِزَ الْحَجَّاجِ فَهَذَا وَجْهُهُ، وَأَمَّا الْقُضَاةُ وَالْحُكَّامُ وَالْأَجْنَادُ فَلَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا أَرْزَاقَهُمْ مِنْ الْعُمَّالِ الْمَضْرُوبِ عَلَى أَنَّهُمْ أَعْنِي الَّذِينَ فُوِّضَ إلَيْهِمْ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ وَضُرِبَ عَلَى أَيْدِيهِمْ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ إعْطَاءِ مَالِ اللَّهِ لِمَنْ يَرَوْنَهُ بِوَجْهِ اجْتِهَادِهِمْ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لَا بَأْسَ بِجَوَائِزِ الْخُلَفَاءِ أَمَّا جَوَائِزُ الْعُمَّالِ فَفِيهَا شَيْءٌ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْأُمُورَ كُلَّهَا مُفَوَّضَةٌ إلَيْهِمْ، وَإِنَّ الْخَلِيفَةَ قَدْ أَنْزَلَهُمْ فِي جَمِيعِهَا مَنْزِلَتَهُ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ فَلِذَلِكَ قَالَ إنَّ فِي أَخْذِ الْجَوَائِزِ مِنْهُمْ شَيْئًا يُرِيدُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ فَتَرْكُهُ أَحْسَنُ وَلَوْ تَحَقَّقَ التَّفْوِيضُ لَمْ يَكُنْ لِلْكَرَاهَةِ وَجْهٌ كَمَا أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ فِي إعْطَاءِ الْمَالِ بِاجْتِهَادِهِمْ لِمَنْ لَمْ يَعْمَلْ عَلَيْهِ عَمَلًا لَمْ يَكُنْ لِتَسْوِيغِ أَخْذِ الْجَوَائِزِ مِنْهُمْ وَجْهٌ فَإِذَا كَانَ الْمَجْبِيُّ حَلَالًا وَعَدَلَ فِي الْقِسْمَةِ فَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ الْجَوَائِزِ مِنْهُ.
وَإِذَا كَانَ الْمَجْبِيُّ حَلَالًا وَلَوْ يَعْدِلُ فِي الْقِسْمَةِ فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَ أَخْذَ الْجَوَائِزِ مِنْهُ وَهُمْ الْأَكْثَرُونَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَهُ حَتَّى يَعْدِلَ فِي الْقِسْمَةِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَجْبِيُّ يَشُوبُهُ حَلَالٌ وَحَرَامٌ فَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَ أَخْذَ الْجَوَائِزِ مِنْهُ وَهُمْ الْأَكْثَرُونَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ، وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ الْحَرَامُ فَلَهُ حُكْمُ الْحَرَامِ، وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ الْحَلَالُ فَلَهُ حُكْمُ الْحَلَالِ وَفِيهِ كَرَاهَةٌ ضَعِيفَةٌ، وَإِنْ كَانَ يَجْبِي الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ فَمَنْ أَخَذَ مِمَّا يَعْلَمُ أَنَّهُ حَرَامٌ فَلَهُ حُكْمُ الْمَجْبِيِّ الْحَرَامِ فَهَذَا مُحَصَّلُ الْقَوْلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ا. هـ. كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ بِنَقْلِ سَيِّدِي أَحْمَدَ أُقَيْتٍ قَالَ وَإِيَّاهُ يَنْقُلُ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَيَرَوْنَ أَنَّهُ تَحْصِيلُ الْمَذْهَبِ فِي هَذَا الْفَرْعِ، وَقَالَ فِي الْمَنْزَعِ النَّبِيلِ لِابْنِ مَرْزُوقٍ وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ الْعُمَّالِ لَهُ مَالٌ قَبْلَ الْعَمَلِ فَلَا بَأْسَ بِقَبُولِ جَائِزَتِهِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهَا مِنْ الْحَرَامِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ قَبْلَ الْعَمَلِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ وَجَوَائِزُ الْخُلَفَاءِ لَا شَكَّ أَنَّهَا حَلَالٌ قَالَ.
وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لَا يَحِلُّ مِنْ جَوَائِزِ الْخُلَفَاءِ إلَّا مَا كَانَ قَدْرَ حَقِّ مَنْ أُجِيزَ اهـ وَمِنْ جَامِعِ ابْنِ يُونُسَ وَمُخْتَصَرِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ قَالَ مَالِكٌ مِنْ قَوْلِ أَهْل الْمَدِينَةِ أَنَّ مَنْ بِيَدِهِ مَالٌ حَرَامٌ فَاشْتَرَى بِهِ دَارًا أَوْ ثَوْبًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ أَحَدًا فَلَا بَأْسَ أَنْ تَشْتَرِيَ أَنْتَ تِلْكَ الدَّارَ أَوْ الثَّوْبَ مِنْ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِالْمَالِ الْحَرَامِ اهـ.
قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ رُشْدٍ وَأَجَازَ قَبُولَ هَذَا الْمُشْتَرَى هِبَةً. ابْنُ سَحْنُونَ وَابْنُ حَبِيبٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَكَذَلِكَ هَؤُلَاءِ الْعُمَّالُ مَا اشْتَرَوْهُ فِي الْأَسْوَاقِ فَأَهْدَوْهُ لِرَجُلٍ جَازَ لِلْمُهْدَى لَهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَجْهُ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ الْحَرَامَ
تَرَتَّبَ فِي ذِمَّةِ الْبَائِعِ وَالْمُهْدِي فَهُوَ الْمُؤَاخَذُ بِهِ وَالْمَسْئُولُ عَنْهُ وَنَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ الطَّبَرِيِّ أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِيَدِهِ مَالٌ لَا يَدْرِي مِنْ حَلَالٍ كَسْبُهُ أَوْ مِنْ حَرَامٍ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ قَبُولُهُ لِمَنْ أُعْطِيهِ بَعْدَ أَنْ لَا يَعْلَمَهُ حَرَامًا بِعَيْنِهِ قَالَ وَبِنَحْوِ هَذَا قَالَتْ الْأَئِمَّةُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَرَكَهُ فَإِنَّمَا رَكِبَ فِي ذَلِكَ طَرِيقَ الْوَرَعِ وَتَجَنُّبِ الشُّبُهَاتِ؛ لِأَنَّ الْحَرَامَ لَا يَكُونُ إلَّا بَيِّنًا غَيْرَ مُشْكِلٍ وَنَحْوُ هَذَا قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي تَمْهِيدِهِ وَقَالَ عَنْ سُفْيَانَ جَوَائِزُ السُّلْطَانِ أَحَبُّ إلَى مِنْ صِلَاتِ الْإِخْوَانِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَمُنُّونَ وَالْإِخْوَانُ يَمُنُّونَ وَكَانَتْ هَدَايَا الْمُخْتَارِ تَأْتِي ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ الْحَسَنُ لَا يَرُدُّ عَطَاءَهُمْ إلَّا الْأَحْمَقُ أَوْ مُرَاءٍ وَهَذَا فِيمَا لَا يُعْلَمُ فِيهِ الْحَرَامُ بِعَيْنِهِ انْتَهَى بِنَقْلِ الْمَوَّاقِ.
وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ لِلْمُصَنِّفِ حَكَى لَنَا الْفَقِيهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقَرَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ السُّلْطَانَ أَبَا الْحَسَنِ الْمَرِينِيَّ دَعَا فُقَهَاءَ وَقْتِهِ إلَى وَلِيمَةٍ وَكَانُوا أَهْلَ عِلْمٍ وَدِينٍ فَكَانَ فِيهِمْ مَنْ قَالَ أَنَا صَائِمٌ وَمِنْهُمْ مَنْ أَكَلَ وَقَلَّلَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَكَلَ الْغَلَّاتِ كَالسَّمْنِ فَقَطْ وَمِنْهُمْ مَنْ شَمَّرَ لِلْأَكْلِ بِكُلِّهِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَاتُوا مِنْ طَعَامِ الْأَمِيرِ عَلَى وَجْهِ الْبَرَكَةِ فَإِنِّي صَائِمٌ فَسَأَلَهُمْ الشَّيْخُ وَأَظُنُّهُ أَبَا إبْرَاهِيمَ الْأَعْرَجَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ الْأَوَّلُ طَعَامُ شُبْهَةٍ تَسَتَّرْت مِنْهُ بِالصَّوْمِ كَمَا وَرَدَ وَقَالَ الثَّانِي كُنْت آكُلُ مِقْدَارَ مَا أَتَصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولُ الْأَرْبَابِ وَالْمُبَاشِرُ كَالْغَاصِبِ وَقَالَ الثَّالِثُ أَعْتَمِدُ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْغَلَّاتِ لِلْغَاصِبِ إذْ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ وَقَالَ الرَّابِعُ طَعَامٌ مُسْتَهْلَكٌ تَرَتَّبَتْ الْقِيمَةُ فِي ذِمَّةِ مُسْتَهْلِكِهِ فَحَلَّ تَنَاوُلُهُ وَقَدْ مَكَّنَنِي مِنْهُ فَحَلَّ لِي وَقَالَ الْخَامِسُ طَعَامٌ مُسْتَحَقٌّ لِلْمَسَاكِينِ قَدَرْت عَلَى اسْتِخْلَاصِهِ فَاسْتَخْلَصْته وَأَوْصَلْته إلَى أَرْبَابِهِ وَكَانَ تَصَدَّقَ بِمَا أَخَذَ قَالَ الْمُصَنِّفُ هَذَا أَحْرَى بِالصَّوَابِ لِجَمْعِهِ بَيْنَ الْفِقْهِ وَالْوَرَعِ وَمَا فَعَلَهُ الرَّابِعُ هُوَ صَرِيحُ الْفِقْهِ وَلُبَابِهِ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْإِنْسَانُ فَقِيهُ نَفْسِهِ بَعْدَ التَّوَقُّفِ فِي مَوْقِفِ الِاشْتِبَاهِ وَمَنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَصِيرَةٌ فَعَلَيْهِ بِالتَّحَفُّظِ مَا أَمْكَنَ وَقَدْ جَزَمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِتَحْرِيمِ أَمْوَالِ الظَّلَمَةِ وَأَنْكَرَهُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَائِلًا يَحْمِلُهُ الْوَرَعُ عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ تَوَرَّعَ فِي دِينِ اللَّهِ أَنْ يَقُولَ فِيهِ غَيْرَ مَا هُوَ حُكْمُ اللَّهِ كَانَ خَيْرًا انْتَهَى. بِنَقْلِ سَيِّدِي أَحْمَدَ أُقَيْتٍ قَالَ فِي النَّصِيحَةِ وَهَذَا مَعَ الْجَهْلِ قَالَ شَارِحُهَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْأَئِمَّةِ الْمُجِيزِينَ التَّقْيِيدَ بِمَا إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْ الْحَرَامِ اهـ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ لَهُ ثُلُثُ بَيْتٍ تَرَكَهُ وَأَقَامَ فِي بَلَدٍ آخَرَ مُدَّةً، ثُمَّ رَجَعَ لَهُ فَوَجَدَ بِنْتَ أُخْتِهِ سَاكِنَةً فِيهِ فَسَكَنَ مَعَهَا فِيهِ وَوَهَبَهُ لَهَا وَاسْتَمَرَّ سَاكِنًا مَعَهَا فِيهِ حَتَّى مَاتَ فَأَرَادَ وَارِثُهُ إخْرَاجَهَا وَأَخْذَ الثُّلُثِ الْمَوْهُوبِ لَهَا فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَهُ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ تَحُزْ الثُّلُثَ الْمَوْهُوبَ بَعْدَ الْهِبَةِ وَقَبْلَ عَوْدِ الْوَاهِبِ لِسُكْنَاهُ عَامًا فَأَكْثَرَ كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَشُرُوحِهِ وَابْنُ سَلْمُونٍ. وَابْنُ هَارُونَ قَالَ وَلَوْ وَهَبَهَا هُوَ أَيْ وَهَبَ الزَّوْجُ زَوْجَهُ الدَّارَ فَأَسْكَنَتْهُ فِيهَا حَتَّى مَاتَ بَطَلَتْ الْهِبَةُ إلَّا أَنْ تَكُونَ قَدْ حَازَتْهَا بِخُرُوجِهَا عَنْهَا عَامًا أَوْ عَامَيْنِ فَتَصِحُّ لَهَا انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ، وَإِذَا رَجَعَ الْمُتَصَدِّقُ إلَى دَارِ الصَّدَقَةِ بِإِسْكَانٍ أَوْ إعْمَارٍ أَوْ اكْتِرَاءٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَسَدَتْ الصَّدَقَةُ، وَإِنْ كَانَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ قَدْ حَازَهَا قَبْلَ ذَلِكَ أَقَلَّ مِنْ سَنَةٍ وَكَذَلِكَ إنْ كَتَبَ لَهُ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ كِتَابًا بِالْكِرَاءِ أَوْ السُّكْنَى أَوْ الْإِمْتَاعِ وَلَوْ يُعَمِّرُهَا الْمُتَصَدِّقُ فَهُوَ أَيْضًا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ سَكَنَ أَوْ عَمَّرَ، وَهِيَ بَاطِلَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرِيدًا أَوْ طَرِيدًا فَآوَاهُ فَهُوَ كَلَا رُجُوعَ، وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ الصَّدَقَةَ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الرُّجُوعُ بِالْإِرْفَاقِ أَوْ الْكِرَاءِ
وَالْعُمْرَى أَوْ غَيْرِهَا بَعْدَ أَنْ حَازَهَا الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ سَنَةً فَهَلْ تَبْطُلُ الصَّدَقَةُ أَمْ لَا فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ وَالْمَعْلُومُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ سَنَةٍ أَنَّهَا تَنْفُذُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَمَاعِ عِيسَى وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الْهِبَةَ تَبْطُلُ بِرُجُوعِ الْوَاهِبِ إلَى سُكْنَى الدَّارِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَخْلَاهَا الزَّمَنَ الطَّوِيلَ وَحَازَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ إذَا سَكَنَهَا فِي رُجُوعِهِ حَتَّى يَمُوتَ، وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ يَصِحُّ الْقَوْلُ بِحِيَازَةِ الْعَامِ فِي الْكِبَارِ الْمَالِكِينَ أُمُورَهُمْ، وَأَمَّا الصِّغَارُ فَمَتَى سَكَنَ أَوْ أَعْمَرَ وَلَوْ بَعْدَ عَامٍ بَطَلَ، وَكَذَلِكَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ فَقِفْ عَلَيْهِ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ سَلْمُونٍ وَعِبَارَةُ الْمُخْتَصَرِ، وَلَا إنْ رَجَعَتْ إلَيْهِ بَعْدَهُ بِقُرْبٍ بِأَنْ أَجَرَهَا أَوْ أَرْفَقَ بِهَا بِخِلَافِ سَنَةٍ أَوْ رَجَعَ مُخْتَفِيًا أَوْ ضَيْفًا فَمَاتَ انْتَهَى. وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ، وَلَا إنْ عَادَتْ لَهُ قَبْلَ السَّنَةِ بِخِلَافِ بَعْدَهَا وَالْعَوْدِ بِإِجَارَةٍ أَوْ إرْفَاقٍ لَا إنْ رَجَعَ مُخْتَفِيًا أَوْ ضَيْفًا فَمَاتَ فِيهَا انْتَهَى. وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي جَمَاعَةٍ يُقَالُ لَهَا الْمَرَاوِنَةِ يَتَحَارَبُونَ مَعَ جَمَاعَةٍ آخَرِينَ وَمَعَ الْمَرَاوِنَةِ رَجُلٌ آخَرُ مِنْ غَيْرِهِمْ، ثُمَّ إنَّ الْمُلْتَزِمَ تَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ وَذَكَرَ فِي الصَّكِّ أَنَّهُ لِلْمَرَاوِنَةِ فَهَلْ يَكُونُ الْمُتَصَدَّقُ بِهِ لِلْمَرَاوِنَةِ خَاصَّةً، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِمْ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ؟ وَإِنَّمَا هُوَ مُصَاحِبٌ لَهُمْ فِي الْحَرْبِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَابَ شَيْخُ مَشَايِخِي خَاتِمَةِ الْمُحَقِّقِينَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُعَوَّلِ عَلَيْهِ قَصْدُ الْمُلْتَزِمِ الَّذِي يُصَرِّحُ بِهِ أَوْ تَدُلُّ عَلَيْهِ الْقَرَائِنُ فَإِنْ كَانَ مُعَلَّقًا بِالْحَرْبِ فِي نَظِيرِ عَمَلِهِمْ فِي كَفِّ الْمُفْسِدِينَ مَثَلًا كَانَ كَمَعْلُومِ وَظِيفَةِ الْعَمَلِ إذَا قَبِلُوا رَجُلًا مَعَهُمْ فِي الْعَمَلِ دَخَلَ مَعَهُمْ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ خُصُوصَ تِلْكَ الْجَمَاعَةِ لِغَرَضٍ يَتَعَلَّقُ بِهَا خَاصَّةً كَمَحَبَّةِ الْمُلْتَزِمِ بِهِمْ مَثَلًا فَلَا دُخُولَ لِغَيْرِهِمْ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ وَرِثَتْ مِنْ زَوْجِهَا حُلِيًّا وَنَخِيلًا وَعَقَارًا بَاعَتْ بَعْضَهَا لِابْنِهَا الْبَالِغِ وَوَهَبَتْهُ الْبَاقِيَ وَحَازَهَا مُدَّةَ خَمْسِ سِنِينَ، وَهِيَ فِي حَالَةِ صِحَّتِهَا وَسَلَامَتِهَا فَهَلْ الْهِبَةُ صَحِيحَةٌ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَنْ قَالَ بِالْبُطْلَانِ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ رَشِيدَةً حَافِظَةً لِمَالِهَا، وَلَا حَجْرَ عَلَيْهَا لِأَبٍ أَوْ غَيْرِهِ وَخَالِيَةً مِنْ زَوْجٍ وَدَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ لَهُ فَالْهِبَةُ صَحِيحَةٌ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَنْ قَالَ بِالْبُطْلَانِ، وَإِنْ كَانَتْ سَفِيهَةً أَوْ مَحْجُورَةً لِأَبٍ أَوْ وَصِيٍّ فَالْهِبَةُ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَزَوِّجَةً فَلِزَوْجِهَا رَدُّ جَمِيعِ مَا تَبَرَّعَتْ بِهِ أَوْ بَعْضَهُ إنْ زَادَ عَلَى ثُلُثِ مَالِهَا، وَإِنْ كَانَتْ مَدِينَةً بِدَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ لَمَا وَهَبَتْهُ فَلِرَبِّ الدَّيْنِ رَدُّ الْهِبَةِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ وَهَبَ لِابْنِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ فِي حَيَاةِ ابْنِهِ جَمِيعَ مَالِهِ وَاسْتَمَرَّ الْوَاهِبُ حَائِزًا لِلْمَالِ وَمَا قَوْلُكُمْ فِي امْرَأَةٍ وَهَبَتْ ثُلُثَ مَالِهَا لِابْنِ ابْنِهَا، وَهُوَ صَغِيرٌ فِي حَيَاةِ ابْنِهَا وَاسْتَمَرَّتْ حَائِزَةً لِمَا وَهَبَتْ حَتَّى مَاتَتْ فَهَلْ تَبْطُلُ الْهِبَةُ فِي الصُّورَتَيْنِ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ بَطَلَتْ الْهِبَةُ فِي الصُّورَتَيْنِ بِسَبَبِ مَوْتِ الْوَاهِبِ فِي الْأُولَى وَالْوَاهِبَةِ فِي الثَّانِيَةِ قَبْلَ الْحِيَازَةِ عَنْهُمَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَحِيزَتْ الْهِبَةُ جَبْرًا وَأَبْطَلَهَا الْمَانِعُ قَبْلَهُ انْتَهَى وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ وَهَبَتْ مَا نَابَهَا مِنْ دَارِ زَوْجِهَا، وَهُوَ شَائِعٌ لِأَوْلَادِ ابْنٍ مِنْ ابْنَيْهَا وَلَهَا بِنْتٌ أَيْضًا، ثُمَّ مَاتَتْ الْوَاهِبَةُ قَبْلَ حَوْزِ الْهِبَةِ فَهَلْ تَبْطُلُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: نَعَمْ تَبْطُلُ هِبَتُهَا بِمَوْتِهَا قَبْلَ حَوْزِهَا عَنْهَا وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي خَمْسَةِ إخْوَةٍ مِنْهُمْ رَجُلٌ عَاجِزٌ عَنْ الْكَسْبِ كَتَبُوا وَثِيقَةً بِأَنَّ مَا يَكْتَسِبُهُ الْأَرْبَعَةُ بَيْنَ الْخَمْسَةِ وَالْعَاجِزُ كَوَاحِدٍ مِنْ الْمُكْتَسِبِينَ، فَهَلْ إذَا أَرَادُوا الْعُزْلَةَ يَخْرُجُ لِلْعَاجِزِ مَا يَنُوبُهُ أَوْ لَا؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَخْرُجُ لِلْعَاجِزِ مَا يَنُوبُهُ، وَهُوَ خُمُسُ مَا اكْتَسَبُوهُ فَإِنْ كَانَ مِائَةً أُخْرِجَتْ لَهُ عِشْرُونَ؛ لِأَنَّهَا هِبَةٌ أَوْ صَدَقَةٌ عَلَى مُعَيَّنٍ مُعَلَّقَةٌ عَلَى الِاكْتِسَابِ وَقَدْ حَصَلَ فَبُتِلَتْ بِحُصُولِهِ وَوَجَبَتْ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ أَبَوْا قُضِيَ عَلَيْهِمْ بِهَا لَهُ لِدُخُولِهَا فِي الْبَتْلِ الْمُعَيَّنِ الَّذِي اسْتَثْنَاهُ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ مَنْ نَفْيِ الْقَضَاءِ حَيْثُ قَالَ، وَإِنْ قَالَ دَارِي صَدَقَةٌ بِيَمِينٍ مُطْلَقًا أَوْ بِغَيْرِهَا وَلَمْ يُعَيِّنْ لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِ قَالَ الشَّبْرَخِيتِيُّ الْمُرَادُ بِالْيَمِينِ مَا الْتَزَمَهُ مِمَّا فِيهِ حَرَجٌ وَمَشَقَّةٌ أَيْ مَا الْتَزَمَهُ وَقَصَدَ بِهِ التَّشْدِيدَ وَالتَّغْلِيظَ كَأَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ مَثَلًا إنْ دَخَلْت دَارَ فُلَانٍ فَدَارِي صَدَقَةٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ عَلَى زَيْدٍ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ زَيْدًا، وَلَا فُقَرَاءَ.
وَأَمَّا إنْ كَانَ قَاصِدًا بِالْتِزَامِهِ الصِّلَةَ وَالْخَيْرَ فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْتِزَامُهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ لِمُعَيَّنٍ يُقْضَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الصِّلَةِ وَالْخَيْرِ، وَأَمَّا إنْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَدَارِي صَدَقَةٌ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الْيَمِينِ انْتَهَى قَالَ الْعَدَوِيُّ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَضَاءَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ أَمْرَيْنِ أَنْ يَكُونَ الشَّخْصُ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَوْ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ أَوْ الْمُحْبَسُ عَلَيْهِ مُعَيَّنًا وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِعَدَمِ الْيَمِينِ وَمَتَى انْتَفَى وَاحِدٌ فَيَجِبُ التَّنْفِيذُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَالِالْتِزَامُ إنْ كَانَ لِمُعَيَّنٍ يُقْضَى بِهِ وَلِغَيْرِ مُعَيَّنٍ لَا يُقْضَى بِهِ، وَأَمَّا النَّذْرُ فَلَا يُقْضَى بِهِ مُطْلَقًا كَمَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ دَفْعُ دِرْهَمٍ لِزَيْدٍ أَوْ لِلْفُقَرَاءِ، وَأَمَّا الْوَعْدُ فَإِنْ حَصَلَ فِيهِ تَوْرِيطٌ قُضِيَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِزَيْدٍ كَذَا فَهُوَ نَذْرٌ لَا يُقْضَى بِهِ كَذَا كَتَبَ بَعْضُ الشُّيُوخِ وَلِغَيْرِهِ أَنَّهُ يُقْضَى بِهِ؛ وَلِذَا قَالَ الشَّبْرَخِيتِيُّ فِي شَرْحِهِ، وَأَمَّا إنْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَدَارِي صَدَقَةٌ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الْيَمِينِ انْتَهَى.
وَفِي ابْنِ سَلْمُونٍ قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي مَسَائِلِهِ إذَا كَانَتْ الصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ فِي يَمِينٍ لِمُعَيَّنِينَ أَوْ لِغَيْرِ مُعَيَّنِينَ فَذَلِكَ سَوَاءٌ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِ يَمِينٍ فَإِنْ كَانَتْ لِمُعَيَّنِينَ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهَا، وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مُعَيَّنِينَ كَالْمَرْضَى وَنَحْوِهِمْ فَفِيهَا قَوْلَانِ فِي حَبْسِ الْمُدَوَّنَةِ وَفِي الْهِبَاتِ مِنْهَا انْتَهَى.
(فِي نَوَازِلِ ابْنِ هِلَالٍ سُؤَالٌ) عَنْ امْرَأَةٍ تَصَدَّقَتْ عَلَى أَخِيهَا بِنَصِيبِهَا مِنْ أَصْلٍ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهَا وَبَعْدَ ذَلِكَ قَامَتْ الْأُخْتُ أَوْ وَارِثُهَا فِي ذَلِكَ عَلَى الْأَخِ، وَأَرَادَتْ أَوْ أَرَادَ وَارِثُهَا ارْتِجَاعَ الصَّدَقَةَ وَزَعَمَتْ أَوْ زَعَمَ وَارِثُهَا أَنَّهَا لَمْ تَقْصِدْ بِذَلِكَ سَبِيلَ الْقُرْبَةِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَا فَعَلَتْهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ وَإِنَّمَا فَعَلَتْهُ بِسَبَبِ الْحَيَاءِ وَخَوْفًا مِنْ التَّعَايُرِ فِي مَجَامِعِ أَحْبَابِهَا إنْ لَمْ تَفْعَلْ فَهَلْ تَصِحُّ هَذِهِ الْهِبَةُ الْوَاقِعَةُ عَلَى الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ أَمْ لَا؟
جَوَابُهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ إنْ كَانَتْ عَادَتُهُمْ أَنَّ مَنْ طَلَبَتْ مِنْ أُخْتٍ أَوْ بِنْتٍ حَظَّهَا عُودِيَتْ وَقُطِعَ رَحِمُهَا وَعُيِّرَتْ بِذَلِكَ الطَّلَبِ وَلَمْ يُؤْخَذْ بِيَدِهَا عِنْدَ نَائِبَةٍ تَنْزِلُ بِهَا مِنْ زَوْجِهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَكَانَتْ الصَّدَقَةُ بِطَلَبٍ مِنْ الْأَخِ فَالصَّدَقَةُ غَيْرُ
عَامِلَةٍ، وَلَا لَازِمَةٍ وَلِلْأُخْتِ أَوْ وَرَائِهَا اسْتِرْجَاعُهَا وَسَوَاءٌ اسْتَحْفَظَتْ بِذَلِكَ شَهَادَةً أَمْ لَا قَالَ ابْنُ هِلَالٍ مَا أَجَابَ بِهِ شَيْخُنَا الْفَقِيهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ لِلنَّوَوِيِّ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمَسْأَلَةِ فَوْقَهُ صَحِيحٌ وَبِهِ أَقُولُ وَأَخَذَ ذَلِكَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْوَصَايَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ مَنْ أَوْصَى فِي مَرَضِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ فَأَجَازَ ذَلِكَ وَرَثَتُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْلُبَهُمْ الْمَيِّتُ أَوْ طَلَبَهُمْ إلَى تَمَامِ الْمَسْأَلَةِ وَقَالَ مَا نَصُّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْأُخْتَ إذَا سَكَتَتْ وَتَرَكَتْ مِيرَاثَهَا لِأَخِيهَا سِنِينَ أَوْ تَصَدَّقَتْ عَلَيْهِ بِطَلَبِ ذَلِكَ مِنْهَا أَنَّ لَهَا الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ قَالَ، وَهُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تَقُولُ لَوْ طَلَبْت ذَلِكَ مِنْهُ لَقَطَعَنِي وَمَنَعَنِي رِفْدَهُ وَلَمْ يَكُفَّ عَنِّي ظُلْمَ زَوْجِي اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَكَذَا نَقَلَ الْقَلْشَانِيُّ فِي بَابِ الْوَصَايَا مِنْ شَرْحِهِ عَلَى الرِّسَالَةِ كَلَامَ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْمَذْكُورِ مُسَلَّمًا.
(وَفِي نَوَازِلِ الْمَازِرِيِّ) وَسُئِلَ بَعْضُ فُقَهَاءِ بِلَادِنَا عَمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ قَوْمٍ مِنْ عَدَمِ تَوْرِيثِ الْبَنَاتِ فَمَنْ مَاتَ وَخَلَفَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ أَوْ إخْوَةً وَأَخَوَاتٍ فَلَا يُوَرِّثُونَ بِنْتًا، وَلَا أُخْتًا وَمَنْ طَلَبَتْ مِنْهُنَّ مِيرَاثَهَا وَأَبْرَزَتْ وَجْهَهَا وَعَزَمَتْ عَلَى أَخْذِ حَقِّهَا اجْتَمَعَ مَشَايِخُهُمْ وَذُو الْوَجَاهَةِ مِنْهُمْ وَجُمْهُورُهُمْ فَيُكَلِّمُونَهَا بِذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَجِدُوا مِنْهَا إلَّا الصُّلْحَ قَالُوا لَهَا اصْطَلِحِي مَعَ أَخِيك بِكَذَا مِنْ الْيَسِيرِ فَمَا تَرَى فِي هَذَا؟
(فَأَجَابَ) هَذَا وَأَمْثَالُهُ مِمَّا ثَبَتَ خِلَافُهُ فِي الشَّرِيعَةِ فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا ذُكِرَ فَهِبَةُ الْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْعَمَّاتِ بَاطِلَةٌ مَرْدُودَةٌ وَلَهُنَّ الرُّجُوعُ فِي حَيَاتِهِنَّ وَلِوَرَثَتِهِنَّ الْقِيَامُ بَعْدَ مَمَاتِهِنَّ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ حَقٍّ فَلِوَارِثِهِ وَلَوْ امْتَنَعْنَ مِنْ الْهِبَةِ لَأَوْجَبَ ذَلِكَ اسْتِهَانَتَهُنَّ وَالْغَضَبَ عَلَيْهِنَّ وَقَطْعَ مَتْنِهِنَّ فَإِذَا شَهِدَتْ الْعَادَةُ بِذَلِكَ فَلَا حِيَازَةَ عَلَيْهِنَّ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُنَّ مَقْهُورَاتٌ مَغْلُوبَاتٌ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُنَّ فِيهِ بِمَا يَدَّعِينَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُتَجَالَّاتِ ذَوَاتِ الْأَوْلَادِ وَغَيْرِهِنَّ هَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ عُيُونِ الْأَدِلَّةِ فِي بَابِ هِبَةِ الْأَخَوَاتِ وَالْعَمَّاتِ وَذَكَرَهَا أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُنْتَقَى فِي بَابِ هِبَةِ الْقَرَابَةِ وَبِذَلِكَ كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ لِوُجُودِ الْحَيَاءِ وَالْحِشْمَةِ وَيُقَالُ سَيْفُ الْحَيَاءِ أَقْطَعُ مِنْ سَيْفِ الْجَوَى ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ فِي آخِرِ بَابِ أَصْنَافِ الْمُغْتَرِّينَ مِنْ كِتَابِ الْإِحْيَاءِ انْتَهَى. قُلْت وَمِنْ الْإِكْرَاهِ الَّذِي تُعْذَرُ بِهِ الْمَرْأَةُ وَيَكُونُ لَهَا الرُّجُوعُ فِيمَا وَهَبَتْ إذَا مُنِعَتْ مِنْ التَّزْوِيجِ قَالَ صَاحِبُ الْمُغَارَسَةِ نَقْلًا عَنْ الْمُهَذَّبِ الْغَالِبُ فِي أَوْقَاتِنَا أَنَّ الْمَرْأَةَ تُعْطِي لِوَلِيِّهَا أَبًا أَوْ غَيْرَهُ أَوْ تَتْرُكُ مَالَهَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الْحُقُوقِ عِنْدَ مَنْعِهَا مِنْ النِّكَاحِ فَتَتْرُكُ حَقَّهَا لِكَيْ يَأْذَنَ لَهَا فِي التَّزْوِيجِ وَتَشْهَدُ لَهُ بِالرِّضَا وَالتَّسْلِيمِ فَذَلِكَ كُلُّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَهَا مُطَالَبَتُهُ بِمَا وَهَبَتْ أَوْ تَرَكَتْ أَوْ مُطَالَبَةُ وَارِثِهِ إنْ مَاتَ إلَّا أَنْ طَيَّبَتْ لَهُ ذَلِكَ وَسَوَّغَتْهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ قَادِحٍ اهـ.
وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ هِلَالٍ سُئِلَ عَنْ يَتِيمَةٍ عَضَلهَا وَلِيُّهَا عَنْ التَّزْوِيجِ حَتَّى أَعْطَتْهُ إرْثَهَا مِنْ أَبُوهَا فَأَجَابَ هِبَةُ الْمَحْجُورَةِ مَرْدُودَةٌ بَاطِلَةٌ فَكَيْفَ، وَهِيَ إنَّمَا كَانَتْ لِيَتْرُكَهَا تَتَزَوَّجَ فَلَهَا اسْتِرْجَاعُ كُلِّ مَا وَهَبَتْ مَتَى وَجَدَتْ لِذَلِكَ سَبِيلًا، وَلَا يَحِلُّ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ ذَلِكَ بَلْ يَلْزَمُهُ رَدُّ الْغَلَّةِ انْتَهَى. الْغَرَضُ مِنْهُ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ هِبَةَ الْأَخَوَاتِ مَعَ ثُبُوتِ الْعَادَةِ بِأَنَّهُنَّ لَا يَرِثْنَ غَيْرُ لَازِمَةٍ، وَأَنَّ حَقَّهُنَّ لَا يَبْطُلُ مَعَ التَّصْرِيحِ بِالْهِبَةِ مِنْهُنَّ فَعَدَمُ بُطْلَانِهِ بِمُجَرَّدِ السُّكُوتِ مِنْهُنَّ وَالْأَخُ يَتَصَرَّفُ مِنْ بَابِ أَوْلَى فَلَهُنَّ الرُّجُوعُ بِنَصِيبِهِنَّ مِنْ الْأَصْلِ وَفِي الرُّجُوعِ بِالْغَلَّةِ خِلَافٌ قَالَ فِي نَوَازِلِ الْبُيُوعِ مِنْ الْمِعْيَارِ وَسُئِلَ أَبُو عِمْرَانَ عَنْ أَخٍ كَانَ يَتَصَرَّفُ فِي مَوْرُوثِ أُخْتِهِ دَهْرًا طَوِيلًا، وَهِيَ حَاضِرَةٌ عَالِمَةٌ سَاكِنَةٌ إلَى أَنْ تُوُفِّيَا فَقَامَ
وَرَثَتُهَا يَطْلُبُونَ وَرَثَةَ الْأَخِ بِالْحَظِّ الَّذِي لِمُوَرِّثَتِهِمْ وَغَلَّتِهِ فَاحْتَجَّ وَرَثَتُهُ بِسُكُوتِهَا وَسُكُوتِ وَرَثَتِهَا بَعْدَهَا الزَّمَانَ الطَّوِيلَ فَهَلْ يَقْطَعُ سُكُوتُهَا حَقَّهَا أَمْ لَا بَيِّنُوا لَنَا ذَلِكَ؟
فَأَجَابَ الشَّيْخُ بِأَنْ قَالَ اعْلَمُوا رَحِمَكُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّ جَمَاهِيرَ عُلَمَائِنَا اخْتَلَفَتْ آرَاؤُهُمْ فِي السُّكُوتِ فَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْأَخَوَاتِ فِي الْغَلَّةِ وَالسُّكُوتُ دَلِيلٌ عَلَى الرِّضَا وَجَعَلَهُ مَعَ الزَّمَانِ الطَّوِيلِ الصَّرِيحَ بِالْهِبَةِ مِنْ الْأَخَوَاتِ لِإِخْوَتِهِنَّ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ عَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَنَّهُنَّ عَلَى حَقِّهِنَّ فِي الْغَلَّاتِ وَأَنَّ السُّكُوتَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْإِذْنِ وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رَأْيِهِ وَوَجْهِهِ أَنَّ السُّكُوتَ أَصْلٌ مُبْهَمٌ يُحْتَمَلُ وَالْأَصْلُ الَّذِي هُوَ ثُبُوتُ الْحَقِّ لِلْأَخَوَاتِ فِي الِابْتِدَاءِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فَلَا يَسْقُطُ الْحَقُّ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً بِالْأَمْرِ الْمُحْتَمَلِ آخِرًا وَانْتِهَاءً قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالْقَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْقَوْلِ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ فِي الصِّفَاتِ وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ الرَّسُولَ عليه الصلاة والسلام قَالَ «سُكُوتُ الْبِكْرِ إذْنٌ وَرِضًا مِنْهَا بِعَقْدِ النِّكَاحِ» عَلَيْهَا فَإِنْ قَصَرْنَا الْحَدِيثَ عَلَى الْبِكْرِ قُلْنَا بِدَلِيلِ الْخِطَابِ مِنْ أَنَّ غَيْرَ الْبِكْرِ بِخِلَافِهَا فِي السُّكُوتِ.
وَأَنَّ السُّكُوتَ مَقْصُورٌ عَلَى الْبِكْرِ فَالسُّكُوتُ لِمَعْنًى لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا، وَهُوَ الْحَيَاءُ الْمُوجِبُ لِسُكُوتِهَا لِئَلَّا يُنْسَبُ إلَيْهَا رَغْبَةُ النِّكَاحِ وَإِرَادَةُ الرَّجُلِ وَسَقَطَ الدَّلِيلُ وَرَجَعْنَا إلَى الْأَصْلِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ، وَهُوَ ثُبُوتُ الْحَقِّ وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْجَمَاعَةُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْوَاضِحَةِ أَنَّ السُّكُوتَ لَيْسَ بِإِذْنٍ، وَأَمَّا ابْنُ الْقَاسِمِ فَلَمْ يَنْظُرْ لِدَلِيلِ الْخِطَابِ وَجَعَلَ الْحَدِيثَ أَصْلًا فَكُلُّ مَنْ سَكَتَ عَنْ حَقٍّ كَانَ سُكُوتُهُ كَالْإِذْنِ الْمُصَرَّحِ انْتَهَى نَصُّهُ. يَعْنِي أَبَا عِمْرَانَ زَادَ الْوَنْشَرِيسِيُّ وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهُوَ إنْ كَانَ بَيْنَ الْإِخْوَةِ مِنْ الْأُلْفَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْوَقَارِ وَالْحَيَاءِ فَالْأَخَوَاتُ أَوْ وَارِثُهُنَّ بَاقُونَ عَلَى حُقُوقِهِنَّ، وَإِنْ طَالَتْ الْحِيَازَةُ، وَإِنْ عُرِفَ مِنْهُمْ غَيْرُ ذَلِكَ بَطَلَ حَقُّهُنَّ وَكُلُّ مَا قُلْنَاهُ إنَّمَا هُوَ فِي الْغَلَّةِ فَقَطْ، وَأَمَّا حَقُّهُنَّ فِي الْأَصْلِ فَلَا يَسْقُطُ بِسُكُوتِهِنَّ وَلَوْ بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْحَائِزُ لِذَلِكَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ أَوْ وَرِثَهُ مِنْ الْقَائِمَةِ أَوْ مِنْ وَرَثَتِهَا فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَفِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ خِلَافٌ فَهَذِهِ وَفَّقَكُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَقْوَالٌ كُلُّهَا مَذْهَبِيَّةٌ فَمَنْ حَكَمَ بِقَوْلٍ مِنْهَا فَهُوَ عَلَى صَوَابٍ يَنْفُذُ حُكْمُهُ وَيَمْضِي وَكُنَّا نَسْمَعُ مِنْ الْأَشْيَاخِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي نِسَاءِ الْبَوَادِي؛ لِأَنَّهُنَّ إذَا طَلَبْنَ حُقُوقَهُنَّ يَهْجُرُهُنَّ أَوْلِيَاؤُهُنَّ فَلَا تَجِدُ أَيْنَ تَبِيتُ زَائِرَةً أَوْ شَاكِيَةً ضَرَرًا لِحَقِّهَا مِنْ زَوْجِهَا فَلَا يَقْطَعُ سُكُوتُهَا حَقَّهَا إذَا كَانَ هَكَذَا وَوَقَعَ لِلْقَاضِي أَبِي سَالِمٍ الْيَزْنَاسِيِّ قَاضِي الْجَمَاعَةِ بِفَاسَ جَوَابٌ بِالْغَلَّةِ لِبِنْتِ الْعَمِّ بَعْدَ الْخَمْسِينَ سَنَةً وَمِثْلُهُ لِلشَّيْخِ سَيِّدِي قَاسِمٍ الْعُقْبَانِيِّ وَكَفَى بِهِمَا حُجَّةً انْتَهَى بِلَفْظِهِ.
قُلْت: قَوْلُهُ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي نِسَاءِ الْبَوَادِي لَا مَفْهُومَ لِنِسَاءِ الْبَوَادِي، وَإِنَّمَا الْمَدَارُ عَلَى عَدَمِ التَّوْرِيثِ كَمَا يُعْطِيهِ التَّعْلِيلُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا طَلَبْنَ حُقُوقَهُنَّ إلَخْ فَكُلَّمَا وُجِدَ ذَلِكَ التَّعْلِيلُ فِي بَادِيَةٍ أَوْ حَاضِرَةٍ لَمْ يَنْقَطِعْ الْحَقُّ بِالسُّكُوتِ. وَقَدْ نَقَلَ سَيِّدِي عَبْدُ الْقَادِرِ الْفَاسِيُّ فِي نَوَازِلِهِ جَوَابَ أَبِي عِمْرَانَ الْمُتَقَدِّمَ مُخْتَصَرًا أَوْ أَتْبَعَهُ بِكَلَامِ الْوَنْشَرِيسِيِّ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ مَا نَصُّهُ: وَبِمِثْلِ هَذَا أَفْتَى أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى السَّرَّاجُ وَقَالَ تَسْلِيمُ الْأَخَوَاتِ وَالْبَنَاتِ وَالْعَمَّاتِ فِي مِيرَاثِهِنَّ لَا يَلْزَمُهُنَّ وَلَهُنَّ رَدُّ ذَلِكَ وَلِوَرَثَتِهِنَّ بَعْدَ مَوْتِهِنَّ كُنَّ مُتَجَالَّاتٍ أَوْ صَغِيرَاتٍ لَهُنَّ أَوْلَادٌ أَمْ لَا وَمِثْلُهُ لِلْإِمَامِ النَّوَوِيِّ وَقَالَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ الْعَرَبِيُّ الْفَاسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الَّذِي اسْتَمَرَّتْ بِهِ الْفَتْوَى فِي مِثْلِ هَذِهِ النَّازِلَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ لِلْمَرْأَةِ الرُّجُوعَ فِي ذَلِكَ مَتَى شَاءَتْ