الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ فِي الْمَسْجِدِ حَرَامٌ لِإِخْلَالِهِ بِحُرْمَتِهِ وَإِيذَاءِ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ السَّالِمِينَ مِنْ دَاءِ شُرْبِ الدُّخَانِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ فِي هَذَا الزَّمَانِ نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ وَالْعَافِيَةَ وَيُنْدَبُ لِمَنْ أَرَادَ الْجُلُوسَ فِيهِ لِحَدِيثِ الدُّنْيَا الْمُبَاحِ وَمَنْ يَحْصُلُ مِنْهُ التَّعْفِيشِ بِطَاهِرٍ يَابِسٍ؛ لِأَنَّهُمَا مَكْرُوهَانِ لِإِخْلَالِهِمَا بِحُرْمَةِ الْمَسْجِدِ أَمَّا إنْ كَانَ الْحَدِيثُ حَرَامًا فَيَجِبُ الْمَنْعُ كَالْأَوَّلِ وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَقُولُ لِلْمُشْتَغِلِينَ فِي الْمَسْجِدِ بِحَدِيثِ الدُّنْيَا اُسْكُتُوا يَا أَوْلِيَاءَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ يَسْكُتُوا قَالُوا لَهُمْ اُسْكُتُوا يَا أَعْدَاءَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ يَسْكُتُوا قَالُوا لَهُمْ اُسْكُتُوا وَعَلَيْكُمْ لَعْنَةُ اللَّهِ» أَوْ كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم.
[أَرْض انْكَشَفَ الْبَحْرُ عَنْهَا هَلْ تَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ]
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي أَرْضٍ انْكَشَفَ الْبَحْرُ عَنْهَا هَلْ تَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ لِمَنْ تَلِيهِ هِيَ أَوْ لِمَنْ دَخَلَ الْبَحْرُ أَرْضَهُ؟ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ تَكُونُ لِمَنْ تَلِيهِ هِيَ قَالَهُ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَعَلَيْهِ حَمْدِيسٌ وَبِهِ الْفَتْوَى وَالْقَضَاءُ وَقَالَ سَحْنُونٌ وَأَصْبَغُ وَمُطَرِّفٌ وَتَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ كَمَا كَانَ الْبَحْرُ كَذَا فِي الْعَدَوِيِّ عَنْ الْبَدْرِ وَتَبِعَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآله وَسَلَّمَ.
[مَسَائِلُ الْوَقْفِ]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الْوَقْفِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَقِيقٍ لِيَتِيمٍ قَائِمٍ بِأَمْرِهِ وَمَوْهُوبٍ لَهُ مِنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ هِبَةً لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ بِهَذَيْنِ الْقَيْدَيْنِ هَلْ يَكُونُ وَقْفًا بِذَلِكَ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَصَدَّقْت وَوَهَبْت حَيْثُ حَصَلَ الْقَيْدُ وَبَعْدَ وَفَاةِ الْأَبِ بَاعَتْ الْأُمُّ الرَّقِيقَ فِي صِغَرِ الْيَتِيمِ مِنْ غَيْرِ حُصُولِ شَرْطٍ مِنْ الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ لِبَيْعِ مَالِ الْيَتِيمِ وَالرَّقِيقُ خَمْسَةُ رُءُوسٍ وَقْتَ الْبَيْعِ، وَلَمَّا رَشَدَ الْيَتِيمُ طَالَبَ الْمُشْتَرِيَ عَلَى يَدِ بَعْضِ الْقُضَاةِ فَأَمْضَى الْبَيْعَ وَحُكِمَ بِهِ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ لِشَرْطٍ مِنْ الشُّرُوطِ فَهَلْ يُنْقَضُ الْبَيْعُ وَلَا يُعْتَبَرُ هَذَا الْحُكْمُ؟ وَإِذَا قُلْتُمْ بِنَقْضِهِ فَهَلْ يَتْبَعُ الْمُشْتَرِيَ وَهُوَ عَالِمٌ بِغَلَّتِهِ؟ وَمَاذَا يَلْزَمُ الْحَاكِمَ بِمَا تَقَدَّمَ جَاهِلًا أَوْ مُتَعَمِّدًا لِغَيْرِ الْحَقِّ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَكُونُ الرَّقِيقُ وَقْفًا عَلَى الْوَلَدِ وَعَقِبِهِ، وَإِنْ انْقَرَضَ رَجَعَ حَبْسًا لِأَقْرَبِ فُقَرَاءِ عَصَبَةِ الْأَبِ وَالْأُمِّ الْمُحْبِسَيْنِ وَلِامْرَأَةٍ لَوْ رُجِّلَتْ عُصِّبَتْ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَصَدَّقْت وَوَهَبْت حَيْثُ تَحَقَّقَ قَيْدُ إرَادَةِ التَّحْبِيسِ مِنْ شَرْطِ عَدَمِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهِ عَلَى أَنَّ هَذَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ الْأَئِمَّةِ حَسْبَمَا فِي ابْنِ سَلْمُونٍ وَنَصُّهُ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ فِيمَنْ وَهَبَ هِبَةً لِرَجُلٍ عَلَى أَنْ لَا يَهَبَ وَلَا يَبِيعَ أَنَّ ذَلِكَ حَبْسٌ عَلَيْهِ وَعَلَى عَقِبِهِ فَإِنْ انْقَرَضَ عَقِبُهُ رَجَعَ حَبْسًا عَلَى أَقْرَبِ النَّاسِ لِلْمُحْبِسِ يَوْمَ يَرْجِعُ إلَيْهِ انْتَهَى.
وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الرَّقِيقَ فِي هَذِهِ النَّازِلَةِ حَبْسٌ فَبَيْعُهُ بَاطِلٌ يَجِبُ نَقْضُهُ، وَلَا عِبْرَةَ بِإِمْضَائِهِ جَهْلًا أَوْ تَعَمُّدًا لِلْبَاطِلِ وَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِمَّنْ حَكَمَ كَذَلِكَ وَوَجَبَ عَزْلُهُ وَتَأْدِيبُهُ عَلَى مَنْ بَسَطَ اللَّهُ يَدَهُ وَوَلَّاهُ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيَتْبَعُ الْمُشْتَرِيَ، وَهُوَ عَالِمٌ بِوَقْفِيَّتِهِ بِغَلَّتِهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْغَلَّةُ لِلْمُشْتَرِي إلَّا أَنْ يَعْلَمَ بِوَقْفِيَّتِهِ عَلَى
مَنْ لَمْ يَرْضَ بَيْعَهُ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ رِضَا الرَّشِيدِ وَالنَّفَقَةُ فِي الْغَلَّةِ رَأْسًا بِرَأْسٍ كَمَا لِلْمَوَّاقِ فِي الْخِيَارِ وَغَيْرِهِ انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ، وَإِذَا تَعَدَّى الْمُحْبَسُ عَلَيْهِ عَلَى الْحَبْسِ فَبَاعَهُ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِ الْمُبْتَاعَ وَعَلَى الْبَائِعِ الْأَدَبُ فِي ذَلِكَ إنْ كَانَ عَالِمًا بِأَنَّهُ حَبْسٌ وَهَلْ يَرْجِعُ عَلَى الْمُبْتَاعِ بِالْغَلَّةِ وَالْكِرَاءِ؟ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ قَالَ فِي الِاسْتِغْنَاءِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فِي قَوْلِ ابْنِ قَاسِمٍ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ حَبْسٌ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَدَلِيلُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يَغْرَمُ وَدَلِيلُ رِوَايَةِ عِيسَى أَنَّهُ لَا غُرْمَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْغَلَّةُ وَالْكِرَاءُ لِلْمُبْتَاعِ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالْحَبْسِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الشُّيُوخُ وَتَقَلَّدُوهُ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ وَبَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ، وَأَمَّا إنْ عَلِمَ بِهِ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِذَلِكَ بِاتِّفَاقٍ وَقَالَ ابْنُ سَهْلٍ فِي أَحْكَامِهِ إنْ كَانَ الْمُحْبَسُ عَلَيْهِ هُوَ الْبَائِعُ وَكَانَ مَالِكُ أَمْرِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُؤَاخِذَ الْمُبْتَاعَ بِشَيْءٍ مِنْ الْغَلَّةِ.
وَإِنْ عَلِمَ حِينَ ابْتَاعَهُ أَنَّهُ حَبْسٌ وَقَدْ نَزَلْتُ بِقُرْطُبَةَ فَأَفْتَيْت بِذَلِكَ وَخَالَفَنِي فِي ذَلِكَ غَيْرِي، وَهُوَ خَطَأٌ فَإِنْ كَانَ قَبَضَ الثَّمَنَ رَدَّهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ اسْتَنْفَذَهُ وَلَمْ يَجِدْ مِنْ أَيْنَ يَأْخُذُهُ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ ذَلِكَ مِنْ غَلَّةِ الْحَبْسِ حَيَاةَ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ رَجَعَ الْحَبْسُ إلَى مَرْجِعِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ انْتَهَى.
وَفِي مُخْتَصَرِ الْمُتَيْطِيَّةِ لِابْنِ هَارُونَ تَلْخِيصٌ قَالَ الشُّيُوخُ الْمُسْتَحَقُّ عَلَى ضَرْبَيْنِ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُسْتَحَقِّ مِنْهُ وَغَيْرُ مَضْمُونٍ فَالْمَضْمُونُ يَأْتِي وَغَيْرُ الْمَضْمُونِ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَحَقُّ مِنْهُ أَدَّى فِيهِ ثَمَنًا وَالثَّانِي لَمْ يُؤَدِّ فِيهِ ثَمَنًا فَمَا أَدَّى فِيهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ لِوُجُوبِ الرُّجُوعِ لَهُ بِالثَّمَنِ كَالرَّجُلِ يَشْتَرِي الْعَبْدَ، ثُمَّ يُسْتَحَقُّ مِنْ يَدِهِ بِحَبْسٍ فَقِيلَ الْغَلَّةُ لَهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي أَدَّى؛ لِأَنَّهُ فِي ضَمَانِهِ فِي عَدَمِ الْبَائِعِ رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَبِهِ جَرَى الْعَمَلُ فِيمَا يُسْتَحَقُّ مِنْ الْأُصُولِ بِالْحَبْسِ وَقِيلَ يَرُدُّ الْغَلَّةَ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ فَلَمْ يَكُنْ ضَامِنًا لِشَيْءٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّ غَلْقَ الْغَلَّةِ فِيهَا بِالضَّمَانِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يُؤَدِّ فِيهِ ثَمَنًا كَالْوَارِثِ، ثُمَّ يَأْتِي مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِالْوِرَاثَةِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَرُدُّ مَا اخْتَلَّ أَوْ سَكَنَ لِانْتِفَاءِ الضَّمَانِ عَنْهُ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ إذَا سَكَنَ، وَأَتَى مَنْ يُشَارِكُهُ فِي الْإِرْثِ لَا مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
(فَرْعٌ) وَأَمَّا الْحَبْسُ إذَا اغْتَلَّهُ أَوْ سَكَنَهُ بَعْضُ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ وَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ الْمُنْفَرِدُونَ بِهِ، ثُمَّ أَتَى مَنْ يُشَارِكُهُمْ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ الصَّدَقَةِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالسُّكْنَى، وَلَا بِالْغَلَّةِ وَقِيلَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهِمَا، وَهُوَ جَارٍ عَلَى رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ الْمُتَقَدِّمَةِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَبْسُوطِ يَرْجِعُ بِالْغَلَّةِ لَا بِالسُّكْنَى، وَلَا فَرْقَ فِي الْقِيَاسِ بَيْنَ الْحَبْسِ وَغَيْرِهِ، وَلَا بَيْنَ الِاسْتِغْلَالِ وَغَيْرِهِ. فَإِنْ قُلْت فَمَا بَالُ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَا يَرُدُّ غَلَّةَ مَا اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ، وَهُوَ لَمْ يُؤَدِّ ثَمَنًا، وَلَا هُوَ ضَامِنٌ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْوَارِثَ وَالْمَوْهُوبَ لَهُ يَحِلَّانِ مَحَلَّ مَنْ صَارَ ذَلِكَ إلَيْهِمَا عَنْهُ فِي وُجُوبِ الْغَلَّةِ فَلَوْ كَانَ يَرُدُّ الْغَلَّةَ بِكَوْنِهِ غَاصِبًا لَوَجَبَ أَنْ يَرُدَّاهَا إلَّا أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيمَنْ يَبْدَأُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا الْمَشْهُورُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُبْدَأُ بِالْغَاصِبِ فَإِنْ أُعْدِمَ رَجَعَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ هُوَ عَلَى الْغَاصِبِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الَأَكْرِيَةِ الْقَوْلُ الثَّانِي قَوْلُ الْغَيْرِ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالْمَوْهُوبِ لَهُ فَإِنْ كَانَ مُعْدِمًا رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ، ثُمَّ اُخْتُلِفَ إذَا رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ فِي هَذَا الْقَوْلِ فَقِيلَ يَرْجِعُ بِمَا غَرِمَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ وَقِيلَ لَا وَالثَّالِثُ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ يَرْجِعُ عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ يَزِيدُ، وَلَا رُجُوعَ لِمَنْ رَجَعَ عَلَيْهِ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ قَالَ أَشْهَبُ وَاخْتَارَهُ سَحْنُونٌ وَمِثْلُهُ الطَّعَامُ يَبْتَاعُهُ الرَّجُلُ مِنْ الْغَاصِبِ وَيَأْكُلُهُ فَإِنَّ رَبَّهُ مُخَيَّرٌ فِي اتِّبَاعِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا
وَهُوَ تَمْثِيلٌ مُعْتَرَضٌ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِالثَّمَنِ وَالْمَوْهُوبُ لَهُ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ وَرُوِيَ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ لَا يَرُدُّ الْغَلَّةَ، وَهُوَ بَعِيدٌ إلَّا أَنْ يُتَأَوَّلَ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى عَلَى أَنَّ الْغَلَّةَ لِلْغَاصِبِ بِضَمَانِهِ فَيَتَنَزَّلُ الْمَوْهُوبُ مَنْزِلَتَهُ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ هَارُونَ وَقَالَ أَيْضًا مَسْأَلَةٌ وَلَوْ كَانَتْ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَ، وَلَا يَهَبَ فَفِي ذَلِكَ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ.
أَحَدُهَا: أَنَّ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا أَنْ يُسْقِطَ الْمُعْطِي شَرْطَهُ فَإِنْ مَاتَ الْمُعْطِي أَوْ الْمُعْطَى قَبْلَ الْإِسْقَاطِ بَطَلَتْ الصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ وَنَحْوُهُ رَوَى سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلٍ فِيهِمَا الْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْوَاهِبَ مُخَيَّرٌ فِي اسْتِرْجَاعِ هِبَتِهِ أَوْ يَتْرُكُ الشَّرْطَ فَتَصِحُّ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ فَالْعَطِيَّةُ فِي هَذَا الْقَوْلِ عَلَى الْإِجَازَةِ حَتَّى تُرَدَّ وَفِي الَّذِي قَبْلَهُ عَلَى الرَّدِّ.
الثَّالِثُ: أَنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ وَالْهِبَةَ جَائِزَةٌ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ
الرَّابِعُ: أَنَّ الشَّرْطَ وَالْهِبَةَ مَاضِيَانِ فَتَكُونُ الْعَطِيَّةُ عَلَى هَذَا بِيَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْحَبْسِ لَا يَبِيعُ، وَلَا يَهَبُ حَتَّى يَمُوتَ فَإِذَا مَاتَ وُرِثَتْ عَنْهُ كَمَالِهِ، وَهُوَ قَوْلُ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَقَوْلُ مُطَرِّفٍ فِي الْوَاضِحَةِ، وَهُوَ أَصْوَبُ الْأَقْوَالِ
الْخَامِسُ: قَوْلُ سَحْنُونَ أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ حَبْسًا عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ فَإِنْ مَاتَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ رَجَعَ ذَلِكَ لِلْمُعْطِي أَوْ لِوَرَثَتِهِ إنْ مَاتَ أَوْ لِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلِ مَالِكٍ فِيمَنْ حَبَسَ عَلَى مُعَيَّنِينَ اهـ.
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي أَرْضٍ نَحْوُ أَلْفِ ذِرَاعٍ مُحْبَسَةٍ عَلَى الْجَامِعِ الْكَبِيرِ بِمَدِينَةِ إسْنَا بِأَقْصَى صَعِيدِ مِصْرَ طَرَحَ النَّاسُ أَتْرِبَةً وَأَقْذَارًا فِيهَا حَتَّى صَارَتْ تَلًّا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْحَالِ فَأَجَرَهَا نَائِبُ الْقَاضِي تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سَنَةً لِمَنْ يَنْقُلُ مَا فِيهَا مِنْ الْأَتْرِبَةِ وَالْأَقْذَارِ وَيَبْنِيهَا خَانًا كُلَّ سَنَةٍ بِأَرْبَعَةِ أَرْطَالِ زَيْتٍ لَا غَيْرَ، وَأَزَالَ الْمُكْتَرِي مَا فِيهَا وَأَصْلَحَهَا فَحَصَلَتْ الرَّغْبَةُ فِيهَا بِزَائِدٍ عَنْ تِلْكَ الْأُجْرَةِ فَهَلْ تُفْسَخُ تِلْكَ الْإِجَارَةُ وَيَصِيرُ الْأَنْفَعُ لِلْوَقْفِ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ تُفْسَخُ إنْ وُجِدَ حِينَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ مَنْ يَسْتَأْجِرُهَا بِأُجْرَةٍ زَائِدَةٍ عَمَّا ذُكِرَ أَمَّا إنْ لَمْ يُوجَدْ حِينَ الْعَقْدِ مَنْ يَسْتَأْجِرُهَا بِزَائِدٍ عَمَّا ذُكِرَ فَإِنَّهَا لَا تُفْسَخُ، وَلَا تُعْتَبَرُ الرَّغْبَةُ فِي إجَارَتِهَا بِزَائِدٍ عَمَّا اُسْتُؤْجِرَتْ بِهِ الْحَادِثَةُ بَعْدَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَنَقْلِ مَا فِيهَا وَقَدْ أَفْتَى جَمَاعَةٌ مِنْ مُحَقِّقِي الْمُتَأَخِّرِينَ بِجَوَازِ إجَارَةِ الْوَقْفِ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ لِمَنْ يُعَمِّرُهُ وَيَخْتَصُّ بِزَائِدِ غَلَّتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَقْفِ رِيعٌ يُعَمَّرُ بِهِ وَوَقَعَتْ الْإِجَارَةُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فِي وَقْتِهَا وَجَرَى الْعَمَلُ بِفَتْوَاهُمْ إلَى الْآنَ فِي مِصْرَ. قَالَ الْعَلَّامَةُ الْعَدَوِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْخَرَشِيِّ اعْلَمْ أَنَّ لِلْخُلُوِّ صُوَرًا مِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْوَقْفُ آيِلًا لِلْخَرَابِ فَيُكْرِيه نَاظِرُهُ لِمَنْ يُعَمِّرُهُ بِحَيْثُ يَصِيرُ الْحَانُوتُ مَثَلًا يُكْرَى بِثَلَاثِينَ نِصْفَ فِضَّةٍ وَيُجْعَلُ عَلَيْهِ لِجِهَةِ الْوَقْفِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَصَارَتْ الْمَنْفَعَةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا فَمَا قَابَلَ الدَّرَاهِمَ الْمَصْرُوفَةَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ هُوَ الْخُلُوُّ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ الْبَيْعُ وَالْوَقْفُ وَالْإِرْثُ وَالْهِبَةُ وَيُقْضَى مِنْهُ الدَّيْنُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَلَا يَسُوغُ لِلنَّاظِرِ إخْرَاجُهُ مِنْ الْحَانُوتِ وَلَوْ وَقَعَ الْإِيجَارُ عَلَى سِنِينَ مُعَيَّنَةٍ كَتِسْعِينَ سَنَةٍ، وَلَكِنْ شَرْطُ ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ الرِّيعُ يُعَمَّرُ بِهِ انْتَهَى.
وَفِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيِّ وَسُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَمَّنْ حَبَسَ عَلَى فُقَرَاءِ بَنِي إِسْحَاقَ فَاشْتَرَى رَجُلٌ نَصِيبَ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهُ بِثَمَنٍ، ثُمَّ خَافَ أَنْ لَا يَصِحَّ لَهُ الْبَيْعُ لِشُهْرَةِ الْحَبْسِ فَعَقَدَ لَهُ عَلَى اكْتِرَائِهِ خَمْسِينَ عَامًا وَتَمَلَّكَهَا الْمُكْتَرِي أَعْوَامًا وَتُوُفِّيَ فَقِيمَ عَلَى وَلَدِهِ فَأَظْهَرُوا
عَقْدَ الشِّرَاءِ فَأُخِذَ عَلَيْهِمْ فِيهِ فَأَظْهَرُوا عَقْدَ الْكِرَاءِ وَتَعَلَّقُوا بِهِ إلَى آخِرِ مُدَّتِهِ أَوْ مَوْتِ الْمُكْرِي فَهَلْ يَصِحُّ هَذَا الْكِرَاءُ لِهَذِهِ الْمُدَّةِ أَمْ لَا وَهَلْ تَحْبِيسُهُ عَلَى فُقَرَاءِ بَنِي إِسْحَاقَ كَالتَّحْبِيسِ عَلَى مُعَيَّنِينَ أَوْ كَالْحَبْسِ عَلَى الْمَسَاجِدِ.
فَأَجَابَ إنْ وَقَعَ الْكِرَاءُ لِهَذِهِ الْمُدَّةِ عَلَى النَّقْدِ فُسِخَ وَفِي جَوَازِهِ عَلَى غَيْرِ النَّقْدِ قَوْلَانِ: الصَّحِيحُ مِنْهُمَا عِنْدِي الْمَنْعُ وَهَذَا فِيمَا يَنْفَسِخُ بِهِ الْكِرَاءُ بِمَوْتِ الْمُكْرِي كَمَسْأَلَتِك، وَأَمَّا الْحَبْسُ عَلَى الْمَسَاجِدِ وَالْمَسَاكِينِ وَشَبَهِهِمَا فَلَا يُكْرِيهِ النَّاظِرُ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَعْوَامٍ إنْ كَانَ أَرْضًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ عَامٍ وَاحِدٍ إنْ كَانَ دَارًا، وَهُوَ عَمَلُ النَّاسِ وَمَضَى عَلَيْهِ عَمَلُ الْقُضَاةِ فَإِنْ أَكْرَاهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مَضَى إنْ كَانَ نَظَرًا عَلَى مَذْهَبِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ، وَلَا يَنْفَسِخُ اهـ.
قُلْت وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ وَذَكَرَ أَنَّهُ نَزَلَتْ بِبَطْلَيُوسَ اكْتَرَى أَرْضًا مُحْبَسَةً خَمْسِينَ عَامًا، ثُمَّ قَامَ النِّسْوَةُ الْمُكْرِيَاتُ الْمُحْبَسُ عَلَيْهِنَّ عَلَى الْغَارِسِ يَطْلُبْنَ فَسْخَ الْكِرَاءِ بَعْدَ سَبْعَةِ أَعْوَامٍ وَامْتَنَعَ الْمُكْتَرِي مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ أَبُو شَاكِرٍ أَحَدُ فُقَهَاءِ تِلْكَ الْبَلَدِ فَكَتَبَ إلَيَّ بِهَا أَبُو شَاكِرٍ وَقَاضِيهَا ابْنُ خَالِصٍ وَكَتَبْت جَوَابَهَا لِأَبِي شَاكِرٍ وَكَانَ أَنْكَرَ عَلَيَّ فَسْخَ الْكِرَاءِ فَأَجَبْته: مِنْ الْمُعَوَّلِ عَلَيْهِ فِي الْفَتْوَى فِي الْأَحْكَامِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، ثُمَّ عَلَى مَا وَقَعَ فِيهَا لِغَيْرِهِ هَذَا الَّذِي سَمِعْنَاهُ قَدِيمًا فِي مَجَالِسِ شُيُوخِنَا الَّذِينَ تَفَقَّهْنَا عِنْدَهُمْ وَعِلَّةُ ذَلِكَ اعْتِمَادُ النَّاسِ فِي الْمَغْرِبِ عَلَيْهِمَا حَتَّى أَنِسَتْ نُفُوسُهُمْ وَأَلِفَتْ مَعَانِيَهَا وَتَقَرَّرَتْ عِنْدَهُمْ صِحَّةُ أُصُولِهَا وَفُرُوعِهَا وَمَا سَبَقَ لِلنَّفْسِ أَلِفَتْهُ، ثُمَّ ذَكَرَ مَسَائِلَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ وَالْوَاضِحَةِ وَالْوَقَارُ مِنْهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كِرَاءُ الْحَبْسِ إلَّا إلَى سَنَةٍ وَنَحْوِهَا، وَلَا بَأْسَ بِكِرَاءِ الدُّورِ السَّنَةَ وَفَوْقَ ذَلِكَ إلَى عِشْرِينَ سَنَةٍ مِنْ غَيْرِهِ، ثُمَّ قَالَ وَمَا أَجَابَ بِهِ ابْنُ رِزْقٍ مِنْ جَوَازِ عَقْدِ الْكِرَاءِ سَبْعِينَ عَامًا فَيُبْطِلُهُ مَا تَقَدَّمَ، وَلَا سَمِعْته، وَلَا رَأَيْته وَإِنَّمَا حُكِيَ لِي عَنْ الْمَنْصُورِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ أَنَّهُ اكْتَرَى مَوْضِعًا حَبْسًا إلَى سَبْعِينَ عَامًا وَهَذَا لَوْ صَحَّ نَقْلُهُ فَلَا يَصِحُّ أَصْلُهُ، وَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ.
وَفِي وَثَائِقِ ابْنِ الْعَطَّارِ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ قُبَالَاتِ أَرْضِ الْأَحْبَاسِ لِأَرْبَعَةِ أَعْوَامٍ، وَهَذَا الَّذِي شَاهَدْنَاهُ بِقُرْطُبَةَ وَدُورِ الْأَحْبَاسِ وَالْحَوَانِيتِ إنَّمَا تُكْرَى عَامًا فَعَامًا وَشَاهَدْنَا ذَلِكَ مِنْ قُضَاتِهَا بِمَحْضَرِ فُقَهَائِهَا مِرَارًا وَقَدْ رَأَيْت مَسْأَلَةً نَزَلَتْ بِقَاضِي الْجَمَاعَةِ حَفِيدِ ابْنِ زَرِبٍ أَقْبَلَ بَيَاضًا وَفِيهَا سَوَادٌ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَذَكَرَ أَنَّهُ شَاوَرَ الْفُقَهَاءَ فَاخْتَلَفُوا فِي نَقْضِهَا لِطُولِ مُدَّةِ الْكِرَاءِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَفْسَخُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَمْضِي وَأَيْنَ هَذَا مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَالْوَاقِعُ عِنْدَنَا الْيَوْمَ بِتُونُسَ مِمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي أَحْبَاسِ قِرْطَاجَنَّةَ بَقَاءُ الْمُدَّةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَرَأَيْت كَذَا فِي قَاعَةِ دَارٍ خَمْسِينَ سَنَةً مِنْ الْحَبْسِ وَهَذَا نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ لِأَبِي شَاكِرٍ وَمَنْصُورِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ وَلَعَلَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا مَنْ يَتَقَبَّلُهَا إلَّا عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ فَاغْتَفَرُوا ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ كَالْتِزَامِ الْجَزَاءِ عَلَى أَرْضِ الْجَزَاءِ أَبَدًا لِضَرُورَةِ حَاجَةِ بَيْتِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانَ عَنْ ثَمَنِ الْأَرْضِ لِكَوْنِهِ تَابِعًا لِأَصْلٍ جَائِزٍ لِلضَّرُورَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.
كَلَامُ الْبُرْزُلِيِّ وَنَقَلَ ابْنُ سَلْمُونٍ قَوْلَ ابْنِ رُشْدٍ، وَأَمَّا الْأَحْبَاسُ إلَخْ وَنَقَلَ ابْنُ الْحَطَّابِ عَنْ الْبُرْزُلِيِّ جَوَابَ ابْنِ رُشْدٍ السَّابِقَ بِتَمَامِهِ، ثُمَّ قَالَ وَقَالَ فِي الشَّامِلِ وَجَازَ كِرَاءُ بُقْعَةٍ مِنْ أَرْضٍ مُحْبَسَةٍ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ أَرْبَعِينَ سَنَةً لِتُبْنَى دَارًا وَعُمِلَ بِهَا اهـ.
قَالَ الْخَرَشِيُّ، ثُمَّ إنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْوَاقِفُ مُدَّةً وَإِلَّا عُمِلَ عَلَى مَا شَرَطَهُ وَبِمَا إذَا لَمْ تَدْعُ الضَّرُورَةُ لِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لِأَجْلِ مَصْلَحَةِ الْوَقْفِ كَمَا وَقَعَ فِي زَمَنِ الْقَاضِي ابْنِ بَادِيسَ بِالْقَيْرَوَانِ أَنَّ دَارًا حَبْسًا