الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الزَّوْجَيْنِ، وَفِي كِتَابِ الِاسْتِغْنَاءِ إذَا ادَّعَى الزَّوْجُ الضَّرَرَ مِنْ زَوْجَتِهِ، وَدَعَا إلَى دَارِ أَمِينٍ كَانَ لَهُ ذَلِكَ بِأَيْ وَجْهٍ ادَّعَى فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ لِلْأَمِينِ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَهُ بَعَثَ فِيهِمَا الْحَكَمَيْنِ يَنْظُرُ لَهُمَا السُّلْطَانُ عَدْلَيْنِ فَقِيهَيْنِ مِنْ أَهْلِهِمَا إنْ كَانَا، وَإِلَّا فَمِنْ غَيْرِهِمَا، وَيُوَجِّهُهُمَا إلَيْهِمَا فَيَسْأَلَانِ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ حَالِهِمَا، وَعَمَّا نَقَمَ مِنْ الْآخِرِ، وَيَسْتَنْبِطَانِ حَالَهُمَا، وَيَدْخُلَانِ عَلَيْهِمَا الْمَرَّتَيْنِ، وَالثَّلَاثَةَ، وَلَا يَكُونَانِ مَعَهُمَا مُلَازِمِينَ حَتَّى يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا إنْ أَمْكَنَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُمَا فَرَّقَا بَيْنَهُمَا عَلَى أَيِّ وَجْهٍ رَأَيَاهُ مِنْ إسْقَاطٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يَجْتَمِعَانِ عَلَيْهِ فَإِنْ اخْتَلَفَا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ حَتَّى يَجْتَمِعَا عَلَى الْحُكْمِ، وَيُنَفِّذَ ذَلِكَ السُّلْطَانُ.
قَالَ: ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا إعْذَارَ فِي حُكْمِ الْحُكْمَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَحْكُمَا بِشَهَادَةٍ قَاطِعَةٍ، وَلَا يَقُومُ عَلَى الزَّوْجِ بِالضَّرَرِ أَبٌ، وَلَا، وَصِيٌّ، وَلَا غَيْرُهُمَا إلَّا بِتَقْدِيمِ الْمَرْأَةِ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَهَا الرِّضَا بِذَلِكَ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ سَلَّمُونِ.
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ مَا أَنْت قَاعِدَةً فِي الْبَيْتِ، وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَأَخَذَتْ حَوَائِجَهَا فِي قَدْرِ دَرَجَةٍ، وَخَرَجَتْ فَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ بِرُجُوعِهَا إلَيْهِ، وَإِذَا قُلْتُمْ بِالْوُقُوعِ فَهَلْ لَهُ تَسْكِينُهَا، وَانْتِقَالُهُ مَعَهَا فِي بَيْتٍ آخِرِ، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَهُ تَسْكِينُهَا فِي بَيْتٍ آخَرَ، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً، وَرَاجَعَهَا، ثُمَّ تَشَاجَرَ مَعَهَا فَعَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى أَكْلِهِ مِنْ الطَّعَامِ الَّذِي تَصْنَعُهُ، ثُمَّ أَكَلَ مِنْهُ نَاسِيًا فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ، وَإِذَا قُلْتُمْ بِوُقُوعِهِ، ثُمَّ تَشَاجَرَ مَعَهَا ثَانِيًا فَقَالَ: لَهَا إنْ كُنْتِ لِي عَلَى ذِمَّةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهَلْ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّالِثُ لِكَوْنِهَا مُطَلَّقَةً مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ الْعِدَّةِ، وَاسْتَمَرَّ مُعَاشِرًا لَهَا مُعَاشَرَةَ الْأَزْوَاجِ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّانِي لِقَوْلِ الْمُخْتَصَرِ فِي مُوجِبَاتِ الْحِنْثِ، وَبِالنِّسْيَانِ إنْ أَطْلَقَ، وَوَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّالِثُ أَيْضًا، وَلَوْ خَرَجَتْ مِنْ عِدَّةِ الثَّانِي إنْ اسْتَمَرَّ مُعَاشِرًا لَهَا مُعَاشَرَةَ الْأَزْوَاجِ؛ لِأَنَّهَا عَلَى ذِمَّتِهِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ الْوَطْءُ الْمُجَرَّدُ عَنْ النِّيَّةِ رَجْعَةٌ فَهُوَ مَعَهَا فِي نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ، وَهُوَ كَالصَّحِيحِ فِي لُحُوقِ الطَّلَاقِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[رَجُلٍ غَابَ عَنْ زَوْجَتِهِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً فِي بَلَدٍ عَلَى مَسَافَةِ عِشْرِينَ يَوْمًا]
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ غَابَ عَنْ زَوْجَتِهِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً فِي بَلَدٍ عَلَى مَسَافَةِ عِشْرِينَ يَوْمًا فَهَلْ تَرْفَعُ زَوْجَتُهُ لِلْحَاكِمِ لِيُرْسِلَ لَهُ إمَّا أَنْ يَقْدَمَ أَوْ يَنْقُلَهَا إلَيْهِ أَوْ يُطَلِّقَ، وَإِذَا رَفَعَتْ إلَيْهِ، وَأَرْسَلَ إلَيْهِ فَلَمْ يُوجَدْ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ بِأَنْ قَالَ أَهْلُهُ خَرَجَ مِنْ عِنْدَنَا، وَلَمْ نَعْلَمْ لَهُ مَحَلًّا فَهَلْ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ تَرْفَعُ لِلْحَاكِمِ إنْ كَانَ، وَإِلَّا فَلِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ إنْ كَانَ زَوْجُهَا مَعْلُومَ الْمَكَانِ أَرْسَلَ إلَيْهِ إمَّا أَنْ يَقْدَمَ أَوْ يَحْمِلَهَا إلَيْهِ أَوْ يُطَلِّقَ، وَإِلَّا طَلَّقَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولَ الْمَكَانِ أَرْسَلَ إلَى الْجِهَاتِ الَّتِي يُظَنُّ ذَهَابُهُ إلَيْهَا فَإِنْ عُلِمَ مَحَلُّهُ فَكَالْأَوَّلِ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ خَبَرِهِ أُجِّلَتْ أَرْبَعَ سِنِينَ إنْ كَانَ حُرًّا، وَسَنَتَيْنِ إنْ كَانَ رِقًّا، وَإِذَا تَمّ الْأَجَلُ اعْتَدَّتْ عِدَّةَ، وَفَاةٍ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ إنْ شَاءَتْ، وَهَذَا كُلُّهُ إنْ دَامَتْ نَفَقَتُهَا مِنْ مَالِهِ، وَلَمْ تَخْشَ عَلَى نَفْسِهَا زِنًا
وَإِلَّا فَلَهَا التَّطْلِيقُ عَاجِلًا بَعْدَ أَنْ تَحْلِفَ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ لَهَا مَالًا تُنْفِقُ مِنْهُ، وَلَا أَقَامَ لَهَا وَكِيلًا يُنْفِقُ عَلَيْهَا، وَلَا أَرْسَلَ لَهَا بِهِ، وَأَنَّهَا لَمْ تَتَحَمَّلْ بِنَفَقَتِهَا مُدَّةَ غَيْبَتِهِ
قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ فَصْلٌ فَإِنْ دَعَتْ الزَّوْجَةُ إلَى الْفِرَاقِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْمَكَانِ أَوْ أَسِيرًا أَوْ مَفْقُودًا أَوْ مَجْهُولَ الْحَالِ، وَالْمَكَانِ فَإِنْ كَانَ مَعْلُومَ الْمَكَانِ فَذَكَرَ ابْنُ فَتْحُونٍ أَنَّ السُّلْطَانَ يَكْتُبُ إلَيْهِ إمَّا أَنْ يَحْمِلَهَا إلَيْهِ أَوْ يُفَارِقَهَا، وَإِلَّا طَلَّقْتُهَا عَلَيْك قَالَ: فَإِنْ أَطَالَ الْغَيْبَةَ، وَالنَّفَقَةُ جَارِيَةٌ فَقَالَ: مَالِكٌ أَمَّا الْحِينُ فَذَلِكَ لَهُ قَالَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَظَنَنْتُ قَوْلَهُ: الْحِينُ السَّنَتَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَ فَإِنْ أَطَالَ الْغَيْبَةَ فَلْيَقْضِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ أَسِيرًا فَلَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ مَا دَامَتْ النَّفَقَةُ جَارِيَةً عَلَيْهَا حَتَّى يَثْبُتَ مَوْتُهُ أَوْ تَنَصُّرُهُ أَوْ يَنْقَضِيَ تَعْمِيرُهُ، وَهُوَ مَحْمُولٌ فِي تَنَصُّرِهِ عَلَى الطَّوْعِ حَتَّى يَثْبُتَ خِلَافُهُ، وَيُوقَفَ مَالُهُ فِي تَنَصُّرِهِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى الِارْتِدَادِ فَيَكُونَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ يُرَاجِعَ الْإِسْلَامَ فَيَكُونَ أَحَقَّ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مَفْقُودًا مَجْهُولَ الْحَالِ فِي غَيْرِ الْمُعْتَرَكِ فَإِنَّ امْرَأَتَهُ إذَا ذَهَبَتْ إلَى الْفِرَاقِ فَلَهَا ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَثْبُتَ فَقْدُهُ، وَإِنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ جَارِيَةً عَلَيْهَا بَعْدَ أَنْ يُؤَجَّلَ أَرْبَعَةَ أَعْوَامٍ مِنْ يَوْمِ الْيَأْسِ مِنْ الْمَفْقُودِ لَا مِنْ يَوْمِ قِيَامِهَا فَإِذَا انْقَضَى الْأَجَلُ اعْتَدَّتْ عِدَّةَ الْوَفَاةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ثُمَّ تَزَوَّجَتْ إنْ شَاءَتْ، وَلَيْسَ عَلَيْهَا اسْتِئْذَانُ السُّلْطَانِ فِي عِدَّتِهَا، وَلَا فِي نِكَاحِهَا؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ قَدْ نَفَّذَ بِالتَّأْجِيلِ، وَإِذَا تَمَّتْ عِدَّتُهَا حَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ، وَإِنْ أَحَبَّتْ الْمَقَامَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تَشْرَعَ فِي الْعِدَّةِ، وَإِبْطَالِ حُكْمِ الْأَجَلِ فَلَهَا ذَلِكَ ثُمَّ إنْ أَرَادَتْ فِرَاقَهُ ضُرِبَ لَهَا أَجَلٌ آخَرُ، وَإِنْ قَدِمَ الزَّوْجُ فِي خِلَالِ الْأَجَلِ أَوْ عُلِمَتْ حَيَاتُهُ قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعِدَّةِ فَهِيَ زَوْجَتُهُ، وَسَقَطَ حُكْمُ مَا ذَكَرَ مِنْ الْأَجَلِ، وَغَيْرِهِ، وَلَا يَضُرُّهَا ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ تَزَوَّجَتْ، وَقَدِمَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَفِي الْأَحَقِّ مِنْهُمَا قَوْلَانِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي فَقَدْ بَانَتْ مِنْ الْأَوَّلِ، وَبِذَلِكَ الْقَضَاءُ، وَإِنْ ثَبَتَ مَوْتُ الْمَفْقُودِ فِي الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَهُ، وَقَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ فَإِنَّهَا تَرِثُهُ، وَتَأْخُذُ مَهْرَهَا كُلَّهُ، وَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بَعْدَ تَزْوِيجِهَا، وَقَبْلَ دُخُولِ الثَّانِي بِهَا فَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا أَنَّهَا تَرِثُهُ، وَيَنْفَسِخُ نِكَاحُ الثَّانِي.
وَالثَّانِي أَنَّهَا لَا تَرِثُهُ، وَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُ الثَّانِي، وَبِالْأَوَّلِ الْقَضَاءُ فَإِنْ كَانَتْ بِمَوْضِعٍ لَا سُلْطَانَ فِيهِ، وَأَشْهَدَ الْعُدُولَ عَلَى ضَرْبِ الْأَجَلِ جَازَ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ لَا يَكُونَ إلَّا عِنْدَ ضَرْبِ السُّلْطَانِ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ اهـ مِنْ الِاسْتِغْنَاءِ.
وَحَكَى ابْنُ مُغِيثٍ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ بِمَوْضِعٍ لَا حُكْمَ فِيهِ، وَرَفَعَتْ أَمْرَهَا إلَى صَالِحِي جِيرَانِهَا، وَكَشَفُوا عَنْ خَبَرِ زَوْجِهَا، وَضَرَبُوا لَهَا أَرْبَعَةَ أَعْوَامٍ ثُمَّ تَعْتَدُّ، وَتَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْجَمَاعَةِ فِي عَدَمِ الْإِمَامِ كَفِعْلِ الْإِمَامِ، وَقَالَهُ أَبُو عِمْرَانَ الْفَاسِيُّ وَابْنُ الْقَابِسِيِّ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الشُّيُوخِ، وَأَمَّا مَالُهُ فَإِنَّ السُّلْطَانَ يَحْصُرُهُ، وَيُقَدِّمُ مِنْ قَرَابَتِهِ أَوْ غَيْرِهِمْ مَنْ يَنْظُرُ فِيهِ إلَى أَنْ يَثْبُتَ مَوْتُهُ أَوْ حَيَاتُهُ أَوْ يَنْقَضِيَ أَمُدُّ تَعْمِيرِهِ، وَيَقُومَ هَذَا الْمُقَدَّمُ مَقَامَ الْمَفْقُودِ فِي قَبْضِ مَالِهِ، وَإِجْرَائِهِ فِيمَا يَجِبُ، وَدَفْعِ النَّفَقَاتِ، وَالدُّيُونِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَيْهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَفِي مَسَائِلِ ابْنِ الْحَاجِّ إذَا كَانَ عِنْدَ الْمَفْقُودِ قِرَاضٌ أَوْ وَدِيعَةٌ فَلَا يُحْكَمُ بِأَخْذِهَا مِنْ مَالِهِ حَتَّى يُحْكَمَ بِتَمْوِيتِهِ بِخِلَافِ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا كَانَ يَقُولُ فِيهَا، وَلَعَلَّهُ أَنَّهَا ضَاعَتْ أَوْ خُسِرَتْ فِي الْقِرَاضِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ
قَالَ: وَنَزَلْت فَأَفْتَيْتُ بِذَلِكَ، وَلَا يَقُومُ أَحَدٌ عَنْ الْغَائِبِ دُونَ تَقْدِيمٍ، وَلَا يَنْظُرُ فِي مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قَرَابَتِهِ، وَكَذَلِكَ لَا يَقُومُ فِي إثْبَاتِ مُلْكٍ لَهُ أَوْ إحْدَاثِ عَيْبٍ عَلَيْهِ أَوْ شَيْءٍ يَسْتَحِقُّهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ قَرَابَتِهِ الَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ لَهُ فَيُمَكَّنُونَ مِنْ الْإِثْبَاتِ لَا غَيْرُ، وَيَشْهَدُ الْقَاضِي بِمَا يَثْبُتُ عِنْدَهُ، وَلَا يَحْكُمُ بِإِخْرَاجِ الْمُسْتَحَقِّ مِنْهُ مِنْ يَدِ الْمُقَوَّمِ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.
قَالَ: ابْنُ رُشْدٍ فِي تَعَقُّبِهِ: وَالصَّوَابُ أَنَّ الْأَبَ، وَالِابْنَ يُمَكَّنَانِ مِنْ الْإِثْبَاتِ، وَالْخُصُومَةِ عَلَى
الْغَائِبِ، وَمَنْ عَدَاهُمَا مِنْ الْقَرَابَةِ لَا يُمَكَّنُونَ إلَّا مِنْ الْإِثْبَاتِ خَاصَّةً، وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ الْخُصُومَةِ قَالَ: وَظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ لَا يُمَكَّنُ مِنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِتَقْدِيمٍ، وَإِذَا مَاتَ أَحَدٌ مِمَّنْ يَرِثُهُ الْمَفْقُودُ وُقِفَ مِيرَاثُهُ مِنْهُ فَإِذَا انْقَضَى أَجَلُ تَعْمِيرِهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ حَيَاةٌ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْرُوثِ رُدَّ مَا كَانَ وُقِفَ إلَى وَرَثَةِ الْمُتَوَفَّى، وَوَرِثَ الْمَفْقُودُ، وَرَثَتَهُ الْأَحْيَاءَ عِنْدَ انْقِضَاءِ تَعْمِيرِهِ، وَالْمُتَوَفَّى وَرَثَتُهُ يَوْمَ مَاتَ، وَلَا مِيرَاثَ بَيْنَ الْمَفْقُودِ، وَالْمُتَوَفَّى؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا قَبْلَ صَاحِبِهِ، وَاخْتُلِفَ فِي مُدَّةِ التَّعْمِيرِ فَقِيلَ: سَبْعُونَ سَنَةً، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَقِيلَ: تِسْعُونَ سَنَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَرَجَعَ إلَيْهِ أَيْضًا مَالِكٌ، وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٌ، وَبِهِ الْعَمَلُ قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي التَّعْمِيرِ مِنْ السَّبْعِينَ إلَى الْمِائَةِ، وَأَعْدَلُهَا عِنْدِي الثَّمَانُونَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخُ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ وَأَبِي الْحَسَنِ الْقَابِسِيِّ، وَبِذَلِكَ الْقَضَاءُ فَإِنْ بَقِيَتْ زَوْجَتُهُ لَمْ تَتَزَوَّجْ بَعْدَ ضَرْبِ الْأَجَلِ لَهَا، وَاعْتِدَادِهَا مِنْهُ إلَى أَنْ انْقَضَى أَمَدُ تَعْمِيرِهِ، وَحُكِمَ بِمَوْتِهِ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَتَى هُوَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ لَمَا كَانَ أَحَقَّ بِهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ بَانَتْ مِنْهُ بَعْدَ الْأَجَلِ، وَحُكِمَ بِمَوْتِهِ فِي حَقِّهَا، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّهَا تَرِثُهُ، وَتَدْخُلُ مَعَ وَرَثَتِهِ فِي مَالِهِ.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهُوَ بَعِيدٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَتْ هِيَ بَعْدَ اعْتِدَادِهَا، وَقَبْلَ انْقِضَاءِ أَجَلِ التَّعْمِيرِ فَلْيُوقَفْ لِلزَّوْجِ مِيرَاثُهُ مِنْهَا، وَلَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا مِيرَاثٌ إلَّا أَنْ تَثْبُتَ حَيَاتُهُ بَعْدَهَا، وَيَظْهَرَ خَطَأُ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ، وَتَكُونَ هِيَ لَمْ تَتَزَوَّجْ غَيْرَهُ فَيَأْخُذَ مِيرَاثَهُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ بَانَتْ، وَيُحْكَمَ بِمَوْتِهِ بَعْدَ الْأَجَلِ فِي حَقِّهَا، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْمَفْقُودَ إذَا تَمَّتْ لَهُ الْأَرْبَعَةُ الْأَعْوَامِ تَعْتَدُّ زَوْجَتُهُ، وَيَرِثُهُ، وَرَثَتُهُ إذْ ذَاكَ، وَيَقْتَسِمُونَ مَالَهُ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ لَا تَتَبَعَّضُ، وَكَمَا حُكِمَ بِمَوْتِهِ فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ حُكِمَ بِمَوْتِهِ مُطْلَقًا فَوَرِثَهُ وَرَثَتُهُ، وَقُسِّمَ مَالُهُ، وَتَرَتَّبَتْ لَهُ أَحْكَامُ الْمَوْتِ كُلُّهَا إلَّا أَنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالزَّوْجَةِ، وَيَبْقَى مَالُهُ إلَى انْقِضَاءِ أَمَدِ تَعْمِيرِهِ؛ إذْ لَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلَى قَسْمِ مَالِهِ، وَوَجْهُ الْحُكْمِ بِذَلِكَ تَغْلِيبُ الْغَالِبِ عَلَى الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَفْقُودِ الْحَيَاةُ، وَالْغَالِبُ مِنْ حَالِهِ بَعْدَ التَّأْجِيلِ، وَالْبَحْثِ عَنْهُ فَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ خَبَرٌ أَنَّهُ مَاتَ فَرَجَحَ الْغَالِبُ عَلَى الْأَصْلِ، وَحُكِمَ بِمَوْتِهِ فَكَانَ يَنْبَغِي الْحُكْمُ بِذَلِكَ مُطْلَقًا فِي الزَّوْجَةِ، وَالْمِيرَاثِ لَكِنَّ مَالِكًا حَكَمَ بِذَلِكَ فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ لِلضَّرَرِ اللَّاحِقِ لَهَا، وَبَقِيَ الْمَالُ عَلَى الْأَصْلِ، وَكَانَ الْأَجَلُ أَرْبَعَةَ أَعْوَامٍ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَمْلِ، وَبِتَمَامِهَا يَنْقَطِعُ النَّسَبُ جُعِلَتْ هُنَا أَقْصَى الْمُدَّةِ الَّتِي يَنْقَطِعُ بِتَمَامِهَا حَيَاةُ الْمَفْقُودِ، وَيُحْكَمُ بِمَوْتِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ مَلْحَظٌ حَسَنٌ، وَأَمَّا مَفْقُودُ الْمُعْتَرَكِ فِي الْقِتَالِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ أَوْ فِي قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْفِتَنِ الَّتِي تَقَعُ بَيْنَهُمْ.
فَإِنْ كَانَ فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ فِي الْمَذْهَبِ.
أَحَدُهَا: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَفْقُودِ فِي غَيْرِ الْقِتَالِ فَيُضْرَبُ لِزَوْجَتِهِ أَجَلٌ أَرْبَعَةُ أَعْوَامِ ثُمَّ تَعْتَدُّ، وَتَتَزَوَّجُ إنْ شَاءَتْ، وَيَبْقَى مَالُهُ إلَى انْقِضَاءِ أَمَدِ تَعْمِيرِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْأَسِيرِ فَلَا يُضْرَبُ لِامْرَأَتِهِ أَجَلٌ، وَلَا يُورَثُ مَالُهُ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ مَوْتُهُ أَوْ يَنْقَضِيَ أَجَلُ تَعْمِيرِهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ يُضْرَبُ لِلزَّوْجَةِ سَنَةٌ بَعْدَ الْبَحْثِ، وَالْيَأْسِ عَنْهُ، وَتَعْتَدُّ بَعْدَ انْقِضَائِهَا، وَتَتَزَوَّجُ إنْ شَاءَتْ، وَيَبْقَى مَالُهُ إلَى انْقِضَاءِ أَجَلِ التَّعْمِيرِ.
وَالرَّابِعُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُضْرَبُ لِزَوْجَتِهِ أَجَلٌ سَنَةً بَعْدَ الْبَحْثِ، وَالْيَأْسِ مِنْهُ فَإِذَا تَمَّتْ السَّنَةُ، وَلَمْ تَثْبُتْ لَهُ حَيَاةٌ حُكِمَ بِمَوْتِهِ فَتَعْتَدُّ زَوْجَتُهُ، وَيَرِثُهُ إذْ ذَاكَ، وَيُقَسَّمُ مَالُهُ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي أَخَذَ بِهِ أَهْلُ الْأَنْدَلُسِ، وَجَرَى بِهِ الْعَمَلُ بِهَا، وَحَكَمَ بِهِ ابْنُ الْأَيْمَنِ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ
وَحَكَمَ بِهِ فِي، وَقْعَةِ قُتُنْدَةَ، وَغَيْرِهَا، وَهُوَ مُقْتَضَى مَا رَوَاهُ أَشْهَبُ، وَابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ فَفِيهَا قَالَ أَشْهَبُ:
سُئِلَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ الْمَفْقُودِ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، وَفِي أَرْضِ الْعَدُوِّ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ كَمْ تَقْعُدُ امْرَأَتُهُ فَقَالَ: سَنَةً فَقِيلَ: لَهُ تَعْتَدُّ بَعْدَ السَّنَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَعَشْرًا فَقَالَ: نَعَمْ تَعْتَدُّ لَهُ، وَمَتَى يُضْرَبُ لَهُ أَجَلٌ سَنَةً مِنْ يَوْمِ فَقْدِهِ أَوْ مِنْ يَوْمِ يَضْرِبُ لَهُ السُّلْطَانُ قَالَ مِنْ يَوْمِ يَضْرِبُ لَهُ السُّلْطَانُ، وَيَنْظُرُ فِي أَمْرِهَا، وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ هُوَ تَرْجِيحُ الْغَالِبِ عَلَى الْأَصْلِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ أَنَّهُ رُئِيَ فِي الْمُعْتَرَكِ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ فَلَمَّا ثَبَتَ ذَلِكَ، وَلَمْ تُعْلَمْ لَهُ حَيَاةٌ بِطُولِ الْأَجَلِ بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْهُ كَانَ الْغَالِبُ مِنْ أَمْرِهِ الْمَوْتَ فَرَجَحَ عَلَى الْأَصْلِ، وَهُوَ الْحَيَاةُ، وَحُكِمَ بِمَوْتِهِ، وَلَمْ يَتَبَعَّضْ فِيهِ الْحُكْمُ فَاعْتَدَّتْ زَوْجَتُهُ، وَوَرِثَهُ وَرَثَتُهُ، وَحُكْمُ هَذَا الْأَجَلِ السَّنَةِ حُكْمُ الْأَرْبَعَةِ الْأَعْوَامِ.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا سِوَى أَنَّ هَذَا سَنَةٌ، وَذَلِكَ أَرْبَعُ سِنِينَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ يَوْمِ يَضْرِبُهُ السُّلْطَانُ، وَيَنْظُرُ فِي أَمْرِهِ، وَالْعِدَّةُ بَعْدَ انْقِضَائِهِ فَهُمَا سَوَاءٌ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ مِنْ إجْرَاءِ النَّفَقَةِ فِيهِ عَلَى الزَّوْجَةِ، وَغَيْرِهَا مِمَّنْ يَلْزَمُ الْمَفْقُودَ نَفَقَتَهُ، وَإِنْ مَاتَ مَنْ يَرِثُهُ فِي أَثْنَاءِ الْأَجَلِ فَلَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا، وَغَيْرَ ذَلِكَ فَإِذَا تَمَّتْ السَّنَةُ حُكِمَ بِمَوْتِهِ فَتَعْتَدُّ عِنْدَ ذَلِكَ زَوْجَتُهُ، وَتَرِثُهُ، وَرَثَتُهُ إذْ ذَاكَ، ثُمَّ قَالَ فَإِذَا تَمَّ هَذَا الْأَجَلُ، وَلَمْ يَثْبُتْ لِلْمَفْقُودِ حَيَاةٌ، وَلَا مَوْتٌ ثَمَّ الْحُكْمُ بِمَوْتِهِ فَتَعْتَدُّ زَوْجَتُهُ مِنْ بَعْدَ انْقِضَائِهِ، وَيَرِثُهُ وَرَثَتُهُ الْأَحْيَاءُ إذْ ذَاكَ، وَتَنْقَطِعُ النَّفَقَةُ عَنْ الزَّوْجَةِ، وَغَيْرِهَا مِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، وَلَا يَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إلَى تَجْدِيدِ حُكْمٍ مِثْلُ الْأَجَلِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْمَفْقُودِ فِي غَيْرِ الْقِتَالِ سَوَاءٌ كَانَ الْأَجَلُ فِي هَذَا سَنَةً؛ لِأَنَّ السَّنَةَ تُضْرَبُ فِي الشَّرْعِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ كَأَجَلِ الْمُعْتَرِضِ، وَعُهْدَةِ السَّنَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَهَذَا الْقَوْلُ عَلَى الْحُكْمِ بِالْغَالِبِ، وَتَرْجِيحِهِ عَلَى الْأَصْلِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ مُقْتَضَى رِوَايَةِ أَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ الْآخَرُ، وَهُوَ مُقْتَضَى الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ إلَّا أَنَّهُ حَكَمَ بِذَلِكَ فِي الزَّوْجَةِ فَقَطْ، وَبَقِيَ فِي الْمَالِ عَلَى الْأَصْلِ، وَهُوَ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَتَكَلَّمَ ابْنُ رُشْدٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَرَجَّحَ فِي الشَّرْحِ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ، وَرَجَّحَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ هَذَا الْقَوْلَ بِأَنَّهُ يُحْكَمُ بِمَوْتِهِ بَعْدَ السَّنَةِ فِي الزَّوْجَةِ، وَالْمَالِ، وَحَمَلَ الرِّوَايَةَ عَنْ مَالِكٍ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى مَا رَجَّحَهُ بِهِ فِيهِ، وَهِيَ مُحْتَمِلَةٌ لِلْوَجْهَيْنِ.
وَأَمَّا الْمَفْقُودُ فِي قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْفِتَنِ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَهُمْ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فِي الْمَذْهَبِ:
أَحَدُهَا أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَفْقُودِ فِي غَيْرِ الْمُعْتَرَكِ.
وَالثَّانِي أَنَّهُ يُؤَجَّلُ سَنَةً، ثُمَّ تَعْتَدُّ امْرَأَتُهُ بَعْدَهَا، وَتَتَزَوَّجُ إنْ شَاءَتْ، وَيُوقَفُ مَالُهُ إلَى انْقِضَاءِ مُدَّةِ تَعْمِيرِهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ.
وَالثَّالِثُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ يَحْكُمُ بِمَوْتِهِ يَوْمَ الْقِتَالِ فَتَعْتَدُّ امْرَأَتُهُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَيَرِثُهُ وَرَثَتُهُ الْأَحْيَاءُ يَوْمئِذٍ مِنْ غَيْرِ ضَرْبِ أَجَلٍ.
قَالَ مَالِكٌ: وَيُتَلَوَّمُ لَهُ أَجَلٌ أَمَدٌ يَسِيرٌ بِقَدْرِ مَا يَنْصَرِفُ مَنْ هَرَبَ أَوْ مَنْ انْهَزَمَ، وَيُقْسَمُ مَالُهُ، وَتَتَزَوَّجُ امْرَأَتُهُ بَعْدَ الْعِدَّةِ إنْ شَاءَتْ، وَالتَّرَبُّصُ فِي ذَلِكَ بِالِاجْتِهَادِ، وَإِنْ ظَهَرَ أَنْ يُقْسَمَ الْمَالُ بَعْدَ انْفِصَالِ الصَّفَّيْنِ فَعَلَ إذَا عُرِفَ الْحَالُ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْأَجَلِ فِي ذَلِكَ فَائِدَةٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَرَى إذَا كَانَتْ الْمَعْرَكَةُ عَلَى بُعْدٍ أَنْ يَكُونَ التَّرَبُّصُ سَنَةً، وَالْعِدَّةُ دَاخِلَةٌ فِيهَا؛ إذْ هِيَ مِنْ يَوْمِ الْوَقِيعَةِ، وَإِنَّمَا هَذِهِ السَّنَةُ تَرَبُّصٌ لِلْفَحْصِ عَنْ حَالِهِ، وَلَيْسَتْ بِأَجَلٍ مَضْرُوبٍ.
وَفِي الْعُتْبِيَّةِ سُئِلَ سَحْنُونٌ عَنْ مَعْرَكَةٍ تَكُونُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَفْنِيَتِهِمْ فَيَقَعُ الْقَتْلُ بَيْنَهُمْ فَمَا تَقُولُ