الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْعَقَارِ الْمَوْقُوفِ إذَا خَرِبَ وَانْقَطَعَتْ مَنْفَعَتُهُ وَلَمْ يُرْجَ عَوْدُهَا]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِمْ وَعَلَى آلِ كُلٍّ وَصَحْبِهِمْ وَالتَّابِعِينَ.
(وَبَعْدُ) فَالْغَرَضُ ذِكْرُ مَا لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ فِي هَذِهِ الْأَوْرَاقِ مِنْ الْخِلَافِ فِي الْعَقَارِ الْمَوْقُوفِ إذَا خَرِبَ وَانْقَطَعَتْ مَنْفَعَتُهُ وَلَمْ يُرْجَ عَوْدُهَا هَلْ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَيُسْتَبْدَلُ بِثَمَنِهِ غَيْرُهُ مِنْ نَوْعِهِ أَوْ الْمُنَاقَلَةُ بِهِ أَوْ كِرَاؤُهُ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ أَوْ لَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ فِي شَرْحِ رَابِعِ مَسْأَلَةٍ مِنْ رَسْمِ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَبْسِ الْأَحْبَاسُ فِي جَوَازِ بَيْعِهَا وَالِاسْتِبْدَالُ بِهَا إذَا انْقَطَعَتْ الْمَنْفَعَةُ تَنْقَسِمُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ قِسْمٌ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِاتِّفَاقٍ، وَهُوَ مَا انْقَطَعَتْ مَنْفَعَتُهُ وَلَمْ يُرْجَ أَنْ يَعُودَ وَفِي إبْقَائِهِ ضَرَرٌ مَثَلَ الْحَيَوَانِ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي نَفَقَتِهِ فَيَضُرُّ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ بِالْمُحْبَسِ عَلَيْهِ أَوْ بِبَيْتِ الْمَالِ إنْ كَانَ حَبْسًا فِي السَّبِيلِ أَوْ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَقِسْمٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِاتِّفَاقٍ، وَهُوَ مَا يُرْجَى أَنْ تَعُودَ مَنْفَعَتُهُ، وَلَا ضَرَرَ فِي إبْقَائِهِ وَقِسْمٌ يُخْتَلَفُ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ وَالِاسْتِبْدَالِ بِهِ، وَهُوَ مَا انْقَطَعَتْ مَنْفَعَتُهُ وَلَمْ يُرْجَ أَنْ يَعُودَ، وَلَا ضَرَرَ فِي إبْقَائِهِ وَخَرَابِ الرَّبْعِ الْمُحْبَسِ الَّذِي اُخْتُلِفَ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ انْتَهَى.
فَجُعِلَ الرَّبْعُ الْمُحْبَسُ إذَا خَرِبَ وَانْقَطَعَتْ مَنْفَعَتُهُ وَلَمْ يُرْجَ عَوْدُهَا مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ سَوَاءٌ كَانَ الرَّبْعُ الْخَرَابُ فِي الْعُمْرَانِ أَوْ بَعِيدًا عَنْهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ فِي كَلَامِهِمْ وَجَعَلَ اللَّخْمِيُّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ بَعِيدًا عَنْ الْعُمْرَانِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي الْعُمْرَانِ فَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ مِنْ الْقِسْمِ الْمُتَّفَقِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِهِ وَنَصُّهُ فِي تَرْجَمَةِ بَيْعِ الْحَبْسِ، وَإِذَا انْقَطَعَتْ مَنْفَعَةُ الْحَبْسِ وَعَادَ بَقَاؤُهُ ضَرَرًا جَازَ بَيْعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ضَرَرًا وَرُجِيَ أَنْ تَعُودَ مَنْفَعَتُهُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ وَاخْتُلِفَ إذَا لَمْ يَكُنْ ضَرَرًا، وَلَا تُرْجَى مَنْفَعَتُهُ فَأَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَبِيعَةُ الْبَيْعَ وَمَنَعَهُ غَيْرُهُمَا، وَلَا يُبَاعُ مَا خَرِبَ مِنْ الرِّبَاعِ إذَا كَانَ فِي الْمَدِينَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ إصْلَاحِهِ وَقَدْ يَقُومُ مُحْتَسِبٌ لِلَّهِ فَيُصْلِحُهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى عَقِبٍ فَقَدْ يَسْتَغْنِي بَعْضُهُمْ فَيُصْلِحُهُ وَمَا بَعُدَ مِنْ الْعُمْرَانِ، وَلَمْ يُرْجَ إصْلَاحُهُ جَرَى عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَاَلَّذِي أُخِذَ بِهِ فِي الرِّبَاعِ الْمَنْعُ لِئَلَّا يَتَذَرَّعُ النَّاسُ إلَى بَيْعِ الْأَحْبَاسِ ا. هـ. قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ، وَلَا يُبَاعُ الْحَبْسُ، وَإِنْ خَرِبَ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ هُوَ الْمَعْرُوفُ وَرَوَى أَبُو الْفَرَجِ جَوَازَهُ حَكَاهُ ابْنُ رُشْدٍ وَكَذَا ذَكَرَ اللَّخْمِيُّ الْخِلَافَ وَعَزَا الْجَوَازَ لِابْنِ الْقَاسِمِ جَرْيًا عَلَى قَوْلِهِ فِي الثِّيَابِ إذَا بَلِيَتْ إلَّا أَنَّهُ قَصَرَ الْخِلَافَ عَلَى مَا بَعُدَ مِنْ الْعُمْرَانِ وَلَمْ يُرْجَ إصْلَاحُهُ، وَأَمَّا مَا كَانَ بِمَدِينَةٍ فَلَا يُبَاعُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ بِاتِّفَاقٍ فَجَعَلَهُ بَعْضُ شُيُوخَنَا قَوْلًا ثَالِثًا انْتَهَى.
وَبَعْضُ شُيُوخِهِ هُوَ ابْنُ عَرَفَةَ وَيُشِيرُ بِذَلِكَ لِقَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ فِي كِتَابِ الْحَبْسِ وَفِيهَا مَعَ الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا مَنْعُ بَيْعِ مَا خَرِبَ مِنْ رَبْعٍ حُبِسَ مُطْلَقًا وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا تُبَاعُ دَارُ حَبْسٍ خَرِبَتْ لِيَبْتَاعَ دُونَهَا ابْنُ رُشْدٍ فِيهَا لِرَبِيعَةَ أَنَّ الْإِمَامَ يَبِيعُ الرَّبْعَ إذَا وَلِيَ ذَلِكَ لِخَرَابِهِ، وَهِيَ إحْدَى رِوَايَتَيْ أَبِي الْفَرَجِ اللَّخْمِيِّ لَا يُبَاعُ إنْ كَانَ بِمَدِينَةٍ إذْ لَا يَيْأَسُ مِنْ صَلَاحِهِ مِنْ مُحْتَسِبٍ وَبَعْضِ عَقِبٍ وَمَا بَعُدَ عَنْ الْعُمْرَانِ وَلَمْ يُرْجَ صَلَاحُهُ جَرَى عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَاَلَّذِي أُخِذَ بِهِ الْمَنْعُ خَوْفَ كَوْنِهِ ذَرِيعَةً لِبَيْعِ الْحَبْسِ.
قُلْت فَفِي مَنْعِهِ ثَالِثُهَا إنْ كَانَ بِمَدِينَةٍ لِلْمَعْرُوفِ وَإِحْدَى رِوَايَتَيْ أَبِي الْفَرَجِ وَنَقْلُ اللَّخْمِيُّ ا. هـ. كَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ بِلَفْظِهِ
وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَبْسِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَمِعْتُ مَالِكًا قَالَ فِي قَوْمٍ حُبِسَتْ عَلَيْهِمْ دَارٌ فَخَرِبَتْ فَأَرَادُوا بَيْعَهَا وَابْتِيَاعَ دُونِهَا إنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُمْ، وَأَمَّا الْفَرَسُ يَكْلُبُ أَوْ يُجَنُّ فَإِنَّهُ يُبَاعُ وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهِ فَرَسٌ يُحْبَسُ مَكَانَهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا هُوَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الرَّبْعَ الْحَبْسُ لَا يُبَاعُ، وَإِنْ خَشِيَ عَلَيْهِ الْخَرَابَ وَمِثْلُهُ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ جَامِعِ الْبُيُوعِ بِخِلَافِ مَا بَلِيَ مِنْ الثِّيَابِ وَضَعُفَ مِنْ الدَّوَابِّ وَالْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ أَنَّ الرَّبْعَ، وَإِنْ خَرِبَ فَلَا تَذْهَبُ الْمَنْفَعَةُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُعَادَ إلَى حَالِهِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ يَرَى أَنْ لَا يُبَاعَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَرُوِيَ عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّ الْإِمَامَ يَبِيعُ الرَّبْعَ إذَا أَدَّى ذَلِكَ إلَى خَرَابِهِ كَالدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي إحْدَى رِوَايَتَيْ أَبِي الْفَرَجِ عَنْهُ قَالَ لَا يُبَاعُ الرَّبْعُ الْحَبْسُ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إلَّا أَنْ يَخْرَبَ اهـ.
فَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ الْقَوْلَ بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا وَالْقَوْلُ بِالْجَوَازِ إذَا انْقَطَعَتْ مَنْفَعَتُهُ وَلَمْ يُرْجَ عَوْدُهَا سَوَاءٌ كَانَ فِي الْعُمْرَانِ أَوْ بَعِيدًا عَنْهَا الْمَنْعُ لِمَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا وَالْجَوَازُ لِإِحْدَى رِوَايَتَيْ أَبِي الْفَرَجِ عَنْهُ إلَّا أَنَّ الْمَنْعَ صَرَّحَ بِمَشْهُورِيَّتِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي بَيْعِ الْعَقَارِ الْمُحْبَسِ إذَا خَرِبَ فَالْمَشْهُورُ عَنْهُ الْمَنْعُ وَرَوَى عَنْهُ أَبُو الْفَرَجِ فِي حَاوِيهِ الْجَوَازَ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي لُبِّ الْقَبَّابِ، وَأَمَّا الرِّبَاعُ فَالْمَشْهُورُ فِيهَا الْمَنْعُ وَرَوَى أَبُو الْفَرَجِ الْجَوَازَ وَقَالَ ابْنُ هَارُونَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُتَيْطِيَّةِ وَإِذَا انْقَطَعَتْ مَنْفَعَةُ الْحَبْسِ فَأَمَّا الرِّبَاعُ فَاخْتُلِفَ فِي بَيْعِهَا إذَا خَرِبَتْ فَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ وَرَوَى عَنْهُ أَبُو الْفَرَجِ فِي كِتَابِهِ الْجَوَازَ، وَهُوَ قَوْلُ رَبِيعَةَ انْتَهَى. فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ صَرَّحُوا بِمَشْهُورِيَّةِ الْمَنْعِ وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ وَابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ الْمَعْرُوفُ لِمَالِكٍ وَاخْتِيَارُ اللَّخْمِيِّ لَهُ أَيْضًا وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ لَا عَقَارَ، وَإِنْ خَرِبَ وَالْقَوْلُ بِالْجَوَازِ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَبِهِ وَقَعَتْ الْفَتْوَى وَالْحُكْمُ وَجَرَى بِهِ الْعَمَلُ قَالَ وَلَدُ ابْنِ عَاصِمٍ فِي شَرْحِ رَجَزِ وَالِدِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ:
وَغَيْرُ أَصْلِ عَادِمِ النَّفْسِ صَرَفْ
…
ثَمَنِهِ فِي مِثْلِهِ ثُمَّ وَقَفْ
اسْتَثْنَى الْأُصُولَ بِقَوْلِهِ وَغَيْرُ أَصْلِيٍّ وَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَدْ قِيلَ بِبَيْعِ مَا عُدِمَتْ مَنْفَعَتُهُ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ الْمَشْهُورِ وَقَدْ أَفْتَى بِذَلِكَ مِنْ شُيُوخِ شُيُوخِنَا الْأُسْتَاذُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَفَّارُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَسُئِلَ فِي فَدَانٍ مُحْبَسٍ عَلَى مَصْرِفٍ مِنْ مَصَارِفِ الْبِرِّ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ هَلْ يُبَاعُ وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهِ مَا يَكُونُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ.
فَأَجَابَ إنْ كَانَ الْفَدَّانُ الَّذِي حُبِسَ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهِ فَدَّانٌ آخَرُ يُحْبَسُ وَتُصْرَفُ غَلَّتُهُ فِي الْمَصْرِفِ الَّذِي حُبِسَ عَلَيْهِ الْفَدَّانُ الْأَوَّلُ عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي هَذَا النَّحْوِ فَقَدْ أَفْتَى ابْنُ رُشْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَرْضٍ مُحْبَسَةٍ عُدِمَتْ مَنْفَعَتُهَا بِسَبَبِ ضَرَرِ جِيرَانٍ أَنْ تُبَاعَ وَيُعَارَضُ بِثَمَنِهَا مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ عَلَى مَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي الرَّبْعِ الْمُحْبَسِ إذَا خَرِبَ وَيَكُونُ ذَلِكَ بِحُكْمِ الْقَاضِي بَعْدَ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ قَالَهُ مُحَمَّدٌ الْحَفَّارُ وَبِمِثْلِ ذَلِكَ أَفْتَى الْأُسْتَاذُ أَبُو سَعِيدِ بْنُ لُبٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَدْ سُئِلَ فِي طِرَازٍ مُحْبَسَةٍ عَلَى رَابِطَةٍ ثَبَتَ أَنَّهُ قَدْ تَدَاعَى
لِلسُّقُوطِ وَأَنَّهُ يَضُرُّ بِحِيطَانِ الْجِيرَانِ الْمُشْتَرِكَةِ مَعَهُ مِنْ جِيرَانٍ الرِّبَاطِ إضْرَارًا بَيِّنًا وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حَلِّهِ وَأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلرِّبَاطَةِ مَا يُسَدَّدُ بِهِ بِنَاؤُهُ فَأَجَابَ يَسُوغُ بَيْعُ الطِّرَازِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَيُعَوَّضُ بِثَمَنِهِ لِلْحَبْسِ مَا يَكُونُ لَهُ أَنْفَعُ، وَإِنْ وُجِدَ مَنْ يُنَاقِلُ بِهِ بِرَبْعٍ آخَرَ لِلْحَبْسِ فَهُوَ حَسَنٌ إنْ أَمْكَنَ قَالَهُ فَرَجٌ انْتَهَى.
وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ ابْنُ عَاتٍ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَحَبْسُ الْمَسَاكِينِ يَكُونُ فِي الْبَلَدِ فَتَيْبَسُ أَشْجَارُهُ وَيُقْحَطُ لِحَبْسِ الْمَاءِ عَنْهُ يَرَى الْقَاضِي فِيهِ رَأْيَهُ فِي بَيْعٍ أَوْ شَرِكَةٍ أَوْ عَمَلٍ أَوْ كِرَاءٍ مَا رَآهُ فِيهَا وَعَنْ ابْنِ اللَّبَّادِ أَرَى أَنْ يُبَاعَ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الْحَالِ يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ وَكَذَلِكَ الْمَوْضِعُ الصَّغِيرُ الَّذِي لَا يُحْرَثُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ، وَلَا يُنْتَفَعُ بِهِ فَإِنَّهُمْ يَرَوْنَ بَيْعَهُ وَيَدْخُلُ فِي غَيْرِهِ، وَهُوَ الصَّوَابُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَجَرَى الْعَمَلُ عِنْدَنَا بِبَيْعِ مَا لَا نَفْعَ فِيهِ مِنْهَا، وَوَقَعَتْ مَسَائِلُ عِنْدَنَا بِتُونُسَ.
مِنْهَا فُنْدُقُ ابْنِ يَعْطَاسَ تَهَدَّمَ فَأَفْتَى شَيْخُنَا الْإِمَامُ يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ أَنَّهُ تُبَاعُ أَنْقَاضُهُ وَيُغَيَّرُ عَنْ حَالِهِ دَارًا وَرَجَّحَ هَذَا الْقَوْلَ وَحَكَمَ بِهَذِهِ الْفَتْوَى قَاضِي الْجَمَاعَةِ وَحَقَّ لَهُ ذَلِكَ. وَمِنْهَا دَارٌ خَرِبَتْ مِنْ دُورِ مَدْرَسَةِ الْقَنْطَرَةِ فَأَفْتَى فِيهَا شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْمَذْكُورُ بِبَيْعِهَا فَبِيعَتْ وَاشْتَرَى بِثَمَنِهَا رَسْمًا فِي الْغَابَةِ بِتُونُسَ وَظَاهِرُ فَتَاوَى الْأَنْدَلُسِيِّينَ يَقْتَضِي إبَاحَةَ الْبَيْعِ وَيُسْتَبْدَلُ بِهَا مَا هُوَ أَعْوَدُ بِالْمَنْفَعَةِ انْتَهَى. كَلَامُ الْبُرْزُلِيِّ بِلَفْظِهِ وَنَقَلَهُ ابْنُ سَلْمُونٍ فِي وَثَائِقِهِ أَيْضًا وَنَصَّهُ.
وَفِي كِتَابِ الِاسْتِغْنَاءِ قَالَ الْفَضْلُ بْنُ مَسْلَمَةَ فِي حَبْسِ الْمَسَاكِينِ يَكُونُ فِي الْبَلَدِ فَتَيْبَسُ أَشْجَارُهُ وَيُقْحَطُ بِحَبْسِ الْمَاءِ عَنْهُ فَقَالَ يَرَى الْقَاضِي فِيهِ رَأْيَهُ فِي بَيْعٍ أَوْ شَرِكَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ اللَّبَّادِ أَرَى أَنْ يُبَاعَ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الْحَالَةِ قَالَ يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ وَكَذَلِكَ الْمَوْضِعُ الصَّغِيرُ الَّذِي لَا يُحْرَثُ وَحْدَهُ، وَلَا يُنْتَفَعُ بِهِ فَإِنَّهُمْ يَرَوْنَ بَيْعَهُ وَإِدْخَالَ ثَمَنِهِ فِي غَيْرِهِ قَالَ، وَهُوَ الصَّوَابُ وَجَرَى الْعَمَلُ عِنْدَنَا بِبَيْعِ مَا لَا نَفْعَ فِيهِ مِنْهَا انْتَهَى. وَلَعَلَّ مُرَادَ ابْنِ مَسْلَمَةَ بِالشَّرِكَةِ فِي قَوْلِهِ فِي بَيْعٍ أَوْ شَرِكَةٍ مَا قَالَهُ يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ فِي الْمَوْضِعِ الصَّغِيرِ الَّذِي لَا يُحْرَثُ وَحْدَهُ أَنَّهُ يُبَاعُ وَيَدْخُلُ فِي غَيْرِهِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا كَانَتْ غَلَّةُ الْحَبْسِ لَا تَفِي بِنَفَقَتِهِ وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنْ يُنْظَرَ فَإِنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ لَا ثَمَنَ لَهُ رُدَّ لِمُحْبِسِهِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ ثَمَنٌ يَبْلُغُ مَا يُشْتَرَى بِهِ مَا فِيهِ نَفْعٌ وَلَوْ قَلَّ بِيعَ وَاشْتُرِيَ بِثَمَنِهِ ذَلِكَ.
، ثُمَّ قَالَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ نَفَقَتَهُ مِنْ فَائِدَتِهِ فَإِنْ عَجَزَتْ بِيعَ وَعُوِّضَ بِثَمَنِهِ مَا هُوَ مِنْ نَوْعِهِ فَإِنْ عَجَزَ صُرِفَ فِي مَصْرِفِهِ انْتَهَى.
فَتَحْصُلُ مِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ أَنَّ فِي الْعَقَارِ الْمَوْقُوفِ إذَا انْقَطَعَتْ مَنْفَعَتُهُ وَلَمْ يُرْجَ عَوْدُهَا سَوَاءٌ كَانَ فِي مَدِينَةٍ أَوْ بَعِيدًا مِنْ الْعُمْرَانِ لِمَالِكٍ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ الْمَنْعُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَالثَّانِي الْجَوَازُ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ عَنْهُ أَبُو الْفَرَجِ فِي حَاوِيهِ وَقَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَرَجَّحَهُ ابْنُ عَرَفَةَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَقْلِ الْبُرْزُلِيِّ وَبِهِ وَقَعَتْ الْفَتْوَى وَالْحُكْمُ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ بْنُ لُبٍّ إنَّهُ الصَّحِيحُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ إنَّهُ الصَّوَابُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَوَجَّهَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ الْقَوْلَ بِالْمَنْعِ بِمَا نَصُّهُ: وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَيْ الْمَنْعِ أَنَّ الْوَقْفَ إزَالَةُ مِلْكٍ لَا إلَى مِلْكٍ فَإِذَا كَانَ فِيمَا لَا ضَرَرَ فِي تَبْقِيَتِهِ فَلَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ اعْتِبَارًا بِهِ إذَا لَمْ يَخْرُبْ وَبِذَلِكَ فَارَقَ الْحَيَوَانَ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ فِي تَبَقَّيْته ضَرَرًا إذَا لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ، وَإِنْ أَجَبْنَا بِالتَّسْوِيَةِ قُلْنَا؛ لِأَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ بِسَبَبٍ يَمْنَعُ الْبَيْعَ مَعَ السَّلَامَةِ فَوَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ فِيهِ مَعَ التَّغَيُّرِ كَالْعِتْقِ وَتَزِيدُ بِالْإِزَالَةِ فِي الْفَرْعِ الْمَانِعِ؛ وَلِأَنَّ الْقَصْدَ انْتِفَاعُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِمَنْفَعَتِهِ فَلَوْ أَجَزْنَا بَيْعَهُ لَخَالَفْنَا