الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَجَبَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الرِّبَاعِ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُمَا وَاحِدٌ فِي عِلْمِ الشُّهُودِ.
الثَّانِي لَا يَجِبُ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ فِي انْتِقَالِ الْأَمْلَاكِ مِنْ الرَّبْعِ وَالْعَقَارِ بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهَا وَكَتْبِ الْوَثَائِقِ فِيهَا وَالِاهْتِمَامِ بِذَلِكَ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ وَانْتِفَاءُ وُجُودِ ذَلِكَ مُقَوٍّ لِشَهَادَةِ الشُّهُودِ فِي إبْقَاءِ الْمِلْكِ فَلَمْ تَجِبْ الْيَمِينُ وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ الْمُسْتَحِقُّ مِنْهُ مَا يُوجِبُ الْيَمِينَ فَيُكَلِّفُهَا أَوْ لَا يَدَّعِي فَلَا يُكَلِّفُهَا يَعْنِي فِي رَبْعٍ كَانَ ذَلِكَ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ سِلْعَةٍ قَالَهُ ابْنُ كِنَانَةَ فِي النَّوَادِرِ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ الْمُنَاصِفِ وَقَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ وَمَنْ ادَّعَى فِي شَيْءٍ بِيَدِ غَيْرِهِ أَنَّهُ مِلْكُهُ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ الَّذِي هُوَ بِيَدِهِ فَلَا يُكَلَّفُ أَنْ يَقُولَ مِنْ أَيْنَ صَارَ لَهُ وَلَا بِأَيِّ وَجْهٍ يَمْلِكُهُ وَعَلَى الْمُدَّعِي إثْبَاتُ تَمَلُّكِهِ لَهُ.
[الْمُسْتَحَقَّات عَلَى نَوْعَيْنِ أُصُولٌ وَغَيْرُهَا]
وَالْمُسْتَحَقَّات عَلَى نَوْعَيْنِ أُصُولٌ وَغَيْرُهَا فَأَمَّا الْأُصُولُ فَيَكْتُبُ فِيهَا عَقْدًا يَعْرِفُ شُهُودَهُ فُلَانًا وَيَعْلَمُونَ لَهُ مَالًا وَمِلْكًا جَمِيعَ الدَّارِ أَوْ الْمَوْضِعِ أَوْ الضَّيْعَةِ بِكَذَا حُدُودُهَا كَذَا لَا يَعْلَمُونَ لَهُ فِيهَا بَيْعًا وَلَا تَفْوِيتًا وَلَا أَنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ بِوَجْهٍ حَتَّى الْآنَ وَيَحُوزُونَ ذَلِكَ وَيُعَيِّنُونَهُ بِالْوُقُوفِ عَلَيْهِ مَتَى دُعُوا إلَى ذَلِكَ وَقَيَّدُوا عَلَى ذَلِكَ شَهَادَتَهُمْ فِي كَذَا، وَإِنْ كَانَ الْقَائِمُونَ وَرَثَةً فَيَكْتُبُ فِيهِ مَا نَصُّهُ يَعْرِفُ شُهُودَهُ فُلَانًا وَيَعْلَمُونَ لَهُ مَالًا وَمِلْكًا جَمِيعَ الدَّارِ وَالْمِلْكِ بِكَذَا حُدُودُهُ كَذَا لَا يَعْلَمُونَ لَهُ فِيهِ بَيْعًا وَلَا تَفْوِيتًا وَلَا أَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِوَجْهٍ إلَى أَنْ مَاتَ وَأَحَاطَ بِمِيرَاثِهِ زَوْجُهُ فُلَانَةُ وَبَنُوهُ مِنْهَا فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ لَا يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا غَيْرَ مَنْ ذُكِرَ وَلَا يَعْلَمُونَ لِأَحَدٍ مِنْ وَرَثَتِهِ بَيْعًا وَلَا تَفْوِيتًا بِوَجْهٍ حَتَّى الْآنَ وَمَنْ عَلِمَ ذَلِكَ عَلَى حَسْبِهِ وَيَعْرِفُ مَنْ ذُكِرَ وَيَحُوزُ الْمِلْكَ بِعَيْنِهِ قَيْدٌ عَلَى ذَلِكَ شَهَادَتُهُ فِي كَذَا بَيَانٌ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الَّذِي مَضَى بِهِ الْعَمَلُ وَأَفْتَى بِهِ شُيُوخُنَا أَنَّ مَنْ ادَّعَى عَقَارًا بِيَدِ غَيْرِهِ زَعَمَ أَنَّهُ صَارَ إلَيْهِ مِمَّنْ وَرِثَهُ عَنْهُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ لَا يُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ حَتَّى يُثْبِتَ الطَّالِبُ مَوْتَ مُوَرِّثِهِ الَّذِي ادَّعَى أَنَّهُ وَرِثَ عَنْهُ ذَلِكَ الْعَقَارَ وَوِرَاثَتِهِ لَهُ فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ وَقَفَ الْمَطْلُوبُ حِينَئِذٍ عَلَى الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ خَاصَّةً، وَلَمْ يُسْأَلُ مِنْ أَيْنَ صَارَ لَهُ.
فَإِنْ أَنْكَرَ وَقَالَ الْمَالُ مَالِي وَالْمِلْكُ مِلْكِي وَدَعْوَاهُ فِيهِ بَاطِلَةٌ اكْتَفَى بِذَلِكَ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنْهُ وَكُلِّفَ الطَّالِبُ إثْبَاتَ الْمِلْكِ الَّذِي زَعَمَ أَنَّهُ وَرِثَهُ عَنْهُ وَمَوْتُهُ وَوِرَاثَتُهُ لَهُ فَإِنْ أَثْبَتَ ذَلِكَ عَلَى مَا يَجِبُ سُئِلَ الْمَطْلُوبُ حِينَئِذٍ مِنْ أَيْنَ صَارَ لَهُ وَكُلِّفَ الْجَوَابُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ صَارَ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ مَوْرُوثِ الطَّالِبِ الَّذِي ثَبَتَ الْمِلْكُ لَهُ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ وَلَا يَنْفَعُهُ إثْبَاتُهُ إنْ أَثْبَتَهُ، وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ صَارَ إلَيْهِ مِنْ قِبَلِ مَوْرُوثِ الطَّالِبِ بِوَجْهٍ يَذْكُرُهُ كُلِّفَ إثْبَاتُ ذَلِكَ فَإِنْ أَثْبَتَهُ وَعَجَزَ الطَّالِبُ عَنْ الدَّفْعِ فِي ذَلِكَ بَطَلَ دَعْوَاهُ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ إثْبَاتِ ذَلِكَ قُضِيَ لِلطَّالِبِ بِهِ هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا اخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ أَحْفَظُهُ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْعَطَّارِ أَنَّ الْفَتْوَى مَضَتْ بِأَنَّ الْمَطْلُوبَ يَلْزَمُهُ ابْتِدَاءً قَبْلَ إثْبَاتِ الْمُدَّعِي الْمِلْكَ لِمُوَرِّثِهِ الْجَوَابُ هَلْ صَارَ إلَيْهِ بِسَبَبِهِ أَوْ بِسَبَبِ مُوَرِّثِهِ الَّذِي أَثْبَتَ مَوْتَهُ وَوِرَاثَتَهُ لَهُ بَعِيدٌ وَقَوْلُنَا وَيَعْلَمُونَ لَهُ مَالًا وَمِلْكًا هُوَ الصَّوَابُ فَإِنْ قَالَ مَلَكَهُ خَاصَّةً أَوْ حَازَهُ أَوْ سَكَنَهُ فَفِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الشُّيُوخِ فَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ الشَّهَادَةُ سَاقِطَةٌ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَفْظٌ مُحْتَمِلٌ غَيْرُ بَيِّنٍ وَقَالَ ابْنُ عَتَّابٍ إنْ كَانَ الشُّهُودُ لَهُمْ نَبَاهَةٌ وَمَعْرِفَةٌ بِالشَّهَادَةِ فَهِيَ عَامِلَةٌ وَإِلَّا فَلَا.
وَقَالَ أَبُو الْمُطَرِّفِ هِيَ شَهَادَةٌ تَامَّةٌ وَقَوْلُنَا لَا يَعْلَمُونَ لَهُ فِيهِ بَيْعًا وَلَا تَفْوِيتًا هُوَ الْجَارِي عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ إذْ لَا يَسُوغُ عِنْدَهُ أَنْ يَقُولَ لَمْ يَبِعْهُ وَلَا فَوَّتَهُ وَكَذَلِكَ لَا وَارِثَ لَهُ وَلَا مَالَ لَهُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يُعْطِي الْقَطْعَ وَالْبَتَّ فَهُوَ يُضَارِعُ الْغَمُوسَ وَالزُّورَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -
وَإِنْ كُنْتُ لَا أُسَوِّغُ أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ إلَّا مَعَ حُصُولِ الْعِلْمِ الْيَقِينِيِّ بِذَلِكَ عِنْدَهُ فَلَا أُسَوِّغُ لَهُ أَنْ يَسُوقَ اللَّفْظَ إلَّا عَلَى النَّفْيِ لِلْعِلْمِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ يَقُولُ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ لَمْ يَبِعْهُ وَلَا فَوَّتَهُ وَلَا وَارِثَ لَهُ وَلَا مَالَ؛ لِأَنَّهُ إنْ قَالَ لَا أَعْلَمُ أَمْكَنَ أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ مَعَ غَلَبَةِ الظَّنِّ وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْقُضَاةِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ، وَإِنْ نَصَّ الشَّاهِدُ عَلَى الْبَتِّ وَالْقَطْعِ فِي شَهَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَلَا يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا فَإِنْ سَقَطَ هَذَا الْفَصْلُ مِنْ الْعَقْدِ قَالَ ابْنُ عَتَّابٍ فَفِي إعْمَالِ ذَلِكَ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ مِنْهُمْ مَنْ يَرَى تَرْكَ إعْمَالِهَا مَعَ بَقَاءِ الشُّهُودِ وَحِيَازَتِهِمْ وَإِعْمَالَهَا عِنْدَ فَقْدِهِمْ وَعَدَمَ السَّبِيلِ عَنْ اسْتِفْسَارِهِمْ قَالَ، وَإِنْ كَانُوا حُضُورًا فَلَمْ يَزِيدُوا شَيْئًا وَلَا فَسَّرُوا فَلَا يَجِبُ إعْمَالُ شَهَادَتِهِمْ وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الْعَطَّارِ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ سَهْلٍ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ لَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ الشُّهُودِ بِالْمِلْكِ عَلَى الْبَتِّ.
وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَهُ بَاعَ وَلَا وَهَبَ فَهُوَ مِنْ بَابِ كَمَالِ الشَّهَادَةِ وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُوقَفَ عَلَيْهِ وَيُسْأَلَ عَنْهُ فَإِنْ أَبَى أَنْ يَزِيدَهُ فِي شَهَادَتِهِ بَطَلَتْ، وَلَمْ يَصِحَّ الْحُكْمُ بِهَا، وَإِنْ قَضَى الْقَاضِي عَلَى تَوْقِيفِ الشُّهُودِ عَلَى ذَلِكَ وَسُؤَالِهِمْ عَنْهُ حَتَّى مَاتُوا أَوْ غَابُوا حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمْ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ إذْ لَا يَصِحُّ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِمَعْرِفَةِ الْمِلْكِ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ مَعَ الشَّهَادَةِ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَمْ يَبِعْ وَلَا فَوَّتَ فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الصِّحَّةِ وَإِذَا قَالَ فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ لِلْمَوْرُوثِ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ وَرَثَةٌ مِنْ وَرَثَتِهِ الْمُحِيطُونَ بِمِيرَاثِهِ وَهُمْ فُلَانٌ وَفُلَانٌ أَوْ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ وَأَحَاطَ بِمِيرَاثِهِ فُلَانٌ وَفُلَانٌ أَوْ أَحَاطَ فِي وِرَاثَةِ مَا تَخَلَّفَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ سَوَاءٌ وَمِنْ تَمَامِ الْعَقْدِ تَوَصُّلُ مِلْكِ الْوَرَثَةِ إلَى حِينِ شَهَادَتِهِمْ بِأَنْ يَقُولُوا لَا يَعْلَمُونَ مِلْكَ أَحَدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ زَالَ عَنْ ذَلِكَ إلَى حِينِ شَهَادَتِهِمْ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ شُهُودُ الْمِلْكِ الْوَرَثَةَ فَيَكْتُبُ فِي الْعَقْدِ وَيَعْلَمُونَ مَالًا لِفُلَانٍ إلَى أَنْ مَاتَ فَقَطْ أَوْ إلَى أَنْ مَاتَ وَأُورِثَهُ مَنْ وَجَبَ لَهُ مِيرَاثُهُ وَلَا يُقَالُ وَأُورِثَ ذَلِكَ وَرَثَتُهُ الْمَذْكُورِينَ فِي غَيْرِ هَذَا فَإِنَّهُ تَنَاقُضٌ قَالَهُ ابْنُ عَتَّابٍ وَابْنُ مَالِكٍ قَالَا وَهِيَ شَهَادَةٌ تَامَّةٌ عَامِلَةٌ مُوجِبَةٌ لِلْحُكْمِ وَيَشْهَدُ بِالْوَرَثَةِ آخَرُونَ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ سَهْلٍ وَإِذَا ثَبَتَ الْعَقْدُ.
فَإِنْ اتَّفَقَ الْخَصْمَانِ عَلَى حُدُودِ الْمِلْكِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ، وَلَمْ يَخْتَلِفَا فِي ذَلِكَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى الْحِيَازَةِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي حَدَّيْنِ مِنْهَا فَأَكْثَرَ فَلَا بُدَّ مِنْ الْحِيَازَةِ يَتَوَجَّهُ الشُّهُودُ الْمَقْبُولُونَ فِي الْعَقْدِ مَعَ شَاهِدَيْنِ مَقْبُولَيْنِ يُوَجِّهُهُمَا الْقَاضِي مَعَهُمْ لِتَعْيِينِ الْمَشْهُودِ فِيهِ ثُمَّ قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَلَا تَعْمَلُ الْحِيَازَةُ حَتَّى يَقُولَ الشُّهُودُ بِمَحْضَرِ الْحَائِزِينَ هَذَا الَّذِي حُزْنَاهُ عَلَيْكُمْ وَعَيَّنَّاهُ لَكُمْ هُوَ الَّذِي شَهِدْنَا فِيهِ عِنْدَ قَاضِي مَوْضِعِ كَذَا فَإِنْ لَمْ يَقُولُوا ذَلِكَ كَانَ جَهْلًا مِنْهُمْ وَمِنْ الْمُوَجِّهِينَ إلَى الْحِيَازَةِ وَلَا تَتِمُّ الْحِيَازَةُ وَلَا الشَّهَادَةُ حَتَّى يَقُولُوا ذَلِكَ فَإِذَا ثَبَتَتْ الْحِيَازَةُ أُعْذِرَ لِلَّذِي الْمِلْكُ بِيَدِهِ فِي شُهُودِ الْأَصْلِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَفِي شُهُودِ الْحِيَازَةِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ لَا إعْذَارَ فِي شُهُودِ الْحِيَازَةِ؛ لِأَنَّهُمَا نَائِبَانِ عَنْ الْقَاضِي، وَإِنْ وَجَّهَ شَاهِدًا وَاحِدًا لِذَلِكَ أَجْزَأَ وَالِاثْنَانِ أَوْلَى وَلَا يَمِينَ عَلَى مُسْتَحِقِّ الْأَصْلِ إلَّا أَنْ يَدَّعِي عَلَيْهِ خَصْمُهُ مَا يُوجِبُهَا وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ كَالْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ فَإِنْ ادَّعَى مِدْفَعًا أَجَّلَهُ ثُمَّ قَالَ وَيَلْزَمُ الْقَائِمُ بِالْعَقْدِ أَنْ يُعَيِّنَ لَهُ الشُّهُودَ وَيُعَرِّفَهُ بِهِمْ إنْ لَمْ يَعْرِفْهُمْ وَيَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ اعْتِقَالِ الْمِلْكِ الْمَشْهُودِ فِيهِ فَإِنْ كَانَتْ دَارًا فَبِالْقُفْلِ عَلَيْهَا.
وَإِنْ كَانَتْ أَرْضًا فَبِالْمَنْعِ مِنْ حَرْثِهَا فَإِنْ كَانَ فِي الْمِلْكِ غَلَّةٌ فَإِنَّهُ يَحْكُمُ بِهَا لِلْقَائِمِ يَوْمَ الْحُكْمِ لَهُ بِالْأَصْلِ وَقِيلَ يَوْمَ ثُبُوتِهِ وَقِيلَ يَوْمَ تَوْقِيفِهِ فَإِنْ كَانَتْ أَرْضًا مُزْدَرَعَةً فَإِنْ كَانَ إبَّانَ الزِّرَاعَةِ بَاقِيًا فَالْكِرَاءُ لِلْمُسْتَحِقِّ يُؤَدِّيهِ لَهُ الزَّارِعُ، وَإِنْ كَانَ الْإِبَّانُ
قَدْ فَاتَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الزَّارِعِ وَقَدْ وَجَبَ لَهُ زَرْعُهُ دُونَ كِرَاءٍ، وَإِنْ كَانَتْ ثَمَرَةٌ فَهِيَ لِلْمُسْتَحِقِّ مِنْهُ إنْ كَانَتْ قَدْ طَابَتْ وَقِيلَ إنْ كَانَتْ يَبِسَتْ وَقِيلَ إنْ كَانَ قَطَعَهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَدْ طَابَتْ فَهِيَ لِلْمُسْتَحِقِّ بِاتِّفَاقٍ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا سَقَى وَعَالَجَ إلَّا أَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهَا بَعْدَ الْإِبَّانِ فَإِنَّ الثَّمَرَةَ تَكُونُ لِلْمُسْتَحِقِّ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ مُطْلَقًا وَقَالَ أَشْهَبُ هِيَ لَهُ مَا لَمْ تُجَذَّ وَتَكَلَّمَ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ اُخْتُلِفَ فِي الْحَدِّ الَّذِي يَدْخُلُ بِهِ الشَّيْءُ الْمُسْتَحَقُّ فِي ضَمَانِ الْمُسْتَحِقِّ وَتَكُونُ الْغَلَّةُ لَهُ وَيَجِبُ التَّوْقِيفُ بِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّهَا لَا تَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ وَلَا تَجِبُ الْغَلَّةُ لَهُ حَتَّى يُقْضَى لَهُ بِهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ عِيسَى وَاَلَّذِي يَأْتِي عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَعَلَى قَوْلِ سَحْنُونَ فِي نَوَازِلِهِ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يَجِبُ تَوْقِيفُ الْأَرْضِ الْمُسْتَحَقَّةِ تَوْقِيفًا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَلَا تَوْقِيفُ غَلَّتِهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الرِّبَاعَ لَا تُوقَفُ مِثْلُ مَا يَحُولُ وَيَزُولُ وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ الْإِحْدَاثِ فِيهَا.
وَالثَّانِي أَنَّهَا تَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ وَتَكُونُ لَهُ الْغَلَّةُ وَيَجِبُ تَوْقِيفُهُ وَقْفًا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ إذَا ثَبَتَ لَهُ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي مُوَطَّئِهِ وَقَوْلِ غَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ.
وَالثَّالِثُ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ وَتَجِبُ لَهُ الْغَلَّةُ وَالتَّوْقِيفُ بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ وَهِيَ رِوَايَةُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَسْمِ الْعَرِيَّةِ مِنْ سَمَاعِهِ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى وَالصُّلْحِ وَالنَّفَقَةِ أَيْضًا وَالْقِيَاسُ فِيهَا أَنْ تُجْرَى عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لِلْمُقْضَى عَلَيْهِ الرُّجُوعُ مِنْ النَّفَقَةِ عَلَى الْمُقْضَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَنْفَقَ عَلَى مَا ضَمَانُهُ وَغَلَّتُهُ لَهُ وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي يَجِبُ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَقِّ بِشَاهِدَيْنِ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ وَكَوْنِ الْغَلَّةِ لَهُ مِنْ حِينَئِذٍ وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ يَجِبُ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَ مُنْذُ وَقَفَ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ وَكَوْنِ الْغَلَّةِ لَهُ مِنْ حِينَئِذٍ.
وَقَدْ فَرَّقَ فِي رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ بَيْنَ النَّفَقَةِ وَالضَّمَانِ وَالْغَلَّةِ فَقَالَ إنَّ النَّفَقَةَ مِمَّنْ تَصِيرُ إلَيْهِ وَالْغَلَّةُ لِلَّتِي هِيَ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ مِنْهُ وَكَذَلِكَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ التَّفْرِقَةُ وَالصَّوَابُ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَأَنْ يَكُونَا جَمِيعًا تَابِعَيْنِ لِلضَّمَانِ إمَّا مِنْ يَوْمِ وُجُوبِ التَّوْقِيفِ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ أَوْ بِشَاهِدَيْنِ أَوْ مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ وَالْقَضَاءِ فَإِنْ ذَهَبَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمِلْكُ إلَى إثْبَاتِهِ اعْتِمَارِهِ فَيَكْتُبُ فِي ذَلِكَ عَقْدًا يُعَرِّفُ شُهُودَهُ فَلَا وَيَعْلَمُونَهُ يَعْتَمِرُ الْمِلْك الْمَحْدُودُ بِكَذَا وَيَسْتَغِلُّهُ وَيَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ ذِي الْمِلْكِ فِي مِلْكِهِ مُنْذُ أَزْيَدَ مِنْ عَشَرَةِ أَعْوَامٍ تَقَدَّمَتْ التَّارِيخَ حَتَّى الْآنَ وَفُلَانٌ الْقَائِمُ عَلَيْهِ الْآنَ فِيهِ الْمَعْرُوفُ عِنْدَهُمْ حَاضِرٌ عَالِمٌ بِذَلِكَ سَاكِتٌ لَا يُغِيرُ عَلَيْهِ وَلَا يَعْتَرِضُهُ وَلَا يُنَازِعُهُ فِي ذَلِكَ بِطُولِ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ تَارِكٌ لِلْقِيَامِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ يَعْلَمُونَهُ لَهُ فِي ذَلِكَ إلَى أَنْ اتَّصَلَ بِهِمْ أَنَّهُ قَامَ عَلَيْهِ فِيهِ مُنْذُ كَذَا يَتَحَقَّقُونَ ذَلِكَ وَلَا يَشُكُّونَ فِيهِ وَيُجَوِّزُونَ الْمَوْضِعَ مَتَى دُعُوا إلَى ذَلِكَ وَقَيَّدُوا عَلَى ذَلِكَ شَهَادَتِهِمْ فِي كَذَا فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا حَازَهُ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ إذَا ثَبَتَ هَذَا الْعَقْدُ فِي الِاعْتِمَارِ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْقَائِمِ فِيهِ مِدْفَعٌ فَإِنَّهُ يُبْطِلُ لَهُ مَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ عَقْدِ الْمِلْكِ وَيَبْقَى الْمَوْضِعُ لِلَّذِي كَانَ بِيَدِهِ وَيَحْكُمُ لَهُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَدَعْ فِيهِ بَيْعًا وَلَا غَيْرَهُ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ لِلْقَائِمِ الْمَذْكُورِ فِيهِ حَقًّا وَلَا يُكَلَّفُ بِأَنْ يُقَالَ بِأَيِّ شَيْءٍ صَارَ ذَلِكَ لَهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ ابْتَاعَهَا مِنْ الَّذِي ثَبَتَ لَهُ الْمِلْكُ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ وَكَانَتْ لَهُ.
وَإِنْ قَالَ إنَّهُ وَهَبَهَا لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ كُلِّفَ إثْبَاتُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِمَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ الِاعْتِمَارِ وَعَلَى الْقَائِمِ الْيَمِينُ وَفِي كِتَابِ الِاسْتِغْنَاءِ قَالَ الْمُشَاوِرُ
وَيَكُونُ عَلَيْهِ فِي دَعْوَى الْبَيْعِ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ مَا دَفَعَ لَهُ ثَمَنًا عَنْهُ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ إنْ كَانَ مَا يَدَّعِيهِ مِنْ الثَّمَنِ يُشْبِهُ ثَمَنَ ذَلِكَ وَإِلَّا فَتَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ وَلَا يَسْقُطُ الثَّمَنُ عَنْهُ إلَّا إلَى الْأَمَدِ الَّذِي لَا يَبْتَاعُ النَّاسُ إلَى مِثْلِهِ قَالَ وَهُوَ قَوْلُ شُيُوخِنَا فِي ذَلِكَ.
وَفِي مَسَائِلَ ابْنِ الْحَاجِّ سُئِلَ فِي رَجُلٍ قَالَ لِرَجُلٍ بِأَيِّ شَيْءٍ تَسْكُنُ دَارِي فَقَالَ اشْتَرَيْتهَا مِنْ وَكِيلِك وَاسْتَظْهَرَ بِعَقْدٍ يَتَضَمَّنُ سُكْنَاهُ لَهَا وَاعْتِمَارُهُ فَأَجَابَ إقْرَارَهُ بِالِابْتِيَاعِ مِنْ وَكِيلِهِ إقْرَارٌ مِنْهُ لَهُ بِالْمِلْكِ وَلَا يَنْتَفِعُ بِمَا اسْتَظْهَرَ بِهِ عَقْدَ الْحِيَازَةِ وَإِنَّمَا يَنْتَفِعُ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ بِالِابْتِيَاعِ لَهُ مِنْ وَكِيلِهِ أَوْ مِنْهُ وَإِنَّمَا تَنْفَعُ الْحِيَازَةُ فِيمَا جُهِلَ أَصْلُهُ وَدُخُولُ السَّاكِنِ فِيهَا مِنْ أَيْنَ هُوَ وَقَالَ فِيهَا أَيْضًا إذَا قَامَ الرَّجُلُ بِعَقْدِ ابْتِيَاعٍ مِنْ الْمُقَوَّمِ عَلَيْهِ أَوْ مِنْ أَبِيهِ قَبِلَهُ وَتَارِيخُ الِابْتِيَاعِ قَبْلَ الْقِيَامِ بِعِشْرِينَ فِي أَمْلَاكٍ بِيَدِ رَجُلٍ وَتَصَيَّرَتْ إلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ فَقَالَ الْمُقَوَّمُ عَلَيْهِ لِي عِشْرُونَ عَامًا أَتَمَلَّكُ هَذِهِ الْأَمْلَاكَ وَأَنْتَ حَاضِرٌ، وَلَمْ تَقُمْ فَقَالَ لَمْ أَجِدْ وَثِيقَةَ ابْتِيَاعٍ إلَّا الْآنَ فَالْوَاجِبُ أَنَّ لَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْحِيَازَةِ فَيَسْقُطُ حَقُّ الْقَائِمِ بِذَلِكَ وَلَكِنْ يَحْلِفُ الْقَائِمُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَا تَرَكْت الْقِيَامَ فِي الْأَمْلَاكِ تَسْلِيمًا مِنِّي لَهَا وَلَا رِضًا بِتَرْكِ حَقِّي فِيهَا إلَّا لِأَنِّي لَمْ أَعْلَمْ بِالْعَقْدِ، وَلَمْ أَجِدْهُ وَيَأْخُذُهَا مِنْ يَدِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ أَبُو الْقَائِمِ اشْتَرَاهَا مِنْ الْمُقَوَّمِ عَلَيْهِ فَيَحْلِفُ الْقَائِمُ مَا عَلِمْت بِشِرَاءِ أَبِي لَهَا إلَّا وَقْتَ قِيَامِي بِعَقْدِي ثُمَّ يَأْخُذُهَا وَلَوْ قَالَ الْقَائِمُ إنِّي اشْتَرَيْتهَا ثُمَّ اعْتَمَرْتُك إيَّاهَا أَوْ اكْتَرَيْتهَا مِنْك أَوْ أَرْفَقْتُك بِهَا وَلِذَلِكَ لَمْ أَقُمْ بِهَا لَكَانَ أَبْيَنَ فِي أَنْ يَحْلِفَ إذَا اُسْتُظْهِرَ بِوَثِيقَةِ الشِّرَاءِ وَيَأْخُذَهَا وَلَوْ قَالَ الْمُقَوَّمُ عَلَيْهِ أَقَلْتَ فِيهَا بَعْدَ أَنْ بِعْتهَا مِنْك كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ وَتَبْقَى بِيَدِهِ الْأَمْلَاكُ فَإِنْ أَثْبَتَ الْقَائِمُ أَنَّ دُخُولَ الْمُعْتَمِرِ فِي الْأَمْلَاكِ وَابْتِدَاءِ نُزُولِهِ فِيهَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْكِرَاءِ أَوْ الْإِسْكَانِ أَوْ الْعَارِيَّةِ أَوْ عَلَى وَجْهِ الْغَصْبِ فَلَا يَكُونُ لِلْمُعْتَمِرِ بِهِ حُجَّةٌ وَيَبْطُلُ، وَإِنْ كَانَ الْقَائِمُونَ وَرَثَةٌ فَلَا يَسْقُطُ قِيَامُهُمْ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ الِاعْتِمَارُ بِحَضْرَةِ مُوَرِّثِهِمْ أَوْ يَثْبُتُ أَنَّهُمْ عَلِمُوا بِذَلِكَ وَسَكَتُوا الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ وَحَالُ الْوَرَثَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الْجَهْلِ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُمْ عَلِمُوا وَكَذَلِكَ إنْ أَثْبَتَ الطَّالِبُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يُخَاصِمُ فِيهَا وَيُطَالِبُ لَيْسَ أَنْ يُخَاصِمَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ وَيَتْرُكَ نَفْعَهُ ذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ تَنْفَعْهُ قَالَهُ سَحْنُونٌ وَفِي الِاسْتِغْنَاءِ إذَا لَمْ يَزَلْ مُتَرَدِّدًا عَلَيْهِ بِالْقِيَامِ فِي الْأَشْهُرِ وَالْأَعْوَامِ فَلَهُ الْقِيَامُ بِحُجَّتِهِ وَكَذَلِكَ الْغَائِبُ.
قَالَ سَحْنُونٌ لَا حِيَازَةَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ هُوَ عَلَى حَقِّهِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى يَقُومَ طَالَتْ الْغَيْبَةُ أَوْ قَرُبَتْ وَهُوَ عَلَى حَقِّهِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ عَلِمَ.
وَفِي الِاسْتِغْنَاءِ رَوَى عِيسَى أَنَّهُ إذَا كَانَ غَائِبًا عَلَى نَحْوِ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ وَحِيزَ عَلَيْهِ أَرْضُهُ بِالْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ ثُمَّ قَدِمَ كَانَ أَوْلَى بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ عُذْرُهُ وَرُبَّ أَعْذَارٍ لَا تُعْرَفُ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ بِطُولِ الْعِمَارَةِ لِمَغِيبِهِ قَالَ عِيسَى وَسَوَاءٌ بَلَغَهُ ذَلِكَ فِي مَغِيبِهِ أَوْ لَمْ يَبْلُغْهُ لَهُ الْقِيَامُ وَلَا قَطَعَ ذَلِكَ حَقَّهُ قَالَ وَبِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا عَلِمَ ذَلِكَ فِي مَغِيبِهِ فَلَمْ يَقْدَمْ، وَلَمْ يُوَكِّلْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ حَتَّى حِيزَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الزَّمَنُ الطَّوِيلُ فَلَا حَقَّ فِيهَا قَالَ وَالْأَوَّلُ قَوْلُهُ وَهُوَ أَحْسَنُ قَالَ الْمُشَاوِرُ وَبِهِ الْعَمَلُ قَالَ عِيسَى فَإِنْ قَدِمَ رَبُّ الْمَوْضِعِ فَعَلِمَ ذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَ وَتَرَكَهُ ثُمَّ قَامَ وَبَعْدَ ذَلِكَ بِزَمَانٍ فَهُوَ كَالْحَاضِرِ وَأَمَّا إنْ لَمْ يَقْدَمْ فَهُوَ لَهُ حَتَّى يُقِيمَ الدَّاخِلُ فِي الْأَرْضِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الِابْتِيَاعِ أَوْ الصَّدَقَةِ قَالَ بَعْضُ الْمُفْتِينَ إنَّمَا يَقُومُ الْقَائِمُ إذَا اتَّصَلَتْ غَيْبَتُهُ، وَلَمْ يَأْتِ مِنْهَا إلَى وَقْتِ قِيَامِهِ وَأَمَّا مَنْ سَافَرَ وَبَقِيَ فِي سَفَرِهِ عَامًا أَوْ عَامَيْنِ فَعَلَ ذَلِكَ مِرَارًا ثُمَّ قَامَ فَلَا قِيَامَ لَهُ وَكَذَلِكَ الْمُغَيَّبُونَ فِي خِدْمَةِ السُّلْطَانِ يَغِيبُونَ فِي ذَلِكَ الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ فَلَا قِيَامَ لَهُمْ.
وَالِاعْتِمَارُ عَلَى قِسْمَيْنِ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّيْنِ وَبَيْنَ الْقَرَابَاتِ، فَأَمَّا الِاعْتِمَارُ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّيْنِ فَلَمْ يَحُدَّ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ حَدًّا.
وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى أَنَّهُ حَدَّ فِيهِ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ وَمِثْلُهُ لِرَبِيعَةَ فِي الْمُدَوَّنَةِ.
وَفِي الْوَاضِحَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ التِّسْعَةَ الْأَعْوَامَ وَالثَّمَانِيَةَ الْأَعْوَامَ فِي ذَلِكَ كَالْعَشَرَةِ وَحُكْمُهَا وَاحِدٌ فِي الِاعْتِمَارِ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّيْنِ وَالثَّمَانِيَةَ الْأَعْوَامَ هِيَ رِوَايَةُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَمَّا الِاعْتِمَارُ بَيْنَ الْقَرَابَاتِ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ بِالسُّكْنَى وَازْدِرَاعِ الْأَرْضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يُحْكَمُ بِهِ حَتَّى يَزِيدَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ عَامًا وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ بِالْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ وَالْغَرْسِ وَعَقْدِ الْكِرَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيَكُونُ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ حُكْمَ الْأَجْنَبِيَّيْنِ وَالْحِيَازَةُ فِي ذَلِكَ الْعَشَرَةِ الْأَعْوَامِ وَنَحْوِهَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى وَرُوِيَ عَنْ يَحْيَى أَيْضًا أَنَّ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ وَلَا بُدَّ أَنْ يَحُوزَ ذَلِكَ أَزْيَدَ مِنْ أَرْبَعِينَ عَامًا وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ مَا حَازَ بِالْبَيْعِ وَالْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ فَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَالْأَجْنَبِيَّيْنِ وَقِيلَ إنَّمَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّيْنِ وَالْقَرَابَاتِ فِي الْبِلَادِ الَّتِي يُعْرَفُ مِنْ أَهْلِهَا أَنَّهُمْ يَتَوَسَّعُونَ بِذَلِكَ لِقَرَابَاتِهِمْ وَمَوَالِيهِمْ، وَإِنْ كَانُوا بِمَوْضِعٍ لَا يُعْرَفُ هَذَا فِيهِ فَهُمْ كَالْأَجْنَبَيْنِ سَوَاءٌ وَاخْتُلِفَ فِي الْأَصْهَارِ وَالْمَوَالِي فَقِيلَ إنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْقَرَابَاتِ وَقِيلَ إنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحِيَازَةُ تَكُونُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْعِتْقِ وَوَطْءِ الْإِمَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ الثَّانِي الزَّرْعُ وَالِاسْتِغْلَالُ وَالسُّكْنَى.
الثَّالِثُ الْغَرْسُ وَالْبِنَاءُ وَالْإِحْيَاءُ وَأَهْلُ الْحِيَازَةِ أَرْبَعَةُ أَصْنَافٍ: الْأَوَّلُ الْأَبُ وَالِابْنُ فِيمَا بَيْنَهُمَا. الثَّانِي الْقَرَابَاتُ الْوَرَثَةُ وَغَيْرُهُمْ. الثَّالِثُ الْأَصْهَارُ وَالْمَوَالِي الرَّابِعُ الْأَجْنَبِيُّونَ وَكُلُّ صِنْفٍ مِنْهُمْ شُرَكَاءُ وَغَيْرُ شُرَكَاءَ فَأَمَّا الْحِيَازَةُ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْعِتْقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ مِنْ أَيِّ صِنْفٍ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحِيَازَةِ وَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ فَإِنْ بَاعَ ذَلِكَ بِمَحْضَرِ الْمَحُوزِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ حَتَّى انْقَضَى الْمَجْلِسُ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا الثَّمَنُ إنْ قَامَ عَلَى قُرْبٍ، وَإِنْ سَكَتَ حَتَّى مَضَى الْعَامُ وَنَحْوُهُ فَلَا يَكُونُ لَهُ حَقٌّ فِي ثَمَنٍ وَلَا مَثْمُونٍ وَيَسْتَحِقُّ ذَلِكَ الْبَائِعُ بِالْحِيَازَةِ مَعَ يَمِينِهِ إذَا انْفَرَدَ بِذَلِكَ بِالْوَجْهِ الَّذِي نَذْكُرُهُ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَإِنْ قَامَ بِذَلِكَ قَبْلَ الْعَامِ فَهُوَ عَلَى حَقِّهِ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ إلَّا بَعْدَ الْعَامِ وَنَحْوِهِ كَانَ لَهُ الثَّمَنُ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْحِيَازَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ وَاسْتَحَقَّ ذَلِكَ الْبَائِعُ بِمَا ادَّعَاهُ، وَإِنْ حَازَ ذَلِكَ بِالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالْآخَرُ حَاضِرٌ سَاكِتٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَقَامَ حِينَ عَلِمَ فَهُوَ عَلَى حَقِّهِ، وَإِنْ قَامَ بَعْدَ الْعَامِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْحَائِزِ وَأَمَّا الْحِيَازَةُ بِالْعُمْرَى وَالِاسْتِغْلَالِ فَيَخْتَلِفُ فَأَمَّا الْأَبُ وَالِابْنُ فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ الزَّرْعُ وَالسُّكْنَى بَيْنَهُمَا حِيَازَةً وَاخْتُلِفَ فِي الْحِيَازَةِ بَيْنَهُمَا بِالْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا لَا تَكُونُ حِيَازَةً إنْ ادَّعَاهُ مِلْكًا لِنَفْسِهِ فِي الْحِيَازَةِ أَوْ بَعْدَ الْوَفَاةِ إلَّا أَنْ يَطُولَ الْأَمْرُ جِدًّا إلَى مَا تَهْلَكُ فِيهِ الْبَيِّنَاتُ وَيَنْقَطِعُ فِيهِ الْعِلْمُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ وَالثَّانِي أَنَّهَا تَكُونُ حِيَازَةً وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ دِينَارٍ فِي الْجِدَارِ وَمُطَرِّفٍ فِي الْوَاضِحَةِ وَسَوَاءٌ كَانُوا شُرَكَاءَ أَوْ غَيْرَ شُرَكَاءَ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ.
وَأَمَّا الْقَرَابَةُ فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّ الْحِيَازَةَ لَا تَكُونُ بَيْنَهُمْ بِالزَّرْعِ وَالسُّكْنَى إلَّا مَا تَأَوَّلَهُ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ بَعِيدٌ وَاخْتُلِفَ فِي حِيَازَةِ الشُّرَكَاءِ بِالْمِيرَاثِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ فَمَرَّةٌ قَالَ إنَّ الْعَشَرَةَ الْأَعْوَامَ فِي ذَلِكَ حِيَازَةٌ وَمَرَّةٌ قَالَ إنَّهَا لَا تَكُونُ حِيَازَةً إلَّا أَنْ يَطُولَ الْأَمْرُ جِدًّا أَزْيَدَ مِنْ أَرْبَعِينَ سَنَةً كَحِيَازَةِ الْأَبِ عَلَى ابْنِهِ وَالِابْنِ عَلَى أَبِيهِ قَالَ وَيَتَحَصَّل فِي الْقَرَابَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْعَشَرَةَ الْأَعْوَامَ بِالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ
حِيَازَةٌ فِي الْإِشْرَاكِ مِنْهُمْ وَغَيْرِهِمْ وَالثَّانِي أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحِيَازَةٍ فِيهِمَا إلَّا مَعَ طُولِ الْمُدَّةِ وَالثَّالِثُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِشْرَاكِ مِنْهُمْ وَغَيْرِهِمْ فَتَكُونُ حِيَازَةً بَيْنَ غَيْرِ الشُّرَكَاءِ وَلَا تَكُونُ حِيَازَةً بَيْنَ الشُّرَكَاءِ قَالَ وَيَتَحَصَّلُ فِي الْمُوَالَى وَالْأَصْهَارِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْحِيَازَةَ تَكُونُ بَيْنَهُمْ فِي الْعَشَرَةِ الْأَعْوَامِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَدْمٌ وَلَا بِنَاءٌ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا تَكُونُ الْحِيَازَةُ بَيْنَهُمْ فِي الْعَشَرَةِ الْأَعْوَامِ إلَّا مَعَ الْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَا تَكُونُ الْحِيَازَةُ بَيْنَهُمْ إلَّا أَنْ يَطُولَ الزَّمَانُ جِدًّا هَذَا فِيمَا بَيْنَهُمْ فِيهِ شِرْكَةٌ وَأَمَّا فِيمَا لَا شَرِكَةَ فِيهِ بَيْنَهُمْ فَمَرَّةً جَعَلَهُمْ ابْنُ الْقَاسِمِ كَالْأَجْنَبِيَّيْنِ تَكُونُ الْحِيَازَةُ بَيْنَهُمْ بِالْعَشَرَةِ الْأَعْوَامِ دُونَ تَهَدُّمٍ وَلَا بُنْيَانٍ وَمَرَّةً جَعَلَهُمْ مِثْلَ الْقَرَابَةِ الَّذِينَ لَا شِرْكَةَ بَيْنَهُمْ.
وَأَمَّا الْأَجْنَبِيُّونَ فِيمَا لَا شِرْكَةَ فِيهِ بَيْنَهُمْ فَإِنَّ الْحِيَازَةَ تَكُونُ بَيْنَهُمْ بِالْعَشَرَةِ الْأَعْوَامِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَتْ مِنْ وُجُوهِ الِاعْتِمَارِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَدْمٌ وَلَا بُنْيَانٌ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا تَكُونُ حِيَازَةٌ إلَّا مَعَ الْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الْجِدَارِ وَغَيْرِهِ وَلَا اخْتِلَافَ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ بِالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ أَنَّهَا حِيَازَةٌ وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُمْ فِيهِ شِرْكَةٌ فَلَا تَكُونُ الْعَشَرَةُ الْأَعْوَامُ حِيَازَةً إلَّا مَعَ الْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ وَإِلَّا فَلَا وَلَا فَرْقَ فِي مُدَّةِ حِيَازَةِ الْوَارِثِ عَلَى الْوَرَثَةِ بَيْنَ الرِّبَاعِ وَالْأُصُولِ وَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ ذَلِكَ فِي حِيَازَةِ الْأَجْنَبِيِّ فَلَا يَبْلُغُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ الْعَشَرَةَ الْأَعْوَامَ كَمَا يَصْنَعُ فِي الْأُصُولِ.
قَالَ أَصْبَغُ وَمُطَرِّفٌ وَمَا حَازَهُ الشَّرِيكُ أَوْ الْوَارِثُ عَمَّنْ وَرِثَ مَعَهُ فِي الْعُرُوضِ وَالْعَبِيدِ بِالْإِخْدَامِ وَاللِّبْسِ وَالِامْتِهَانِ مُنْفَرِدًا بِهِ عَلَى وَجْهِ الْمِلْكِ لَهُ فَالْقَضَاءُ فِيهِ أَنَّ الْحِيَازَةَ فِي ذَلِكَ عَامِلَةٌ وَالْعَشَرَةُ الْأَعْوَامُ عَلَى قَدْرِ اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ عِنْدَ نُزُولِ ذَلِكَ قَالَ أَصْبَغُ وَأَمَّا الْأَجْنَبِيُّ فَالْحِيَازَةُ عَلَيْهِ فِي الثِّيَابِ إذَا كَانَ حَاضِرًا عَالِمًا بِذَلِكَ الْعَامِ وَالْعَامَانِ وَفِي الدَّابَّةِ الْعَامَانِ أَوْ الثَّلَاثَةِ بِالرُّكُوبِ وَالِاسْتِعْمَالِ لَهَا بِوَجْهِ الْمِلْكِ وَالْأَمَةُ مِثْلُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَطَأَهَا بِعِلْمِ الْمُدَّعِي فَلَا يَعْتَرِضُ فَلَا كَلَامَ لَهُ بَعْدُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طُولُ حِيَازَةٍ قَالَ وَالْعَبِيدُ وَالْعُرُوضُ فَوْقَ ذَلِكَ بِيَسِيرٍ.
وَفِي كِتَابِ الْجِدَارِ قَالَ عِيسَى مَا حَازَهُ الْوَارِثُ عَلَى سَائِرِ الْوَرَثَةِ وَالشَّرِيكِ عَلَى إشْرَاكِهِ بِالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَالْإِحْيَاءِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ إلَّا فِي خَاصَّةِ مَالِهِ فَهُوَ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ سَوَاءٌ إذَا مَضَى لِذَلِكَ عَشْرُ سِنِينَ وَهُوَ فِي يَدُ حَائِزِهِ يَلِي ذَلِكَ بِحَضْرَةِ إشْرَاكِهِ وَلَا يُغِيرُونَ عَلَيْهِ وَلَا يُنْكِرُونَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ إذَا ادَّعَى ذَلِكَ لِنَفْسِهِ بِأَمْرٍ لَا يُرِيدُ إظْهَارَهُ، وَلَمْ يَدَّعِهِ مِلْكًا لِحِيَازَتِهِ إيَّاهُ فَقَطْ قَالَ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا حَازَ بَعْضَهَا وَكَانَ الَّذِي حَازَ مِثْلَ سَهْمِهِ فَهُوَ لَهُ بِسَهْمِهِ وَلَيْسَ لَهُ مِمَّا بَقِيَ شَيْءٌ إذَا ادَّعَى إشْرَاكَهُ أَنَّهُمْ إنَّمَا تَرَكُوهُ يَعْمُرُ هَذِهِ الْعِمَارَةَ لِيَكُونَ سَهْمُهُ فِيهِ وَسِهَامُهُمْ فِيمَا بَقِيَ وَحَلَفُوا عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ دَعْوَاهُ فِي الَّذِي عَمَّرَ أَنَّهُ لَهُ دُونَهُمْ كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَكَانَ حَقُّهُمْ فِيمَا بَقِيَ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ سَهْمِهِ كَانَ لَهُ وَأَتَمَّ سَهْمَهُ فِيمَا بَقِيَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَهُوَ لَهُ مِقْدَارُ سَهْمِهِ بِسَهْمِهِ وَالْبَاقِي بِالْحِيَازَةِ.
قَالَ أَصْبَغُ إلَّا أَنْ تَعْلَمَ الْبَيِّنَةُ دُخُولَهُمْ فِيمَا عَمَّرُوهُ وَأَقَرُّوا بِذَلِكَ فَلَا يَسْتَحِقُّونَهُ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الِابْتِيَاعِ أَوْ الْهِبَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَإِلَّا فَهُوَ بَيْنَهُمْ عَلَى مَوَارِثِهِمْ.
وَسُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ رَجُلٍ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ ابْنًا وَبِنْتَيْنِ وَمِلْكًا، وَعَاشَتْ الْبِنْتَانِ مُدَّةً طَوِيلَةً إلَى أَنْ تَزَوَّجَتَا وَوَلَدَتَا أَوْلَادًا ثُمَّ مَاتَتَا وَتَرَكَتَا أَوْلَادًا وَأَزْوَاجًا فَعَاشَ الْأَزْوَاجُ مُدَّةً طَوِيلَةً، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهَا طَلَبٌ فِي الْمِلْكِ الَّذِي تَرَكَهُ الْمَيِّتُ الْأَوَّلُ فَقَامَ الْآنَ أَوْلَادُ الْبِنْتَيْنِ يَطْلُبُونَ نَصِيبَ أُمِّهِمْ فِي الْمِلْكِ الْمَذْكُورِ وَعَاشَ أَخُو الْبِنْتَيْنِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا مُدَّةَ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ عَامًا يَهْدِمُ وَيَبْنِي وَيَغْرِسُ بِعِلْمِ الْأَزْوَاجِ وَبَنِي الْأُخْتَيْنِ، وَلَمْ يَعْتَرِضَا فِي ذَلِكَ الْمِلْكِ فَقَالَ إذَا كَانَ الِابْنُ قَدْ حَازَ الْمِلْكَ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ