المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثالث وَعَنْهَا قَالَتْ: إِنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي القُعَيْسِ اسْتأْذَنَ عَلَيَّ - كشف اللثام شرح عمدة الأحكام - جـ ٦

[السفاريني]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌كتاب القصاص

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌كتاب الحدود

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب حد السرقة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب حد الخمر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌كتاب الأيمان والنذور

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌باب النذر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب القضاء

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب الصيد

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

الفصل: ‌ ‌الحديث الثالث وَعَنْهَا قَالَتْ: إِنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي القُعَيْسِ اسْتأْذَنَ عَلَيَّ

‌الحديث الثالث

وَعَنْهَا قَالَتْ: إِنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي القُعَيْسِ اسْتأْذَنَ عَلَيَّ بَعْدَمَا أُنْزِلَ الحِجَابُ، فَقُلْتُ: وَاللهِ! لَا آذَنُ لَهُ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فإنَّ أَخَا أَبَا القُعَيْسِ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي، وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَةُ أَبِي القُعَيْسِ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: يَا رَسولَ اللهِ! إِنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي، وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَتُهُ، قَالَ:"ائذَني لَهُ، فَإنَّهُ عَمُّكَ، تَرِبَتْ يَمِيُنَكِ".

قال عروةُ: فبذلك كانت عائشةُ تقول: حَرِّموا من الرضاعة ما يَحْرُمُ من النسب (1).

وفي لفظ: استأذنَ عَلَيَّ أَفْلَحُ، فلم آذَنْ لَهُ، فقالَ: أَتَحْتَجِبِينَ مِنِّي وَأَنا عَمُّكِ؟ فَقُلْتُ: كيفَ ذلكَ؟ قال: أَرْضَعَتْكُ امرأةُ أَخي بلبنِ أَخي، قالت:

(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (4518)، كتاب: التفسير، باب: قوله: {إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الأحزاب: 54]، و (4815)، كتاب: النكاح، باب: لبن الفحل، و (5804)، كتاب: الأدب، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "تربت يمينك" و"عقرى حلقى"، ومسلم (1445/ 3 - 10)، كتاب: الرضاع، باب: تحريم الرضاعة من ماء الفحل، وأبو داود (2057)، كتاب: النكاح، باب: في لبن الفحل، والنسائي (3314 - 3318)، كتاب: النكاح، باب: لبن الفحل، والترمذي (1148)، كتاب: الرضاع، باب: ما جاء في لبن الفحل، وابن ماجه (1948 - 1949)، كتاب: النكاح، باب: لبن الفحل. =

ص: 9

فسألتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقالَ:"صَدَقَ أَفْلَحُ، ائذَنِي لَهُ"(1).

* * *

(وعنها)؛ أي: عن أم المؤمنين عائشةَ الصدّيقةِ رضي الله عنها (قالت: إن أَفْلَحَ) -بفتح الهمزة وسكون الفاء وبالحاء المهملة غير منصرف للعلمية ووزن الفعل-، ويكنى بأبي الجعد كما قاله الخطيب.

قال ابن عبد البر: لا أعلم له خبرًا ولا ذِكْرًا أكثرَ ممّا جرى من ذكره في حديث عائشة من الرضاع، ثم قال: يقال: إنه من الأشعريين (2)، والذي صوّبه أئمةُ الحديث وحفّاظُهم أن أفلح المذكور كان (أخا أبي القُعَيس) -بضم القاف وفتح العين المهملة وسكون المثناة تحت وآخره سينٌ مهملة-.

قال الحافظ ابن حجر في "الفتح": ولم أقف على اسم أبي القعيس إلا في كلام الدارقطني، فقال: بل هو وائل بنُ أفلحَ الأشعريُّ، وحكى هذا ابنُ عبد البر، ثم حكى -أيضًا- أن اسمه الجَعْدُ، فعلى هذا يكون أخوه وافقَ اسمُه اسمَ أبيه، ويحتمل أن يكون أبو القعيس نسب لجده، ويكون اسمه

(1) رواه البخاري (2501)، كتاب: الشهادات، باب: الشهادة على الأنساب، والرضاع المستفيض، والموت القديم.

* مصَادر شرح الحَدِيث:

"الاستذكار" لابن عبد البر (6/ 242)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (5/ 88)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 628)، و"المفهم" للقرطبي (4/ 178)، و"شرح مسلم" للنووي (10/ 20)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 78)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1389)، و"فتح الباري" لابن حجر (5/ 254)، و"عمدة القاري" للعيني (19/ 125)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (8/ 33)، و"سبل السلام" للصنعاني (3/ 216)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (7/ 23).

(2)

انظر: "الاستيعاب" لابن عبد البر (1/ 102).

ص: 10

وائل بن قعيس بن أفلح بن قعيس، وأخوه: أفلح بن قعيس بن أفلح أبو الجعد، انتهى (1).

(استأذن) ليدخل (عَلَيَّ)، لكونه مَحْرَمًا، وذلك (بعد ما أُنزل) -بضم الهمزة- مبينًا لما لم يسمى فاعله (الحجاب) -بالرفع- ائب الفاعل؛ أي: بعد ما أنزل اللهُ سبحانه وتعالى آيةَ الحجاب، وهي:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} [الأحزاب: 53] إلى قول: {مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ} [الأحزاب: 53] في سورة الأحزاب، (فقلت: واللهِ! لا آذَنُ

له حتى أستأذنَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم) في ذلك، وفي لفظٍ: فأبيتُ أن آذن له (2)، فقال: أتحتجبين مني وأنا عمك؟ قالت عائشة رضي الله عنها معللةً لعدم إذنها في دخوله عليها: (فإن أخا أبي القعيس ليس هو أرضعني، ولكن

أرضعتني امرأةُ أبي القعيس)، وفي رواية معمر عن الزهري عند مسلم: وكان أبو القعيس زوجَ المرأة التي أرضعت عائشة رضي الله عنها (3)، قالت:(فدخل عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! إنّ الرجل ليس هو أرضعني) حتى يُباح لأخيه أن يدخل عليَّ وأكونَ له ابنة أخ، (ولكن أرضعتني امرأته، فقال) صلى الله عليه وسلم: (ائذني له، فإنّه عمّك تربَتْ يمينك)، وفي رواية سفيان:"يداك"، أو "يمينك"(4)، وفي روايةٍ: فأمرني أن آذن له (5)،

(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 150).

(2)

تقدم تخريجه عند البخاري برقم (4518، 4815، 4941)، وعند مسلم برقم (1445/ 3، 7).

(3)

تقدم تخريجه عند مسلم برقم (1445/ 6).

(4)

تقدم تخريجه عند مسلم برقم (1445/ 4).

(5)

تقدم تخريجه عند البخاري برقم (4815)، وعند مسلم برقم (1445/ 3).

ص: 11

وفي رواية مالك عن هشام بن عروة: "إنه عمّك، فليلجْ عليكِ"(1)، وفي روايةٍ:"صدق أفلحُ، ائذني له"(2).

ووقع في رواية سفيان الثوري عن هشام عند أبي داود: دخل عليَّ أفلحُ، فاستترت منه، فقال: أتستترين مني وأنا عمّك؟ قلت: من أين؟ قال: أرضعتكِ امرأةُ أخي، قلت: إنما أرضعتني المرأةُ، ولم يرضعني الرجلُ، الحديث (3)، ويأتي.

ويُجمع بأنه دخل عليها أوّلًا، فاستترت منه، ودار بينهما الكلام، ثم جاء يستأذن ظنًا منه أنها قبلَتْ قوله، فلم تأذن له حتى تستأذنَ له رسول الله صلى الله عليه وسلم (4).

وقوله: "تربت يمينك"؛ أي: أُلصقت بالتراب، وهي كناية عن الفقر كما هو في بعض النسخ: ولفظ: تربت يمينك؛ أي: افتقرت، والعرب تدعو على الرجل، ولا تريد وقوعَ الأمر به، ونقله في "الفتح" عن "العمدة"، فعلم أنه من الأصل.

قال في "الفتح": وزاد غيره، يعني: غير صاحب "العمدة" المصنف -رحمه الله تعالى-: أن صدور ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم لا يُستجاب، لشرطه ذلك على ربه، وحكى ابن العربي أن معناه: استغنت، ورد بأن المعروف: أترب: إذا استغنى، ترب: إذا افتقر، ووجه بأن الغنى الناشىء عن المال تراب؛ لأن جميع ما في الدنيا تراب، ولا يخفى بعدُه، وقيل: معناه:

(1) تقدم تخريجه عند البخاري برقم (4941)، وعند مسلم برقم (1445/ 7).

(2)

تقدم تخريجه عند البخاري برقم (2501).

(3)

تقدم تخريجه عند أبي داود (2057).

(4)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 151).

ص: 12

ضعف عقلك، وقيل: افتقرتِ من العلم، وقيل: فيه شرط مقدر؛ أي: وقع لك ذلك إن لم تفعلي، ورجحه ابن العربي (1).

(قال عروةُ) بنُ الزبير بن العوام: (فبذلك) بما تقدم من أمر أفلح أخي أبي القعيس، وأمرِ النبي صلى الله عليه وسلم أَلَّا تحتجب منه، لكونه عمَّها من الرضاعة، (كانت) خالته (عائشةُ) رضي الله عنها (تقول: حرِّموا من الرضاعة ما يحرم من النسب)، وظاهر هذا: الوقف.

وقد أخرجه مسلم من طريق يزيد بن أبي حبيب، عن مالك، عن عروة في هذه القصة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تحتجبي منه، فإنّه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب"(2).

وقد جاءت هذه الزيادة عن عائشة مرفوعة من وجه آخر. (وفي لفظ) عندهما، قالت:(استأذن عليَّ أفلحُ) أخو القعيس (فلم آذنْ له) أن يلج عليّ، (فقال) أفلح:(أتحتجبين مني وأنا عمُّكِ) من الرضاعة؟ (فقلت: كيف ذلك، قال: أرضعتكِ امرأة أخي) منها (بلبن أخي) أبي القعيس، واللبن يضاف إلى الفحل، لم أقف على اسمها.

(قالت) عائشة رضي الله عنها: (فسألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم) عن قوله، وإباحة نظري إليه ونظره إلي، وثبوت المحرمية بما قال، (فقال) صلى الله عليه وسلم:(صدق أفلحُ ائدني، له) فليلج عليك؛ لأنه عمك من الرضاعة، فينشر لَبَنُ الفحل الحرمةَ لمن أرضع الصغير بلبنه، فلا تحل له بنت زوج المرأة التي أرضعته من غيرها مثلًا، وفيه خلافٌ قديم حكي عن ابن عمر، وابن الزبير، ورافع بن خديج، وزينبَ بنتِ أم سَلَمة، وغيرهم، ونقله ابن بطال عن

(1) المرجع السابق، (5/ 135).

(2)

تقدم تخريجه عند مسلم برقم (1445/ 9).

ص: 13

عائشة، وفيه نظر، ومن التابعين عن سعيد بن المسيب، وأبي سَلَمة، والقاسم، وسالم، وسليمان بن يسار، وعطاء بن يسار، والشعبي، وإبراهيم النخعي، وأبي قلابة، وإياس بن معاوية، أخرجها ابن أبي شيبة، وعبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وابن المنذر.

وعن ابن سيرين: نبئت أنّ ناسًا من أهل المدينة اختلفوا فيه.

وعن زينبَ بنتِ أبي سَلَمة: أنها سألت -والصحابة متوافرون وأمهاتُ المؤمنين-، فقالوا: الرضاعة من قبل الرجل لا تحرم شيئًا (1)، وقال به من الفقهاء: ربيعةُ الرأي، وإبراهيمُ بنُ عليّة، وابنُ بنت الشافعي، وداودُ الظاهري وأتباعه، فتخصيصُ القاضي عياض ومن تبعه نسبة ذلك لداودَ وإبراهيمَ بنِ عليّةَ غريب، مع وجود الرواية عمن ذكرنا، وحجّتهم: ظاهر قوله -تعالى-: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23]، ولم يذكر العمّة، ولا البنت كما ذكرهما في النسب.

والجواب عن ذلك بأن تخصيص الشيء بالذكر لا يدلّ على نفي الحكم عمّا عداه، ولا سيما والأحاديث الصحيحة التي جاءت بتحريم من ذكروا صريحة.

واحتج بعضهم من حيث النظر بأن اللبن لا ينفصل إلا عن المرأة، فكيف ينشر الحرمة إلى الرجل؟

والجواب: أنه قياس في مقابلة النص، فلا يعتبر، و-أيضًا- سبب اللبن ماء الرجل والمرأة معًا، فيجب أن يكون الرضاع منهما، ولهذا أشار ابن

(1) رواه الإمام الشافعي في "مسنده"(ص: 230)، وفي "الأم"(7/ 265 - 266).

ص: 14

عباس في هذه المسألة بقوله: اللقاح واحد، أخرجه ابن أبي شيبة (1)، و -أيضًا- الوطء يُدِرُّ اللبن، فللفحل فيه نصيب، ولهذا ذهب الجمهور من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار، كالأوزاعي في أهل الشام، والثوري، وأبي حنيفة وصاحبيه في أهل الكوفة، وابن جريج في أهل مكة، ومالك في أهل المدينة، والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأتباعهم: إلى أن لبن الفحل يُحَرِّم، وحجتهم هذا الحديث الصحيح.

وألزم الشافعي المالكيةَ في هذه المسألة بردّ أصلهم بتقديم عمل أهل المدينة، ولو خالف الحديث الصحيح، إذا كان من الآحاد، لما رواه عن عبد العزيز بن محمّد عن ربيعة من أنّ لبن الفحل لا يحرم، قال عبد العزيز: وهذا رأي فقهائنا إلّا الزهري، فقال الشافعي: لا نعلم شيئًا من علم الخاصّة أولى بأَلَّا يكون عامًّا ظاهرًا من هذا وقد تركوه للخبر الوارد، فيلزمهم على هذا إما أن يردّوا هذا الخبر، وهم لم يردّوه، أو يردُّوا ما خالف الخبر على كل حال، وهو المطلوب.

قال القاضي عبد الوهاب من المالكية: يُتصور تجريدُ لبن الفحل برجل له امرأتان، ترضع إحداهما بنتًا، والأخرى صبيًّا، فالجمهور قالوا: يحرم على الصبي تزوجُ الصبية، وقال من خالفهم: يجوز.

قال في "الفتح": وألزم به بعضهم من أطلق من الحنفية القائلين: الصحابي إذا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثًا، وصحّ عنه، ثم صح عنه العمل بخلافه أن العمل بما رأى، لا ما روى؛ لأن عائشة صحّ عنها أنه لا اعتبار للبن الفحل، ذكره مالك في "الموطأ"، وسعيد بن منصور في "السنن"،

(1) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(17348). وكذا الإمام مالك في "الموطأ"(2/ 602).

ص: 15

وأبو عبيد في كتاب "النكاح " بإسنادٍ حسن، وأخذ الجمهور، ومنهم الحنفية بخلاف ذلك، وعملوا براويتها ولو كان روى هذا الحكم غير عائشة، لكان لهم معذرة، لكنه لم يروه غيرها، وهدا إلزامٌ قويّ (1)، انتهى.

تنبيه: المقصود الأعظم من هذا الحديث كونُ لبن الفحل يحرّم، وهو متفق عليه بين الأئمة الأربعة، وكذا عند جمهور الأئمة، وأكثر الأمّة.

وفي "العيني": المعروف عن داود موافقة الأئمة الأربعة في ذلك، حكاه ابن حزم عنه في "المحلى"(2)، وكذا ذهب إليه ابن حزم، انتهى (3).

وفي الحديث: دليلٌ على أنّ من ادّعى الرضاع، وصدّقه الرضيع، ثبت حكم الرضاع بينهما ولا يحتاج إلى بَيِّنة؛ لأن أفلح ادَّعاه، وصدّقته عائشة، وأذن الشارع بمجرد ذلك، وتُعُقِّب باحتمال كون الشارع اطلع على ذلك من غير دعوى أفلح وتسليم عائشة.

واستدل به على أنّ قليل الرضاع يحرّم كما يحرّم كثيره، لعدم الاستفصال فيه ولا حجّة فيه؛ لأن عدم الذكر لا يدل على العدم المحض.

وفيه: أنّ من شك في حكم يتوقف حتى يسأل العلماء عنه، وأن من اشتبه عليه الشيء، طالب المدّعي ببيانه ليرجع إليه أحدهما، وأن العالم إذا سُئل، يُصدق من قال: الصواب فيه، لقوله صلى الله عليه وسلم عن أفلح:"صدق".

وفيه: وجوب احتجاب المرأة من الرجال الأجانب، ومشروعية استئذان المحرم على محرمه، وأنّ المرأة لا تأذن في بيت الرجل إلّا بإذنه.

(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 151 - 152).

(2)

انظر: "المحلى" لابن حزم (10/ 4).

(3)

انظر: "عمدة القاري" للعيني (13/ 205).

ص: 16

وفيه: جواز التسمية بأفلح.

ويؤخذ منه: أنّ المستفتي إذا بادر بالتعليل قبل سماع الفتوى، أنكر عليه، لقوله عليه الصلاة والسلام لعائشة:"تربت يمينك"، فإن فيه إشارة إلى أنه كان من حقها أن تسأل عن الحكم فقط، ولا تعلل (1)، والله -تعالى- أعلم.

(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 152).

ص: 17