الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثامن
عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْن رضي الله عنهما: أَنَّ رَجُلًا عَضَّ يَدَ رَجُلٍ، فَنَزَعَ يَدَهُ مِنْ فِيْهِ، فَوَقَعَتْ ثنَيَّتَاهُ، فَاخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"يَعَضُّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ كَمَا يَعَضُّ الفَحْلُ؟ لَا دِيَةَ لَكَ"(1).
* * *
(عن عمرانَ بنِ حصين رضي الله عنهما: أن رجلًا) من الصحابة رضي الله عنهم (عضَّ يدَ رجلٍ)، عضّ الأسنان -بالضاد المعجمة- يقال:
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (6497)، كتاب: الديات، باب: إذا عضَّ فوقعت ثناياه، ومسلم (1673/ 18)، كتاب: القسامة، باب: الصائل على نفس الإنسان أو عضوه، والنسائي (4758 - 4762)، كتاب: القسامة، باب: القود من العضة، والترمذي (1416)، كتاب: الديات، باب: ما جاء في القصاص، وابن ماجه (2657)، كتاب: الديات، باب: من عض رجلًا فنزع يده فندر ثناياه.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 470)، و"المفهم" للقرطبي (5/ 31)، و"شرح مسلم" للنووي (11/ 160)، و"شرح عمدة الأحكام "لابن دقيق (4/ 103)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1439)، و"فتح الباري" لابن حجر (12/ 220)، و"عمدة القاري" للعيني (24/ 52)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (10/ 58)، و"سبل السلام" للصنعاني (3/ 262)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (7/ 171).
عضه عضا: إذا أمسكه بأسنانه (1)، وفي الحديث:"عَضُّوا عليها بالنواجِذ"(2) هو مَثَلٌ في شدة الاستمساك؛ لأن العض بالنواجذ عضٌّ بجميع الفم والأسنان، والنواجذ -بالذال المعجمة-: أواخر الأسنان، وقيل: التي بعد الأنياب (3).
وقد صرح في رواية مسلم أن المعضوض يعلى بن مُنْيَةَ -بضم الميم وسكون النون وفتح المثناة تحت-، وقيل: ابن أمية، وكلاهما صحيح، فمرة نُسب إلى أبيه أمية بن أبي عتيد بن همام بن الحارث التميمي الحنظلي، ومرة إلى أمه وكنية يعلى: أبو صفوان، وقيل: أبو خالد، وهو قول الأكثر، أسلم يوم الفتح، فشهد حنينًا والطائف وتبوك، مات سنة ثمان وثلاثين بصفين مع علي بعد أن شهد الجمل مع عائشة، وهو صاحب الجمل أعطاه عائشةَ رضي الله عنها (4) -.
وفي رواية لمسلم -أيضًا-: أن المعضوض كان أجيرًا ليعلى (5)؛ إذ لا يظن بيعلى ذلك، قاله النووي (6)، وكذا صاحب "المفهم"(7).
قال البرماوي: الصحيح المعروف أنه أجير ليعلى، ويحتمل أنهما قضيتان (8) انتهى.
(1) انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 835)، (مادة: عضض).
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (3/ 252).
(4)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (12/ 222).
(5)
رواه مسلم (1674)، كتاب: القسامة، باب: الصائل على نفس الإنسان أو عضوه.
(6)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (11/ 160).
(7)
انظر: "المفهم" للقرطبي (5/ 32).
(8)
وقاله قبله النووي في "شرح مسلم"(11/ 160). قال الحافظ ابن حجر في "فتح =
قلت: في "منتقى الأحكام" للإمام مجد الدين بن تيمية (1): عن يعلى بن أمية، قال: كان لي أجير، فقاتل إنسانًا، فعض أحدُهما صاحبه، فانتزع إصبعه، فأندر ثنيته، فسقطت، فانطلق إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فأهدر ثنيته وقال:"ليدع يده في فيك تقضمها كما يقضم الفحل" رواه الجماعة إلا الترمذي (2)، وهم في اصطلاحه: الإمامُ أحمد، والشيخان، وأصحاب السنن.
قلت: وفي لفظ البخاري: "أيدفع يده إليك فتقضمها كما يقضم الفحل؟! "(3)، وقال في آخر:"فيدع إصبعه في فيك"(4)، (فنزع) المعضوض (يده من فيه)؛ أي: من فم العاضِّ، (فوقعت ثنيتاه)؛ أي: ثنيتا العاض -بالتثنية- بالنزع، وفي رواية: ثنيته -بالإفراد (5) -، وللإنسان أربع ثنايا: ثنتان من فوق، وثنتان من أسفل (6)، (فاختصما)؛ أي: العاض
= الباري" (12/ 220): وتعقبه شيخنا -يعني: العراقي- في "شرح الترمذي" بأنه ليس في رواية مسلم، ولا رواية غيره في الكتب الستة ولا غيرها أن يعلى هو المعضوض، لا صريحًا ولا إشارة، وقال شيخنا: فيتعين على هذا أن يعلى هو العاض، والله أعلم.
(1)
انظر: "منتقى الأحكام" له (3/ 12 - 13)، حديث رقم (3006).
(2)
رواه البخاري (2146)، كتاب: الإجارة، باب: الأجير في الغزو، ومسلم (1674/ 22)، كتاب: القسامة، باب: الصائل على نفس الإنسان أو عضوه، والإمام أحمد في "المسند"(4/ 224)، وأبو داود (4584)، كتاب: الديات، باب: في الرجل يقاتل الرجل فيدفعه عن نفسه، والنسائي (4769)، كتاب: القسامة، باب: ذكر الاختلاف على عطاء في هذا الحديث.
(3)
رواه البخاري (2814)، كتاب: الجهاد والسير، باب: الأجير.
(4)
تقدم تخريجه قريبًا برقم (2146).
(5)
تقدم تخريجه عند ابن ماجه برقم (2657).
(6)
انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 1637)، (مادة: ثنى).
والمعضوض (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك)، (فقال) عليه السلام:(يعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل؟)؛ أي: فحلُ الإبل، وفي رواية:"أردت أن تأكل لحمه؟! "(1)، وفي رواية: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تأمرني؟ تأمرني أن آمره أن يدع يده في فيك تقضَمُها كما يقضم الفحل؟! "(2)، والقضمُ: هو الأكل بأطراف الأسنان، وفي لفظ:"أردت أن تقضمه كما يقضم الفحل؟ "(3)، (لا دية لك)، وفي رواية من حديث يعلى بن أمية: فسقطت ثنيتاه، فأبطلهما النّبيّ صلى الله عليه وسلم (4)، وتقدم آنفًا من حديثه: فأهدر ثنيته؛ أي: أبطل أن يكون فيها قصاص أو دية، بل ذهبت باطلة.
قال علماؤنا: إن عضَّ يدَ إنسان عضًا محرَّمًا، فانتزع يده من فيه، ولو بعنف، فسقطت ثناياه، فهدر، وكذا ما في معنى العض (5).
قال في "شرح الكافي": وهذا المذهب مطلقًا، وعليه جماهير الأصحاب، وقال جماعة من الأصحاب: ينتزعها بالأسهل فالأسهل؛ كالصائل (6)، انتهى.
تنبيهات:
الأول: أشار الحافظ المصنف -رحمه الله تعالى- بمضمون هذا الحديث إلى قاعدة فقهية، وهي حكم الصائل، فكل من صال على نفسه أو
(1) تقدم تخريجه عند مسلم برقم (1673/ 19).
(2)
رواه مسلم (1673/ 21)، كتاب: القسامة، باب: الصائل على نفس الإنسان أو عضوه.
(3)
رواه مسلم (1674/ 22)، كتاب: القسامة، باب: الصائل على نفس الإنسان أو عضوه.
(4)
تقدم تخريجه برقم (1674/ 22).
(5)
انظر: "الإقناع" للحجاوي (4/ 274).
(6)
وانظر: "الإنصاف" للمرداوي (10/ 308).
نسائه أو ولده أو ماله، ولو قل، سواء كان الصائل بهيمة أو آدميًا، ولو غير مكلف، أو صبيًا أو مجنونًا، في منزله أو غيره، ولو متلصصًا، ولم يخف أن يبدره الصائل بالقتل، دفعه بأسهل ما يغلب على ظنه دفعُه به، فإن اندفع بالقول، لم يكن له ضربه، كان لم يندفع بالقول، فله ضربه بأسهل ما يظن أن يندفع به، فإن ظن أنه يندفع بضرب عصا، لم يكن له ضربه بحديد، وإن ولى هاربًا، لم يكن له قتله، ولا اتباعه، وإن ضربه فعطله، لم يكن له أن يثني عليه، وهكذا مِنْ فعلِ الأسهلِ فالأسهل (1).
قال في "شرح المحرر": الصَّوْل والصِّيال: قصدُ الإنسان بما لا يحل له من تلف نفسه أو طرفه أو ماله، أو هتك عورته، وأصل الصول: الاستطالة والتغلب.
وفي "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: جاء رجل فقال: يا رسول الله! أرأيت إن جاء رجل يريد أن يأخذ مالي؟ قال: "فلا تُعطِه"، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: "فاقتلْه"، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: "فأنت شهيد"، قال: أرأيت إن قتلتُه؟ قال: "هو في النار"(2) ورواه الإمام أحمد، وفيه: أنه قال له: "لولا أنشده الله"، قال: فإن أبى علي؟ قال: "فاقتله"(3).
وقال في حديث عمران بن حصين هذا: لم يوجب النّبيّ صلى الله عليه وسلم الضمان في ذلك، وقد ذهبت ثنيتاه بفعله؛ لأنه كان دافعًا عن نفسه، وشبهه في ذلك بالفحل.
(1) انظر: "الإقناع" للحجاوي (4/ 272).
(2)
رواه مسلم (140)، كتاب: الإيمان، باب: الدليل على أن من قصد أخذ مال غيره بغير حق، كان القاصد مهدر في حقه، وإن قتل كان في النار.
(3)
لم أقف عليه في "المسند"، والله أعلم.
قال: وقد روي أن جارية خرجت من المدينة تحتطب، فتبعها رجل، فراودها عن نفسها، فرمته بفهر، فقتلته، فرُفع ذلك إلى عمر، فقال: هذا قتيل الله، واللهِ لا يودى أبدًا (1).
ومعنى قتيل الله: أن الله أباح قتله، ولأنه إتلاف بدفعٍ مباح، فوجب أن يسقط ضمانه، كالعادل إذا قتل الباغي، فإن قتل الدافع، فهو شهيد؛ لما روي عن سعيد بن زيد رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قُتل دون دمه، فهو شهيد، ومن قتل دون ماله، فهو شهيد، ومن قتل دون أهله، فهو شهيد" رواه أبو داود، والترمذي، وصححه (2)، ومن حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل دون ماله، فهو شهيد" رواه أبو داود، والنسائي، والترمذي، وصححه (3).
فإن كان الدفع عن حرمته مثل أن يجد رجلًا مع امرأته أو ابنته أو أخته يزني بها، أو مع ابنه يلوط به، فدفعُه واجبٌ عليه، رواية واحدة؛ لأنه قد اجتمع فيه حق لله -تعالى-، وهو منعه عن الفاحشة، وحقٌّ لنفسه بالمنع عن أهله، فلا يسعه إضاعةُ هذه الحقوق؛ لأن الأمر بالمعروف والنهيَ عن المنكر واجبٌ في غير هذه الصورة، ففيها أولى أن يجب.
وإن كان الدفع عن نفسه؛ مثل من قصد قتلَه أو قطعَ عضو من أعضائه، ففي وجوبه روايتان:
إحداهما: يجب؛ لقوله -تعالى-: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]،
(1) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(27793)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(8/ 337)، من حديث عبيد بن عمير.
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
تقدم تخريجه.
وكما يحرم عليه قتلُ نفسه، يحرم عليه إباحة دمه.
والثانية: يجوز ولا يجب، بل يستحب، لقوله -تعالى- في قصة ابني آدم:{لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ} [المائدة: 28]، فهذا يدل على أنه ترك قتله مع القدرة عليه (1).
وقد روى ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يمنع أحدَكم إذا جاء من يريد قتلَه أن يكون مثلَ ابني آدم؟ القاتلُ في النار، والمقتولُ في الجنة" رواه الإمام أحمد (2)، ولأن عثمان رضي الله عنه ترك القتال على من بغى عليه مع القدرة عليه، ومنعَ غيره عن قتالهم، وصبر على ذلك، ولو لم يجز، لأنكر الصحابة عليه ذلك.
وإن كان الدفع عن ماله، فهذا لا يجب عليه، رواية واحدة؛ لأنه ليس فيه من المحذور ما في النفس، لأن المال لا حرمة له كحرمة النفس، فلا يجب عليه أن يقتل النفس بسبب المال؛ لأنه ربما يمكن دفع الصائل بدون القتال، ولا يأمن المقاتل أن يقتل، ومع ذلك يجوز له قتال الصائل؛ لاعتدائه عليه.
قال شيخ الإسلام حفيد المجد بن تيمية -قدس الله روحه-: لا يجب على الإنسان الدفعُ عن ماله، قال -تعالى-:{وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} [الحج: 34]، قال عمر [و] بن أوس: هم الذين لا يظلمون إذا ظُلموا (3)، فينبغي الصبر على الظالم، وأَلَّا يبغي عليه، قال ابن مسعود رضي الله عنه: لو بغى
(1) انظر: "كشاف القناع" للبهوتي (6/ 155).
(2)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 100).
(3)
رواه الإمام أحمد في "الزهد"(ص: 381)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(35487)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(8088).
جبل على جبلٍ، لجعل الله -تعالى- الباغيَ منهما دكًا (1)، ومن ذا قول الشاعر:
[من الطويل]
قَضَى اللهُ أَنَّ الْبَغْيَ يَصرَعُ أَهْلَهُ
…
وَأَنَّ عَلَى الْبَاغِي تَدُورُ الدَّوَائِرُ (2)
ويشهد لهذا قوله -تعالى-: {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [يونس: 23].
الثاني: ذكر البدر العيني في "شرح البخاري" تحت قوله صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "من قتل دون ماله فهو شهيد": فيه جواز قتل القاصد لأخذ المال بغير حق، سواء كان المال قليلًا، أو كثيرًا؛ لعموم الحديث.
قال: وهذا قول جماهير العلماء، وقال بعض أصحاب مالك: لا يجوز إذا طلب شيئًا يسيرًا؛ كالثوب والطعام، قال: وهذا ليس بشيء، والصواب ما قاله الجماهير.
قال: وأما المدافعة عن الحريم، فواجبة بلا خلاف في مذهبنا ومذهب غيرنا.
والمدافعة عن المال جائزة واجبة، قال: وفيه أن القاصد إذا قُتل، لا دية له، ولا قصاص، وأن الدافع إذا قُتل يكون شهيدًا.
وقال الإمام الحافظ الترمذي: وقد رخص بعضُ أهل العلم للرجل أن يقاتل عن نفسه وماله. وقال الإمام ابن المبارك: يقاتل ولو على درهمين (3).
(1) رواه ابن مردويه في "تفسيره" كما ذكر السيوطي في "الدر المنثور"(4/ 353)، لكن من حديث ابن عباس رضي الله عنه مرفوعًا.
(2)
انظر: "الفتاوى المصرية الكبرى" لشيخ الإسلام ابن تيمية (4/ 237 - 238).
(3)
انظر: "سنن الترمذي"(4/ 29)، عقب حديث (1419).
وقال ابن المهلب: وكذلك في كل من قاتل على ما يحل له القتال عليه من أهلٍ ودينٍ، فهو كمن قاتل دون نفسه وماله، فلا دية عليه، ولا تبعة، ومن أخذ في ذلك بالرخصة، وأسلم المال والأهل والنفس، فأمرُه إلى الله -تعالى-، والله يعذره ويأجره، ومن أخذ في ذلك بالشدة، وقُتل كانت له الشهادة.
وقال الإمام ابن المنذر: روينا عن جماعة من أهل العلم: أنهم رأوا قتالَ اللصوص ودفعَهم عن أنفسهم وأموالهم، وقد أخذ ابن عمر لصًا في داره، فأصلت عليه السيف، قال سالم: لولا أنا حُلْنا بينه وبينه، لضربه به (1).
وقال النخعي: إذا خفت أن يبدأك اللص، فابدأه.
وقال الحسن: إذا طرق اللص بالسلاح، فاقتله.
وسئل الإمام مالك عن القوم يكونون في السفر، فتلقاهم اللصوص، قال: يقاتلونهم ولو على دانق.
وقال عبد الملك: إن قدر أن يمتنع من اللصوص، فلا يعطهم شيئًا.
وقال الإمام أحمد: إذا كان اللص مقبلًا، فادفعه؛ يعني: ولو بالقتل، وإن كان موليًا، فلا تقتله.
وعن إسحاق مثله.
وقال الإمام أبو حنيفة في رجل دخل على رجل ليلًا للسرقة، ثم خرج بالسرقة من الدار، فأتبعه الرجل فقتله: لا شيء عليه.
وقال الإمام الشافعي: من أريد ماله في مصر أو في صحراء، أو أريد حريمه، فالاختيار له أن يكله، أو يستغيث، فإن منع أو امتنع، لم يكن له
(1) رواه عبد الرزاق في "المصنف"(18557).
قتاله، فإن أبى أن يمتنع من قتله من أراد قتله، فله أن يدفعه عن نفسه وعن ماله، وليس له عمد قتله، فإذا لم يمتنع، فقاتله فقتله، فلا عقل فيه، ولا قود، ولا كفارة (1).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "السياسة الشرعية": إذا كان مطلوب الصائل المال، جاز دفعه بما يمكن، فإذا لم يندفع إلا بالقتال، قوتل، وإن ترك القتال، أو أعطاهم شيئًا من المال، جاز، وأما إذا كان مطلوبه الحرمة؛ مثل أن يطلب الزنا بمحارم الإنسان، أو يطلب من المرأة والصبي الفجور به، فيجب عليه أن يدفع عن نفسه بما يمكن، ولو بالقتل، ولا يجوز التمكين بحال؛ بخلاف المال؛ لأن بذل المال جائز؛ بخلاف الفجور، وأما إذا كان مقصوده قتل الإنسان، جاز له الدفع، وهل يجب عليه؟ على قولين للعلماء في مذهب الإمام أحمد وغيره، والله أعلم (2).
الثالث: إذا نظر إنسان في بيت إنسان من خصاص الباب ونحوه، فحذف عينه، ففقأها، فلا شيء عليه (3)؛ لما روى أبو هريرة رضي الله عنه: أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "من اطلع في بيتِ قومٍ بغير إذنهم، ففقؤوا عينه، فلا ديةَ ولا قصاص" رواه الإمام أحمد، والنسائي (4).
وفي رواية: "من اطلع في بيت قومٍ بغير إذنهم، فقد حلَّ لهم أن يفقؤوا عينه" رواه الإمام أحمد، ومسلم (5).
(1) انظر: "عمدة القاري" للعيني (13/ 35 - 36).
(2)
انظر: "السياسة الشرعية" لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص: 74 - 75).
(3)
انظر: "الإقناع" للحجاوي (4/ 274).
(4)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 414)، والنسائي في "السنن الكبرى"(7065)، واللفظ له.
(5)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 266)، ومسلم (2158)، كتاب: الآداب، =
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه: أن رجلًا اطلع في جحرٍ في باب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم مِدْرَى يرجِّل به رأسه، فقال له:"لو أعلم أنك تنظر، طعنتك به في عينك، إنما جُعل الإذن من أجل البصر"(1).
قوله: أن رجلًا، قيل: هو الحكمُ بن العاص بن أمية والدُ مروان، وقيل: سعد، غير منسوب.
وقوله: اطَّلع -بشد الطاء-، والجُحْر -بضم الجيم وسكون المهملة-، والمِدْرى -بكسر الميم وسكون الدال المهملة-: عود تُدخله المرأة في رأسها ليضم بعض شعرها إلى بعض، وهو يشبه المِسَلَّة، يقال: مدرت المرأة: سرحت شعرها، وقيل: مشط له أسنان يسيرة، وقال الأصمعي وأبو عبيد: هو المشط، ويأتي له تتمة.
وقد روي: في جُحْر -بضم الجيم وسكون المهملة-، وهو ثقب مستدير في أرض أو حائط، وأصلها: مكامنُ الوحش، وروي -بضم الحاء المهملة وفتح الجيم-: جمع حُجَرة، وهي ناحية من البيت، ووقع في رواية: حُجْرة -بالإفراد-، والله -تعالى- الموفق (2).
= باب: تحريم النظر في بيت غيره.
(1)
رواه البخاري (5887)، كتاب: الاستئذان، باب: الاستئذان من أجل البصر، ومسلم (2156)، كتاب: الآداب، باب: تحريم النظر في بيت غيره، والإمام أحمد في "المسند"(5/ 334).
(2)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/ 367).