الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب القضاء
وهو لغة: إحكامُ الشيء والفراغُ منه، ومنه قوله تعالى:{فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 12]، وبمعنى: أوجب، ومنه قوله تعالى:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23]، وبمعنى: أمضى الحكم، ومنه قوله تعالى:{وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ} [الإسراء: 4]؛ أي: أمضينا وأنهينا، وغير ذلك.
وسمي الحاكم قاضيًا؛ لأنه يُمضي الأحكامَ ويُحكمها، أو لإيجابه الحكمَ على من يجب عليه (1).
واصطلاحًا: تبيينُ الحكم الشرعي، والإلزامُ به، وفصلُ الخصومات.
والأصلُ فيه قوله تعالى: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى} [ص: 26]، وقوله تعالى:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: 65]، وقوله عليه السلام:"إذا اجتهد الحاكم فأصاب، فله أجران، وإن أخطأ، فله أجر" متفق عليه من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه (2).
(1) انظر: "شرح مسلم" للنووي (12/ 2). وانظر: "الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" للأزهري (ص: 419).
(2)
رواه البخاري (6919)، كتاب: الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: أجر الحاكم =
وقد أجمع المسلمون على نصب القُضاة للفصل بين الناس، وهو فرض كفاية كالإمامة، فعلى الإمام أن ينصّب بكل إقليم قاضيًا، وعليه أن يختار لذلك أفضل من يجد علمًا وورعًا، ويأمره بالتقوى وتحري العدل، ويأمره أن يستخلف في كل صُقْع أفضل من يجد.
ويجب على من يصلح للقضاء -إذا طلب ولم يوجد غيره ممن يوثق به- أن يدخل فيه إن لم يشغله عما هو أهمُّ منه، ومع وجود غيره ممن يصلح الأفضلُ أَلَّا يجيب، وكره له طلبه إذًا، ويحرم بذلُ مال فيه، وأخذُه، وتصح توليةُ مفضول مع وجود أفضل منه، وتوليةُ حريصٍ عليها.
وولايته رتبة دينية، ونصبة شرعية، وفيه فضل لمن قوي على القيام به.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والواجب اتخاذُها دينًا وقربة؛ فإنها من أفضل القُربات، وإنما فسد حال الأكثر لطلب الرئاسة والمال بها، انتهى (1).
وفيه خطر عظيم ووزرٌ كبير لمن لم يؤدِّ الحقَّ به، فمن عرف الحقَّ ولم يقض به، أو قضى على جهل، ففي النار، ومن عرف الحق وقضى به، ففي الجنّة.
وكان من طريقة السلف الامتناع من الدخول فيه.
وإذا لم يمكنه القيامُ بالواجب؛ لظلم السلطان أو غيره، حرم، وتأكد الامتناع (2).
= إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ، ومسلم (1716)، كتاب: الأقضية، باب: بيان أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ.
(1)
انظر: "الفتاوى المصرية الكبرى" لشيخ الإسلام ابن تيمية (4/ 624).
(2)
انظر: "الإقناع" للحجاوي (4/ 389 - 390).
وفي حديث أبي هريرة مرفوعًا: "من ولي القضاء، أو جُعل قاضيًا بين الناس، فقد ذُبح بغير سكين" رواه أبو داود، والترمذي، واللفظ له، وقال: حسن غريب، وابن ماجه، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد (1).
قال الحافظ المنذري: ومعنى قوله: "ذُبح بغير سكين": أن الذبح بالسكين يحصل به إراحةُ الذبيحة بتعجيل إزهاق روحها، فإذا ذُبحت بغير سكين، كان فيه تعذيب لها.
وقال الخطابي: لما كان في ظاهر العرف وغالب العادة الذبحُ بالسكين، عدلَ صلى الله عليه وسلم عن ظاهر العرف والعادة إلى غير ذلك؛ ليعلم أن مراده عليه الصلاة والسلام بهذا القول ما يخاف عليه من هلاك دينه دون هلاك بدنه (2).
وفي "مسند الإمام أحمد"، و"صحيح ابن حبان" من حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليأتينَّ على القاضي العدلِ يوم القيامة ساعة يتمنى أنه لم يقضِ بين اثنين في تمرة قط"، ولفظ ابن حبان:"في عمره" بدل "تمرة"(3)، والله تعالى أعلم.
وذكر الحافظ -رحمه الله تعالى- في هذا الباب ستة أحاديث:
(1) رواه أبو داود (3571 - 3572)، كتاب: الأقضية، باب: في طلب القضاء، والترمذي (1325)، كتاب: الأحكام، باب: ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في القاضي، وابن ماجه (2308)، كتاب: الأحكام، باب: ذكر القضاة، والحاكم في "المستدرك"(7018).
(2)
انظر: "الترغيب والترهيب" للمنذري (3/ 111)، عقب حديث (3282).
(3)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(6/ 75)، وابن حبان في "صحيحه"(5055)، وانظر:"الترغيب والترهيب" للمنذري (3/ 112)، عقب حديث (3285).